وجدي غنيم في الجامع الكبير في سوسة نقاشات و مناوشات ونساء يصلّين أمام الجامع سوسة - صالح سويسي في إطار جولته بعدد من مدن الجمهورية، قدم الشيخ وجدي غنيم محاضرة في الجامع الكبير بسوسة بحضور عدد هام من مريديه الذين تدفقوا إلى المدينة من كل مدن الساحل التونسي. وبالمقابل تجمّع عدد هام أيضا من المناهضين لزيارة الشيخ غنيم لا إلى سوسة فحسب بل إلى تونس بشكل عام. وقال المنظمون أنّ زيارة الشيخ لسوسة وتقديم محاضرة في جامعها الكبير يتنزّل في إطار تقريب التونسيين من دينهم أكثر ما يمكن بعد عشرات السنوات من "تجفيف المنابع" على حد تعبير أحدهم والذي أكد أيضا أن زيارة غنيم ستتلوها زيارات لدعاة آخرين سيكون لهم مواعيد مع الشعب التونسي في عدد من المدن. وجول تمويل زيارة غنيم قال أحد المنظمين أنّه تمّ جمع الأموال من مريدي الشيخ ومن أهل الخير الذي ساهموا في تجميع تكاليف الزيارة، أمّا عن سبب اختيار شيوخ من خارج تونس لتلقين التونسيين أصول دينهم وهل أنّ بلادنا تفتقر لعلماء في الفقه والحديث وعلوم الدين حتى تتمّ دعوة هؤلاء، قال أحد الرافضين للزيارة أنّ "المنظمين يختارون وجوها استهلكتها الفضائيات الدينية بشكل كبير حتى صنعت منهم نجوما مثل نجوم الغناء بالضبط، وبالتالي أصبح لهؤلاء متابعوهم ومريدوهم وأناس لا يتحركون في حياتهم إلاّ من خلال آرائهم في أمور الدنيا والدين.." ولكنّ أحد الأشخاص وقد قدم نفسه على أنه سلفي جهادي عارض هذا الكلام مؤكدا "أنّ هؤلاء لهم دراية أوسع بالدين الإسلامي لأن العلماء التونسيين كانوا مقموعين ومضطهدين ولم يجدوا الفرصة طوال خمسين عاما مضت لأن يكون لهم رأي أو دور في أصلاح المجتمع..". تبادل تهم وتشنّج وكان الجامع الكبير مكتضا بالمصلين والراغبين في الاستماع إلى خطبة الشيخ المصري غنيم والذي تحدث فيها عن أمور كثيرة تتعلق بالإيمان انطلق فيها من سؤال الملكين في القبر بعد الدفن مباشرة، وهو ما رأى فيه الكثيرون خارج الجامع مغازلة للأحاسيس ولعبا على المشاعر الدينية بغاية ترويض نفوس المستمعين لما سيأتي من كلام فيما بعد، إلاّ أنّ آخرين رأوا في هذا الرأي مغالاة كبيرة وحيادا عن الحقيقة مؤكدين أن غنيم إنّما يتحدث عن أمور شرعية جاء بها القرآن والسنّة وأكدها المجتهدون على مدى تاريخ الإسلام. أمام الجامع كان الجدال على أشده بين المؤيدين لزيارة غنيم والرافضين لها وخاصة من النساء اللاتي حضرن بشكل لافت حتى قبل انطلاق الخطبة بوقت كبير رافعات شعارات من قبيل "مجلة الأحوال الشخصية هي دستور المرأة التونسية" و"لن نفرط في مكتسبات المرأة التونسية" و"الثورة دعم لحقوق المرأة". كما ترددت شعار الثورة التونسية "ديقاج" كثيرا خارج ساحة الجامع ومن الجانبين، حيث نادى الرافضون بطرد غنيم ومن كان سببا في مجيئه لتونس فيما طالب "ملتحون" بطرد النساء وطالبهنّ البعض بلازمة بيوتهنّ "عوض الخروج للشارع والتظاهر فيما ليس لهنّ به علم". ومن المشاهد المؤسفة والتي وقفنا عليها كثيرا تبادل التهم بين الجانبين، فهذا يصرخ في وجه أحدهم ويتهمه ب "الكفر والزندقة" والآخر يكيل التهم لأحد الملتحين ناعتا إياه ب "الإرهابي" فيما وصل الأمر بأحد الشباب وكان يرتدي قميصا طويلا أن صاح في وجه إحدى الفتيات بكلمات جارحة واصفا إياّها بأوصاف مشينة على مسمع ومرأى من الناس لمجرد أنّها انتقد صلاة بعض النسوة خارج المسجد أمام المارة مؤكدة أنه ليس فرضا على المرأة أن تصلّي في المسجد أصلا فما بالك بالشارع، فكانت ردة الفعل عنيفة جدا من الشاب صاحب القميص. وقال أحد الداعمين للزيارة "الذي لم يعجبه دعوة الشيخ غنيم إمّا أن يرحل من هنا أو يغلق أذنيه مي لايسمعه". نقاش حضاري ومع ذلك كانت تدور هنا وهناك نقاشات حضارية وعلى غاية من الوعي والاحترام المتبادل وقد تفاجأ كثير من معارضي زيارة الشيخ غنيم بمدى لطف بعض الشباب المشارك في تنظيم الخطبة، حيث تعاملوا مع الجميع بأخلاق عالية بعيدا عن التشنّج والتهوّر، وكانوا فعلا مثالا للشباب الملتزم بتعاليم الإسلام التي تدعو للكلمة الطيبة. ورغم كل الاحتياطات سواء من لجنة التنظيم أو من رجال الأمن الذين رابطوا بمحيط الجامع الكبير منذ ساعات الصباح، إلاّ أن الجو لم يخلو من بعض الإعتداءات ضد بعض الذين رفعوا شعارات ضد النقاب حيث قوبل بعضهم باعتداءات لفظية وحتى جسدية (دفع ومسك) من قبل بعض "الملتحين" الذي لا احد يعلم لأي جماعة ينتمون بالضبط حيث تدخل آخرون لفض هذه المشاحنات مؤكدين أنهم لا يعرفون الذين اعتدوا ولا علاقة لهم بالمنظمين. حتى أنني شخصيا لم أسلم، حيث تمّ دفعي بالقوة وضرب الكاميرا في غير مرة قصد منعي من التصوير أو تسجيل ما يحدث، ووصل الأمر حد تهديدي بكسر الكاميرا وآلة التسجيل إن لم أغادر المكان. عموما، مرّت زيارة الشيخ وجدي غنيم في سوسة دون تسجيل أيّة اعتداءات خطيرة أو ممارسات خطيرة يمكن الوقوف عندها، لكنّ اللافت في الأمر أنّ عددا كبيرا من الحضور جاؤوا من منطلق الفضول لا أكثر. أمّا ما يمكن أن يمثّل مشكلا حقيقيّا فهو تنامي الظاهرة السلفية والسلفية الجهادية في تونس وفي جهة الساحل بشكل خاص، وهو ما سنعود له قريبا في ملف خاص. بالتوازي مع جريدة الصحافة