بقلم: شكري بن عيسى (*) الحقيقة، كل تحرك وحتى كل حركة تهدف لإسناد المقاومة الفلسطينية أو التضامن معها، في هذه اللحظات الدقيقة التي يتعرض فيها الوجود الفلسطيني لاشنع عدوان صهيوني بمشاركة دولية، هو محمود، خاصة الحركات التلقائية مهما كانت بساطتها وبدائيتها، فالرمزية هنا أعلى بكثير وهي بالنتيجة تتراكم في الزمان والمكان بين البلدان العربية وحتى عالميا، اما ان تصبح مجرد تحركات استعراضية إشهارية متناقضة في جزء ولا تقود لمخارج عملية فعالة خاصة من القوى السياسية والنقابية التي كانت متقدمة وطلائعية في عهد الاستبداد، فهذا ما لا يمكن الرضى عليه وحتى القبول به. تأخرت اغلب البيانات الحزبية والنقابية، وكانت اقل من المطلوب خاصة في ما هو مطلوب منها تقديمه فعليا من دعم لغزة في مقاومة الآلة الصهيونية الوحشية، ولم تأت التحركات الميدانية الا بعد وقت طويل، يوم الجمعة، لما كان الأصل ان تكون آلية ومنذ اللحظات الاولى، من قوى لطالما رفعت شعارات القضية الفلسطينية وتغنت بها طويلا بل اغلبها بنت على عنوانها برامجها. ما يمكن قوله من خلال هذا العدوان الآثم، هو نحت ملحمة جديدة تسجل في تاريخ القضية الفلسطينية من المقاومة الباسلة، عبر تحقيق ضربات موجعة، في عمق الكيان الصهيوني، سواء من خلال عمليات نوعية على غرار اقتحام القاعدة البحرية "زكيم" أو تفجير نفق معبر كرم أبو سالم أو من خلال نوعية ومدى الصواريخ الجديدة التي ضربت في عمق تل ابيب ودكت مطار بن غوريون، والتي تعرفنا على اسمائها واغلبها تصنيع محلي، "فجر 5" و"البراق" و"ام 75" و"R160" و"M-320"، ووصلت الى حيفا والغلاف الاستيطاني حول القدسالمحتلة، ولم تقدر القبة الحديدية الا على صد جزء فقط منها، وأحدثت رعبا وذعرا عاليا داخل الكيان الصهيوني المحتل، والملاجىء كانت شغالة وصفارات الإنذار عالية الصوت، بعد حالة الهدوء والسكينة التي طالت نوعا ما بعد الهدنة الحاصلة منذ 2012. كما ان العدوان أفشل اول أهدافه المباشرة من خلال تماسك الوحدة الفلسطينية ليس بين الفصائل فقط ولكن بين الضفة وغزة، واخفق صاغرا في ضربها وتفكيكها، وأثبت انه كيان بربري دموي وان المفاوضات هي مسار استسلامي عبثي لا جدوى منها فضلا عن ضربها اصل الحق الفلسطيني، الذي فرط فيه عباس وزمرته الفاسدة. وزيادة على ذلك فلقد فضح هذا العدوان النفاق العربي الرسمي والحزبي. الشعب الفلسطيني في غزة الذي اثبت صمودا أسطوريا في عدوان"الرصاص المسكوب" 2008-2009 وفي عدوان "عمود السحاب" 2012 ، ولم يطلب إيقاف النار ولم يطلب الهدنة، وفي كل مرة يمضي الهدنة بشروطه هو في الحقيقة في غنى عن الجميع ولا يتوقع احد ان يهزم، ومعنوياته مرتفعة، وهذا قدره وهو شرف الأمة، وهو لا ينتظر من الجامعة العربية شيئا ولا من اجتماع وزراء الخارجية المنتظر بتونس شيئا، وحسبه الهدية الكبرى بتبرع لاعبي المنتخب الجزائري البطل بمكافآتهم المالية (9 ملايين يورو) لغزة. "داعش" الاستعراضات كانت اول الساقطين، والكل وقف عن مفارقات مواقفها، التي أثبتت المقاومة بعدها عن جوهر الصراع العربي الصهيوني، مثلها مثل الأنظمة الخليجية التي لطالما تاجرت بالقضية ولم نرها سوى في إرسال أموال