كم هي قصيرة ذاكرتنا، وكم هي قاصرة عقولنا، والمعذرة لدى الجميع. الثورة لم تطو عامها الثاني بعد، والعودة إلى الوراء أصبحت بابا من الأبواب المفتوحة ومن الممكنات. دماء سالت قريبا من حينا زمانا ومكانا، وجروح لم تندمل بعد، وعذابات البعض من أهلنا لا تزال متواصلة، كل ذلك كان ولا يزال من أجل قطيعة واضحة وجلية مع الماضي التعيس، واقتلاعا جذريا لمنظومة الاستبداد رأسا وفلولا وطقوسا... وإذا بنا نرى في حارتنا ومن بني جلدتنا من يتجرأ اليوم وينادي لعودة الاستبداد ورجوع المخلوعين ولو في زي الغش والمكر والخديعة. كم سيتقلب الشهيد في قبره لو سمع أن للتجمع لسانا وصورة من جديد، ولأزلامه جرأة على الظهور من جحورهم...في الحقيقة "من جرأ التجمع علينا" هذا ما كتبته منذ أشهر...جرأه علينا عدم جرأتنا وعدم حزمنا وعدم حسمنا...كانت كل الأوراق بأيدي أبناء الثورة لكنها سحبت ورقة ورقة، وكانت الساحة طوع أمرهم لكنها ضمرت مترا مترا... هل يعقل بعد الثورة أن يواصل حكمها رجال ونساء الحرس القديم لمدة تقارب العام؟ هل يعقل أن يكون حاميها حراميها؟ هل يعقل أن يكون الفريق الحكومي الأول والثاني بعد الثورة من بقايا العهد القديم؟ هل يعقل أن تعطى رئاسة الجمهورية لرئيس نواب العهد الذي أطاحت به الثورة؟ في الحقيقة هذا ما جنيناه على أنفسنا وما جناه علينا أحد، اليوم، الجرأة بلغت أقصاها بظهور الفلول في صورهم العارية بلا رتوش، بأصواتهم الفاقدة لكل حياء، وهم يرتعون في فضاء مغشوش... مالحل ياصديقي يابن الوطن العزيز؟ مالحل ومقياس الخطر في أعلى مستوياته؟؟؟ الحل في الشارع من جديد، فهو الذي أتى بالثورة وليست النخب وإن ساهمت في تراكمات الفعل الثوري، وإليه يعود الموقف والحسم من جديد... إن العودة إلى ساحة القصبة مجددا، إلى ساحة الثورة، إلى ساحة الحقيقة، إلى ساحة البذل والعطاء من أجل تونس، بمئات الآلاف والاعتصام هناك حتى ينتهي التجمع وأزلامه ومنظومته نهائيا وتنتهي أحلامه جملة وتفصيلا عبر قانون واضح رادع ملزم وحيني: لا للتجمع مؤسسة وأفرادا وعقلية، لا للتجمع إعلاما واقتصادا، لا للتجمع إدارة ودولة، لا للتجمع ولو تنكر في زي العابدين الصالحين الورعين. ومن أجل ذلك يجب أيضا تحديد نهاية صياغة الدستور في أشهر معدودة، وتحديد موعد انتخابي لا يتجاوز شهر جوان القادم حتى يكون الهدم كاملا والبناء على بياض وفي أسرع وقت. فقد ساهمت هذه الضبابية والتردد والتلكئ وبعض التصرفات الخائبة في ترك الحبل على الغارب، وفتح باب الأمل المغشوش عند أطراف كان مآلها القضاء ومحكمة التاريخ. إن القصبة أربعة هي ملاذ ثورة شمسها بدأت تغيب، وإعادة الأمل المفقود وزعزعة لمنازل الإحباط واليأس واللامبالاة. إن القصبة أربعة هي دفع لحكومة لازلت تتحسس موطن قدمها، ومجلس متردد ومعارضة مشغولة بحساباتها الانتخابية من طرح وزيادة ونقصان. والقصبة أربعة لن تكون إسلامية ولا يسارية ولا قومية ولكن وطنية خالصة، سلمية خالصة، قانونية خالصة، يافطة واحدة وعنوان واحد...من أجل تونس فقط.