عاجل/ حادث مروّع في الكاف.. وهذه حصيلة المصابين    يروّج للمثلية: تنديد واسع بكُتيّب تم توزيعه بمعرض الكتاب    وزارة التربية تتعهّد بانتداب 1000 أستاذ نائب    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    عاجل/ بشرى سارة للفلاحين: التخفيض في سعر هذا الصنف من الأعلاف    عاجل : القبض على شخص متهم بالإنتماء إلى تنظيم إرهابي    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    رقم قياسي جديد ينتظر الترجي في صورة الفوز على صن داونز    بودربالة والسفير الإيطالي: ضرورة تكثيف جهود مواجهة الهجرة غير النظامية    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    جامعة التعليم الأساسي: ترسيم 850 عونا وقتيا    عاجل/ في ارتفاع مستمر.. حصيلة جديدة للشهداء في غزة    تم انقاذها من رحم أمها الشهيدة: رضيعة غزاوية تلحق بوالدتها بعد أيام قليلة    في مبادرة تضامنية نوعية مع فلسطين: أطفال تونس يصنعون الحدث ويدخلون تاريخ الإنسانية من الباب الكبير    شركة النقل تتفاعل مع "الشروق": نحرص على عودة النسخة الشعبية ل "إيبيزا" في أقرب الأوقات    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة    هرقلة: ضبط كمية من "الكوكايين" و"الزطلة" بسيارة    معتز العزايزة ضمن قائمة '' 100 شخصية الأكثر تأثيراً لعام 2024''    70 بالمئة من الأمراض تنتقل من الحيوانات ..مختصة في الثروة الحيوانية توضح    مؤتمر وطني علمي حول الأنشطة البدنية والرياضية بمدينة طبرقة    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    كم تبلغ معاليم مسك الحساب بالبريد التونسي؟    تقلص العجز التجاري الشهري    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    الرابطة الأولى: كلاسيكو مشوق بين النجم الساحلي والنادي الإفريقي .. وحوار واعد بين الملعب التونسي والإتحاد المنستيري    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر بلاغ هام للمواطنين..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفجرنيوزتنشركتاب نيران صديقة :رسالة من إسلاميي الداخل إلى الشيخ راشد الغنوشي
نشر في الفجر نيوز يوم 27 - 04 - 2009

HTML clipboard و منه إلى بقية الشعب التونسي (الدراسة الأولى)
السجين السياسي السابق فريد خدومة
باحث وكاتب تونسي - عضو إتحاد الكتاب التونسيين
تونس من مراسل الفجرنيوز
تقديم
في نيران صديقة قد تكتشف أيها الولد المحب أو القارئ الفاضل أو الإسلامي السجين الطليق أو المهاجر الحر المغترب أني أتكلم بلسانك أو أنطق نيابة عنك لا لخوفك و لا لجرأتي و لكن لأنه لا بد لأحد منا أن يفضح هذا السر و أن يخرج هذا الهمس إلى العلن.
في نيران صديقة ستتفاجأ لجرأة الكاتب و قد تتهمه بالعمالة كما اتهمه من سمع بالكتاب و لم يصله و لم يقرأه ، قد تساهم في صناعة حملة ضد الكتاب كالتي ولدت و وئدت في مهدها في صائفة 2007 حينما سربت بعض فقرات الكتاب داخل الفضاء الإسلامي العام أو النهضوي على وجه الخصوص.
و لكن ما دفعني إلى النشر الكثير من الأسباب ليس أقلها أنني لست الوحيد الذي يتبنى هذه الأفكار ولست الوحيد في نفس الآن الذي يخاف من مواجهة إخوته و لست الوحيد كذلك الذي يستطيع أن يقول الكثير و لكنه يخاف ، قطعا لا يخاف من السلطة و قد خبرها و خبرته و لكنه يخاف من إخوته!!!
في نيران صديقة تدرك أيها الإسلامي المناضل ابن برج الرومي وخريج 9 أفريل ، ابن المهجر وابن الغربة أنك مجبر على الرد للتأكيد على أن هذا الكاتب لم يقل كل شيء أو أنه يفتري على إخوته أو لا يفقه المرحلة أو كما قال له أحد الصحفيين في تونس أرجوك اقلع عن الكتابة في السياسة و لما استفهمته أجاب بأن كتابتك في الأدب أتقن أو كما قال.
ترددت كثيرا و بعد أن أقلعت عن فكرة حرق الورقات أضفت للعمل دراسة أولى كنت كتبتها قبل تحت عنوان :'' من أجل عقل إسلامي عام '' و دراسة ثانية تحت عنوان :'' الحركة الإسلامية في تونس من الدعوة إلى الهجرة '' إيمانا مني بضرورة وضع الدراسات الخمس في إطارها الفكري و هو ما كان في الدراسة الأولى و في إطارها المدرسي و هو ما كان في الدراسة الثانية أرجو من الإخوة الكرام أن يتناولوا الورقات كما شاوا شرط أن يضعوا نصب أعينهم بأن ما يدور همسا بيننا أبناء الداخل أكثر مما كتبت و أجرأ و أني و إن كنت سباقا إلى إخراج السر إلى العلن و أن نيراني نيران صديقة إلا أن الخشية من أن اللاحق من الأيام سيحمل جرأة قد تفسد للود قضية و إن تحت الرماد نيران بالتأكيد ليست صديقة.
باردو 2008
الدراسة الأولى
من أجل عقل إسلامي عام
بقلم : فريد خدومة (*)
عندما يحاول الباحث أن يدقق النظر في الدين الإسلامي يخلص إلى العديد من الحقائق ولكن أعلاها وأجلاها أن هذا الدين دين توحيد ووحدة، رب واحد، وكتاب واحد، ونبي واحد، والتوحيد أساس العقيدة وعليه مدار التشريع، وبه يتميز المسلم عن غيره من بني الإنسان. ولكن يصدم الباحث عندما يحاول تنزيل هذه الحقيقة، فالمسلمون أشتاتا ومتفرقون وأبعد ما يكونون عن الوحدة. فهل هذه العقيدة غير قابلة للتحقق وهي أقرب ما تكون إلى مثل منها إلى واقع نام ومتحرك أم أن الخلل في معتنقي هذا الدين؟
كل منصف سيترك احتمال كون هذه العقيدة منتقصة ويذهب إلى احتمال كون المسلمين صورة لا حقيقة وكونهم أبعد ما يكونون عن فهم قيم هذا الدين العميقة ولنكون منصفين يجب أن لا نرمي هذه العلل على الآخر المتربص. الذي من حقه أن يكون متربصا ما دمنا سلمنا بأنه آخر. ولكن يجب أن نعتقد أن البيت بنيانه مهترئة ينخرها السوس حتى نعاود البناء إذا استطعنا إلى ذلك سبيلا.
