أتساءل أحيانا لماذا أتابع بعض القنوات التونسية، بل لماذا أتابع برنامجا بعينه بينما يمكنني أن أقوم بجولة قصيرة عبر مئات القنوات التي يمكن أن أجد فيها ما يغري ويطفئ ظمأي لماذة تلفزيونية ترقى للحد الأدنى من الحرفية والجدية. ولكن يبدو أنني تونسي أكثر مما يجب، أتابع برامج القنوات التونسية من منطلق "أنصر أخاك" حتى لو كان "زطّالا". ثمة ما يثير فيّا ألانا من الحيرة هذه الأيام، ولو أن كل ما يحدث في بلادنا يحثّنا على الحيرة والقلق المتواصل، منذ أسابيع قليلة بات موضوع استهلاك "الزطلة" في بلادنا موضوعا دسما ويفتح شهيّة المنشطين و"المنشطات" في إذاعات البلاد وتلفزيوناتها. ربما يدخل هذا في سياق "تبديل السروج" كما يقول مثلنا الشعبي، فبعد أن أخذ النقاب مساحات أكثر مما يجب من بثّ وسائل الإعلام الوطنية عمومية وخاصة، جاء الدور هذه المرة على مادة مخدرة يعلم الجميع أنّها من الممنوعات قانونا والمحرمات شرعا والمنبوذات مجتمعا، ومع ذلك وجدت من يستبسل للدفاع عن حضورها في بيوتنا وشوارعنا دون تدخل أو إزعاج لمروجيها أو مستهلكيها أو الداعين لجعلها مثل "البسكويت" و"الكاكي" تباع في الأكشاك ولمَ لا أمام المدارس الابتدائية والإعدادية. يتحدث فنان معروف في قناة عمومية ليطلب من الحكومة السماح لشباب تونس باستهلاك "الزطلة" بل ويطالب بتخفيف الأحكام التي ترافق استهلاكها وترويجها. والأدهى أنّ البعض طالب بتقنين هذا النشاط، ليطلع علينا المواطن سليم عمامو (كاتب دولة مكلف بالشباب في أول حكومة بعد الثورة) مطالبا بحق التونسيين في استهلاك المادة المخدرة وداعيا لاعتبار المدمنين مرضى لا مجرمين في حق القانون والمجتمع، قائلا إن الدراسات تؤكد أنه من العام 1961 والعالم يتعامل مع مسألة المخدرات بشكل خاطئ. ليس غريبا أن يصر السيد عمامو على تقنين استهلاك المواد المخدرة ، بل الغريب أن تكون إحدى وسائل الإعلام وتحديدا برنامجا يلقى إقبالا جماهيريا هامّا فضاء لتمرير بعض الأفكار التي تعتبر غريبة عن مجتمعنا ويسعى منتج البرنامج ومنشطه بكل "حزم" إلى تكريس المسألة كأمر واقع في بلادنا. ما يجعلني أهتمّ بأمر ربما يبدو تافها ولا يحمل أية أهمية أنه ليس أمرا عارضا بل يبدو أن مخطط له بإحكام شديد ويقف خلفه من لا يريد الخير لهذا الوطن الجميل والذي نريده أجمل بعد تحرره من أنياب الديكتاتورية في انتظار تحرره الكامل من مخالب الفساد الجاثم في كل شبر من مؤسساته الرسمية. وبالمناسبة هذا لا يدخل في سياق عقلية المؤامرة...