* الحجاب، تربية الأطفال واعتناق الإسلام من أهم التحديات التي تواجهها...
المرأة المسلمة في الغرب، نموذج له من الخصوصية ما يجاوز فضاء تداركه، أو يكفي لشرحه واستيفاء نقاطه، وإن محاولة إسقاط الضوء عليه من جانبنا ، أو وضع هذا الكائن على منصة تشريح ضمن العوامل البيئية والجو المحيط بها، يقودنا إلى تحليل على قدر كبير من التعقيد سواء على صعيد دراسة مشاكلها أو تجربة التوصل إلى حلول تفي بأقل قدر من توفير السبل الكفيلة لضمان بقاء هذا الأصل وسط المجتمع الكائنة فيه. وبتعبير أصح كلما زاد مستوى تعمقنا في هذه المعضلة زاد وعينا بحجم الموضوع المطروح وتكاثر الخيوط المتشابكة فيه، والتي تجعل مسألة فضها أمرا يزداد بدوره تعقيدا. وأوروبا التي تمثل جزءا من المجتمع الغربي، عرفت الإسلام مع بداية فتوحات المسلمين الأوائل، واحتكت معهم على طول البحر الأبيض المتوسط، في معاقل مثلت اللبنة الأولى لمجتمع إسلامي أوروبي من مثل قبرص وصقلية ومالطا والأندلس، بيد أن تشكل ما يمكن تسميته بالجالية الإسلامية في أوروبا تعود إلى مائة عام، واستمر تناميها حتى وصل أوج تكونها مع سبعينات القرن الماضي ، وأصبحت الجالية الإسلامية حقيقة لا يمكن إخفائها أو التعامل على أساس عدم وجودها والتقليل من شأنها. فبات عدد سكان القارة الأوروبية ممن يعتنقون الديانة الإسلامية يفوق الستين مليون نسمة، وفي تقديرات أخرى لا يقل عن الأربعين مليون، والرقم غير دقيق نسبيا لعدم وجود إحصائيات محددة تراعي الديانة في المقام الأول. بين هؤلاء المسلمين توجد المرأة المسلمة، التي إذا أردنا إنصافا لوجه الله تعالى، ما بالغنا إذ نقول أنها تمثل الضلع الأهم والركيزة الأساسية في صرح المجتمع الإسلامي ولا سيما الأوروبي منه، حيث تلعب دورا يفوق أضعافا ما يمكن أن تلعبه المرأة المسلمة في العالم الإسلامي كذلك تواجه صعوبات لتنوء بها أكتاف الرجال. وبغض النظر عن وجه المقارنة ومهما كانت حالة المرأة الاجتماعية والميدانية، فهن جميعا يقتسمن خندق جهاد معنوي ودنيوي، وهن مؤمنات بقوله عز وجل "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون". أولى الفتن التي تواجه نساء أوروبا المسلمات، هي مسألة الحجاب التي باتت هاجسا لدى كثير من المؤمنات، منهن من حرمت منه بأمر القانون، ومنهن من ضاق عليها المجتمع صدره فأبى إلا يلفظها أو تلفظ هي حجابها، وأخريات يعشن على أعصابهن خوفا من أن يسن قانون غدا يمنع حجاب المسلمة أسوة بدول أخرى في القارة الأوروبية. والحقيقة أن الحجاب، كان "مسمار جحا" الأوروبي في مناهضة العنصرية والاضطهاد والأبواق المنادية بتحرير المرأة، ولكن أي وقفة صادقة لشخص عاقل، سرعان ما تكشف له بهتان تلك القضية جملة وتفصيلا ، فالدول الأوروبية بديمقراطيتها لا تمنح أدنى مستويات الديمقراطية والمتمثلة في حرية المرء في اختيار ملبسه ، بزعم أن ذلك فيه اضطهاد للمرأة ، والغريب أنّ أحدا لم يسألها عن رأيها في هذه المسألة تحديدا. ورغم العرف السائد في دول الاتحاد الأوروبي ، ولجؤها إلى استفتاء جماهيري في كثير من القوانين الداخلية لبلادها ، لقياس رغبة الشارع حول الأمر المراد تشريعه، لم تسأل المسلمة في أوروبا عن رأيها حول غطاء رأسها، من جانب آخر وبأبجديات قانونية بسيطة، لا توجد قضية من غير مدعي أو مجني عليه، فخلقت الدول مجني عليه وهمي، وراحت تدافع عنه، بتجريده من حق شرعي وأمر رضيت به المسلمة تطبيقا لعقديتها الإسلامية. وإن كان المقياس هو العدل والمساواة بين الجنسين، فإن أقصى صورة للظلم، تلك يجدها الباحث في شؤون المرأة