استفهامات محرجة:
هل نحن راضون لما آلت إليه أحوال المسلمين
مصائرنا ليست بأيدينا
لسنا أحرارا في معتقداتنا
لسنا أحرارا في ممارسة شعائرنا
هوة سحيقة بين الحاكمين والمحكومين
تأخر فكري واقتصادي واجتماعي
أرزاقنا بيد الآخر يتحكم فيها كيفما يشاء
الجلادون يسبقوننا إلى المساجد بل يجلدوننا باسم الدين
استثماراتنا في الغرب تكفي إن عادت إلى أوطاننا لتشهد طفرة اقتصادية في ظرف وجيز جدا لكن ما السبيل إلى تفادي كل هذا؟ السبيل هو التفكير في موضوع الوحدة من جديد.
الوحدة المقصودة:
لا أدعو كغيري إلى وحدة أنظمة والعودة إلى نظام الخلافة وإن لم أكن في يوم من الأيام ضد هذا الطرح ولكن الواقعية تفرض علي المطالبة بتحقيق أقل من هذا.
إني أدعو إلى العودة إلى التاريخ قراءة ونقدا ودون تعصب وإلى إعادة تشكيل العقل الإسلامي العام لا إلى تأسيس الجامعة الإسلامية فالعقل الإسلامي هو الجامعة الحقيقية التي لا تحتاج إلى مقرّ ولا إلى أمين عام ولا إلى أعضاء دائمين.
إنه العقل الذي يتجاوز أخطاء التاريخ ليصنع من الحاضر قاعدة انطلاق إلى مستقبل أفضل.
عقل إسلامي جديد سيهدم لا شك العديد من المعتقدات التي ورثناها عن آبائنا ظلما وعدوانا ولا علاقة لها بالدين.
العقل الإسلامي اليوم مرتهن بأعباء ماض بغيض. عقل يمكن أن يعيش في إيران ويمرض في باكستان ويدخل غرفة العناية المركزة في الكويت ويموت في تونس ليدفن في السودان.
عقل ليس فيه من معاني العقل إلا عقال يشده إلى الفتن وملوك الطوائف والمؤامرات التي كانت تحاك في خدور الجواري ضد الأمة والشرفاء والمجددين عقل سكران بدم عمر وعثمان وعلي والحسين وسيد قطب وحسن البنا... عقل أحاطت به خيوط العنكبوت حتى أصبح واهنا.
المبحث الفلسفي للعقل:
اختلف الفلاسفة قديما وحديثا في تعريف العقل وإن كانت أغلب التعاريف تصب في بعضها البعض فهذا الفيلسوف ينظر إلى العقل من زاوية والآخر من زاوية أخرى وأعتقد أن كل تلك التعاريف تحد لنا العقل. عند أرسطو الإنسان وحده يتميز بقوة النطق أو العقل وهو القوة القادرة على إدراك ماهيات الأشياء والخواص العامة المشتركة بين المحسوسات التي لا تتغير بتغير المكان والزمان. فالحواس إنما تدرك الجزئيات أي الأعيان المحسوسة في علاقاتها الزمانية والمكانية فتشير إليها وتصفها بصفة هذا الإنسان.
"إن العقل عند أرسطو هو القدرة على إدراك الصور الكلية والماهيات المجردة إدراكا مباشرا وصورة توحد بينه وبين جميع أفراد النوع"[1].
عند أرسطو الإنسان وحده يتميز بقوة النطق أو العقل وهو القوة القادرة على إدراك ماهيات الأشياء والخواص العامة المشتركة بين المحسوسات التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان. فالحواس إنما تدرك الجزئيات أي الأعيان أبيض وهذه إمرأة زنجية وأما العقل فيدرك الكلّي فهو لا يتعلق بهذا الإنسان أو ذاك وإنما هو يتعلق بماهية الإنسان التي تنطبق على جميع الأفراد في كل زمان ومكان[2].
وأما المعري فهو يؤمن بالعقل إيمانا وطيدا وقد صرح بإيمانه به في مواضع كثيرة من اللزوميات خاصة ورسالة الغفران والفصول والغايات عامة، فالعقل هو المرشح الأمين وهو الهادي إلى الحق وهو المنقذ من الحيرة والضلال فهو أصل من أصول المعرفة فلا سبيل إليها بدونه[3].
وأما الغزالي فيقول بأن الناس اختلفوا في حد العقل وحقيقته وذهل الأكثرون عن كون هذا الإسم مطلقا على معان مختلفة فصار ذلك سبب اختلافهم والحق الكاشف للغطاء فيه أن العقل اسم يطلق بالإشتراك على أربعة معان الأول : الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم وهو الذي استعد لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية.
الثاني: هي العلوم التي يخرج للوجود في ذات الطفل المميز بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات كالعلم بأن الإثنين أكثر من الواحد وأن الشخص لا يكون في مكانين في وقت واحد.
الثالث: علوم تستفاد من التجارب بمجاري الأحوال.
الرابع: أن تنتهي قوة تلك الغريزة إلى أن يعرف عواقب الأمور ويقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة ويقهرها[4].
وجهة البحث:
إني أذهب إلى اعتبار العقل، تلك المعارف التي حصل عليها الإنسان نتيجة قدرته على التمييز. تلك المعارف المتراكمة. قال الفيلسوف الفرنسي ديكارت العقل هو التاريخ... تلك المعارف تدافعت وتصارعت لتنتج ثم تعود لنفس الحركة حتى أنتج الإنسان حضارة.
العقل هو ملكة الرفض والقبول عند الإنسان وهو ملكة التمييز و ملكة الاختيار وملكة الترجيح.
