انقطاع للكهرباء لأربع ساعات و"القاز" وقوارير الغاز اختفت منذ يوم الاثنين الى صبيحة الثلاثاء لكن مع نهاية الاسبوع الماضي لاحت بشائر الخير بنزول كميات محدودة من الغيث النافع شملت تقريبا كل مناطق الجهة قبل أن تتحول خلال الليلة الفاصلة بين الأحد والاثنين الى عواصف ثلجية تواصلت في بعض المناطق من شمال الولاية على امتداد أربع وعشرين ساعة متتالية لتبلغ كميات الثلوج في جبل الشعانبي أكثر من 50 صنتيمترا مثلما أكده ل"الصباح" أعضاء من جمعية "اليقين " بالقصرين حين خرجوا في رحلة " سافاري " يوم الاثنين للتمتع بمناظر الثلوج... حيث ذكروا أنهم تولوا قياس سمك الثلوج بمرتفعات أعلى قمة في الجمهورية فوجدوها تجاوزت نصف المتر في حين بلغت درجة الحرارة 10 تحت الصفر وهو ما يؤكد أن " ثلجية " هذه السنة غير عادية بالمقارنة مع سابقاتها التي ألفها سكان الجهة.
.. في منظر بديع
وقد نزلت كميات محدودة جدا من الثلوج في بداية أمس الأول الاثنين بمدينة القصرين في شكل رذاذ ذائب لكن السهول والتلال والمرتفعات المحيطة بها مثل الشعانبي والسلوم وسمامة ومناطق الدغرة وبولعابة والمراونة وسيدي حراث غطتها الثلوج بصفة كاملة في منظر بديع شجع عديد العائلات على التحول إليها صحبة أطفالهم للاحتفال بالثلج وإلتقاط صور تذكارية في حين خيرت بعض المجموعات الشبابية الخروج في رحلات الى قمة الشعانبي والمحمية الوطنية لتخليد " الثلجية " بصور فوتوغرافية وتسجيلات فيديو.
أكبر كميات الثلج بعد مرتفعات الشعانبي سجلتها مدينة تالة والقرى القريبة منها حيث تواصل نزول الثلوج فيها الى الساعة الثامنة من مساء اول امس الاثنين وسط تخوفات الاهالي من تراكم الثلوج فوق اسطح المنازل وقد حاولنا بعد ظهر اول امس التحول الى المدينة الا انها عند وصولنا الى المفترق المؤدي الى فوسانة وجدنا الطريق مقطوعة بالثلوج ورغم تواجد آليات وزارة التجهيز ودوريات من الحرس والجيش الوطنيين والحماية المدنية لتقديم النجدة وارشاد أصحاب وسائل النقل الا اننا لم نتمكن من المرور بعد ان قيل لنا انه يستحيل علينا دخول تالة في ظل تواصل نزول الثلوج فلم يكن أمامنا الا اجراء اتصالات هاتفية ببعض متساكنيها للاطلاع على الوضع.
