رسميا/ هذا السياسي يترشح للانتخابات الرئاسية..#خبر_عاجل    محكمة الاستئناف بالمنستير توضّح بخصوص عدم الاستجابة لطلب القاضي أنس الحمايدي    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأحد 5 ماي 2024    عاجل/ "الستاغ" تكشف حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز وتوضح..    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    مختصّ في السرقات والسلب والإعتداء على الأملاك الخاصة والعامة: الكشف عن وفاق إجرامي بالعاصمة    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن..    مستقبل سليمان اتحاد بنقردان (0 1) خبرة الضيوف كانت حاسمة    النجم الساحلي الاتحاد المنستيري (0 0) ..المنستيري يفرض التعادل على النجم    بعد توقف دام 19 عاما: مهرجان الحصان البربري العريق بتالة يعود من جديد    كأس تونس لكرة اليد... «كلاسيكو» من نار بين «ليتوال» والترجي    تفاصيل الاكتتاب في القسط الثاني من القرض الرّقاعي الوطني لسنة 2024    سهرة تنتهي بجريمة قتل شنيعة في المنزه التاسع..    الإدارة الجهوية للتجارة بولاية تونس ترفع 3097 مخالفة خلال 4 أشهر    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    المهدية: الاحتفاظ بشخص محل 15 منشور تفتيش وينشط ضمن شبكة دولية لترويج المخدرات    أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة وحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين    للمرة ال36 : ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات إلى 58 قتيلا و67 مفقودا    زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب شرقي البيرو    طقس اليوم الأحد...أجواء ربيعية    جندوبة: إنطلاق عملية التنظيف الآلي واليدوي لشواطىء طبرقة    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    تونس تشارك في المعرض الدولي 55 بالجزائر (FIA)    الاعتداء على عضو مجلس محلي    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    الرابطة المحترفة الثانية : نتائج مباريات الدفعة الأولى للجولة الحادية والعشرين..    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    تونس العاصمة : الإحتفاظ بعنصر إجرامي وحجز آلات إلكترونية محل سرقة    انتخابات الجامعة:إسقاط قائمتي التلمساني و بن تقية    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    عاجل/ أحدهم ينتحل صفة أمني: الاحتفاظ ب4 من أخطر العناصر الاجرامية    تمّ التحوّز عليه منذ حوالي 8 سنوات: إخلاء مقر المركب الشبابي بالمرسى    روسيا تُدرج الرئيس الأوكراني على لائحة المطلوبين لديها    4 ماي اليوم العالمي لرجال الإطفاء.    صفاقس :ندوة عنوانها "اسرائيل في قفص الاتهام امام القضاء الدولي    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    14 قتيلا جراء فيضانات... التفاصيل    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    التوقعات الجوية لليوم    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها (رئيس دائرة الإنتاج الحيواني)    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المطلوب مساواة حقوقية أم مساواة حقيقية
الجذور التاريخية لاضطهاد المرأة:
نشر في الشعب يوم 19 - 03 - 2011

تصدير»إنّ الطابع النوعي لسيطرة الزوج على الزوجة في الأسرة الحديثة وضرورة تساويهما الحقيقي في المجتمع والصورة التي تتحقق بها هذه الضرورة ، لن تتجلى تمام التجلي إلاّ في اليوم الذي سيصبح الطرفان متساويين مطلق التّساوي من وجهة النظر الحقوقية. وسيتضح آنذاك أن الشرط الأول لانعتاق المرأة هو إعادة دمج كل الجنس المؤنّث بالنشاطات العامّة«.
فريدريك أنجلس أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة
1) مدخل نظري
كان المجتمع البشري ينتقل على امتداد التاريخ الإنساني من تشكيلة اجتماعية اقتصادية إلى أخرى فقد مرّ من المشاعية البدائيّة إلى نظام الرق إلى الإقطاع إلى الرأسمالية وصولا إلى الاشتراكية التي عاشتها وتعيشها بعض أجزاء عالمنا المعاصر والتي ستسود حتما في يوم من الأيام نتيجة التطور الطبيعي للمجتمع.وغني عن التعريف أن عملية التطور هذه كانت مرتبطة أشدّ الارتباط بتطور قوى الإنتاج المتمثلة في آلات الإنتاج التي تنتج بواستطها وسائل الحياة المادية والناس الذين يستخدمون هذه الآلات وتجربة الانتاج المكتسبة وعادات العمل الخاص(1) .
