تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحرير «المرأة» بين التوظيف والمساومات في نقد السلفيين الجدد والحداثيين القدامى
شكري لطيف
نشر في الشعب يوم 06 - 03 - 2010

هل قُيّضَ للعرب أن يقفوا على أعتاب التاريخ وأن يبقوا خارجه؟
هل قُدّر لهم أن يبقوا يدٌورُون في حلقة مفرغة حول السؤال / الإشكالية التي طرحتها النخب السياسية والثقافية منذ أواسط القرن 19:
لما تخلّفنا؟
ولماذا تقدّم غيرنا؟
هل قدر سيزيفي عبثي، أن يكون مصير كل ما تراكم من إجابات لهذا السؤال المركزي طيلة أكثر من قرن؟
في المستوى السياسي: الدولة المدنية والحرية بديلا للاستبداد والإستعمار.
في المستوى الاقتصادي: التنمية العادلة بديلا للتخلّف والحيف والتبعيّة.
في المستوى الإجتماعي: العدالة والمساواة بديلا للتمايز بين مكوّني المجتمع نساء ورجالا.
في المستوى الثقافي: التنوير والعقلنة بديلا للتزمّت والخرافة.
في المستوى التربوي: المعرفة العصرية بديل للتقليد الاجتراري.
أن يكون مصير كل ذلك إعادة التساؤل وإعادة النظر والمراجعة لا في إتجاه تطويري بل في إتجاه ارتدادي نكوصي تصفوي؟
أليس من المفارقات الغريبة، بعد أكثر من قرن على دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة في المشرق، وإثره الطاهر الحداد في تونس، وبعد تمكّن المرأة من كسب حقوق متفاوتة الدرجة في عدد من البلدان العربية، في مقدمتها تونس منذ نصف قرن تحديدا أليس من المفارقات الغريبة أن يطفو على سطح المجتمع تيّار فكري / سياسي يميني محافظ متدثّر بغطاء ديني أصولي سلفي، ليعلن دون مواربة عزمه على نسف كل ما أنجز بفضل كفاح أجيال متعاقبة، والعودة بنا إلى نقطة الصفر وفتح الجدل الذي ظنّ الجميع أنّه أغلق في بدايات القرن العشرين: جدل القديم والجديد، جدل التقليد والتحديث، جدل السفور والحجاب... وغيرها من الثنائيات التي شملت جميع المستويات المعرفية وجميع ميادين الحياة السياسية والاجتماعية، وكان من المفترض أنّها حُسمت نهائيا في إتجاه التقدّم التاريخي والحضاري؟
أليس من المؤشرات المعبّرة عن وضعية التدهور والاختلال العام السائد لدينا، أن يكون اتّجاه مناطق ومجتمعات مماثلة ومشابهة لنا مثل بلدان القارة الأمريكية الجنوبية، نحو الحضور الفاعل في المشهد التاريخي الإنساني استقلالا وسيادة وتنمية وحرية وعدالة إجتماعية، في حين أنّ اتجاه منطقتنا ومجتمعاتنا و»نخبنا» هو الانزياح نحو أكثر المواقع والمواقف اليمينية محافظة، باستغوال الحكم الاستبدادي وتفاقم التبعية الاقتصادية وتفشّي الأميّة والتفقير والحيف، وتغلغل نزعات الانغلاق والتعصّب، وهي كلّها عوامل مهيّئة وممهّدة لعودة الاستعمار الكلاسيكي الذي يتولّى حاليا إعادة تشكيل المنطقة وبسط هيمنته المباشرة عليها؟!
أليس من المفجع مع حلول القرن 21 أن يبقى وضع المرأة ومكانتها داخل المجتمع محلّ جدل بيزنطي لا يُقْفل، ومحلّ توظيف لكسب «شرعيّات» موهومة وواهية سواء من السلطات الحاكمة أو من بعض المعارضات، أو محلّ تجاذب بين هذه وتلك أو بين المعارضات فيما بينها، أو محلّ مقايضات مشبوهة بين السلطات الحاكمة والمعارضات أو فيما بين أطراف هذه الأخيرة؟!
