أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    إلى أين نحن سائرون؟…الازهر التونسي    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    تعادل الأصفار يخيّم على النجم والإفريقي    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مساواة حقوقيّة أم مساواة حقيقيّة؟
بمناسبة 8 مارس اليوم العالمي للمرأة دفاعا عن تواجد المرأة في مواقع مسؤوليّة: د. عبدالله بن سعد
نشر في الشعب يوم 06 - 03 - 2010

كان المجتمع البشري ينتقل على إمتداد التاريخ الإنساني من تشكيلة إجتماعية إقتصادية إلى أخرى فقد مرّ من المشاعية البدائيّة إلى نظام الرق إلى الإقطاع إلى الرأسمالية وصولا إلى الإشتراكية التي عاشتها وتعيشها بعض أجزاء عالمنا المعاصر والتي ستسود حتما في يوم من الأيام نتيجة التطور الطبيعي للمجتمع.وغني عن التعريف أن عملية التطور هذه كانت مرتبطة شديد الإرتباط بتطور قوى الإنتاج المتمثلة في آلات الإنتاج التي تنتج بواستطها وسائل الحياة المادية والناس الذين يستخدمون هذه الآلات وتجربة الإنتاج المكتسبة وعادات العمل الخاصة(1).
فالمعروف أنه كانت تسود في كل تشكيلة إجتماعية إقتصادية مجموعة من علاقات الإنتاج الإجتماعية تتمثل أساسا في ملكية وسائل الإنتاج ووضع مختلف الفئات الإجتماعية في عملية الإنتاج تلك. ومن المعروف أيضا أن علاقات الإنتاج هذه تتناسب مع مستوى تطور قوى الإنتاج داخل إطار تشكيلة إجتماعية إقتصادية محدّدة تاريخيا. غير أنه يجدر التذكير بأن قوى الإنتاج دائمة التطور ، وبما أنها كذلك فإن التناقض لا بد وأن يحصل بين قوى الإنتاج الجديدة والقديمة داخل إطار هذه التشكيلة الإجتماعية الإقتصادية أو تلك.
فعلاقات الإنتاج التي كانت جديدة والتي كانت تلعب دورا أساسيا في تطر قوى الإنتاج في بداية تشكيلة ما تصبح قديمة مقارنة بقوى الإنتاج الجديدة التي تطورت داخل تلك التشكيلة ويحصل بذلك التناقض الذي يتمثل حلّه في تطور علاقات الإنتاج الإجتماعية حتى تبلغ مستوى قوى الإنتاج الجديدة كي يحدث الترابط بينهما وبالتالي ولادة علاقات إنتاجية جديدة تتناسب مع تلك القوى.
لكن ما يجدر التأكيد عليه أن هذه العلاقات الإنتاجية الإجتماعية وبإعتبارها التعبير الحقيقي عن ملكية وسائل الإنتاج تمثل مصالح الطبقات الإجتماعية المستفيدة من هذه الملكية التي لا تدخر جهدا لتدافع عن نفسها بكل شراسة ويحصل بذلك التصادم بين علاقات الإنتاج القديمة وقوى الإنتاج الجديدة في شكل صراع بين طبقة/طبقات إجتماعية ذات المصلحة في الحفاظ على تلك العلاقات وبين طبقة/طبقات إجتماعية معبرة عن تطور قوى الإنتاج وذات المصلحة في تطوير تلك العلاقات. ويؤكد ماركس على ذلك بالقول ?إنّ البشر أثناء الإنتاج الإجتماعي لمعيشتهم يقيمون فيما بينهم علاقات معيّنة ضرورية مستقلّة عن إرادتهم. وتطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معيّنة من تطوّر قواهم المنتجة المادية. وعندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة في تطورها ، تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج القائمة أي مع علاقات التملك وليست هذه إلاّ التعبير الحقوقي عن تلك التي كانت تتحرك في كنفها حتى ذلك الحين. فبعد أن كانت هذه العلاقات إشكالا لتطور القوى المنتجة تصبح قيودا لهذه القوى وينفتح عندئذ عهد ثورة إجتماعية(2). ولن نأتي بجديد إذا قلنا بأنّ التاريخ البشري هو تاريخ صراع الطبقات ، صراع بين طبقات مستغلّة (بفتح الغين) ومستغلّة (بكسر الغين) ، بين طبقات سائدة وطبقات مسودة ؛ بإعتبار وأن هذا الصراع هو الذي لعب دور المحرك للتاريخ عبر الإنتقال من تشكيلة إجتماعيّة إقتصادية إلى تشكيلة أخرى.