فالمعروف أنه كانت تسود في كل تشكيلة اجتماعية اقتصادية مجموعة من علاقات الإنتاج الاجتماعية تتمثل أساسا في ملكية وسائل الإنتاج ووضع مختلف الفئات الاجتماعية في عملية الإنتاج تلك. ومن المعروف أيضا أن علاقات الإنتاج هذه تتناسب مع مستوى تطور قوى الإنتاج داخل إطار تشكيلة اجتماعية اقتصادية محدّدة تاريخيا. غير أنه يجدر التذكير بأن قوى الإنتاج دائمة التطور ، وبما أنها كذلك فإن التناقض لا بد أن يحصل بين قوى الإنتاج الجديدة والقديمة داخل إطار هذه التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية أو تلك.
فعلاقات الإنتاج التي كانت جديدة والتي كانت تلعب دورا أساسيا في تطوّر قوى الإنتاج في بداية تشكيلة ما تصبح قديمة مقارنة بقوى الإنتاج الجديدة التي تطورت داخل تلك التشكيلة ويحصل بذلك التناقض الذي يتمثل حلّه في تطور علاقات الإنتاج الاجتماعية حتى تبلغ مستوى قوى الإنتاج الجديدة كي يحدث الترابط بينهما وبالتالي ولادة علاقات إنتاجية جديدة تتناسب مع تلك القوى. لكن ما يجدر التأكيد عليه أن هذه العلاقات الإنتاجية الاجتماعية وباعتبارها التعبير الحقيقي عن ملكية وسائل الإنتاج تمثل مصالح الطبقات الاجتماعية المستفيدة من هذه الملكية التي لا تدخر جهدا لتدافع عن نفسها بكل شراسة ويحصل بذلك التصادم بين علاقات الإنتاج القديمة وقوى الإنتاج الجديدة في شكل صراع بين طبقة/طبقات اجتماعية ذات المصلحة في الحفاظ على تلك العلاقات وبين طبقة/طبقات اجتماعية معبرة عن تطور قوى الإنتاج وذات المصلحة في تطوير تلك العلاقات.
ويؤكد ماركس على ذلك بالقول. إنّ البشر أثناء الإنتاج الاجتماعي لمعيشتهم يقيمون فيما بينهم علاقات معيّنة ضرورية مستقلّة عن إرادتهم. وتطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معيّنة من تطوّر قواهم المنتجة المادية. وعندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة في تطورها ، تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج القائمة أي مع علاقات التملك وليست هذه إلاّ التعبير الحقوقي عن تلك التي كانت تتحرك في كنفها حتى ذلك الحين. فبعد أن كانت هذه العلاقات إشكالا لتطور القوى المنتجة تصبح قيودا لهذه القوى وينفتح عندئذ عهد ثورة اجتماعية (2) ولن نأتي بجديد إذا قلنا بأنّ التاريخ البشري هو تاريخ صراع الطبقات ، صراع بين طبقات مستغلّة (بفتح الغين) ومستغلّة (بكسر الغين)، بين طبقات سائدة وطبقات مَسُودَةٍ ؛ باعتبار أنّ هذا الصراع هو الذي لعب دور المحرك للتاريخ عبر الانتقال من تشكيلة اجتماعيّة اقتصادية إلى تشكيلة أخرى.
