يجلس الفلسطيني محمد رزق وثلاثة من أقرانه على أطلال نفقهم الحدودي مع جمهورية مصر العربية، المدمر بفعل الأمطار الغزيرة التي تساقطت جنوب قطاع غزة، خلال الأيام الماضية. ويخشى هؤلاء الشبان على مستقبل عائلاتهم بعدما فقدوا مصدر رزقهم الأساسي من العمل في هذه القنوات الأرضية التي تمثل شرايين الحياة لسكان القطاع الساحلي المحاصر صهيونيا منذ سنوات، إذ تصل من خلالها إمدادات غذائية وإنشائية وصناعية. وتسببت الأمطار التي تساقطت بغزارة على جنوب قطاع غزة، منذ أيام بتدمير الطرق الترابية في منطقة الشريط الحدودي وأصبح التجول في تلك المنطقة بمثابة الدخول في حقل ألغام نظرًا لإمكانية حدوث انهيارات مفاجئة في أي لحظة. وقررت وزارة الداخلية الفلسطينية، إغلاق الأنفاق الأرضية مع مصر، حفاظًا على أرواح العاملين فيها، بعد سلسلة من الانهيارات التي شهدتها الأنفاق الحدودية وكان آخرها انهيار نفق غرب بوابة صلاح الدين برفح جنوب قطاع غزة، الأحد، ما أسفر عن مصرع عامل وانقاذ 3 آخرين. وقتل عدد من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، الأسبوع الماضي، بفعل أعنف عاصفة شتوية اجتاحت منطقة شرق المتوسط منذ نحو 20 عامًا. كارثة طبيعية ولم يستطع راشد أبو القمبز الوصول إلى مكان النفق الأرضي الذي يعمل فيه منذ سنوات بسهولة بفعل سوء الشوارع الطينية والحفر التي أحدثتها مياه الأمطار. ويقول أبو القمبز بينما كان يحمل أدوات العمل على ظهره: "يبدو أن المنطقة تعرضت لكارثة طبيعية .. المياه غمرت كل شيء هنا وأصبح العمل هنا في غاية الخطورة، حتى الطرقات أصبحت صعبة جدًا ولا يمكن الوصول من خلالها بالمركبات". ويضيف: "لقد تمكنا خلال تساقط الأمطار وبعد ساعات طويلة من العمل من تحصين (عين) فوه النفق من مياه المطر من الجهة الفلسطينية لكن سقوط الأمطار قد يدمر عملنا وبالتالي يحدث انهيارات في النفق". وتمتد منطقة الأنفاق جنوب قطاع غزة على مساحة تقدر بنحو ثمانية كيلو متر على طول الحدود الفاصلة مع جمهورية مصر البالغة 13 كيلو متر. وتتميز تلك المنطقة بتربتها الطينية التي تمتص المياه بصعوبة لكن الحفر التي أحدثها القصف الإسرائيلية المكثف خلال العدوان الأخيرة على قطاع غزة، والذي استمر مدة ثمانية أيام متتالية، زاد المخاطر على مستقبل تلك الأنفاق. واستخدم الفلسطينيون الأنفاق الأرضية على مدار السنوات الخمس الماضية لجلب المواد التموينية والإنشائية والسيارات والوقود وسفر الأفراد إلى مصر. وقال رئيس بلدية رفح صبحي رضوان: "إن البلدية تعمل من خلال لجنة عليا مع الداخلية في المدينة من أجل إنقاذ المتضررين من المنخفض الجوي". وأوضح أبو رضوان في تصريح صحفي، أنه تم إنقاذ عدد من العمال الذين علقوا في نفق تعرض للانهيار قرب حي البرازيل الأربعاء الماضي. وذكر أن البلدية خاطبت سكان المنطقة الحدودية بضرورة الحذر وعدم السماح لأبنائهم بالخروج خشية حدوث انهيارات أرضية في تلك المنطقة، منبهًا إلى أن العناية الإلهية وجهود رجال الدفاع المدني ساهمت في إنقاذ طفلة سقطت في حفرة نفق مهجور قرب حي الإسلام شرق المدينة. وتشير تقديرات محلية في رفح، إلى أن عدد الأنفاق المنتشرة على الشريط الحدود، وصلت إلى 1200 نفق. كميات كبيرة وقالت دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية الأحد "إن كمية الأمطار التي هطلت منذ بداية الموسم حتى صباح يوم الجمعة الماضي تتراوح بين 48-93% من النسبة العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وأوضح مدير عام دائرة الارصاد الجوية بوزارة النقل والمواصلات في حكومة رام الله يوسف أبو أسعد، أن البلاد تأثرت بعدة منخفضات جوية قادمة من جنوب القارة الأوروبية وغرب المتوسط تمركزت جنوب جزيرة قبرص وشمال فلسطين. وذكر أن هذه المنخفضات أدت لهطول كميات كبيرة من الأمطار على كافة المحافظات، إضافة لثلوج على المرتفعات التي زاد ارتفاعها عن 750 مترًا عن سطح البحر تراوحت سماكتها بين 5 سم على جبال نابلس وأعلاها على مدينة حلحول نحو 35 سم. وأشار إلى أن كميات كبيرة من الأمطار هطلت في هذه المنخفضات، فكانت على مدينة القدس 170.4 ملم، ومدينة رام الله 299 ملم، ومدينة نابلس 256، ومدينة طولكرم 261.5 ملم، ومدينة جنين 205.4 ملم، ومدينة الخليل 189.5، مبينًا أن أقل كميات هطول مطري كانت على مدينة أريحا 45 ملم ومنطقة الأغوار. وقال: "بلغت كميات الهطول المطري منذ بداية الموسم حتى الجمعة الماضية، وكان أعلاها في بلدة زبدة في محافظة جنين 596 ملم، حيث بلغت كميات الهطول في المحافظات الشمالية للضفة ما نسبته ما بين 73-91% من المعدلات السنوية العامة". وأضاف أبو أسعد بينما شكلت كميات الأمطار الهاطلة على محافظات وسط الضفة ما نسبته 77-93%، ومحافظات جنوب الضفة نحو 47-76%، ومحافظات قطاع غزة ما نسبته بين 45-68%، ومحافظة أريحا 48%. وأوضح أن كميات الأمطار الهاطلة على محافظات الوطن المختلفة يبين أنها أعلى عن معدلاتها في مثل هذا الوقت من السنة، مشيرًا إلى أن كميات الأمطار الهاطلة لها الأثر الإيجابي إلى حد كبير جدًا للموسم الزراعي الشتوي (زراعة المحاصيل البعلية البدرية). وأشار أبو أسعد إلى الأثر الإيجابي لهذه الكميات على ري كافة أنواع الأشجار المثمرة بالإضافة إلى تغذية الخزانات الجوفية الأربعة (الحوض الشمالية الشرقي، والحوض الشرقي، والحوض الغربي، والحوض الساحلي) بسبب أن الأمطار هي الرافد الأساسي والوحيد للمياه الجوفية في فلسطين.