والعقل هو الإنسان الحر المختار الذي كلفه الله سبحانه وتعالى بخلافته على الأرض إذا هذا العقل متنوع تنوع الحضارات ومختلف اختلاف الإنسان مع أخيه الإنسان ومتميز تميز المعرفة الإنسانية وواحد توحد المُنشئ الخالق.
العقل يشكل حلقة الوصل بالمعنى التعليمي بين كتابي الطبيعة وما بعد الطبيعة وبالمعنى الجوهري بين العلم البشري والعلم الإلاهي[5]. إذا فهناك عقول لابد من التمييز بينها.
تعدد العقل:
من التعريف السابق خلصنا إلى أنه يوجد عقول مختلفة متداخلة يمكن الجمع بينها ويمكن التمييز بينها أيضا وربما يتم احتواء الواحد للآخر أو إنتماء الواحد لآخر أكبر منه.
يقول محمد المصباحي "لو تم القبول بوجود عقل خاص بكل فرد فإن حل مشكلة توفير شروط الموضوعية والكلمة والتواصل تظل عالقة مما يعني تهديد إمكانية قيام المعرفة العلمية ونقلها بذلك نجد أنفسنا من جديد أمام خيار صعب إما أن نؤسس مصداقية المعرفة العلمية ولكن لقاء ثمن إلغاء الفرد أو أن نكرس ذاتية الفرد فتضيع إمكانية المعرفة الموضوعية بعبارة أخرى إن إلغاء الأنا الفردي لصالح الأنا الكلي قد يؤسس الموضوعية والكلية ولكنه يقود في المقابل إلى إثبات أنا مركزي لا يعترف بغيره فيطغى الإختلاف وتستحيل إمكانية التواصل"[6].
إني على اختلاف شديد مع المصباحي في طرحه السالف إذ لا أرى في إثبات الأنا الكلي أي إعدام للأنا الفردي ولا في إثبات الأنا الفردي أي إعدام للأنا الكلي إذ الكلي هو جملة أفراد أو عناصر في نهاية المطاف ولا وجود له إلا بهم والأنا الفردي عدمي ولا تواصلي في ظل غياب اتحاده مع أنا فردي آخر وآخر حتى التوصل إلى تأسيس أنا كلي مركزي متميز عن أنا كلي مركزي آخر له خصوصياته وسوره الواقي.
نظرة استقرائية لتقسيمات العقل:
من خلال الاستقراء توصلنا إلى أن العقول متعددة فعقل إنساني وعقل عام وعقل مدرسي وعقل تنويري وعقل متحفي والقائمة تطول.
العقل الإنساني:
أعلى العقول وأشملها وأعمها وهو بمثابة المخزون البشري المختلف المتفق، هو البيت الذي خزن الإنسان فيه جملة تجاربه ومعارفه ومختلف دياناته وهو تام متحرك ولا جغرافي، عقل لا لوني ولا ديني بل هو يحوي الأرض وآخر لحظة من المكتشفات البشرية وجزء لا بأس به من الماورائيات. هذا العقل مرجعيته الأولى والأخيرة الإنسانية وهو عقل محدود بالنسبة إلى معارف الله المطلقة وهذا العقل هو الإنسان الصفر الإنسان الاستخلاف "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة"[7]
العقل العام
هو عقل جزئي بالنسبة إلى العقل الإنساني وهو عقل متعدد ومن تجمعه يتشكل العقل الإنساني.
إنه إذن عقل أمة فالأمة جزء أساس في تركيبة الإنسانية. هذه الأمم تجمعها روابط مقدسة أو شبه مقدسة ومبدأ التعامل بين هذه الأمم أو العقول مبدأ التعارف الإنساني أي التفاهم والتلاقح والتنوع قال تعالى "يا أيها الناس إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ..." [8] .
المخاطبون في هذا النص القرآني "الناس" أي الإنسانية جمعاء إذ لو كان المخاطبون أمة الإسلام لناداهم الله سبحانه وتعالى بقوله "يا أيها الذين آمنوا.." فالمؤمنون جزء من كل اسمه الناس أي بني الإنسان، وعلى عكس ما يدعوا إليه بعض المفكرين الغربيين من صراع الحضارات نحن المسلمون ندعو إلى حوار الحضارات المبني على أصل التعارف القرآني المذكور في الآية.
العقل العام هو العقل الذي ندعو إليه بل ونحث على استحداثه وجعله المرجعية الأساسية وندعوا إلى استحداث العقل العام الخاص بأمتنا إنه العقل الإسلامي العام.
العقل الإسلامي حقيقة أم وهم؟
عند ما يطرح السؤال بهذا الشكل فكأننا نشكك في كوننا أمة بأتمّ معنى الكلمة وبما أن الأمر صار مسلّما به عند الآخر قبل الأنا فسنتجاوز تلك المناقشات العديدة لنصل بكل ارتياح إلى كوننا أمة وما دمنا أمه فلنا عقل إسلامي عام واحد ولكن حاولت بعض العقليات الإقصائية تهميشه وتغييبه بل وتقزيمه والدعوة إلى أمم داخل الأمة الواحدة أي إلى عقول داخل العقل الواحد وإن كنا نقرّ بوجود عقول داخل العقل الواحد ولكنها عقول لا ترقى إلى مستوى أن تكون عقلا عاما مرجعا يحفظ بيضة الأمة.
نحن نقر بوجود عقول مدرسية أو مذهبية لا مشاحة في الاصطلاح فهي نواتات مشروعة تكوّن في مجموعها العقل العام الذي ندعو إليه، ولكن أن تكون هذه العقول المحدودة جغرافيا وفكريا عقول لها الحق في التحدث باسم الأمة جمعاء، فهذا خطأ جسيم قد جر الأمة في الماضي إلى التناحر والبغضاء ويهددها اليوم بالانقسام والانفصال.
العقل الإسلامي العام هو العقل المسيطر على كل الرقعة الإسلامية للأمة بل ويتجاوزها حديثا جغرافيا عندما أصبح العالم قرية كونية وأصبح للمسلمين وجود حقيقي في الغرب فهو في كثير من البلدان الغربية الدين الثاني.
إن العقل الإسلامي هو العقل الصانع للحضارة الإسلامية والعقل المواكب الحارس كما أن لكل أمة عقلا صانعا ومواكبا ثم حارسا. هذا العقل الذي له القدرة على استكناه الأحداث والسير بها في اتجاهها الصحيح.