المسلمة في أوروبا . أذكر منها حالة لطبيبة مسلمة محجبة ، تخفي على العامة وظيفتها وإن أظهرتها تكتفي بذكر إنها طبيبة ولكن تخشى أن تقول أين تعمل أو ما اسمها، إنظروا إلى هذه الدرجة من الجور، هل منا من يعمل طبيبا ويخجل أن يقول إنه طبيب، أحسب أن من يزاول هذه المهنة الإنسانية يتفاخر دوما بها، ولكن هذه الأخت حرمت أن تفتخر بها خوفا من أن يعرف من لا تضمن نواياه ماذا تعمل أو أين تعمل، فيصل الأمر إلى الحكومة التي منعت الحجاب للعاملين في هذا المجال، وعلى الرغم من حجابها فقد تغاضت إدارة المستشفى عن حجابها نظرا إلى مهارتها في الطب، في الوقت ذاته أكدت عليها الإدارة أن تحاول تجنب وسائل الإعلام أو تفضي لمن تعرفه ومن لا تعرفه بمحل العمل، فيكون مصيرها الطرد!. وهناك ألوف الحالات المشابهة، منها من يرفض تعيينها بسبب الحجاب على الرغم من عدم وجود قانون لذلك، وأخرى يطلب منها خلعه إذ ما أرادت العمل، وبشكل عام وفي جميع دول أوروبا سواء كان الحجاب ممنوعا في البلد أم لا، فإن المسلمة في أوروبا عليها أن تظل في حالة جهاد نفسي على طول الخط، وأينما تواجدت بغطاء راسها ، عليها دوما أن تشرح الإسلام وتدافع عنه، وأن نستنكر الإرهاب وتبرء ساحة دينها منه ، كذلك الحرص على مراعاة أدق تصرف يصدر عنها، والذي يفسره العابر بأنه جزء من ثقافتها الإسلامية، وفوق كل ذلك تكفيها النظرة المتوجسة لكل من يقع بصره عليها، وللوهلة الأولى حين يراها لترادف صورة الحجاب مفردات كثيرة لا نهاية لها، تتفق كلها في رسم لوحة مشينة لشخص المرأة المسلمة . والحجاب ليس الهم الوحيد للمسلمة في أوروبا ، فكذلك يمثل حفاظها على دينها والتمسك به ، امتحان آخر لا يقل صعوبة عن الحجاب ، ويزداد الأمر سوءا إذا كانت هذه المسلمة أما ومربية ، حيث تشكل ذاتها المرجع العقائدي لأطفالها والمنهل الوحيد للدين ، في الوقت الذي تنعدم كل ثوابته خارج جدران البيت داخل المجتمع الأوروبي ، وهو ما يجعل الأم في صراع دائم مع ما يدور حولها من مستجدات شأنها أن توثر على ذريتها ، وتلعب هذه المخلوقة أدوار عديدة في شخصية واحدة ،ففي العالم الإسلامي مثلا ، يعيش الطفل داخل مجتمع ويستشعر دينه في المدرسة والحي والأصدقاء ،بينما يختزل كل ذلك في عنصر واحد هي الأم المسلمة في القارة الأوروبية. ومعضلة تنشئة الطفل داخل مجتمع أوروبي في إطار إسلامي ، عملية معقدة ومقلقة معا ، ناهيك على أمور أخرى مثل الحفاظ على لغته العربية أو وطنيته للبلد المنحدر منه والديه ، وجم أمور أخرى لا يمكن استهانة الكيفية التي تمكن أم من نجاحها في تجربة انصهار كل تلك البنود مجتمعة داخل شخصية طفلها دون أن يطغى عنصر منها على آخر.. موضوع المسلمة الأوروبية ، تحد آخر للمرأة، وأقصد بها من اعتنقت الإسلام حديثا ، واللاتي هداهن الله للإيمان فضحين بكل ما يملكن ، وعلى رأس ذلك أسرهن اللاتي رفضن احتضانهن بعد أن أشهرن إسلامهن ، فخسرت كل شيء من أجل دينهن ، والحق يقال أن المسلمة الأوروبية تصارع وحدها في الميدان ، وعلى جبهتين ، بين بلادها وأهلها ومجتمعها الذي يرفضها ويتنكر لها ، وبين دينها الإسلامي والمسلمين الذي لم يؤازروها ويقفوا إلى جانبها ، ولا أشك لحظة إننا محاسبون جميعا في ذنب هذه المرأة ، التي لم نلقي بالا لها ، و ندعمها معنويا وماديا ، حتى أن الكثيرات منهن يحتجن إلى أبسط الأشياء مثل كتاب تفسير القرآن الكريم مكتوب بلغتها. والحديث يطول ويصعب الإلمام بجميع جوانبه ، فهناك عشرات العثرات والمصاعب والمحن ، مازالت فيضا من غيض تحياه المرأة المسلمة في أوروبا بشكل يومي.