الإذلال، اما مصر فكانت حقيقة رمزا للخزي والعار في تاريخ هذا الصراع، وما كان سابقا يحاك ضد المقاومة في السر صار اليوم في العلن. مصر السيسي بعثت بمدير المخابرات العامة المصرية اللواء محمد فريد التهامي قبل العدوان الصهيوني بيوم الى تل أبيب في زيارة تحدث عنها راديو جيش المحتل ولم ينفها نظام السيسي الذي علم من خلالها بتاريخ العدوان الغاشم وأهدافه ويبدو انه باركها واستحسنها، وهو الذي ساوى بين الجلاد والضحية من خلال بيان الناطق باسم الخارجية المصرية الذي دعا الى وقف "العنف المتبادل"، وساهم بفعالية عالية في سد المنافذ وتدمير كل الانفاق وحتى المعبر الوحيد الذي تم فتحه للحالات الإنسانية المستعجلة واخلاء المصابين فلقد تم غلقه في اقل من 24 ساعة، بغتة ودون سابق اعلام، ولا غرابة فكثير من وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية المصرية أظهرت شماتة خاصة بأهل غزة وحماس خصوصا بلغت درجة تأييد العدوان للبعض شاكرين لنتنياهو فعله!! الدماء العزيزة التي سقطت على ايدي العدو الصهيوني وفاقت الى حد اللحظة المائة شهيد واكثر من 700 جريح لم تمنع حضور القيادات الحزبية التونسية الدعوات للعشاء من شركاء العدوان الامريكان، ولم تكن اليوم مسيرة النهضة التي انطلقت بعد صلاة الجمعة سوى استعراضية ولم تدم سوى نصف ساعة في شارع بورقيبة حضرت فيها بعض القيادات الاولى التي القت الخطب وقدمت التصاريح الإعلامية وسجلت بعض الصور التذكارية، ثم انسحبت مسرعة، دون المضي في خيارات عملية لرفع الحشد وإعلان النفير من اجل تعبئة الجماهير ميدانيا، والانطلاق في جمع المساعدات المختلفة وتنظيم المهرجانات الداعمة، وبرمجة الوقفات الاحتجاجية الصاخبة أمام سفارتي الولاياتالمتحدةوفرنسا ومكتب الاممالمتحدة الذين شاركوا ودعموا العدوان عى جميع المستويات، ولم نسمع شيئا عن مقاطعة احتفال السفارة الفرنسة بعد يومين على خلفية الدعم المطلق الذي اعطاه هولوند لنتياهو لكل ما فعله ولكل ما سيفعله فيما اسماه "حماية شعبه"، وكأنه أريد للمسيرة ان تكون سياحية لا غير. اما اتحاد الشغل فلم يكن تجمعه بمشاركة الجبهة الشعبية والتحالف الديمقراطي ارفع سقفا، واكتفى ببعض الحركات الاعتيادية الفولكلورية، كما لم تخلوا التحركات من شتم النهضة. بقية الأحزاب على غرار النداء والسي بي آر ووفاء والتيار الديمقراطي وتيار المحبة والتكتل والمسار فيبدو أنها غير معنية، أو غير قادرة اصلا على الحشد، في حين اكتفى الجمهوري وحركة الشعب بوقفة موازية لوقفة النهضة، رفعت شعارات تفعيل المساندة ولا ندري حقاً الى أي مدى توجد الإرادة والى مدى تملك القدرة للتقدم اكثر في الصدد!؟ سيظل في كل الحالات موقف نقابة الصحفيين المقاطع لاحتفال السفارة الفرنسية موقفا نوعيا متقدما، سيضع الطبقة السياسية والثقافية والمالية، في حرج عالي، وسيمثل "صفعة" قوية لفرنسا، ستكون تداعياتها عالية السلبية، ولا ندري مدى التزام الصحفيين بها، وننتظر من "توابع" فرنسا ووكلائها الرسميين ارتفاع اصواتهم وادانة هذا القرار المشرف الذي ستعتبره الجوقة "وقح" و"غير لائق"، والى ما هنالك من توصيفات في إطار وظيفتها "الطبيعية" في الدفاع عن صاحب الفضل!!