محمد خليل قموار خلنا الأمر في أوله حالة شاذة و سوء تقدير ثم تتالت الحالات و تعددت واستشرت الظاهرة في مختلف وسائل الإعلام المرئي و المسموع و المكتوبة لتزيد الوضع الفوضوي بطبعه ارتباكا و احتقانا , إعلاميين ذوي خبرة يسقطون في فخ السبق و الإثارة ليتورطوا في تقديم مضامين مزيفة و مزورة و آخرين يطلقون العنان لمنتحلي صفات و مسؤوليات ليتحدثوا في الشأن العام و الخاص نيابة عن هياكل و مؤسسات لا يمتون لها بأي صلة تعددت المظاهر و النتيجة واحدة مغالطة المشاهد و المستمع و القارئ واستغلال ثقته في إعلام ما بعد الثورة للتأثير فيه و توجيهه أو لغايات أخرى لا يعلمها إلا أصحاب المغالطات أنفسهم , سنستعرض ثلاث حالات اختلفت خطورتها و مدى انعكاساتها لكنها تؤكد جميعها أن آليات العمل الصحفي لا تزال مفقودة عند عدد كبير ممن يزاولون مهنة الصحافة و الإعلام وهو ما يجعلهم فريسه سهلة للخطأ وللمغالطة. تقرير تهريب السلاح في برنامج "التاسعة" المدون سفيان الشورابي ظهر في برنامج التاسعة مساء ليتحدث عن تحقيق مصور استقصائي أشرف عليه وثق فيه لوقائع عملية تهريب بضائع و أسلحة حقيقية عبر الحدود التونسية الجزائرية ليظهر فيما بعد مخرج الشريط الحقيقي السيد منذر بن براهيم ليؤكد أن الوثائقي هو عملية تمثيل واقع (docufiction) لسيناريو فلم حول تهريب السلاح تم الاتفاق عليه مسبقا مع صاحب المقترح السيد الشورابيالذي نفى بدوره رواية السيد منذر بن براهيم متهما إياه بمحاولة التملص من مسؤولية المساعدة على إنجاز التحقيق الذي يتمسك السيد الشورابي بأنه استقصائي واقعي و ليس تمثيل , جدير التذكير بأن الأمر لا يزال تحت أنظار القضاء . مغامرات أبو قصي في " لاباس" أبو قصي وإسمه الحقيقي أيمن مطاوع أصيل ولاية القيروان ظهر الأسبوع الماضي في برنامج "لاباس" ملثما ليسرد وقائع رحلته المزعومة إلى سوريا ومشاركته في الحرب القائمة هناك و ليتناول جملة من المواضيع و التفاصيل المتعلقة بكيفية التجنيد و السفر و اجتياز الحدود و المعارك و القتل و التعذيب و التنكيل بالمدنيين والعسكريين و جهاد النكاح و التمويل الخارجي والصراعات السياسية الداخلية و الخارجية بعد 24 ساعة من بث الحلقة يتم استدعاء نوفل الورتاني للإدلاء بأقواله في الموضوع و يبدو كذلك للإرشاد على هوية أبو قصي الذي تم إلقاء القبض عليه فيما بعد ليتبين أن الأمر برمته أي الشهادة المقدمة في برنامج "لاباس" و حيثياتها من اختلاق أبو قصي الذي لم يغادر تونس طيلة حياته وأن كل التفاصيل التي سردها كانت خلاصة اطلاعه المستمر على النشرات الإخبارية و مواقع الإنترنت , أبو قصي سبق و أن أدلى بتصريحات مماثلة لصحفية بجريدة الصريح وهو ما لفت انتباه صحفية قناة التونسية التي نسقت الأمر مع صحفية الصريح ليتم الاتصال بالمجاهد المزعوم الذي لبى الطلب و حضر البرنامج ليؤدي شهادته التي أقامت الدنيا شرقها وغربها و لازالت , المعطيات الأولية تفيد أيضا بوضعية اجتماعية و نفسية صعبة للسيد مطاوع الذي هو رهن التحقيق حاليا . كاتب إدارة ينتحل صفة مخرج و صفة مسؤول نقابي الحالة الثالثة و الأخيرة وهي أقل خطورة و تأثيرا و لكنها تبرز أيضا التهاون والإخلال في العمل بالضوابط المهنية و تتمثل في نشر جريدة الصباح بتاريخ 16 مارس لمعطيات و تصريحات للسيد شكري بن مبروك الذي قدمه المقال في صفة مخرج ومسؤول نقابي يعمل بالتلفزة التونسية و الحقيقة غيرذلك تماما حيث أنه موظف رتبته الإدارية كاتب إدارة عمل طيلة السنين الماضية كمساعد إنتاج ثم مكلف بتنفيذ إنتاج عدد من المنوعات والبرامج لفائدة التلفزة التونسية و كذلك مدير إنتاج منفذ لبرامج اقتنتها التلفزة التونسية في العهد السابق من شركة إنتاج يملكها عماد الطرابلسي (إشهار في النهار, كاريكاتورز) وهو ما جعله يختفى في الأشهر الأولى الموالية للثورة ليعود منذ سنة قبيل شهر رمضان ليكلف بحصة طبخ و في الأيام الأخيرة عاد ليقدم مشاريع للبرمجة الرمضانية وبتفحص المعطيات المدلاة من طرفه في المقال المذكور أعلاه حول الوضع بالتلفزة الوطنية و البرمجة الرمضانية و التحري عنها تبين زيف البعض منها و خاصة تلك المتعلقة بإسناد مشاريع تلفزية للتنفيذ و منها إدعائه الموافقة على مشروعه الخاص به ( مهمة خاصة) بالإضافة لتقديم نفسه بصفات مهنية و نقابية مزيفة كمخرج و كممثل عن الاتحاد العام التونسي للشغل , علما و أننا باتصالنا بالكاتب العام لنقابة التلفزة السيد ياسين البحري نفى تماما انتماء السيد بن مبروك لأي نقابة أساسية بالتلفزة التونسية أو انتمائه لسلك الإخراج بالمؤسسة كما أبدى استغرابه الشديد من عدم تحري جريدة الصباح للأمر خاصة و أن الصحفية المعنية معروفة بخبرتها و حرفيتها. Capture écran Assabah الخلاصة إذن تنوعت مظاهر الأخطاء و المغالطات و الفبركة و التحريف و التزوير وانتحال الصفة و اختلفت درجة تأثيرها و انعكاسها و لئن صعب إدراك مدى توفر حسن النية من سوئه في وقوع الخطأ و التجاوز فإن الإجماع حاصل على عدم التزام هذه الأعمال الصحفية بالضوابط المهنية المتعارف عليها في تنفيذ و إنجاز الحوارات و التحقيقات و خاصة تحري المعطيات و المعلومات قبل النشر و البث , ليبقى في الأخير السؤال الذي اتخذناه عنوانا قائما : من يوقف هذا النزيف؟؟