أبو مازن يقول المثل الشائع في ربوعنا التونسية الأصيلة: أصحاب السعود تحطبّ لها الرياح، مثل جلي يغني عن التعليق فيما يخصّ التعاطي الاعلامي مع البرد القارس والثلوج المتساقطة على مرتفعات الشمال أيام الترويكا. كل متابع لإعلامنا ‘‘المحايد جدا‘‘ والمنتصر ‘‘للثورة‘‘ عاين كيف تعامل الاعلام مع حدث كهذا وكيف واكب واقعا مريرا اكتشفه معظمنا بعد سنين التطبيل والتمويه التي راجت فيها الأنباء السارة والفرحة الشعبية ولكننا وجدنا ابان الثورة وضعا تصله مباشرة بحقبة مغادرة فرنسا للأراضي التونسية أيام الاستقلال والجلاء. لقد تابعنا أيامها باهتمام سرعة تساقط الثلوج فصرنا نحسب سنتيمترات الثلج السميكة التي تعيق السير والتنقل طوال الساعات و صرنا نتلهف عن امدادت الغاز والمحروقات ان وصلت الى جبال عين دراهم والمرتفعات المجاورة أم مازالت مناطق معزولة لا تجد دفئا تستأنس اليه في تلك الليالي الباردة. كانت معظم القنوات القديمة والجديدة متواجدة عبر مراسليها تحاور ذلك المواطن المسكين الذي يشكو البرد والزمهرير والسقم والجوع في آن واحد و تحاور ذلك الطفل الذي حرم من اللعب و من مزاولة التعليم و راح يبحث مع أبيه على أغصان يقتطعها ليوقد نارا تذهب لسويعات شدة البرد القارس. لقد سمعناهم ينتقدون وضعا عشّش لعقود في ديارهم فمنعهم الدفء والعيش الكريم، سمعناهم وهم يتندّرون ببرامج التنمية التي أخطأتهم ولصندوق التضامن الموصد أمام طلباتهم، لقد رووا حكايات وحكايات عززت أهداف الثورة وألهبت المشاعر نحو التغيير الحقيقي. يومها تضافرت الجهود جميعا لإنقاذ هؤلاء التوانسة المنسيين بالأمس واليوم وفي الغد على مراد الله. تحول عدد من الوزراء الجدد ونالتهم سياط الاعلام وسألتهم شتى الأسئلة و بحثت عن التعلات، كان ظرفا عصيبا على من تولى الحكم قبل أيام ولكنه صارح وحاول اسناد الجيش الباسل و مجهودات الأمن والحماية المدينة فانطلقت جحافل الجمعيات المدنية والخيرية بالمعونة والزيارة و شد الأزر. يومها أيضا امضيت عروض اقتناء كاسحات الثلوج و ممهدات الطرقات. ما أشبه اليوم بالأمس، يجتاح شمال البلاد الثلوج ولكن الاعلام عموما يبقى على مسافة من الخبر فيذكر ذلك الأمر لمجرد الذكر ولا ينقل مباشرة آلام المواطنين ومشاغلهم. هل تراهم سروا لنهاية المرحلة الانتقالية فأنستهم بردهم و الزمهرير الذي يدغدغ أطرافهم؟ هل تراهم وفوا الباس والغطاء والتسخين المركزي أيام الترويكا أم بقوا على خصاصتهم وفقرهم؟ تراهم هل أصابتهم الوعود الانتخابية التي اختتمت منذ أيام؟ لا هذا ولا هذا ولا ذاك، هو الاعلام الذي انصرف على ما يشغلهم و راح يفرح بالعام الجديد فينقل حفلات الرقص و الغناء فلعلهم يجدون فيها العزاء. هنيئا للسّلط التي زكتها الانتخابات فهي حتما محظوظة لمّا يخرس الاعلام عن نقل الواقع المرير للمواطن التونسي في الشمال والجنوب والوسط والساحل. هنيئا لمن أصبحت في عهده السماء زرقاء صافية في عز أيام الشتاء و تساقط الثلوج مدعاة لنشر سياحة التزلج في الشمال و انهيار الدينار مجرد ارتباط بهبوط اسعار النفط في الأسواق العالمية. ليعلم أهل السياسة أن نجاحهم في الانتخابات مرهون بنجاح وسائل الاعلام المتاحة اليهم من قريب أو من بعيد ان طبّلت اليهم و جلبت المشاهدين أو نعقت كالبوم فانصرف عنها الكبير والصغير الى جوقات البندير.