2) موقع المرأة داخل عمليّة تطوّر العلاقات الانتاجيّة الاجتماعيّة
في الطور الأول من المجتمع البشري ، عصر المشاعة البدائية ، حافظ الناس على نظام الحياة الجماعي المسمّى أيضا القطيع البشري البدائي النّقيل الذي كان يتناسب مع متطلّبات القوى المنتجة في ذلك العصر. فالإنسان الذي لم تكن تتوفر لديه إلا بعض أدوات العمل البدائية كان مجبرا على العيش متحدا مع مجموعة كبيرة من الناس لتستمر حياته. إذ أنّ المردود الضعيف للعمل يحتّم على جميع أعضاء العشيرة المشاركة في إنتاج السّلع والخيرات المادّية ممّا حدّد بدوره تشكّل الملكيّة الجماعيّة لوسائل الإنتاج وأدواته ومن ثمّ كانت السّلع والخيرات المادّية الناتجة عن العمل الجماعي توزع بين الجميع بالتساوي وعليه لم تكن المشاعة البدائية تعرف أي شكل آخر للمكية غير الملكية الجماعية (3).
وكان هذا النمط الجماعي في الحياة لا يتطلب أي تقسيم للعمل بين الرجل والمرأة إذ كان كل أعضاء القطيع البشري ، بقطع النظر عن الجنس (أنثى ذكر) أو السن (شاب شيخ) مطالبين بالمشاركة في جميع الأنشطة سهلة كانت أم صعبة من أجل الحصول على احتياجاتهم المادية. إلا أن اختراع أدوات جديدة مثل النشاب والرمح وهو ما يعني تطور قوى الإنتاج سهل على الإنسان في ذلك العصر اقتحام مرحلة ما عرف بالصيد النشيط الذي يمثل مصدرا أساسيا من مصادر الحصول على القوت. وجرى نتيجة لهذا التطور أول تقسيم للعمل على أساس الجنس. ففي حين انصرف الرجال إلى الصيد ليؤمنوا اللحم للأكل والجلود للباس تفرغت النساء لتأدية مهام أخرى ضرورية للجماعة مثل قطف ولقط وجمع النبات والصيد المائي والأشغال المنزلية. وأهم ما يلفت الانتباه أن تطور قوى الإنتاج هذا أدى إلى تغيير ملموس داخل المجتمع البشري البدائي فقد حلّت محل القطيع البشري البدائي جماعة إنتاجية أكثر متانة هي المشاعة العشيرية أو العشيرة وكان يربط أعضاء المشاعة العشيرية فيما بينهم العمل المشترك والتقسيم الطبيعي للعمل بين الرجال والنساء والواجبات المشتركة داخل الجماعة (4) وبما أن موضوع حديثنا هو المرأة فإن تقسيم العمل بين الرجال والنساء أدى إلى بروز الدور الإقتصادي المرموق للمرأة لأن نشاطها الاقتصادي (قطف ولقط وجمع النبات والصيد المائي) شكل مصدرا مضمونا لمقومات حياة المجموعة خلافا لنشاط الرجال (الصيد البرّي) الذي كان رهنا للصدفة وبالتالي لم يكن مضمون النتيجة.
مسألة أخرى نتجت عن هذا التطور وتتعلق بظهور تنظيم جديد للعلاقات الزوجية بين الرجال والنساء ففي الوقت الذي كانت فيه العلاقات الجنسية إباحية وبلا ضوابط في مرحلة القطيع البشري البدائي ، وقع اعتماد نوع من التنظيم لهذه العلاقات مثل تحريم زواج الأقارب من درجة معينة مثل الزواج من الآباء والأولاد وكذلك بين الأخوة والأخوات وبذلك بدأت تضيق دائرة الزواج. غير أن ضيق دائرة الزواج أدى إلى بروز شكل الزواج الجماعي حيث يتزوج عدد من الرجال لا رابط بينهم بعدد من النساء لا رابط بينهن. وطبيعي أنه لم يكن ممكنا معرفة والد الطفل بدقة في حين كان ممكنا معرفة أمه بدقة وبالتالي لم يكن يتم الاعتراف إلا بنسب الأولاد إلى أمهم.
على هذا الأساس لعب الاعتراف بنسب الأولاد إلى أمهم والدور الاقتصادي البارز للمرأة الذي أشرنا إليه آنفا إلى تعزيز موقع المرأة الريادي في المشاعة البدائية لذلك أطق على ذاك النظام الاجتماعي إسم النظام الأمومي.