يقول المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي "إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها"[9].
إن الأمة الآن أحوج ما تكون إلى استعادة عقلها الإسلامي العام المرجع النابع من دينها وحضارتها وخصوصية الفرد فيها لا على البحث في عقول الآخرين عن سبل النجاة.
"العالم الإسلامي يتعاطى هنا "حبة" ضد الجهل ويأخذ هناك "قرصا" ضد الاستعمار وفي مكان قصي يتناول "عقارا" كي يشفى من الفقر فهو يبني هنا مدرسة ويطالب هناك باستقلاله وينشئ في بقعة قاصية مصنعا ولكنما حين نبحث حالته عن كثب لن نلمح شبح العافية. أي أننا لن نجد حضارة. إن المقياس العام في عملية الحضارة هو أن الحضارة هي التي تلد منتجاتها وسيكون من السخف والسخرية حتما أن نعكس هذه القاعدة حين نريد أن نصنع حضارة من منتجاتها"[10].
الهوية:
أصبحت الهوية من المواضيع التي شغلت كثيرا من الدراسات والمؤتمرات وأصبح الخلاف حول تحديد ما هيتها محسوما و ليس لنا إلا أن نضيف أنها السمت الذي تختص به الأمم هو بمثابة تميّز عام يجعل من الأمة نموذجا فريدا.
الهوية "كذلك ليست سمة جامدة تظهر بشكل واحد في كل أدوار التاريخ لأن الهوية مرتبطة بحياة الأمة وكذلك فإن هذه الهوية تتطور مع تطور السياسي والاجتماعي وتأخذ الأشكال والجواهر التي يفرضها هذا التطور"[11].
بعد أن سلمنا بأننا أمة ولكل أمة هوية ولكل أمة ذات هوية عقل مرجح جامع حاكم فممّا يتشكل هذا العقل المرجع.
المتفقات
لا يمكن الحديث عن عقل إسلامي عام مرجع إلا عند الحديث عن متفقات ومرتكزات، عليها يقوم بناء العقل بناء صلبا قويا لا تهده رياح الاختلاف والتميز ولعلنا كمسلمين نملك العديد من المتفقات التي لا يختلف حولها اثنان مهما تباعدت بينهما عصبيات المدارس.
"إن المتفق عليه كثير جدا وإن التشبث به وحده كاف في النجاه فالإيمان بالله ولقائه والسمع والطاعة لما جاء عنه وأداء الأركان المجمع عليه النفوس على مكارم الأخلاق وأشرف التقاليد... إن هذا كله يقيم أمة لها مكانتها في الدنيا والآخرة"[12].
كذلك عندنا مراجع متفق عليها بين جميع أفراد الأمة وأهمهما الكتاب والسنة وإن كانا يفتحان على نظرات خاصه ورؤى مستقلة لأنهما حمّالا أوجه. إن القرآن وكذلك السنة قد حثا على التفكر والتدبر وإعمال العقل، والآيات والأحاديث في هذا الشأن معلومة وواضحة.
حق الاختلاف وواجب وحدة الصف:
حق الإختلاف إشكال يفتح على اشكالات أخرى لا تقل عنه أهمية ومن أبرزها:
هل الإختلاف داخل فضاء الأمة الرحب رحمة أم عذاب؟
ما آليات الإختلاف؟
هل الحق متعدد أم واحد مستتر وما السبيل إليه؟
عندما تتحدث عن العقل العام الإسلامي تتحدث عن عقل يسبح في فضاء جغرافي ممتد بل ويمتد ليتجاوز الجغرافيا التقليدية إلى فضاءات جغرافية ليست له أصلا وأقصد بهذا ما اصطلح على تسميته تاريخيا بدار" الكفر" هذا الفضاء الممتد ملايين الكيلومترات والذي تجاوز المليار نسمة من مختلف الأجناس والعادات واللسان والمناخ كل جزء منه له تاريخ خاص به ما قبل تشكل الأمة في ثوبها الإسلامي الخاتم، وبعد تشكلها أيضا فالأحداث التي عاشتها سمرقند وأثّرت في نسق تفكير أبنائها جرأة وجبنا تقدما وتأخرا استقلالا وتبعية تأثيرا وتأثرا ليس له أية صلة بما عاشته القيروان أو دمشق من أحداث.
أنا مع من يعتقد بأن العقل العام تصنعه العامة قبل الخاصة وإن كان للخاصة تأثير فيه وحتى إن اعتقدنا بأن الخاصة هي من يصنع الحروب والسلام فإن العامة هي التي أتت بالخاصة إلى السلطة وإن لم تأتي بها فهي التي أطاعتها على ذلك وهي في الأول والاخر وقود الحرب وآليتها. إن العامة هي التي تصنع الثورات وعقولها هي التي تنتج المعرفة.
العادات والتقاليد خلقت في الأزقة والحواري قبل القصوروصنعت في المعابد والمدارس والأسواق.
العقل العام إسلامي كان أو غير اسلامي مثقل بكل هذه التجارب والمعارف والمعتقدات عقل جمعي عام عقل أبوي مرجع.
البنك المركزي للأمة:
إن البنك المركزي للأمة حقيقة لا وهما وإن كانت حقيقة غائبة ومغيبة في نفس الوقت إلا أنها ضرورية ولزومية إلى أبعد الحدود فهي بمثابة الحد الجامع المانع وهي ليست مخزنا معلوماتيا بل هي عقل منتج فعال ومرجع في نفس الوقت.
يوجد في هذا البنك العملة المركزية الموحدة للأمة التي بها نسيّر نظم الحياة داخل الأمة. النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
إن هذه العملة المركزية تميزنا عن باقي الأمم التي لها أيضا عملتها المركزية الخاصة بها.
