قرأت كما كل المهاجرين ما طالبت به اللجنة المسماة بالمؤقتة للهجرة والتي يتمترس خلفها من يركبون عددا من الجياد والمنظمات بعد أن خانهم قطار السياسة. وأنا أطرح السؤال على الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة لحقوق الانسان وما يسمى بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية: من نصبكم كي تتكلموا باسمنا نحن المليون مهاجر؟ من أعطاكم حق النطق باسمنا؟ هل تعرفون قضايانا وحاجياتنا؟ هل لاقيتمونا واجتمعتم معنا حتى نتعرف على الأقل عليكم؟ من سلطكم علينا لتركبونا كما تركبون الآن الرابطة والاتحاد وغيره؟ إنكم تخطئون الراحلة إذ ظننتم أن المليون مهاجر يمكن أن يكونوا جسرا لإزعاج الترويكا وتحريك الجناح الخارجي للشعب التونسي. كمهاجر أيضا أقول إن تجاربنا المتراكمة مع أزلام بن علي ومع البجابجة والتجمعيين واحتكاكنا بأعرق الديمقراطيات في العالم والكم الهائل من التجربة التي تراكمت لدينا، تجعلنا مستعصين على "الاستخدام السياسي" وتجعل مهمتكم معنا "مستحيلة" . إن كنتم تريدون بالمطالب التي قدمتموها باسمنا ولأجلنا إحداث صدع داخل البناء الحكومي، فإننا نقول إنها كلمة حق أريد بها باطل، وأن لبيت المهاجرين رب يحميه ورجال يذودون عنه. فاقتصدوا في "نضالكم" هذه المرة وقد تجاوز الحدود التونسية وأصلحوا ذات كياناتكم المهترئة أصلا والتي نسيت المهمات النبيلة التي أنشئت من أجلها لتنخرط في العمل السياسي الخلفي، فأصبحتم كالخباز الذي يحاول جاهدا أن يصنع بابا أو كالنجار الذي يحاول أن يخبز خبزا، فلا الخبز أكلنا ولا الباب صنعتم. والغريب في حال هذه النخب التي قاربت على الافلاس وشارفت على الشيخوخة الفكرية أنها تقدم للشعب دائما كالمنقذ الخارق والأب الأكبر للجميع، وفي كبر واستعلاء حتى على من تتجرأ على النطق باسمهم، وهو سلوك سماه الشعب في حضرة ثورته "بالحقرة" التي ولى عهدها ولكنها تطل علينا اليوم ببرقع العفة النقابية والصلاح الحقوقي ناسية أن الشعب قد كسر التمائم وألغى الحجب وأصبح قادرا على فهم الأمور بالبديهة وهو لا يجتمع على ضلالة ولا يسكت على ضيم. أرجو أن تفهم هذه النخب "بالداخل" أن المهاجر قادر على التعبير عن نفسه، وإن كان ولا بد فليتكلم الاتحاد العام للشغل فقط عن "أعضائه من المهاجرين" أو فلتتكلم الرابطة عن أعضائها من المهاجرين وهنا لن أعلق. أما نحن فنستطيع التواصل مع من شاء ومتى شاء إن كان يعلم كيف يصل إلينا وكيف يخدم قضايانا وشؤوننا في المهجر. ولعلم القارئ حتى هذه الساعة، لا المجتمع المدني ولا الحكومة استطاعت أن تصل حتى إلى فهم حاجيات الجالية التونسية وهم أعجز بالبديهة عن توفير الحلول، ويبقى العمل الأول الذي يجب البدأ به هو ملاقاة الجالية وجمعياتها وإنشاء اللجان القانونية الخاصة لحصر الاتفاقيات التي يجب أن تبرم مع دول المهجر لضمان حقوق المهاجرين الاجتماعية والإنسانية. ولفعل هذا لا نحتاج إلى "وزارة" ليكون مربطا خاليا بل نحتاج إلى إدارة فاعلة تحت أي مسمى لانطلاق ذلك. فالهيئات والأشكال الادارية لا تزيد الادارة إلا ثقلا وبيوقراطية ولا تزيد كاهل الدولة إلا ثقلا إضافيا تحت مسمى المصاريف وعوض الذهاب إلى الهدف من أقصر طريق: نشعب الطرق الجانبية ونزيد من تعقيدات الادارة لجعل المسالك أكثر وعورة. ومن يطالب بهيئات ووزارات جديدة، إنما يبحث لنفسه عن موطئ قدم "سياسي" جديد ليمارس من خلاله أحلامه المتهالكة وهيهات أن يكون المهاجر التونسي "عتبة شر" لشعبه.