2. موقع المرأة داخل عمليّة تطوّر العلاقات الإنتاجيّة الإجتماعيّة
في الطور الأول من المجتمع البشري ، عصر المشاعة البدائية ، حافظ الناس على نظام الحياة الجماعي المسمّى أيضا القطيع البشري البدائي »النّقيل« الذي كان يتناسب مع متطلّبات القوى المنتجة في ذلك العصر. فالإنسان الذي لم تكن تتوفر لديه إلا بعض أدوات العمل البدائية كان مجبرا على العيض متحدا مع مجموعة كبيرة من الناس لتستمر حياته. إذ أنّ المردود الضعيف للعمل يحتّم على جميع أعضاء العشيرة المشاركة في إنتاج السّلع والخيرات المادّية ممّا حدّد بدوره تشكّل الملكيّة الجماعيّة لوسائل الإنتاج وأدواته ومن ثمّ كانت السّلع والخيرات المادّية الناتجة عن العمل الجماعي توزع بين الجميع بالتساوي وعليه لم تكن المشاعة البدائية تعرف أي شكل آخر للمكية غير الملكية الجماعية(3).
وكان هذا النمط الجماعي في الحياة لا يتطلب أي تقسيم للعمي بين الرجل والمرأة إذ كان كل أعضاء القطيع البشري ، بقطع النظر عن الجنس (أنثى ذكر) أو السن (شاب شيخ) مطالبين بالمشاركة في جميع الأنشطة سهلة كانت أم صعبة من أجل الحصول على إحتياجاتهم المادية. إلا أن إختراع أدوات جديدة مثل النشاب والرمح وهو ما يعني تطور قوى الإنتاج سهل على الإنسان في ذلك العصر إقتحام مرحلة ما عرف بالصيد النشيط الذي يمثل مصدرا أساسيا من مصادر الحصول على القوت.
وجرى نتيجة لهذا التطور أول تقسيم للعمل على أساس الجنس. ففي حين إنصرف الرجال إلى الصيد ليؤمنوا اللحم للأكل والجلود للباس تفرغت النساء لتأدية مهام أخرى ضرورية للجماعة مثل قطف ولقط وجمع النبات والصيد المائي والأشغال المنزلية. وأهم ما يلفت الإنتباه أن تطور قوى الإنتاج هذا أدى إلى تغيير ملموس داخل المجتمع البشري البدائي فقد »حلت محل القطيع البشري البدائي جماعة إنتاجية أكثر متانة هي المشاعة العشيرية أو العشيرة وكان يربط أعضاء المشاعة العشيرية فيما بينهم العمل المشترك والتقسيم الطبيعي للعمل بين الرجال والنساء والواجبات المشتركة داخل الجماعة«(4).
وبما أن موضوع حديثنا هو المرأة فإن تقسيم العمل بين الرجال والنساء أدى إلى بروز الدور الإقتصادي المرموق للمرأة لأن نشاطها الإقتصادي (قطف ولقط وجمع النبات والصيد المائي) شكل مصدرا مضمونا لمقومات حياة المجموعة خلافا لنشاط الرجال (الصيد البري) الذي كان رهنا للصدفة وبالتالي لم يكن مضمون النتيجة.