نعم في مرحلة من التاريخ كانت المرأة هي التي تقود المجتمع وليس الرجل وهو ما يفند مقولة أنها ناقصة عقلا ، فهلا يستوعب دعاة معتنقي ومروجي مقولة دونية المرأة دروس التاريخ ؟ ونعود لنقول بأن الإنسان البدائي باستمراره في تطوير وسائل الإنتاج وزيادة إنتاجية العمل الاجتماعي وبالتالي تطوير قواه المنتجة ومن ثم بداية تحويل المعركة لصالحه في علاقته بالطبيعة لم لكن يعي أنه كان بذلك يوفر الشروط الموضوعية للتلاشي التدريجي لعلاقات الإنتاج الجماعية أي إلى الانحلال التدريجي للمشاعة البدائية.
فقد تطورت وسائل الإنتاج لتمر من دق الأحجار وطرقها للحصول على نصال حادة وقع تجهيزها بمقابض خشبية إلى اكتشاف الحديد والنحاس والبرونز التي وقع الاستعاضة بها في صنع أدوات الإنتاج بدلا من الحجارة مرورا بصناعة أدوات قاطعة مثل الحراب والسواطير والمناجل وهو ما أدى إلى الرفع من وتيرة العمل وإنتاجيتة.
أما أهم تطوير فهو الذي شمل الزراعة في شكلها البدائي حيث بدأت عمليات البذر الأولي بجانب مصاب المياه من ناحية وبداية أولى عمليات تدجين الحيوانات وتربيتها أهليا وخاصة الطيور الداجنة من ناحية أخرى وبذلك أصبحت الزراعة تمثل العمود الفقري للاقتصاد البدائي حيث أصبح بإمكان الإنسان تكوين احتياطاته الغذائية تلافيا لغدر الطبيعة.
ونتج عن ذلك ظهور أول تقسيم اجتماعي للعمل في التاريخ باعتبار إنقسام العشائر إلى عشائر زراعية وعشائر رعاة. وإذا كان التقسيم الأول للعمل حسب الجنس قد أدى إلى بروز دور المرأة الاقتصادي وتعزيز مركزها القيادي في المشاعة كما أسلفنا الذكر فقد أدى التقسيم الاجتماعي للعمل إلى تراجع هذا الدور الاقتصادي وبالتالي فقدان المرأة مركزها القيادي لصالح الرجل. إذ أن تدجين الحيوانات وتربيتها تماما مثل قنصها في بداية الحياة المشاعية عملا يمارسه الرجل كما زاد في تعزز موقع الرجل أكثر فأكثر عندما أصبحت الزراعة تمثل القطاع الأساسي في الإنتاج خاصة منذ اكتشاف المحراث البدائي واستعماله حيث أضحت الزراعة اختصاصا رجاليا بصورة تكاد تكون نهائية.
وهكذا وقع دفع المرأة إلى الصف الورائي في عملية الإنتاج الاجتماعي واقتصر دورها على الإنجاب والعناية بشؤون المنزل وحلّ بذلك النظام الأبوي محل النظام الأمومي.
هذه هي الجذور التاريخية للتقسيم الاجتماعي للعمل بين المرأة والرجل في عصر المشاعة البدائية الشيء الذي وقع تثبيته نهائيا في المراحل الأخرى لتطور المجمتع وخاصة منذ ظهور نظام الرقي الطبقي الذي تلا المشاعة البدائية. وقد دشن ظهور الرق عهدا تاريخيا جديدا جوهره بداية استغلال الإنسان للإنسان باعتبار انتقال وسائل الإنتاج من الملكية الجماعية في عهد المشاعة إلى الملكية الخاصة في عهد الرق وظهور طبقة سادة الأرقاء مالكي وسائل الإنتاج. ومن نوافل القول أن تطور الملكية الخاصة كان هو السبب في انقسام المجتمع إلى طبقات وبالتالي ظهور الاضطهاد الطبقي.
ومنذ ذلك التاريخ بدأ مسلسل اضطهاد المرأة بل عاشت وتعيش المرأة عبر الأنظمة العبودية والإقطاعية والرأسمالية إضطهادا مزدوجا ، اضطهاد ضمن إطار المجتمع واضطهاد ضمن إطار الأسرة. ولو نحن تصورنا إمكانية تكثيف كل الاضطهادات التي عانى منها الإنسان على مر العصور في إضطهاد واحد لقلنا إنّ هذا الاضطهاد المكثف هو اضطهاد المرأة(5) .
