بقلم أبو محمد سفيان كلنا يتذكّر الحملة التي دعت لها بعض منظمات المجتمع المدني بخصوص تصريح أعضاء الحكومة بممتلكاتهم عند تسلّمهم حقائبهم الوزارية، وقد أفضى هذا الحراك المدني إلى نتائج محمودة علاوة على تجاوب شعبي كبير، و في هذا الإطار و متابعة لهذا الضّغط المدني المطلوب والذي سيفضي بالضرورة لإرساء مفاهيم الشفافية السياسية، ومن باب الوقاية من مخاطر التوأمة بين المال الفاسد والسّلطة، إنطلقت منذ أسبوع حملة "ما تترشح كان ما تكون نظيف" في تزامن مقصود مع شروع المجلس الوطني التأسيسي في مناقشة فصول القانون الانتخابي وهو النّواة التي ستبنى عليها كل المنظومة السياسية و يجب أن تتّسم بالصلابة كي يكون كل البناء صلبا. تتمحور الحملة حول تركيز شرطين متلازمين يجب أن يتوفرا في كلّ مترشح، هما: - الشرط الأول: التصريح بالممتلكات قبل دخول المنافسة الانتخابية وهو ما سيعيق و لو نسبيّا رؤوس الأموال المشبوهة من اقتحام المجال السياسي، أمّا تحققّه - أي ترشحهم للإنتخبات - فسيفتح الأبواب لمزيد من الفساد المالي والسياسي، و سيُنتِجُ بالضرورة طرابلسيّة جدد لكن بمسمّياتٍ أخرى. - الشرط الثاني: الاستظهار من وزارة المالية والصناديق الاجتماعية بوثائق تثبت خلاص كل الأداءات المستوجبة كل المعاملات مع مصالح الدولة تستوجب أن يكون الفرد قد استوفى شرط أداء مستحقات الدولة الجبائية، نفس الشرط إلزاميٌّ على كلّ من يدخل في مناقصة عموميّة، كذلك في كلّ إنتقال للملكيّة بين الأفراد، لذلك ومن باب أوْلى أن ينطبق هذا الشرط على من يُزمِع أن ينوب الشعب التونسي في موقع السلطة التشريعية والذي من الممكن أن يمرّ عبرها إلى موقع من مواقع السلطة التنفيذية، و للتّدقيق، لا يكون الاستظهار على ذاته الماديّة فقط، بل أيضا على الذوات المعنويّة( الشركات ) التي يمتلك فيها أغلبية رأس المال. هدف هذين الشّرطين هو سدّ الطريق - ولو جزئيا- على العديد ممن ينوون الدّخول للسياسة لتكون تحصينا لهم أمام كل محاسبة، من منظور تقني، يسهل على الهيأة العليا المستقلة للانتخابات التثبت من المعلومات التي سيقدمها المترشح بالتواصل مع وزارة المالية. رَجْعُ صدى هذه الحملة لدى عديدٍ من الفاعلين في المجتمع المدني كانت مشجّعة و أيّدوا أهدافها، نذكر منهم السيّد قيس سعيّد أستاذ القانون الدستوري الذي إعتبرها خطوة ضروريّة للتّضييق على وُلُوج المال الفاسد للسياسة رغم أنّ الحل الأمثل حسب رأيه هو إيجاد صيغة إنتخابية أكثر تعبيرا عن إرادة الشعب التونسي غير نظام القوائم التي يخدم الأحزاب لا المواطن، أيضا السيد نور الدين العلوي أستاذ علم الإجتماع شجع هذه البادرة و شدّد على أنّ المسؤول البرلماني يجب أن يكون شريفٌا نظيف اليد لكي يُمنح ثقة ناخبيه و من باب أنّ قاعدة المسؤولية الأخلاقيّة هي الأمانة فالأَوْلَى أن تكون قاعدةً للمسؤوليّة السياسيّة، كما تبنّى الحملة السيد عبد الواحد طراد رئيس جمعيّة الشفافيّة و أدرجها ضمن تحرّكات جمعيّته في المجلس التّأسيسي . إن من يقرأ مشروع القانون الانتخابي الحالي، يصدمه عدم وجود أي إشارة للشفافية، وهو ما سيفتح الباب على مصرعين، من جهة لشبهة دخول الفساد المالي والسياسي لكل مناصب الدولة، ومن جهة أخرى للتأويلات والشبهات على كل من يخوض غمار العمل السياسي وإن كان نظيف اليد، وهي ورقة يمكن أن يستغلها خصومه السياسيين، لذلك فإن وجود ثغرة كهذه ستعرّض المسار السياسي في تونس لمخاطر كثيرة يمكن أن تعيدنا إلى الوراء. هذه الحملة هي لبنة يجب أن تتدعّم بلبنات أخرى لكي نبني صرح الدولة الديمقراطية التي تتهدّده أخطار الهدم من كل جانب.