هذه العملة هي عملة الهوية بمعنى المتفقات والمرتكزات الضرورية العامة. بداخل هذا البنك أيضا مخزون من العملات المحلية متمايزة وربما متداخلة في بعض الأحيان إذ الأمة مجموعة أوطان والعقل المركزي العام مجموعة عقول مدرسية خاصة متمذهبة. البنك المركزي لعقل الأمة يحتوي على مخزون المذاهب مجتمعه أو لنقل مدارس أفضل وأهذب ولكل مدرسة "سكّتها" الخاصة بها، والتي على قفاها صورة المؤسس وعلى القفا المقابل "لا إلاه إلا الله محمد رسول الله" يقع تداول العملة المدرسية في مناطق نفوذها وحتى خارج مناطق النفوذ ولكن مع التنبيه على أن تعاملات الأمة في مجموعها مع غيرها من الأمم يجب أن يكون بالعملة الرسمية عملة العقائد المتفق عليها التي حددتها النصوص قطعية الورود قطعية الدلالة لا الخرافات والأحلام أو الأحداث والتواريخ أو الرجال إذ لا حجة للأحداث التي يصنعها الرجال أو أفكار الرجال عن العقائد التي جاء بها الوحي من عند الله ولا بد أن تكون هذه العقائد محل إجماع الأمة على اختلاف وتنوع مدارسها دون إقصاء ولا تهميش ودون أن تفرض مدرسة على أخرى إلا واجب الاحترام والإنصات وحق قرع الحجة بالحجة والبرهان، والرجوع إلى الحق بعد أن تساهم جميع الأيدي في إعلاء رايته والنكوص عن الباطل بعد أن تدوسه جميع الأرجل.
ورقة افتراضية:
هذه ورقة افتراضية من ثلاث بنود نعتقد بأنها موجودة في أرشيف البنك المركزي الإسلامي العام وقد رأينا أنه من حق الأمة علينا ابرازها للناس بعد أن ظلت حبيسة الأرشيف.
إن المتفق عليه كثير جدا وإن التشبث به كاف للنجاة كما ذكرنا من قبل.
المذاهب الإسلامية الكبرى اختلفت في الفروع لا في الأصول وكان من الممكن أن يتعاون الأتباع فيما اتفقوا فيه وأن يعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا عليه وهذا ما آثره أولو الألباب ولكن المرضى بالشقاق عكروا الصفو ومزقوا الشمل.
عند التأمل في التركة الثقيلة من الخلافات التي ورثناها نجد أن بعضها أملاه التعريف العقلي وأن بعضها الآخر لغوي لا محصل له وأن منها ما أشعل ناره الاستبداد السياسي واستبقاه عمدا إلى يومنا هذا وأن منها ما يصح أن يكون مسرحا لنفر من الخاصة ويعد اشتغال الجماهير به جرما وأن منها ما جمده المقلدون المذهبيون لقصور شائن في معرفتهم[13]. يقال أنه لا بد من حفظ بيضة الأمة ونحن نقول أن هذه البيضة لا يمكن حفظها إلا بتعايش جميع المدارس متآخية، تلك المدارس التي تتلمذت على نفس المعلم، إنه بدون منازع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. إننا لا ندعو إلى غض الطرف عن أحداث الماضي الأليم ولكن ندعو بكل علمية محايدة ونزيهة إلى إعادة تقديم تلك الأحداث وقراءتها واستخلاص العبر منها بكل موضوعية وحيادية رافعين شعارا واحدا لا لتكرار المآسي قال تعالى:"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون"[14]
دعوتان هامتان:
أ- الدعوة الأولى: ندعو جميع المدارس إلى تفهم خصوصيات المدارس الأخرى وتعصب عوامها وبعض من العلماء التقليديين ومن نتاج هذا التفهم عدم استعمال عملتها المحلية داخل الفضاء التقليدي للمدرسة الأخرى كي لا يُعتبر نوعا من التحدي والغزو ولتجنب الفتنة وكما يقول المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها".
الآن عندما صرنا لا نحترم الحق التاريخي في الفضاء الجغرافي للمدرسة الأخرى صرنا نجني ثمار ذلك اقتتالا بين أبرز مدرستين إسلاميتين مدرسة السنة ومدرسة الشيعة في الباكستان والهند وفي أفغانستان بل وفي إيران ولا حجة لنا أن نتضرع بحرية التعبير التي كفلها الإسلام كي نريق الدماء، فعقول شكلها التاريخ على أوهام حتى صارت عقائد لا يمكن لحجج نحاول حديثا نفض الغبار عنها أن تزيل ترسبات مئات السنين إذ لا بد من الصبر والمصابرة حتى يقبلك علماء المدارس الأخرى ناهيك عن قبول عوامها إذ لو قدناهم طائعين إلى فضاء البنك المركزي لعقل الأمة، لحققنا انتصارا عظيما يحفظ الدم المقدس ويحقق لنا فضاء رحبا من المتفقات من خلاله نبلغ الفضاء المدرسي الخاص والضيق دون خوف، وحتما سنصل إلى اعتماد عملة إسلامية موحدة ولكن بعد صبر وحكمة.
ب- الدعوة الثانية: ندعو إلى تجنيب الفضاءات العربية الإسلامية الجديدة في الغرب حمى التمدرس والتمذهب والتعصب إن هذا الفضاء الجغرافي المبعثر والجديد والذي يحتل قلب "دار الكفر" هو من حق البنك المركزي لعقل الأمة فقط.
ينشط في هذا الفضاء المسلم دون إضافات لا يقدم فيه إلا الإسلام سواء كان الداعية شيعيا أو سنيا فتمدرسه يلزمه فقط ولقد استمعت لأحد أساتذة علم اللاهوت الإنكليزي[15] يدعو الدعاة المسلمين إلى تجنيب المسلمين الغربيين الجدد اختلافاتهم المدرسية كي يسهم ذلك في خلق الجيل الإسلامي المحض الذي حرمنا منه ونحن الآن نصبو إليه. أليس الأجدر بنا أن نصدّر لهم قيم ديننا قيم الوحدة والإيمان العميق والرحمة عوض أن نصدر لهم الفرقة والاختلاف. هل انتصرت عندما أدخلت لمدرستي أنقليزي أو فرنسي أم أن الانتصار يكون أعظم عندما أقدم للأمة مسلما جديدا يحب الأمة بمجموعها دون تفرقة. مسلم مستعد للموت دفاعا عن مكة والمدينة والقدس والنجف وإسلام أباد والدار البيضاء على حد سواء.