فالمرأة في المجتمع الطبقي ليست مضطهدة فقط بل هي مضطهدة المضطهدين فهي مضطهدة الرجل المضطهد (بفتح الطاد) ولن يتغير وضعها كثيرا إذا أصبحت مضطهدة الرجل الحر في المجتمع البورجوازي. هذا وقد كرست كل التشريعات البدائية ثم كل الأديان دون استثناء ودون محاججة دونية المرأة وتبعيتها للرجل وحصرت مهمّتها في الإنسال وتربية الأطفال وبالتالي سجنها في البيت. بل بالغت مختلف الأديان دون استثناء في إذلالها واحتقارها فحملتها وزر الخطيئة الأولى واعتبرتها مفسدة الإنسان وفخ الشيطان ودعت إلى تعنيفها جسديا بضربها وتعنيفها منويا بهجرها في الفراش »واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن« (سورة النساء ، الآية 34).
إن قراءة هذه الأسطر يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الاشتراكية العلمية هي وحدها التي بشّرت بعالم يتحرّر فيه الإنسان (رجلا كان ام إمرأة) نهائيا من كل اضطهاد وعذاب. نظام اشتراكي لم تعرف الأنظمة الاجتماعية الأخرى أي أنموذج قريب منه. وليس من قبيل الصدفة أن يكون ماركس وأنجلس مؤسّسا الاشتراكية العلمية قد اكتشفا سرّ اضطهاد المرأة نتيجة تطور الملكية الخاصة وركّزا اهتمامهما حول الرسالة التاريخية للطبقة العاملة باعتبارها الطبقة الوحيدة المؤهلة إلى هدم عالم الإضطهاد القائم وبناء عالم اشتراكي متحرر من كل استلاب تتحقق فيه إنسانية منعتقة ، منسجمة مع نفسها وتستمد قوتها من وحدتها.
3) واقع المرأة في ظل العولمة الليبرالية : الخضوع إلى عمليّة استغلال مركّب
لا يختلف إثنان في أن النظام الرأسمالي عندما يقوم بعملية الإنتاج لا يهدف إلى تلبية الحاجيات الاجتماعية للإنسان بل فقط إلى تنمية ثروات الرأسماليين. فالسباق نحو الربح الاقصى هو القوة المحركة للرأسمالية تطبيقا لمقولة »دعه يعمل دعه يمر«.
ورغبة منه في جني أكبر الأرباح ، يعمد الرأسمالي إلى زيادة إنتاجه عبر الاستغلال الفاحش للعمال (نساءً ورجالا) وقد أكد أنجلز على ذلك بالقول إن كل خطوة إلى الأمام في الإنتاج هي في الوقت ذاته خطوة إلى الوراء في وضع الطبقة العاملة(6) .
