أبو مازن مرحى للاتحاد لمّا شيد مبناه، فعمّت الفرحة وحمدنا الاه، و تبختر مكتبه التنفيذي مدشّنا ما حواه، مكاتب و قاعات فسيحة للزوالي الأوّاه، و مواقف للسيارات الفخمة والرّفاه. هنيئا لاتحادنا "القوي" بهذا الإحراز، وقد جمع ملاليمنا و صنع هذا الاعجاز، صرْح ممرّد ساهم فيه العامل و التاجر والخباز. ترى أتعافت تونس من الفقر والبطالة والقمّل والكزاز؟ فرصدتم هذه الاموال لذاك الانجاز، أم نالتكم هدايا و وعطاءات "عهد التغيير و الامتياز"؟ و حتى لا نظلم الثورة فنشتمها لما حصل، فمقر الاتحاد الجديد مبرمج منذ أجل، قد انطلق التشييد قبل سنتين من فرار المخلوع، و لم يتوقف لمّا حكمنا الكوع والبوع. و تراخوا في البناء أيام حكم الثلاثة، حتى استقالوا فكانت اسرارا مباثة، هلمّوا لأقوى قوة في البلاد، فاندبوا حظ النجار والبنّاء والحداد. قد ساندوا اضراباتكم و باتوا في شظف، و لم تتركوا لهم مالا ولا خلف، فها هو المحتاج كعادته يتضجّر، ويأويه سقف بيت يقطر، و هاهو العاطل يترنح في المقاهي، يتقلب بين النائم والساهي، و يمنّي النفس بالشغل والعمل، فوراءه اتحاد قوي بطل. لكن اتحادهم حلم بالبنيان كما فعل التجمع، فنأي الى ركن يلملم المال و يجمع، و لا يتعظ بمن علا ثم انحل، فناله الجذام و الجرب و السل. وخبّرني عمّن حضر الافتتاح، نديم وصديق و ابن عم و صاح، نقابيون و نقابيات بالوان اليسار، واستثنيت الشرعية يا أهل العمار، فلا مجلس تأسيسي و لا حكومة، و لا رئيس دولة و كبير حومة، و لا شباب ثورة عانى الويلات، بل وجوه مألوفة استيقظت من السبات. فهل الاتحاد رهن بيد هؤلاء ؟ ام لكل التونسيين حصن ودرع من البلاء، أسسه حشاد البطل الشهيد، وسقت شجرته دماء تدفقت من الوريد. و سعى لتقويته شيخنا الجليل بن عاشور، فأربك المستعمر الذي تنحى في فتور. وساهم في بناء الدولة الحديثة، وكان عونا للوطنيين بخطى حثيثة، و صدّ يوما طغيان السلطة، فأنهك المستبد وجعله في ورطة، ثم انقلب من شاء أن ينقلب، فاستمال قيادة اتحادنا بالجود والطرب. فانصرف عن مناصرة الضعفاء وهب الى اصطياد الشرفاء، فأضحى مكتبهم وكرا للمكائد، تجمعهم الكؤوس والموائد. دموعي على بناء قد اكتمل، لو عاش حشاد ما تراه بهذا المال فعل.