المدارس بين اتجاهين:
يوحي سياق الدراسة بأن البنك الإسلامي لعقل الأمة أنشئ من أجل رأب الصدع بين المدارس المختلفة عقائديا أي ما يعبر عنه حديثا باسم الأحزاب ولكني أؤكد أن الخلاف بين المدارس الفقهية كبير جدا، وعلى هذا فالدعوة للتفاهم تشمل الجميع وبدون استثناء.
الحق أن الخلاف بين المدارس العقائدية نستطيع تجاوزه بشيئين مهمين الأول هو الابتعاد عن المنطق التكفيري الذي يخرج الآخر من الأمة لمجرد أن له رأي عقائدي أو دليل مخالف لما عندي. نحن ندعو إلى تضييق دائرة التكفير وقد كُتب في هذا الكثير( ونحن نشير إلى فصل التكفير في الرؤيا الفكرية والمنهج الأصولي لحركة الاتجاه الإسلامي في تونس ) فذاك يشفي ويكفي وأما النقطة الثانية وهي الاعتقاد بأن لكل منا الحق في التأويل. ولا لاحتكار هذا الحق أو الاعتقاد بأنه حلال علينا حرام على غيرنا وعلى هذا يرجى الرجوع إلى العديد من الكتب التي تناولت موضوع التأويل بإطناب.
أما في ما يخص المذاهب الفقهية فإننا نجمل الخلاف فيما يلي.
أسباب الخلافات الفقهية:
تعود أسباب الخلاف بين المذاهب الفقهية إلى عدة نقاط سنبينها لاحقا إذ لو روعيت لما كان المتعصبون وصلوا إلى ما وصلوا إليه من فرقة وخلاف حتى أصبح الشافعي لا يصلي وراء الحنفي ويستفتي الحنفي في زواجه من شافعية.
أهم هذه الأسباب على ما أورده ابن تيمية[16].
ربما لا يبلغ الحديث الفقيه المجتهد لقد كان أبو بكر لا يعلم السنة في ميراث الجدة حتى أخبره من يرويها وكما يقول الدكتور الغزالي[17] من لم يبلغه حديث ما ربما اعتمد ظاهر آية أو حديث آخر أو على قاعدة عامة أو لجأ إلى القياس ...
قد يبلغ الحديث الفقيه ولكنه يرفض سنده لعلل قادحة فيه وربما بلغ غيره بسند أجود فيأخذ به والخلاف بين العلماء في تقويم الرجال وبالتالي قبول المتون أمر شائع.
من الفقهاء من يشترط في قبول خبر الواحد شروطا لا يوافقه غيره عليها.
اعتقاد ضعف الحديث لفكرة خاصة
أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده ولكنه نسيه
اعتقاد الفقيه أن لا دلالة في الحديث على ما يراد
قد تتساوى الدلالات المختلفة في إفادة معان كثيرة ويصعب ترجيح وجهة على أخرى
قد يكون الفقيه – مع جودة حفظه واستنتاجه – قد اخطأ في تقرير المقدمات التي انتهت بالنتيجة التي رآها
من الفقهاء من يرد الحديث الصحيح إذا خالف القياس الكلي ومنهم من يرده إذا كان عمل أهل المدينة المنورة على خلافه فإن عملهم أدل على السنة من خبر الواحد.
حاجتنا إلى العملة الموحدة:
قد بينا سابقا أن العملة الموحدة ضرورة حضارية والعملة المحلية ضرورة واقعية ولكل دوره ومجاله وفضاؤه.
إن تنوع العملة داخل الأمة الواحدة لدليل جازم على التحرر والتفتح وإعطاء العقل مكانة تليق به.
إن العملة الواحدة كالوصفة الواحدة التي قد تشفي زيدا وتقتل عمرا في نفس الوقت .
الضامن الوحيد لتعدد العملة هو فهم الأفراد أن القُدسية الأولى والأخيرة للعملة المركزية التي يتفق عليها الجميع دون نزاع . فلا يحل لنا بأي وجه من الوجوه أن نحارب باقي المدارس لرفضها مثلا التعامل بعملتنا المحلية أو أن نسخر منها أو نجهلها والداء كل الداء أن نسارع إلى إشهار سيف التكفير في وجوه إخوتنا.
إن العملة الأخرى مقبولة أحببنا أم كرهنا ما دامت قد سُكّت عن وعي وإدراك ودليل على ما تقتضيه الأدلة من إثباتات، وهذا الكلام لا يصبغ أي قدسية على أية عملة مدرسية بل كل العملات قابلة للتداول وقد احتفظ البنك المركزي لعقل الأمة منه باحتياطي هام.
إن الحق واحد ما دمنا ندين بدين التوحيد ولكن الطريق إليه مختلفة ومتشعبة ومتباينة وكل منا إذا ادعى أن الحق عنده وحده فقد نفى حق الوجود عن الآخر واعيا كان بخطورة ما أقدم عليه أو غير واع.
إنه عليك أن تعتقد أن الحق معك ما دامت العقائد والأصول لا تأخذ بالظن وفي نفس الوقت يجب أن تعتقد أن الحق الذي عندك يحتمل الخطأ دليلا وقراءة له ووصولا إليه وفي نفس الوقت عليك أن تعتقد أن رأي غيرك خطأ لأنك إن اعتقدت أن الحق معه وجب عليك إتباعه أو تصبح من المكابرين ولكن ذلك الخطأ في نظرك يحتمل أن يكون صوابا وإلا ما كان للآخر أن يتبعه[18].
3- العقل المَتحفي
لا عصمة لمدرسة داخل أسوارها أو بينها وبين المدارس الأخرى إلا في إعادة ترتيب بيتها الفكري من الداخل من حين لآخر، لأن الزمن جلاب لمعطيات ومفاهيم جديدة والعقل الذي ينام على مقالات الأمس هو عقل مَتحفي لا قدرة له على السير في الشوارع والطواف بالأسواق.
النازلة نراها حية ثائرة تحاول أن تفجّر ما حولها وربما تحاول تفجير المدرسة بل و الاعتداء على الأمة لو لا عصمتها في مجموعها والعقل المخول له النظر في القضايا والذي أمده الله بنور الشرع يرجع في بحثه إلى دهور غابرة لم تكن فيها أصلا تلك النوازل قائمة. نحن مع الرجوع إلى الأصول كي لا يفسر قولنا هذا على غير ظاهره ولكن نحن ضد التفسيرات الميتة التي لا يجوز إلا أن نطلق عليها تاريخ الفقه لا الفقه وتاريخ العقائد لا العقائد.