أليس من المفارقات المفزعة، أن تبلغ الأغراض السياسوية الضيّقة مبلغها النفعي المبتذل، لحدّ إقدام نخب وحركات محسوبة على الحداثة بشكليها الليبرالي واليساري على التملّص من أطروحاتها التأسيسية، وعلى تبادل «صكوك غفران» و»شهادات طهارة» مع حركات الإسلام السياسي الأصولية، مقابل «تطمينات» لفظية تقدّمها هذه الأخيرة، تطمينات لا تتجاوز الشكل ولا تمسّ جوهر فكرها السلفي؟
فهل أن الديمقراطية قابلة للتجزئة؟ هل أنّها مجرّد آليات لضمان الحريات العامة والفردية، ولإجراء الانتخابات والتناوب على الحكم؟ أم أنّّها في الأساس، مشروع مجتمعي شامل، حامل لثقافة حكم وثقافة علاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين أفراد المجتمع وبين كافة مؤسساته وهياكله؟
أوليست قاعدة الديمقراطية وأساسها ومقدّمتها مجسّمة في إلغاء مفهوم «الرعيّة» (الشامل للرجال والنساء) وإلغاء عقليّة «الحريم» (الخاصة بالنساء) وهو ما يتلخّص في مفهوم «المواطنة» التي يتساوى بها ومن خلالها الجميع أيّا كان جنسهم أو معتقدهم أو موقعهم، بما يجعلها في تناقض جوهري مع كل أشكال الحكم وصيغ الانتظام السياسي وكل مشاريع المجتمع القائمة على الاستبداد لحاكم بأمره أو لحاكم بأمر اللّه.
والحالة تلك!!
فكيف يتجاسر البعض على الادّعاء اليوم، بأنّ الديمقراطية كفلسفة وكمشروع حضاري / سياسي / اجتماعي / ثقافي، متكامل ممكنة وقابلة للانجاز التاريخي الفعلي وغير المنقوص، دون ان توفّر لنفسها الاستقلاليّة التامة عن كافة صيغ الاستبداد حاكمة أو معارضة، أرضية أم سماويّة؟ وكيف يسعى البعض إلى إيهامنا بإحتمال أن تكون السلفية كنظام تفكير ماضوي متكلّس، وكمشروع سياسي تيوقراطي، جزءا ومكوّنا من مكوّنات المشروع الديمقراطي، والحال أنّ مرجعيات الاصولية وآلياتها ومناهجها وغاياتها، قائمة بالضبط على إلغاء ونفي هذا المشروع لتعارضه مع مفهوم «حاكميّة اللّه» وهي بالضبط على طرف النقيض معه بناء على عدم فصلها بين العام والخاص، بين الديني والدنيوي، بين العقيدة والقانون، بين السياسة والشريعة، بين الدين والدولة؟!
ثمّ أليس للديمقراطية محتوى اجتماعيا؟ وألا تعتبر المساواة التامة بين الجنسين الشرط الضروري والكافي، وحجر الزاوية في هذا البناء الاجتماعي المنشود؟ فكيف يمكن التنازل والتفويت في أيّ عنصر من عناصرها لحساب «توافق» لا مبدئي مع أصولية سلفية يشكّل وضع المرأة الدونيّ حجر الزاوية في بنائها الفكري وفي مشروعها المجتمعي؟
فهل أنّ اي استكمال فعليّ لمسار تحرّر المرأة وتمتّعها بحقوقها، وأيّ مساواة فعلية بين الجنسين، قابلة للاستشراف والانجاز دون ضرورة طرح إلغاء كل ما تبقّى من رواسب الفقه التقليدي الأبويّ المكرّس للتفاوت ولتحقير وتشييء المرأة، وذلك خاصة عبر مؤسسات المهر، وولاية الرجل ورئاسته للاسرة وعدم التساوي في الميراث؟
وهل يتفق الاعتناق المتماسك والوفيّ للديمقراطية، في ظرفيتنا التاريخية الحالية وعلى ضوء التطورات والتراكمات الكمية والنوعية التي شهدها المجتمع التونسي بعد 50 سنة على اصدار م/أ/ش هل يتفق مع تجنّب طرح هذه القضايا المحورية والمبدئية، ومع اقتران ذلك مع «توافق» بين أطراف «حداثية» مزعومة وبين الحركة الاصولية، على إدراج مسألة حقوق المرأة ضمن الاطار الهلامي والغائم وغير محدد المعالم لما يدعى «الهوية العربية والاسلامية» وكذلك على الدفاع عن «حرية لباس الحجاب!! وحرية التخفّي وراء البرقع والنقاب!!