نداءات استغاثة
من المفارقات العجيبة أن أنبوب الغاز الذي يمر من الجزائر في اتجاه ايطاليا يعبر مدينة تالة التي تعاني من حين لآخر من شح قوارير الغاز والغاز المنزلي وفي هذا السياق أفادنا البعض من متساكني تالة الذين اتصلنا بهم ومنهم محمد الحمري (صاحب سيارة تاكسي) أن سمك الثلوج بلغ حوالي 40 صنتيمترا في الساعة السادسة من مساء الاثنين الماضي وأن المدينة شهدت انقطاع الكهرباء عنها من الساعة الثامنة الى قرابة منتصف النهار يومها وقوارير الغاز وبترول التدفئة " القاز" وعديد المواد الاساسية إختفت تماما نتيجة الاقبال الكبير عليها وعدم إمكانية تزويد المدينة بها لانقطاع حركة المرور في إتجاه تالة.. وأكد لنا ان كل القرى المحيطة بالمدينة بقيت معزولة تماما الى حد منتصف نهار أمس لأن المسالك المؤدية إليها تحولت الى برك من المياه والأوحال وأضاف السيد محمدالحميري أنه حاول أمس التحول الى قرية "عين العرعارة " لايصال مساعدات الى اقاربه هناك الا انه إضطر للعودة.. اما زكرياء سعيداوي (إطار بنكي) فقد ذكر أن تالة خالية تماما من وقود التدفئة وقوارير الغاز منذ بعد ظهر الاثنين وإلى غاية صباح أمس وان أهل المدينة طلبوا نجدتهم بالغاز لضمان اعداد طعام ابنائهم.. وفي بداية ليلة اول امس اتصل بنا عديد الاهالي ورجونا توجيه نداء استغاثة الى الحكومة ومختلف الاحزاب ومكونات المجتمع المدني لارسال المساعدات الى سكان المناطق الريفية المحيطة بتالة التي يعيش مواطنوها في ظروف صعبة جدا وابناؤهم اصبحوا مهددين بالموت من شدة البرد لان حالة الفقر التي يعانون منها لا تسمح لهم بمقاومة الثلوج بتدفئة متواصلة خاصة وان الحطب المستعمل عادة في التدفئة لم يعد قابلا للاشتعال بعد ان بللته الثلوج والامطار.. كما وجه العديد من ابناء تالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي نداءات استغاثة لنجدة أهالي المناطق الريفية.
خلية أزمة
دعت أول أمس الاثنين النائبة بالمجلس الوطني التأسيسي خيرة الصغيري ابنة تالة الى تكوين خلية أزمة لمواجهة تداعيات ومخلفات تهاطل الثلوج وانعقد للغرض اجتماع حضره بعض اعضاء النيابة الخصوصية للمجلس البلدي وممثلون عن الاتحاد المحلي للشغل وإدارة التجهيز ومندوبية التعليم وإدارة الفلاحة والامن والجيش الوطنيين وبعض الجمعيات تقرر خلاله تنسيق الجهود للتدخل لفك العزلة عن المدينة ومساعدة السكان على مواجهة البرد القارس ودعوة السلط المسؤولة لتزويد المدينة بالحاجيات الضرورية. وقد انفرجت الاوضاع في تالة صباح أمس رغم تواصل نزول الامطار من خلال وصول كميات من قوارير الغاز وللإطلاع أكثر على حالة التزود بالمدينة اتصلت "الصباح" بالمدير الجهوي للتجارة بالقصرين صالح عزوز فوجدناه في تالة وسألناه عن الحالة هناك فقال: "أنا الآن على عين المكان في تالة لمراقبة حالة التزود ومن خلال تجولي في المدينة فان كل شيء متوفر فيها فوقود التدفئة "القاز" موجود في محطات توزيع البنزين وقوارير الغاز وصلت منها هذا الصباح شاحنتان وهناك اثنتان قادمتان وكل المواد الغذائية الاساسية متوفرة بكميات كافية بما في ذلك الحليب ونحن نتابع الوضع ومستعدون للتدخل عند ملاحظة اي نقص" وحول نداءات الاستغاثة التي أطلقها الاهالي قال لنا المدير الجهوي للتجارة:" كلها تهويل للامور فالوضع عادي جدا وباستثناء انقطاع الكهرباء الى حد الساعة الحادية عشرة صباحا من يوم الاثنين الذي ادى الى توقف المخابز لفترة محدودة عن العمل فان كل شيء متوفر وحتى ان حصل نقص في قوارير الغاز فانه يعود الى تخوف سواق الشاحنات من الوصول للمدينة بفعل الثلوج المتراكمة في الطريق وكانت شاحنتان ستدخلان تالة مساء الاثنين الا انه تعذر عليهما ذلك فتأجل وصولهما الى صباح الامس".
