يوم الأحد والناس نيام، جاءنا عبر البريد الساحر خبر وفاة العزيز حمادي ڤلبي. هاتف من هنا وآخر من هناك فإذا المعلومة صحيحة. محمد ڤلبي ممثل جيل كامل تحمّل عبء الاعلام الوطني في حقبة صعبة من تاريخ تونس، حقبة بناء الدولة ومؤسساتها، »إنشاء« المجتمع المثقف، المتعلّم، حقبة تأسيس كل شيء من لا شيء. ولأنّ الخصومات كانت كثيرة، فقد قاسى منها الاعلاميون وخاصة العاملون منهم في الصحافة المكتوبة الأمرّين: خصومة صلب جيل التحرير بين أجنحة نظرت باختلاف إلى الاستقلال وانتهت الى التناحر، خصومة بين الجناح المنتصر والاجيال الجديدة، وخصومة هذه بين بعضها البعض. إضافة طبعا إلى كمّ المسؤوليات المطلوبة من الصحافة والصحافيين: الإخبار، التعليق، التوضيح، الشرح، الدعاية، التعليم، التثقيف، التكوين، التنفيس، الترفيه وهلم جرّا، وبعبارة أوضح من »ممنوع البصاق في الشارع، إلى غسل اليدين، وحلاقة الشعر« ونهاية »بالانتخاب حق وواجب«. لكن بين هذا وذاك يتعذّب الصحافي المرهف الحس، النازل من جوف الشعب، بين واجبات كثيرة تطلب منه وحقوق أوفر يراها تداس وتبعثر، وفوق الكلّ يحرم بل يمنع منعا من الكتابة بشأنها. حمادي ڤلبي (وكثيرون مثله) كان يتعذّب نتيجة هذا الوضع، لكنه كان أقوى من كثيرين بلجوئه الى الزّاد المعرفي الكبير والمعين اللغوي الغزير اللذين يحتكم عليهما فيتمكن بسهولة نادرة من ايصال فكرته الناقدة، وإبلاغ رأيه المعارض، وإبداء وجة نظره المختلفة. والذين عايشوه وهو يكتب مقالاته وتحقيقاته في الصحافة المكتوبة السيارة والمتخصصة بل وحتى في برقيات الوكالة والتغطيات الباهتة، يذكرون دون شكّ كيف انّّه كان »يحلّيها« بكلمة، بفكرة، بايحاء.. يوم الإثنين الماضي جاء الكثيرون لتوديعه، من كل المؤسسات، من كل الاعمار ومن كل الاتجاهات. ولأنّ للفقيد مكانة خاصة لدى النقابيين والشغالين فضلا عن زملائه الاعلاميين العاملين في الاتحاد، فقد حضر لتوديعه الأخ محمد شندول الامين العام المساعد المسؤول عن الاعلام والنشر ومدير جريدة الشعب أصالة عن نفسه ونيابة عن كافة أعضاء المكتب التنفيذي الذين كان أغلبهم في مهمات خارج البلاد والعاصمة، كما حضرها الأخ محمد العروسي بن صالح رئيس التحرير وذلك نيابة عن كافة الأسرة العاملة في الجريدة، من صحافيين وإداريين وعملة. رحم اللّه الفقيد العزيز وأسكنه فراديس الجنان.