ألا تؤشّر هذه الوضعية السريالية التي وصّفها البعض بأنها «انجاز تاريخي غير مسبوق لعلاقة توافق بين إسلاميين وعلمانيين» أكثر من أي اعتبار سياسي عن هشاشة وعدم تماسك الخلفيّات الفكرية للنخب السياسية والثقافية، وهو الأمر الذي يُفْقدها تميّزها علاوة عن مصداقيتها، كما يعمق عزلتها ويحمّلها مسؤولية جسيمة في زيادة تدهور الوعي العام وشلّ ملكات التمييز بين الموافق والاطروحات والمشاريع المجتمعيّة؟ ألا يعدّ ذلك خدمة ومددا مجانيا لفكر ولمشروع سلفي أصولي يتغذّى من الإرث الثقافي الانحطاطي السائد، ومن شبكات المال والاعلام وفضائيات البترودولار؟
(انظر آخر ما جادت به قريحة مفتي سعودي بإجازة قتل من يبيح الاختلاط بين الرجال والنساء)، وهل صحيح حسب التعليلات المبرّرة لهذا الزواج السيرالي أنّ الحركة الاصولية تنتهج «توجّها جديدا»/ وأنّه: «نتيجة للحراك السياسي والفكري والاجتماعي في داخل البلاد والتطورات الدولية، حصل تغيّر في خطاب بعض الفصائل الاسلامية التي أصبحت تدفع عن نفسها «تهمة» السعي إلى مراجعة مكتسبات النساء التونسيات، وتعبّر عن تمسّكها بها وترى فيها «جزءا من مكاسب الحداثة التونسية»، التي لا تتناقض مع مقومات الهوية العربية الاسلامية»؟ (1)
فهل تخلت الحركة الاصولية إذن عن مرجعيات فكرها السلفي الممتد الى ابن تيمية وصولا الى المرجعيات المعاصرة: حسن البنا وسيّد قطب والمودودي، مرورا بالغزالي والمدرسة الحنبلية؟ وهل تخلّت عن ازدرائها الباتولوجي للمرأة، وعن الموقع الدوني الذي تُوليه لها ضمن مشروعها المجتمعي الكلياني المغلق؟
لا جواب البتّة عن هذه الأسئلة الدقيقة لدى المسوّقين الجدد لاسطورة «التوجه» الاصولي «الجديد».
غير أنّ الحقائق التي تدلّل على عكس كل ذلك قائمة وثابتة، ويمكن لكل صاحب بصر وبصيرة أن يدركها ويتأكد منها دون شديد عناء.
بدءا، لا بدّ من الإشارة إلى أن تعديل الحركة الأصولية لبعض مواقفها ليس وقفا على مرحلة أو قضية دون أخرى. فقد قامت منذ تأسيسها سنة 1972 تحت مسمى «الجماعة الإسلامية»بتعديلات عديدة ليس فقط لبعض أطروحاتها بل إنّ ذلك قد طال حتى تسمياتها، والعامل المحدد في كل ذلك ليس التطوّر الفكري الداخلي الذي تمخّص عن قطع جذري مع أسس وقع تجاوزها نهائيا، بل هو الاصطدام برفض المجتمع التونسي الذي حاولت الحركة الاصولية دون طائل «أسْلمَتَهُ» والسيطرة الكلية عليه.