4- العقل التنويري:
هو العقل الذي يحاول أن ينفض عن أصوله الغبار وأن يبرزها للناس بحلة جديدة أنيقة تتناسب مع مقتضيات العصر لا نقصد هنا تطويع أصولنا لهذه المستجدات بل جعل أصولنا نابضة بالحياة لا مركونة بالرفوف وفي نفضنا للغبار عنها نبدأ من جديد في رحلة صعود قوية ومتينة ومرشدة.
لا مناص لنا إذا من طرح أسئلة محرجة على عقولنا ولا مناص من الصدع بأجوبة صريحة حتى نستطيع الخروج من أسر المتحفية.
ما معنى أصول ومرجعيات؟
كيف قرأت وكيف يجب أن تقرأ وما الفرق بين القراءة والتفسير والتأويل؟
المقارنة بين مختلف القراءات وضرب الحجة بالحجة
فصل العقائد عن الأحداث
فصل المتفقات عن المختلفات
الانتساب:
وإن كنا نقر بحق الانتساب المذهبي إلا أننا ندعو إلى سياسة انفتاح بين مختلف المذاهب أو المدارس.
إن هذا الانتساب وإن جر علينا كثيرا من المتاعب إلا أننا نستطيع بإرادة حازمة وواعية أن نحوله إلى عنصر قوة بعدما كان لفترة طويلة أداة هدم.
إننا ندعو إلى انتساب مرجعي أعظم وهو الانتساب إلى أمة الدين أمة الهوية بدون منازع. إن هذا الانتساب الأعظم لا ينافي البتة أي انتساب مدرسي بل يحتويه ويوفر له الأرضية كي ينمو ويترعرع، ولكن بجانب المدارس الأخرى.
إن الفرص تُمنح لجميع المدارس على حد سواء. إن كنا حقا نريد أن نحافظ على كيان الأمة هذا الكيان الذي له علينا حق الحماية قبل المذهب لأنه هو الحامي للمذهب.
المذهب ربما يضعف الأمة إن حاول أن يفتك منها دورها وبالتأكيد تنطلق رحلة السيف والتكفير.
السيوف والتكفير تحالف شيطاني بين قوتين رجعيتين الأولى مادية والثانية فكرية عقائدية. إن هذا التحالف قد فتّت الأمة على مدى تاريخها الطويل، وإن كنا منصفين ودون أي تعصب مذهبي نستطيع أن نقول بأن محنة الأمة ابتدأت يوم سقيفة بني ساعدة، في ذلك اليوم تُرك الإسلام ولأول مرة دون دعم السماء المباشر الذي يمثله الرسول القائد محمد صلى الله عليه وسلم. لأول مرة تقبض يد يمنى لمسلم على مقبض سيف ضد أخيه المسلم.-
إن هذه الثنائية حرمت كثيرا من المفكرين من البروز وإعلان آرائهم التجديدية وحرمت كثيرا من الأحزاب الإسلاميّة من البروز وحرمت الأمة من عديد المؤلفات التي أحرقت ورميت في الأنهار.
بكل إنصاف هل كان الحجاج استثناء في أمتنا الإسلامية فكم عندنا من حجاج ما زال على قيد الحياة ؟ لو كنا حقا معانقين لأصولنا وديننا الحنيف ولم تحاول الدنيا اللعب على أقدس ما في الفرد بعد الروح ألا وهو العقل، لكنا وقّافين عند النصوص التي تُؤسس للأمة فقط للأمة وبدون نزاع للفرد المقدس. أين نحن من قوله صلى الله عليه وآله وسلم "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" ؟[19] وقوله صلى اله عليه وآله وسلم "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"
حق الانتساب الخاص وواجب الانتساب العام:
إن المتتبع لأصول ديننا الحنيف تتبع الفاحص ليس له إلا أن يقر بحق الانتساب الخاص أي المدرسي وذلك لاختلاف العقول في تقبل الأدلة واستيعاب الحوادث مع تشتت تلك الأدلة واختلاف طرق نقلها ودرجاتها. قلنا سلفا حق الانتساب المدرسي مع واجب الانتساب العام إلى الأمة لأنها الأم التي جمعت تحت جناحيها ما تشتت من أولادها مهما باعدت بينهم الشقة فترى كل واحد منهم يجلها أو يخشى عقوقها ويطلب ودها ورضاها.
هذه الأم هي الأمة في مجموعها أمة الرسالة الخالدة وكما لا تسمح الأم أن تمتد يد أحد أبنائها للآخر، لا تسمح الأمة بذلك ولنعد إلى الحديث السالف على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".
نحن لا نطلب من هذا الولد أن يكون صورة طبقا للأصل من أخيه بل هذا مستحيل عقلا وشرعا وواقعا، بل نحن مع الخصوصية ولكن التي تعني التنوع لا الفرقة وقد درسنا في موافقات الشاطبي أن الإسلام حافظ على خصوصيات الأقاليم المفتوحة ما لم تخالف تلك الخصوصيات أصول الدين أو معلوما من الدين بالضرورة وكذلك درسنا في التاريخ وعلم الكلام المجادلات العظيمة التي كانت تدور بين مختلف المدارس الإسلامية في المساجد ولنكون منصفين كذلك درسنا أن كثيرا من تلك المدارس أبيدت وكثيرا من تلك الأصوات الحرة قطعت ألسنتها. هل نستحي إذا علمنا أنها أبيدت باسم الدين؟ كيف يمكن لنا أن نضع هذا الخطاب الوحدوي أو لنقل التقريبي أمام ما يقع الآن من تناحر واقتتال بين بعض أبناء السنة وبعض أبناء الشيعة في باكستان.
التاريخ يجني على الحاضر ويثقل كاهل المستقبل:
لا شك أن جذور الخلاف ضاربة في التاريخ الإسلامي وهي حوادث لا بد أن تفصل عن إطارها الديني حتى تفهم في سياق سياسي بشري محض كذلك يجب ألا نهمل البعد الشرعي ولكن فصله عن الحوادث والرجال يدفعنا لمعركة علمية لا سيف فيها إلا الدليل القاطع البتار وهذا ما كان يجب أن يحدث منذ البداية.
