كهبة الرجل الواحد تقاطعت حناجر الصحافيات والصحافيين يوم 17 أكتوبر لتجعل من هذا اليوم، يوم الإضراب العام في قطاع الإعلام، يوما تاريخيا يضاهي في رمزيته يوم 17 ديسمبر 2009 ويوم 14 جانفي 2010... وبالرجوع إلى آخر جلسة عامة للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين تم فيها الإعلان رسميا عن موعد الدخول في الإضراب العام، اختلفت المواقف بين بنات وأبناء القطاع وتساوى الإحساس بالأمل بالنجاح مع الإحساس بالخوف من الفشل في هذا الامتحان الأول من نوعه في تاريخ تونس الحديثة... مبررات الخوف كانت كثيرة وبدت مقنعة في أغلبها، فهشاشة الأوضاع الشغلية لعدد كبير من الصحافيات والصحافيين مثلت ومازالت المدخل الدائم لأصحاب القرار والسلطة لممارسة ضغوطاتهم وإغراءاتهم، كما أن إصرار عدد من «الصحافيات» و»الصحافيين» على إعلاء شعار «مات الملك عاش الملك» كادت تعصف بآمال من قاوم سياط الجلاد زمن غطرسته وأبى أن يعيش حرا لا يعرف الخضوع طريقا إليه إلا من قلمه وحبره... أما مبررات الخوف فقد تعززت في ظل إصرار الحكومة المؤقتة على التغلغل في المؤسسات الإعلامية وشراء ذمم «الصحافيات» و»الصحافيين» كما كان يفعل الدكتاتور زمن عبد الوهاب عبد الله، غير أن الأمل كان وقادا وقادحا لمسيرة مظفرة لأهم جناح في الانتقال الديمقراطي المنشود... الإعلام... التونسي... الأمل صار في حجم الواقع وأكبر منه بعد أن راكمت الحكومة المؤقتة فائضا من الاستهتار بمطالب الصحافيات والصحافيين... الأمل في إنجاح هذا الإضراب التاريخي لم يعد كبيرا بل فاق الخيال بعد أن انخرطت كل المؤسسات الإعلامية السمعية والبصرية والالكترونية وأغلب الصحف الورقية الصادرة يوم الخميس 18 أكتوبر في هذه الخطوة النوعية والتاريخية. الأمل في إنجاح يوم 17 أكتوبر كان يتعزز يوما بعد يوم من خلال النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، هذا الهيكل النقابي المستقل الذي كرس، ومازال، مبدأ التجميع لا التشتيت... والأمل بدأ يكبر مع إصرار بنات وأبناء دار الصباح على افتكاك حريتهم من الشرطي الجديد... خاصة بعد أن آضرب معهم الأخ سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل...والشاعر النقابي محمد الهادي الوسلاتي... الأمل كان كبيرا في نجاح هذا الإضراب بعد أن حضرته الأمينة العامة للفيدرالية الدولية للصحافيين، البرازيلية إليزابيث كوستا، والأمين العام المساعد للإتحاد العربي للصحافيين حاتم زكريا، ورئيس لجنة الحريات بالإتحاد العربي للصحافيين عبد الوهاب زغيلات. الأمل كان كبيرا لأن أكثر من 320 مؤسسة إعلامية عربية مرئية ومسموعة ومكتوبة أعلنت استجابتها لدعوة إتحاد الصحافيين العرب بالإضراب لمدة ساعة من الزمن تضامناً مع الصحافيين التونسيين، ولأن صحافيات وصحافيين من لبنان ومصر والأردن والمغرب والكويت خرجوا في مسيرات للتنديد بما يتعرّض له الإعلام التونسي... الأمل كان كبيرا لأن مطالب الصحافيات والصحافيين تمثلت أساساً في التنصيص على حرية التعبير والصحافة والإبداع دون قيد في الدستور التونسي الجديد، وتفعيل المرسومين (115 و116)، ورفض كل المشاريع التي تنص على عقوبة السجن للصحافيين، وتحد من حرية الصحافة والتعبير، وضمان حق الصحافي في النفاذ إلى المعلومة، ومطالبة الحكومة المؤقتة بالتراجع عن التعيينات المسقطة على رأس بعض المؤسسات الإعلامية العمومية، والفصل بين الإدارة والتحرير في المؤسسات الإعلامية، واعتماد هيئات تحرير إما بالتوافق أو بالانتخاب، مع صياغة مدونة سلوك ومراجعة ما تم وضعه منها، بالإضافة إلى رفض أي مس بالحق النقابي، وتسوية كل الوضعيات الهشّة والعالقة في مختلف المؤسسات الإعلامية... الأمل كان كبيرا وسيظل كذلك لأن وحدة الصف الإعلامي لم تكن وليدة يوم 17 أكتوبر، ولن تكون رهينة لهذا اليوم، ولا لهذا الإضراب الذي سيدونه التاريخ التونسي والعربي والعالمي... لأن وحدة الصف الإعلامي ليست ظرفية بقدر ما هي مبدئية... أو ستكون مبدئية في قادم الأيام... حتما...