والإقرار بذلك واضح وجلّي حيث نجد:
«كان من الطبيعي أن تصطدم هذه الحركة التغييرية بمقاومة من المجتمع شأن كل مجتمع يدافع عن نفسه... ومن طرف القوى الطامحة للتغيير في اتجاهات أخرى..»
لقد أدركت الحركة الأصولية ضرورة ما أسمته «تدارك الأخطاء» لما واجهت به المجتمع والمرأة التونسية خاصة طيل ثلاثة عقود من دعوات فجّة لمنعها من التعليم والشغل وإعادتها للبيت، وهو الأمر الذي نفّر منها قطاعات واسعة، لذلك أصبح من الضروري التوجّه لها بخطاب مغاير شكليّا قادر على اسدراجها:
«فالحركة اليوم، وهي بصدد التقويم الشامل لمسارها خلال العقدين الماضيين... تدرك حقّ الادراك اهمية دور المرأة في حركة التغيير... سواء بالمنظور الديمغرافي الذي يكشف على ان اكثر من نصف المجتمع التونسي من النساء، أو من المنظور التربوي من حيث أن المجتمع يتربّى بيدها» (3).
وعلى هذا الاساس فقد انتهت الحركة الى:
«ان عددا كبيرا من المفاهيم المتعلقة بالمرأة تحتاج إلى إعادة نظر على ضوء النصوص الثابتة» (4).
سيقع إذن تعديل التوجّه للمرأة باعتبارها فقط أساسا «معطى ديمغرافيا» لا يمكن إهماله وسيقع «إعادة النظر» في عدد من المفاهيم... ولكن «على ضوء النصوص الثابتة»، وذلك ما يفنّد أيّة مزاعم وأي أوهام حول أيّ تطور جوهري في مواقف الحركة الأصولية.
في كتاب معنون «المرأة بين القرآن وواقع المسلمين» الصادر مؤخرا بلندن عن المركز المغاربي للبحوث والترجمة، والذي يصنفه البعض بأنه كتاب مفصلي، انتقل بالحركة الاصولية التونسية من طور التقليد الى طور التجديد، نجد استعراضا دقيقا للمفاهيم المتعلقة بالمرأة التي سيتم «إعادة النظر فيها»، وهي على التوالي: الاختلاط مفهوم عمل المرأة المرأة والتعليم المرأة والعمل السياسي.
1 الاختلاط : ستكون النزعة البراجماتية وتجنّب التصادم مع الواقع التونسي، بل التأقلم معه للالتفاف عليه هو خلاصة «اعادة النظر في هذه القضية المحورية في البناء الفكري الأصولي.
«إن خروج المرأة قد فرضته ضرورات مختلفة... وهذه الاتجاهات للتطور غلابة، فواجب الحركة الاسلامية بدل التصدي لها، فهمها واستيعابها والعمل على توجيهها بما يناسب مبادئ الاسلام وقيمه العليا، فالحديث عن منع الاختلاط امام اتجاه هذه التطورات لا يدل على وعي كاف باتجاهاتها» (5).
«فالنتيجة : نعم للاختلاط بشروطه الاسلامية» (6)
2) عمل المرأة : يتلخص التطوير وإعادة النظر في هذا المفهوم (الذي لا يصنف البتة كحق) في انه سيسمح به للمرأة خدمة لغاية مزدوجة:
أ إبراز نموذج نسائي أصولي:
ف «الحركة الاسلامية تحتاج في الميدان السياسي والثقافي والاجتماعي (النقابي) الى إبراز زعامات نسائية متسلحات بخلق الاسلام... زعامات نسائية تقدمن للرأي العام فرصة ممتازة للمقارنة بين نموذج التحرير الاسلامي والنماذج التغريبية» (7).