نحن ندعو لبسط المادة التاريخية للبحث ولكن شرط أن تكون اللجنة المكلفة بذلك مختصة ولا يستثني منها أي مختص من أي مدرسة كان بل يدعى إليها المستشرقون الثقات وذلك لدراسة الحوادث الرئيسة وحتى الفرعية من جديد وبمنهجية تحليلية أكاديمية تنطلق من المدرسية إلى الأمة المرجع.
هذه الدعوة ليست جديدة بل قد شهد القرن المنصرم في بداياته وفي نهاياته مثل هذه الدعوة ولا يفوتنا أن ننوه بالجهد العظيم الذي يقوم به مجمع التقريب بين المذاهب في طهران من دور عظيم في هذا الشأن.
نحن لا نستنقص من تلك التجارب شيئا بل نشد على أيادي أصحابها وندعو لإجراء نقد ذاتي موضوعي لنعلم بسبب تباطؤ خطواتها نحو الهدف الأسمى ألا وهو التقريب.
دعوة الغزالي:
دعا الشيخ الدكتور محمد الغزالي في كتابه ''دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين'' إلى محاولة جادة للتقريب بين السنة والشيعة أجمل أهم نقاطها فيما يلي ولا أجدني سأضيف على ما ذكر شيئا وعلى ذلك نقلت ما ذكر.
‌أ- يتفق الفريقان في مؤتمر جامع على أن القرآن الكريم هو كتاب الإسلام المصون الخالد والمصدر الأول للتشريع وأن الله حفظه من الزيادة والنقص وكل أنواع التحريف وأن ما يتلى الآن هو ما كان يتلوه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه وأنه ليس هناك في تاريخ الإسلام كله غير هذا المصحف الشريف.
‌ب- السنة هي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم والرسول أسوة حسنة لأتباعه إلى قيام الساعة والاختلاف في ثبوت سنة ما أو عدم ثبوتها مسألة فرعية.
‌ج- ما وقع من خلاف في القرن الأول يدرس في إطار البحث العلمي والعبرة التاريخية ولا يسمح بامتداده إلى حاضر المسلمين ومستقبلهم بل يجمد من الناحية العلمية تجميدا تاما ويترك حسابه إلى الله تعالى وفق الآية الكريمة "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون.
‌د- يواجه المسلمون جميعا مستقبلهم على أساس من دعم الأصول المشتركة وهي كثيرة جدا – وعلى مرونة وتسامح في شتى الفروع الفقهية ووجهات النظر المذهبية الأخرى[20].
كيف نفهم التاريخ؟
أعتقد أن الموضوعية تدعوني لاعتبار التاريخ تاريخا فقط.
لن أقول للشيعة كفى بكاء وحزنا ولن أقول للسنة تبرؤوا من تاريخ بني أمية جملة وتفصيلا بل أقول للجميع تعالوا إلى كلمة سواء. ألم يدعو الباري سبحانه وتعالى أهل الكتاب إلى كلمة جامعة بينهم تؤسس لتعامل أفضل، إذ يجمع بينهم كونهم أصحاب كتب سماوية قال تعالى "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم آلا نعبد إلا لله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله...". أليست المدارس الإسلامية صاحبة الكتاب الواحد والنبي الواحد والكم الهائل من المتفقات أحرى بهذه الدعوة؟
إنها كلمة سواء داخل نفس الأمة تعصم دمك ومالك وعرضك
كلمة سواء تعطيك الحق في الإبقاء على مدرسيتك
كلمة سواء توجب عليك الرجوع إلى الأمة أولا وآخرا.
كلمة سواء تجعلك حرا في السباحة داخل فضاء كبير جدا اسمه الأمة ولك الحق في العودة إلى شاطئ المدرسة التي انطلقت منها متى تشاء ولك الحق كذلك في الرجوع إلى شاطئ المدرسة الأخرى.
كلمة سواء تسمح لي بالقول وتفرض عليك الإنصات والعكس صحيح.
كلمة سواء تجعل من العقل المدرسي عقلا تنويريا لا عقلا متحفيا
كلمة سواء تجعل الأخوة أصل يرجع إليه عند الخلاف لا فرعا مهملا.
كملة سواء تجعل الهوية الإسلامية أصلا وهوية المدرسة فرعا.
كلمة سواء تعيد للإسلام نضارته وتزيل التقسيم الجغرافي للمدارس فهذا بلد شيعي وذلك سني والآخر بين بين بل إن كل تلك الجغرافيا الممتدة هي فضاء لأمة التوحيد أمة الإسلام الواحد
(*) باحث وكاتب تونسي - عضو إتحاد الكتاب التونسيين
-------------------------------
المراجع
[1] - ص 83 تاريخ الفلسفة العربية د. جميل صليبا.
[2] - من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية للدكتور محمد عبد الرحمن مرحبا، ص 182.
[3] - ص 592 من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية للدكتور محمد عبد الرحمن مرحبا
[4] - تاريخ الفلسفة العربية للدكتور جميل صليبا، ص 423-424.
[5] - اشكاليات العقل عند ابن رشد محمد المصباحي، ص6.
[6] - اشكاليات العقل عند ابن رشد محمد المصباحي، ص8.
[7] - البقرة.
[8] - الحجرات
[9] - شروط النهضة لمالك بن نبي ص 21.
[10] - شروط النهضة لمالك بن نبي ص47.
[11] - من تعقيب ناجي علوش على مداخلة محمود أمين العالم بعنوان"الإبداع والخصوصية مجلة الوحدة" ص 22.
[12] - دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين للدكتور الغزالي، ص 54.
[13] - عن دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين للدكتور محمد الغزالي.
[14] - البقرة
[15] - حاوره الشيخ حمزة يوسف ضمن برنامج رحلة الشيخ حمزة المعروض في رمضان 2003 على قناة MBC.
[16] - رفع الملام عن الأمة الأعلام.
[17] - دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين لمحمد الغزالي.
[18] - قال الإمام الشافعي، (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
[19] - الأربعون النووية.
[20] - الكتاب المذكور أعلاه، ص 139-140.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.