مسألة أخرى نتجت عن هذا التطور وتتعلق بظهور تنظيم جديد للعلاقات الزوجية بين الرجال والنساء ففي الوقت الذي كانت فيه العلاقات الجنسية إباحية وبلا ضوابط في مرحلة القطيع البشري البدائي ، وقع إعتماد نوع من التنظيم لهذه العلاقات مثل تحريم زواج الأقارب من درجة معينة مثل الزواج من الآباء والأولاد وكذلك بين الأخوة والأخوات وبذلك بدأت تضيق دائرة الزواج. غير أن ضيق دائرة الزواج أدى إلى بروز شكل الزواج الجماعي حيث يتزوج عدد من الرجال لا رابط بينهم بعدد من النساء لا رابط بينهن. وطبيعي أنه لم يكن ممكنا معرفة والد الطفل بدقة في حين كان ممكنا معرفة أمه بدقة وبالتالي لم يكن يتم الإعتراف إلا بنسب الأولاد إلى أمهم. على هذا الأساس لعب الإعتراف بنسب الأولاد إلى أمهم والدور الإقتصادي البارز للمرأة الذي أشرنا إليه آنفا إلى تعزيز موقع المرأة الريادي في المشاعة البدائية لذلك أطق على ذاك النظام الإجتماعي إسم النظام الأمومي.
نعم في مرحلة م من التاريخ كانت المرأة هي التي تقود المجتمع وليس الرجل وهو ما يفند مقولة أنها ناقصة عقلا ، فهلا يستوعب دعاة معتنقي ومروجي مقولة دونية المرأة دروس التاريخ ؟ ونعود لنقول بأن الإنسان البدائي بإستمراره في تطوير وسائل الإنتاج وزيادة إنتاجية العمل الإجتماعي وبالتالي تطوير قواه المنتجة ومن ثم بداية تحويل المعركة لصالحه في علاقته بالطبيعة لم لكن يعي أنه كان بذلك يوفر الشروط الموضوعية للتلاشي التدريجي لعلاقات الإنتاج الجماعية أي إلى الإنحلال التدريجي للمشاعة البدائية.
فقد تطورت وسائل الإنتاج لتمر من دق الأحجار وطرقها للحصول على نصال حادة وقع تجهيزها بمقابض خشبية إلى إكتشاف الحديد والنحاس والبرونز التي وقع الإستعاضة بها في صنع أدوات الإنتاج بدلا من الحجارة مرورا بصناعة أدوات قاطعة مثل الحراب والسواطير والمناجل وهو ما أدى إلى الرفع من وتيرة العمل وإنتاجيته.
أما أهم تطوير فهو الذي شمل الزراعة في شكلها البدائي حيث بدأت عمليات البذر الأولي بجانب مصاب المياه من ناحية وبداية أولى عمليات تدجين الحيوانات وتربيتها أهليا وخاصة الطيور الداجنة من ناحية أخرى وبذلك أصبحت الزراعة تمثل العمود الفقري للإقتصاد البدائي حيث أصبح بإمكان الإنسان تكوين إحتياطاته الغذائية تلافيا لغدر الطبيعة.
ونتج عن ذلك ظهور أول تقسيم إجتماعي للعمل في التاريخ بإعتبار إنقسام العشائر إلى عشائر زراعية وعشائر رعاة.
وإذا كان التقسيم الأول للعمل حسب الجنس قد أدى إلى بروز دور المرأة الإقتصادي وتعزيز مركزها القيادي في المشاعة كما أسلفنا الذكر فقد أدى التقسيم الإجتماعي للعمل إلى تراجع هذا الدور الإقتصادي وبالتالي فقدان المرأة مركزها القيادي لصالح الرجل. إذ أن تدجين الحيوانات وتربيتها تماما مثل قنصها في بداية الحياة المشاعية عملا يمارسه الرجل كما زاد في تعزز موقع الرجل أكثر فأكثر عندما أصبحت الزراعة تمثل القطاع الأساسي في الإنتاج خاصة منذ إكتشاف المحراث البدائي وإستعماله حيث أضحت الزراعة إختصاصا رجاليا بصورة تكاد تكون نهائية. وهكذا وقع دفع المرأة إلى الصف الورائي في عملية الإنتاج الإجتماعي وإقتصر دورها على الإنجاب والعناية بشؤون المنزل وحلّ بذلك النظام الأبوي محل النظام الأمومي.