ب توظيف العمل وتوجيهه لصالح الدعوة:
«إن خروج المرأة المسلمة من بيتها للعمل وملاقاتها لكثير من المتاعب يعتبر تضحية من زوجها لها مقابل لصالح الدعوة الاسلامية، فإن ضرورة وجود العنصر النسائي الاسلامي في المؤسسات التي يكثر بها النساء كالمؤسسات الصحية والتعليمية والاجتماعية ومراكز التجمع النسائي (طبيبة، ممرضة، معلمة، أستاذة، مرشدة اجتماعية...) بغاية تبليغ الدعوة الاسلامية واظهار أن النموذج الاسلامي النسائي يفوق في أهميته حتى الضرورات الاقتصادية بالنسبة للحركة الاسلامية، فعلى الإخوة والأخوات أن يتفهموا هذه الضرورة ويقدموا من أجلها التضحيات المطلوبة.. مما يجعل الصالح من وجود الأخت في هذه المؤسسات يفوق المخاطر والمحاذير» (8).
واستدراكا وتوضيحا لمن قد يعتريه شك في أن إعادة النظر في مفهوم عمل المرأة قد يُؤَوَّلُ على أساس أنه إقرار لها من الحركة الاصولية بحق مساو لحق الرجل، يقع التأكيد على ان الأولوية في العمل هي للرجل!!
«يُراعَى في اختيار العاملين الكفاءة المطلوبة بقطع النظر عن الاعتبارات الجنسية، فإذا استوت الكفاءة قُدِمَ الرجال، فلا يرضى الاسلام أن تعمل النساء وأفواج الرجال عاطلون، خاصة وان المرأة تقدر على القيام برعاية البيت» (9).
3 المرأة والتعليم : مثله مثل العمل، سيسمح به لا كحق قائم لذاته، وإنما خدمة لأهداف محددة هي:
أ إعادة انتاج شروط الفصل بين الجنسين:
«إننا نحن الاسلاميين إذ نحدّ من طموح الفتاة الى المستويات العلمية العالية، ألا نشعر بالتناقض الواقعين فيه؟
فمن ناحية يودّ أحدنا لو تمكن من عرض زوجته إذا أصيبت بمرض على طبيبة وليس على طبيب، ويتمنى ان يدرس ابنته على ملعمة وأستاذة، ومن ناحية أخرى يحُولُ بين ابنته وبين ان تواصل تعليمها لتكون معلمة أو طبيبة أو أستاذة أو ممرضة؟» (10).
ب تعلّم منفصل عن الشغل موجه لتربية الأبناء.
«سبب آخر إضافي من شأنه ان يدفعنا الى حث بناتنا الى النيل من العلم أقصاه بقطع النظر عن قضية التشغيل، فنحن لا نرى ضيرا أبدا، ولا تبديدا للطاقات ان تقصر مجازة في الآداب أو العلوم عملها المهني على تربية أبنائها، بل نتمنى ان تكون كل أم من هذا القبيل...» (11).
ج تعليم موظّف لأداء الدعوة:
«بالنسبة للاسلاميين بالذات، فهناك سبب إضافي اخر يدعوهم الى حثّ بناتهم وأخواتهم الداعيات الى مواصلة التعلّم الى أقصى ما تسمح به امكانياتهن ألا وهو الدعوة الاسلامية ذاتها التي تكون الأخت أقدر على أدائها على أحسن وجه بين كل الأوساط كلما كانت مسلحة بالعلم والمعرفة» (12).
4 المرأة والعمل السياسي: تقاليد النضال السياسي النسائي في تونس واقع لا يمكن للحركة الأصولية التصادم معه، بل من الضروري كما هو الشأن مع العمل والتعليم التعامل معها ببرجماتية تضمن الالتفاف عليها لاحقا. كما ان الرؤية القارة للمرأة كمعطى ديمغرافي يشكّل نصف المجتمع يفرض على الحركة الاصولية العمل على توظيفه ولكن في حدود شكلية لا يمكن الخروج عنها بما يتعارض مع قوامة الرجل على المرأة وولايته عليها.