انقطاع الدراسة
لم تتمكن اغلب المؤسسات التربوية على إمتداد يومين من العمل وانقطعت الدراسة في اغلبها ان لم نقل كلها سواء في تالة اوالمناطق الريفية القريبة منها لأن الطرقات مقطوعة بالثلوج والعائلات خيرت عدم إرسال أبنائها لمدارسهم ومعاهدهم خوفا عليهم من البرد القارس اما التلاميذ الذين يستقلون يوميا حافلات النقل المدرسي من قراهم البعيدة نحو المعاهد والاعدادية فانه تعذر عليهم الالتحاق بمؤسساتهم لغياب الحافلات بفعل كثرة الثلوج. وبفضل تدخل الحرس والجيش الوطنيين ورغم كثافة الثلوج وانعدام الرؤية تماما فانه لم تسجل في طرقات تالة اية حوادث باستثناء اصطدام وقع في وسط المدينة بين " لواج " وسيارة معدة للكراء خلف بعض الاضرار المادية في وسيلتي النقل. وفي المقابل فان حركة المرور داخل تالة على امتداد اليومين الماضيين كانت محدودة جدا لان اصحاب السيارات فضلوا عدم المجازفة بها خوفا من انزلاقها بفعل الثلوج بالطريق الرئيسي للمدينة الذي هو عبارة عن منحدر حاد يصعب على السواق التحكم في سياراتهم عند المرور عبره.
قرى معزولة بحيدرة
مدينة حيدرة الحدودية بدورها عرفت تساقط كميات من الثلوج تراوحت بين 7 و20صنتيمترا وأدت الى إنقطاع حركة المرور بين المدينة وعديد القرى مثل "المريرة " و"الاجرد " و" دوار الشوايبية " و" بوعنز" وقد اتصلت "الصباح" بأحد متساكني المنطقة وهو السيد صالح البولعابي (معلم) فقال:" الثلوج غطت كامل المدينة بما في ذلك المنطقة الاثرية بمدخل حيدرة والطقس بارد جدا والاهالي هنا متعودون على الثلوج لكن " ثلجية " هذه المرة بدت قاسية جدا وخاصة على المناطق الريفية الفقيرة التي تحتاج الى مساعدات عاجلة من ذلك ان عديد القرى ما تزال الى صباح الثلاثاء منعزلة تماما ولا يمكن الوصول اليها وخاصة القرية الجبلية " الاجرد " وكل المدارس الابتدائية في المنطقة تعطلت فيها الدراسة لاستحالة الوصول إليها سواء بالنسبة للمعلمين اوالتلاميذ ".
معتمدية العيون التي تقع في أقصى شمال ولاية القصرين نالت نصيبها من الثلوج التي غطت مرتفعاتها وغاباتها الكثيفة وحولتها الى ما يشبه مرتفعات جبال الالب باوربا في مشاهد خلابة لا يصدق من يشاهدها انها موجودة في تونس وفي مقابل الجمال الطبيعي بمناطق "عين السلسلة" و"البرك" و"القرين" فان سكان الجهة ذوي الامكانيات المادية الضعيفة عاشوا يومين من المعاناة وتحولت الطرقات الردئية بطبعها المؤدية اليها الى حفر وتجمعات للثلوج والمياه عزلتها عن بعضها البعض لعديد الساعات وقضى أهاليها ليلتين من اصعب ما مر بهم في حياتهم من شدة البرد والخوف من انهيار أسقف منازلهم التي اثقلتها الثلوج. ما تعيشه جهة القصرين وخاصة معتمديات تالة وفوسانة وحيدرة والعيون وحاسي الفريد وماجل بالعباس بمناطقها الريفية وتجمعاتها السكنية المتباعدة يحتاج الى حملة وطنية لتجميع المساعدات وخاصة الاغطية والملابس ووسائل التدفئة لتمكين سكانها الفقراء من مواجهة موجة البرد التي ليست مرتبطة فقط بنزول الثلوج وانما تمتد سنويا حوالي اربعة اشهربحكم موقعها الجغرافي المرتفع ومناخها القاسي.