هذه هي الجذور التاريخية للتقسيم الإجتماعي للعمل بين المرأة والرجل في عصر المشاعة البدائية الشيء الذي وقع تثبيته نهائيا في المراحل الأخرى لتطور المجمتع وخاصة منذ ظهور نظام الرقي الطبقي الذي تلا المشاعة البدائية. وقد دشن ظهور الرق عهدا تاريخيا جديدا جوهره بداية إستغلال الإنسان للإنسان بإعتبار إنتقال وسائل الإنتاج من الملكية الجماعية في عهد المشاعة إلى الملكية الخاصة في عهد الرق وظهور طبقة سادة الأرقاء مالكي وسائل الإنتاج. ومن نوافل القول أن تطور الملكية الخاصة كان هو السبب في إنقسام المجتمع إلى طبقات وبالتالي ظهور الإضطهاد الطبقي.
ومنذ ذلك التاريخ بدأ مسلسل إضطهاد المرأة بل عاشت وتعيش المرأة عبر الأنظمة العبودية والإقطاعية والرأسمالية إضطهادا مزدوجا ، إضطهاد ضمن إطار المجتمع وإضطهاد ضمن إطار الأسرة. ولو »نحن تصورنا إمكانية تكثيف كل الإضطهادات التي عانى منها الإنسان على مر العصور في إضطهاد واحد لقلنا أن هذا الإضطهاد المكثف هو إضطهاد المرأة«(5).
فالمرأة في المجتمع الطبقي ليست مضطهدة فقط بل هي مضطهدة المضطهدين فهي مضطهدة الرجل المضطهد (بفتح الطاد) ولن يتغير وضعها كثيرا إذا أصبحت مضطهدة الرجل »الحر« في المجتمع البورجوازي.
هذا وقد كرست كل التشريعات البدائية ثم كل الأديان بدون إستثناء ودون محاججة دونية المرأة وتبعيتها للرجل وحصرت مهمتها في الإنسال وتربية الأطفال وبالتالي سجنها في البيت. بل بالغت مختلف الأديان دون إستثناء في إذلالها وإحتقارها فحملتها وزر الخطيئة الأولى وإعتبرتها مفسدة الإنسان وفخ الشيطان ودعت إلى تعنيفها جسديا بضربها وتعنيفها منويا بهجرها في الفراش «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن في المضاجع وأضربوهن»(سورة النساء ، الآية 34).
إن قراءة هذه الأسطر يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الإشتراكية العلمية هي وحدها التي بشّرت بعالم يتحرّر فيه الإنسان (رجلا كان ام إمرأة) نهائيا من كل إضطهاد وعذاب. نظام إشتراكي لم تعرف الأنظمة الإجتماعية الأخرى أي أنموذج قريب منه. وليس من قبيل الصدفة أن يكون ماركس وأنجلس مؤسّسا الإشتراكية العلمية قد إكتشفا سرّ إضطهاد المرأة نتيجة تطور الملكية الخاصة وركّزا إهتمامهما حول الرسالة التاريخية للطبقة العاملة بإعتبارها الطبقة الوحيدة المؤهلة إلى هدم عالم الإضطهاد القائم وبناء عالم إشتراكي متحرر من كل إستلاب تتحقق فيه إنسانية منعتقة ، منسجمة مع نفسها وتستمد قوتها من وحدتها.