أ فيما يتعلق بالترشح للمجالس النيابية:
«الأصل الذي أثبته القرآن الكريم أن الرجال قوّامون على النساء فكيف نقلب الوضع وتصبح النساء قوّامات على الرجال.
وأودّ هنا أن أبيّن أمرين:
الأول: أن عدد النساء اللائي يُرشحنَ للمجلس النيابي سيظل محدودا، وستظل الأغلبية الساحقة للرجال، وهذه الأكثرية هي التي تحلّ وتعقد. فلا مجال للقول بأن ترشيح المرأة للمجلس سيجعل الولاية للنساء على الرجال.
الثاني... الممنوع هو الولاية العامة للمرأة على الرجال. والحديث الذي رواه البخاري «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» إنما يعني الولاية العامة على الأمة أي رئاسة الدولة» (13).
ب حدود عضوية المرأة في المجالس النيابية:
«على أننا حين نقول بجواز دخول المرأة مجلس الشعب، لا يعني ذلك أن تختلط بالرجال الأجانب عنها بلا حدود أو قيود أو يكون ذلك على حساب زوجها وبيتها وأولادها، أو يخرجها ذلك عن أدب الاحتشام في اللباس والحركة والكلام، بل كل ذلك ينبغي أن يراعى بلا ريب ولا نزاع من أحد» (14).
ج التشريع للّه وليس من اختصاص المجلس:
«الشقّ الثاني من مهمة المجلس (بعد المحاسبة والنصح) يتعلق بالتشريع. وبعض المتحمّسين يبالغون في تضخيم هذه المهمة زعما بأنها أخطر من الولاية والإمارة فهي التي تشرّع للدولة، لينتهي الى ان هذه المهمة الخطيرة لا يجوز للمرأة أن تباشرها. والأمر في الحقيقة أبسط من ذلك. فالتشريع الأساسي إنما هو للّه وأصول التشريع الآمرة الناهية هي من عند اللّه سبحانه» (15).
ذلك هو إذن ما نخرج به بكل دقة ودون زيادة أو نقصان أو تجنّ من «تطوير» و «اجتهاد» و «توجه جديد» مزعوم للحركة الأصولية في مواقفها من المرأة وذلك من خلال آخر ما صنّفه ونشره منّظرها الرئيسي في هذا الصدد.
ولابدّ من الاشارة الى أنه قد تعرّض اضافة لما تقدم لمسألة جوهرية في البناء الفكري الأصولي ألا وهي مسألة تعدّد الزوجات التي أعاد تأكيد شرعيتها وضرورتها ومعارضته لمنع التشريع التونسي لها:
«كلمة أخيرة حول تعدّد الزوجات هذا الذي نُظر اليه على انه نقطة ضعف في الاسلام يسهل اتخاذها منطلق هجوم عليه والحق غير ذلك، فالاسلام في كل تشريعاته يقف على أساس صلب من العمل على تحقيق مصلحة الجماعة حتى ولو كان في ذلك ما يؤذي بعض الأفراد...
... فإن فضّلت بعضهن أو جلّهن الاشتراك مع أخرى في زوج واحد تماشيا مع العمل بمبدأ أخفّ الضررين، فبأي حق يتدخل المشرّع لمنعهن من هذا الاختيار الحرّ؟
... أليس في هذا رحمة للمرأة وللمجتمع؟» (16).
