يساهم الفقر المتفشي في المناطق العشوائية في مصر في انتشار الأمراض المعدية مثل السل. ويرى الخبراء أن ارتفاع معدلات الفقر وازدحام وسائل النقل العامة وتزايد الأحياء الفقيرة المترامية الأطراف تهدد بتبديد المكاسب التي تحققت في مجال القضاء على مرض السل في مصر . وعلى الرغم من إصدار الحكومة في الأيام الأخيرة لأرقام جديدة تبين حدوث انخفاض كبير في معدل الوفيات الناجمة عن السل، إلا أن خبراء في مجال الطب والرعاية الصحية حذروا من عدم قدرة الحكومة على القضاء على هذا المرض من خلال اتباع نهج طبي ضيق، بل ينبغي عليها معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل جذور المرض، إذا أرادت تجنب زيادة كبيرة في حالات العدوى. وقال محمود عمرو، وهو خبير في أمراض الصدر بجامعة القاهرة: "إن أحيائنا الفقيرة ووسائل النقل الخاصة بنا وسوء الأوضاع الاقتصادية للملايين من المصريين تجعل الكثير من الناس عرضة لهذا المرض. وسيواصل السل تحطيم حياة الآلاف من الناس طالما لم يتم إحراز تقدم في هذه المجالات". ومن الجدير بالذكر أن عدم الاستقرار السياسي الذي أعقب الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير/شباط 2011 قد قذف بالاقتصاد المصري في دوامة الانهيار. وفي عام 2011، أصبح 25.2 بالمائة من المصريين فقراء، مقارنة مع 21.6 بالمائة في عام 2009، ويعيش أكثر من نصف هؤلاء الفقراء في صعيد مصر، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التابع للحكومة. من جانبه، أشار أحمد عطية رئيس الجمعية المصرية لمكافحة السل، وهي منظمة غير حكومية محلية، إلى أنه "على الرغم من كون معظم مرضى السل من الفقراء، فإن الفقر في حد ذاته ليس هو المشكلة...بل تكمن المشكلة في الظروف المعيشية التي يتسبب فيها هذا الفقر". وفي عام 2007، كان هناك 12.2 مليون شخص يعيشون في 870 حياً فقيراً في جميع أنحاء البلاد، حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وحيث أن عائلات بأكملها تعيش في غرف ضيقة وتتقاسم دورات المياه والأزقة المليئة بمياه الصرف الصحي، فإن هذه الأحياء الفقيرة، طبقاً لما ذكره خبراء مثل عمرو، تعتبر تربة خصبة لانتشار الأمراض الخطيرة مثل السل. ويمثل هذا المرض القاتل الأكبر الثالث في مصر، بعد التهاب الكبد الوبائي سي والبلهارسيا، وفقاً لأمير بسام وكيل لجنة الصحة في البرلمان. من جهتها، أفادت نعيمة القصير، ممثلة منظمة الصحة العالمية في القاهرة، أن مصر واحدة من تسع دول، من أصل 23 دولة في إقليم شرق المتوسط (الذي يمتد إلى باكستان)، تحتضن 95 بالمائة من مرضى السل في المنطقة. وربطت القصير، خلال مقابلة أجرتها مؤخراً مع محطة تلفزيون سي بي سي، بين مرض السل والفقر وسوء التغذية، الذي يبدو أنه يتزايد في مصر أيضاً، مشيرة إلى أن "سوء التغذية يمثل مشكلة كبيرة للأطفال والكبار على حد سواء". وعلى الرغم من هذه التحديات، نجحت مصر في تحقيق تقدم ملحوظ في مجال مكافحة السل، وفقاً لوزارة الصحة. حيث أدلى وزير الصحة، فؤاد النواوي، بتصريحات لوسائل الإعلام مؤخراً بين فيها أن آثار مرض السل قد انخفضت بنسبة كبيرة خلال الفترة من 1990 إلى 2011: إذ انخفض عدد حالات السل الجديدة من 34 حالة لكل 100 الف شخص إلى 18 حالة لكل 100 الف شخص سنوياً. وأضاف أن معدل انتشار مرض السل، وهو العدد الإجمالي للإصابات في أي سنة من السنوات، انخفض من 79 لكل 100 الف شخص إلى 24 لكل 100 الف شخص، كما انخفض معدل وفيات السل كل عام من 4 إلى 1.1 لكل 100 الف. وتجدر الإشارة إلى أن مصر تقدم العلاج المجاني لمرضى السل في نحو 32 مستشفى لعلاج أمراض الصدر تابعة لوزارة الصحة، وتأمل في القضاء على المرض تماماً بحلول عام 2019. ولكن خبراء مستقلين يقولون أن معدل انتشار السل أعلى بكثير من الأرقام الرسمية التي تشير إلى وجود 18 الف مريض جديد كل عام. وفي تعبير عن تلك الشكوك التي تساور بعض الجهات، طالب أحد نواب البرلمان وزارة الصحة بتقديم جميع الإحصاءات الخاصة بمرض السل في جميع المحافظات. وأضاف باسل عادل خلال جلسة للبرلمان في 9 أبريل/نيسان أن "الشعب يملك الحق في معرفة كل الحقائق. وينبغي على وزير الصحة أن يخبرنا عن التدابير الوقائية التي تتخذها وزارته لمنع انتشار هذين المرضين" في إشارة إلى مرضي السل والتهاب السحايا. "يجب اتخاذ إجراءات فورية للسيطرة على هذين المرضين، وإلا فإن الحكومة الحالية ستكرر نفس الأخطاء التي ارتكبتها حكومات النظام السابق". ويبدو أن عدد المرضى في مستشفيات الصدر المصرية، على سبيل المثال، يكذب المزاعم التي تؤكد أن عدد الإصابات بمرض السل آخذ في الانخفاض. حيث قال محمود عبد العزيز، رئيس مستشفى الصدر بالعباسية: "لدينا 50 سريراً في قسم مرض السل، وهذه الأسرة دائماً مشغولة. عندما يُعالج أحد المرضى، فإنه يخرج لكي يحل محله شخص آخر على قائمة الانتظار". ويقول الخبراء أن قدرة مصر على تحقيق تقدم في مجال مكافحة السل يتوقف على نجاحها في تحسين الظروف المعيشية لسكان الأحياء الفقيرة، وجعل قطاع النقل العام أقل ازدحاماً، والحد من الفقر. وعلق بسام، وكيل لجنة الصحة، على ذلك بقوله أن "معظم المرضى من الفقراء المقيمين في أحياء فقيرة ويستخدمون وسائل النقل العام المزدحمة دائماً، وبالتالي فإنهم ينقلون العدوى إلى الآخرين بسهولة شديدة...كما أن سجون البلاد تمثل أيضاً بؤراً للعدوى". ووفقاً لأشخاص مثل بسام، فإن سجون مصر، التي وصفها العديد من تقارير حقوق الإنسان بأنها قذرة وغير صالحة للاستخدام البشري وتعاني من نقص حاد في الرعاية الصحية، تخرج إلى المجتمع عدداً كبيراً من مرضى السل. ولهذا السبب يقوم متخصصون من وزارة الصحة بزيارات منتظمة إلى السجون للتأكد من أنها لا تتحول إلى مراكز لعدوى السل، حسب عصام المغازي، رئيس إدارة مكافحة السل في وزارة الصحة. وأضاف المغازي : "يجب علينا اتخاذ اجراءات صارمة للقضاء على هذا المرض. لذا فإننا بحاجة إلى مساهمة جميع الأطراف في هذا الجهد، وإلا فإن هذا المرض قد ينتشر كالنار في الهشيم". ---------- ايرين