3. واقع المرأة في ظل العولمة الليبرالية : الخضوع لعملية إستغلال مركّب
لا يختلف إثنان في أن النظام الرأسمالي عندما يقوم بعملية الإنتاج لا يهدف إلى تلبية الحاجيات الإجتماعية للإنسان بل فقط إلى تنمية ثروات الرأسماليين. فالسباق نحو الربح الاقصى هو القوة المحركة للرأسمالية تطبيقا لمقولة دعه يعمل دعه يمر.
ورغبة منه في جني أكبر الأرباح ، يعمد الرأسمالي إلى زيادة إنتاجه عبر الإستغلال الفاحش للعمال (نساءا ورجالا) وقد أكد أنجلز على ذلك بالقول »إن كل خطوة إلى الأمام في الإنتاج هي في الوقت ذاته خطوة إلى الوراء في وضع الطبقة العاملة«(6).
ففي المجتمع البورجوازي وبالرغم من بعض الحقوق السياسية التي نالتها المرأة ، والتي حصلت عليها في الحقيقة نتيجة نضالاتها وتضحياتها أو نتيجة التأثير الإيجابي لثورة أكتوبر العظيمة على البلدان الراسمالية ، وبالرغم من تمتعها بشيء من المساواة الحقوقية وبالرغم من فتح باب عديد المهن أمامها فإنها لا تزال كائنا مستغلا مضطهدا وتابعا للرجل فهي تحمل لقبه بعد الزواج والأبناء الذين تنجبهم يحملون نسب الرجل ، في كلمة حياتها كلها مرهونة بالتبعية للرجل. فالمرأة في واقع الأمر لا تملك غير حريات جزئية تسهّل عمليّة إستغلالها. فرغم ما يتشدق به منظروا الليبرالية اليوم وماسكوا السلطة في البلدان الرأسمالية أو في المستعمرات وأشباه المستعمرات من دفاعهم عن المساواة بين المرأة والرجل وتنصيصهم على إلغاء التمييز على أساس الجنس في الشرائع الدستورية ورغم مصادقتهم على المواثيق العالمية من ميثاق الأمم المتحدة إلى البيان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الحقوق الإقتصادية والإجتماعية وغيرها من المواثيق الدولية التي تنص على المساواة في الأجر ورعاية الأمومة وحظر العمل الليلي وغيرها فإنه غني عن البيان أن المرسوم الحقوقي لا يحدث أي تغيير ثوري في وضعية المرأة ولا يعدّل ميزان القوى السياسية في بلد ما تعديلا جوهريا فعلى سبيل المثال وعند الإنتخابات لا تصوت المرأة على اساس الجنس ولكن على أساس إنتمائها الطبقي لهذه الطبقة أو تلك. وحده التعديل الذي ياتي ثمرة الثورة الإجتماعية يمكن ان يغير من موقع المرأة/السلعة كما يريدها الرأسماليون أو المرأة/العبدة كما ينظّر لها الإسلاميون إلى موقع المرأة/الإنسان كما يعمل من أجله الشيوعيون بكل حزم «ذلك أن تحويل البنية الفوقية في هذه البلدان يتطلب من الجهود والوقت والأصالة الثورية أضعاف ما يتطلبه تحويل البنية التحتية. وفي مركز القلب من البنية الفوقية تقف قضية تحرّر المرأة. فبقدر ما يكون تحررها مشروطا بتحرر المجتمع ، يكون شارطا له في الوقت نفسه. وهذا التحرر شانه شان كل صيرورة ثورية لا بد أن تتوفر له الإرادة الذاتية والشروط الموضوعية»(7).