وحتى تغلق الدائرة، وتكتمل الصورة، ويتأكد كيف أن الموقف من المرأة مندرج لدى الحركة الأصولية ضمن مشروع مجتمعي وسلطوي كلياني تخضع كل مجالات الحياة الفردية والاجتماعية والسياسية فيه الى سلطة «مقدّسة» لا مجال لمساءلتها او نقدها او التشكيك فيها، فإن المصنّف المذكور يقدم لنا توصيفا دقيقا لطبيعة المجتمع التونسي ولطريقة علاجه الناجعة لوضعه ووضع المرأة التونسية على «الطريق القويم»:
«هذا المجتمع فاسد. نعم هو فاسد بكل مؤسساته... واعتبار ان مجتمعنا هذا لا يحتاج لغير لمسات صغيرة كتطوير الزيّ وإزالة الحمرة حتى يصبح مجتمعنا إسلاميا، هذا وهم خاطئ فالمجتمع الاسلامي هو الذي يتولى اللّه فيه سلطة التشريع، تشريع النظم والقوانين والقيم والموازين، ما تتعلق منها بالفرد والمجتمع والدولة، وما يتعلق بالناحية المادية والروحية» (17).
مراجع:
1) ندوة حول المرأة هيئة 18 أكتوبر / ديسمبر 2006.
2) مقالات ج 1 ط 2 راشد الغنوشي ص 117.
3) المرأة بين القرآن وواقع المسلمين راشد الغنوشي ص 72.
4) ن م ص 72.
5) ن م ص 83.
6) ن م ص 84.
7) ن م ص 75.
8) ن م ص 76.
9) ن م ص 77.
10) ن م ص 78.
11) ن م ص 78.
12) ن م ص 79.
13) ن م ص 118.
14) ن م ص 120.
15) ن م ص 120.
16) ن م ص 98.
17) ن م ص 93.
فتوى سعودية تجيز قتل من يبيح الاختلاط
الرياض أجاز عالم دين سعودي قتل كل من يسمح بالاختلاط بين الرجال والنّساء في ميادين العمل والتعليم. وأكد الشيخ عبد الرحمان البراك في فتوى على موقعه الإلكتروني جواز قتل من يبيح الاختلاط في ميادين العمل والتعليم، واصفا من يقوم بهذا العمل بالإنسان المرتد الكافر الواجب قتله.
كما وصف البراك الرجل الذي يسمح لأخته أو زوجته بالعمل او الدراسة مع الرجال بالشخص «الديوث» أي الذي لا يملك الغيرة على عرضه.
تحذير من فتنة الدعوة إلى الاختلاط
الحمد للّه رب العالمين، وصلى اللّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فأن الاختلاط بين الرجال والنساء في ميادين العمل والتعليم وهو المنشود للعصرانيين حرامٌ، لأنّه يتضمن النظر الحرام والتبرج الحرام والسفور الحرام والخلوة الحرام والكلام الحرام بين الرجال والنساء، وكل ذلك طريق الى ما بعده.
والباعث للعصرانيين الداعين الى هذا الاختلاط أمران:
الأول: النزعة الى حياة الغر ب الكافر، فعقولهم مستغربة، ويريدون تغريب الأمة، بل يريدون فرض هذا التغريب.
الثاني: اتباع الشهوات، قال تعالى: «ويريد الذين يتّبعون الشهوات أن تميلُوا ميْلا عظيمًا».
ومن استحل هذا الاختلاط وإن أدى الى هذه المحرمات فهو مستحل لهذه المحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنّه يصير مرتدا، فيعرّف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله.
وكان تغريب المرأة وحملها على التمرد على أحكام الإسلام وآدابه بإسم تحرير المرأة هو أهمّ وسيلة اتخذوها لتغيير مجتمعات المسلمين وتغريبها ونشر فاحشة الزنا فيها، من خلال مؤسسات الفجور كدور السينما وبيوت الرقص والغناء.
ومما يحسن التنبيه إليه أنّ كل من رضي بعمل إبنته أو أخته أو زوجته مع الرجال أو بالدراسة المختلطة فهو قليل الغيرة على عرضه، وهذا نوع من الدياثة، لأنّه بذلك يرضى بنظر الرّجال الأجانب إليها، وغير ذلك مما يجرّ إليه الاختلاط.
عبد الرحمان بن ناصر البراك
8 ربيع الأول 1431 ه 22 فيفري 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.