أبو مازن حمارنا يا شباب، رباعيّ الدفع و لكنه يسير ببطء شديد، قد اِبتاعه صاحبه من سوق موازية وراح يتباهى به امام المارّة، فطوْرا يركبه وطوْرا يقف بجانبه داعيا المتطفلين لركوبه. لقد اغتاظ صاحب الحمار يوم رأى شباب القرية يركبون الخيل فيحملهم في دقائق معدودة حيث يريدون وينجزون أغراضهم في برهة من الزمن، فقرّر في يوم قارس البرد و متلبد السحب ربط وثاق الحصان واستبداله بحماره الجديد العليل. حمارنا لا يحسن غير النهيق العالي و المتعالي، يصدره كلما أومأ له صاحب الحمار وقد يطرح راكبه أرضا ثم يرفسه بحافريه ان أراد أن يفتك به. لقد عُلّق منذ فترة شرّ تعليق فمُنع عنه الكلأ والبرسيم، و حُرم من الماء فهزُل و صارت حالته لا ترضي الركاب فهجروه. حينها أطرق صاحب الحمار فحدق في الافق و استجار بأمهر البياطرة، فأشاروا عليه بتفادي ركوب الحمقى والمغفلين، فهم الأخطر على انفسهم و على الحمار. سُرّ صاحب الحمار بالفكرة الرائعة وانبرى يعشعش الحمار المضرب عن الطعام بعد أن فكّ تعليقه و قدّ من حالته. تبختر يومها الحمار و نهق نهيق الزور قائلا : لله درّك من صاحبٍ، تبدو كالسادة البياطرة العارفين بحالي رغم أنّ قدماك لم تطأ مدرسة ولا معهدا، و لكن لا يهمّ أنت سيدي مؤتمن عليّ و لا أعصي لك أمرا، مُرْني أطيعك. جال الحمار وسط الزّقاق و الركّاب ينتظرون خدماته الجليلة بعد ان أضناهم التعب وأرهقتهم الحاجة اليه. كانوا لا يتورعون في ذكر خصال الحصان و ما لمسوه من سرعة و نبل و حسن صهيل، ولكنهم يخفون أحاسيسهم تلك خشية من غضب صاحب الحمار الذي بات يتوعدهم و يهددهم بالشتاء الساخن. ولما امتطى راكب الحمار ظهره و سعد الجميع بنقص الهرج و دنوّ الفرج، قدم ابن عاقّ و مغرور لصاحب الحمار فشتم هذا و سبّ ذاك ثم توجّه الى راكب الحمار فجذبه الى الاسفل فلم يفلح. لكن الابن العاقّ لم يعد عن غيّه وسارع الى مؤخّرة الحمار وأمسك بذليه ثم جذبه اليه، حينها توقف الحمار و صمت صاحبه ولم ينبس ببنت شفة. هذا ابنه الاحمق يعطّل الحمار و لا يدعه ينقل المارّة، أينهره أم يسترضيه فيترك الحمار والركاب وينشغل بصبيانياته ؟ أطرق صاحب الحمار لساعات ثم جمع الناس في غسق الليل و قال: هناك من يعطل سير الحمار و انني لمتوعّده بالقسوة و الجبروت حتى ينصرف عن ذلك، و لكم أيام عشرة تتدارسون فيها أمركم وتحسمون فيها شأنكم، فان أبيتم فسأصيّر حماري هذا نقانق و شرائح لابني العزيز.