لذلك تلعب المرأة اليوم دورا رياديا من أجل المساهمة في إنجاز الثورة الإشتراكية في البلدان الرأسمالية إقتناعا منها بأن تحررها الكامل ومساواتها الحقيقية مع الرجل لا يتحقق إلا في ظل النظام الإشتراكي حيث يشهد التاريخ على أن البلدان التي سارت في طريق الإشتراكية وأولها الإتحاد السوفياتي أصدرت مع أول قرارات التأميم ، قوانين جديدة للأحوال الشخصية وللزواج والعلاقات العائلية وحقوق المرأة في النسب والإرث وغيرها من الحقوق. كما تلعب المرأة أيضا دورا لا يضاهيه حتى دور الرجل في العديد من حركات التحرر الوطني في المستعمرات وأشباه المستعمرات من أجل التحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي (على سبيل الذكر لا الحصر تمثل المرأة نسبة 60 % من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في تركيا أما في فلسطين فلسنا في حاجة إلى التذكير بالدور الذي لعبته المرأة في صياغة التاريخ الوطني لشعبنا العربي هناك فلم تكن مشاركتها مقصورة على إنجاب وإعداد الرجال الذين صنعوا التاريخ ولكنها كانت دوما في الخنادق الأمامية محرّضة وداعمة ومقاتلة وشهيدة بل إعتبرت المرأة في فلسطين دفء الثورة ، في ظل تراكم التناقضات ، بديلا لدفء العائلة ومن هذه الطاقة عبرت بثقلها إلى ساحة المعركة في السنوات الأخيرة لتنفّذ العمليّات الإستشهادية بكل إقتدار وتعانق الأرض وهي تصيح بدمها الأحمر القاني هذه أرضنا والنصر لنا حقيقة من ذهب). هكذا يتّضح إذا أنّ التفريق على أساس الجنس ذكر/أنثى ناتج عن أسباب ثقافيّة مثلما ذكرنا وليس له أيّ علاقة بالأسباب الطبيعيّة مثلما أكّده الباحثان الأمريكيّان بتّي وتيودور روزاك في بحثهما المعنون : ذكورة/أنوثة» حيث لخّصا العلاقة التي يحدّدها المجتمع للذكر والأنثى بكلمات معبّرة تقول : «يلعب هو دور الذكر تلعب هي دور الأنثى وهو يلعب دور الذّكر لأنّها تلعب دور الأنثى ، وهي تلعب دور الأنثى لأنّه يلعب دور الذكر. وهو يقوم بدور ذلك النّوع من الرّجل الذي تعتقد هي أنّ نوع المرأة ، الذي تقوم بلعب دوره ، لا بدّ أن تعجب به. وهي تقوم بدور ذلك النّوع من المرأة ، الذي يعتقد هو أنّ الرّجل الذي يقوم بلعب دوره ، لا بدّ أن يرغب فيه. ولو لم يكن يلعب دور الذّكر لكان على الأرجح أشدّ منها أنوثة إلاّ في الحالات التي تكون فيها مسرفة في لعبة الأنوثة.
ولو لم تكن تلعب دور الأنثى لكانت على الأرجح أشدّ منه ذكورة إلاّ في الحالات التّي يكون فيها مسرفا في لعبة الذّكورة. وهكذا يزداد لعبه شدّة ويزداد لعبها نعومة».
الهوامش :
1. جورج بوليتز ، جي بيس ، موريس كافين (ترجمة شعبان بركات) : أصول الفلسفة الماركسيّة.
منشورات المكتبة العصريّة ، بيروت طبعة 1987
2. زوبرتيكي ، كيروف ، متروبرلسكي ترجمة جورج كرابيشي : المشاعة ، الرقّ ، الإقطاع التشكيلات الإجتماعيّة ما قبل الرأسماليّة.
دار الطليعة بيروت ، طبعة أولى 1978
3. كارل ماركس وفريدريك أنجلس : الدّراسات الفلسفيّة.
الطبعة الفرنسيّة ، دار أيديسيون سوسيال باريس ، 1965
4. غازي الخليل : مقدّمات نظريّة حول مسألة المرأة
شؤون فلسطينيّة عدد 63 64 سنة 1977
5. جورج طرابيشي : مقدّمة كتاب المرأة والإشتراكيّة.
دار الآداب 1979
6. فريدريك أنجلس : أصل العائلة والملكيّة الخاصّة والدولة.
الطبعة العربيّة ، دار الفرابي ودار الكتاب العربي دمشق 1958


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.