ففي المجتمع البورجوازي ورغم بعض الحقوق السياسية التي نالتها المرأة ، والتي حصلت عليها في الحقيقة نتيجة نضالاتها وتضحياتها أو نتيجة التأثير الإيجابي لثورة أكتوبر العظيمة على البلدان الراسمالية ، ورغم من تمتعها بشيء من المساواة الحقوقية ورغم فتح باب عديد المهن أمامها فإنها لا تزال كائنا مستغلا مضطهدا وتابعا للرجل فهي تحمل لقبه بعد الزواج والأبناء الذين تنجبهم يحملون نسب الرجل ، في كلمة حياتها كلها مرهونة بالتبعية للرجل. فالمرأة في واقع الأمر لا تملك غير حريات جزئية تسهّل عمليّة استغلالها. فرغم ما يتشدق به منظرو الليبرالية اليوم وماسكو السلطة في البلدان الرأسمالية أو في المستعمرات وأشباه المستعمرات من دفاعهم عن المساواة بين المرأة والرجل وتنصيصهم على إلغاء التمييز على أساس الجنس في الشرائع الدستورية ورغم مصادقتهم على المواثيق العالمية من ميثاق الأمم المتحدة إلى البيان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المواثيق الدولية التي تنص على المساواة في الأجر ورعاية الأمومة وحظر العمل الليلي وغيرها فإنه غني عن البيان أنّ المرسوم الحقوقي لا يحدث أي تغيير ثوري في وضعية المرأة ولا يعدّل ميزان القوى السياسية في بلد ما تعديلا جوهريا فعلى سبيل المثال وعند الإنتخابات لا تصوت المرأة على اساس الجنس ولكن على أساس انتمائها الطبقي لهذه الطبقة أو تلك. وحده التعديل الذي ياتي ثمرة الثورة الاجتماعية يمكن ان يغير من موقع المرأة/السلعة كما يريدها الرأسماليون أو المرأة/العبدة كما ينظّر لها الإسلاميون إلى موقع المرأة/الإنسان كما يعمل من أجله الشيوعيون بكل حزم »ذلك أن تحويل البنية الفوقية في هذه البلدان يتطلب من الجهود والوقت والأصالة الثورية أضعاف ما يتطلبه تحويل البنية التحتية. وفي مركز القلب من البنية الفوقية تقف قضية تحرّر المرأة. فبقدر ما يكون تحررها مشروطا بتحرر المجتمع ، يكون شارطا له في الوقت نفسه. وهذا التحرر شانه شان كل صيرورة ثورية لا بد أن تتوفر له الإرادة الذاتية والشروط الموضوعية« (7).
لذلك تلعب المرأة اليوم دورا رياديا من أجل المساهمة في إنجاز الثورة الاشتراكية في البلدان الرأسمالية اقتناعا منها بأن تحررها الكامل ومساواتها الحقيقية مع الرجل لا يتحقق إلا في ظل النظام الاشتراكي حيث يشهد التاريخ على أن البلدان التي سارت في طريق الاشتراكية وأولها الاتحاد السوفياتي أصدرت مع أول قرارات التأميم ، قوانين جديدة للأحوال الشخصية وللزواج والعلاقات العائلية وحقوق المرأة في النسب والإرث وغيرها من الحقوق. كما تلعب المرأة أيضا دورا لا يضاهيه حتى دور الرجل في العديد من حركات التحرر الوطني في المستعمرات وأشباه المستعمرات من أجل التحرر الوطني والانعتاق الإجتماعي (على سبيل الذكر لا الحصر تمثل المرأة نسبة 60٪ من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في تركيا أما في فلسطين فلسنا في حاجة إلى التذكير بالدور الذي لعبته المرأة في صياغة التاريخ الوطني لشعبنا العربي هناك فلم تكن مشاركتها مقصورة على إنجاب وإعداد الرجال الذين صنعوا التاريخ ولكنها كانت دوما في الخنادق الأمامية محرّضة وداعمة ومقاتلة وشهيدة بل اعتبرت المرأة في فلسطين دفء الثورة ، في ظل تراكم التناقضات ، بديلا لدفء العائلة ومن هذه الطاقة عبرت بثقلها إلى ساحة المعركة في السنوات الأخيرة لتنفّذ العمليّات الاستشهادية بكل اقتدار وتعانق الأرض وهي تصيح بدمها الأحمر القاني هذه أرضنا والنصر لنا حقيقة من ذهب). هكذا يتّضح إذا أنّ التفريق على أساس الجنس ذكر/أنثى ناتج عن أسباب ثقافيّة مثلما ذكرنا وليس له أيّ علاقة بالأسباب الطبيعيّة مثلما أكّده الباحثان الأمريكيّان »بتّي وتيودور روزاك« في بحثهما المعنون: ذكورة/أنوثة »حيث لخّصا العلاقة التي يحدّدها المجتمع للذكر والأنثى بكلمات معبّرة تقول: »يلعب هو دور الذكر تلعب هي دور الأنثى وهو يلعب دور الذّكر لأنّها تلعب دور الأنثى ، وهي تلعب دور الأنثى لأنّه يلعب دور الذكر. وهو يقوم بدور ذلك النّوع من الرّجل الذي تعتقد هي أنّ نوع المرأة ، الذي تقوم بلعب دوره ، لا بدّ أن تعجب به. وهي تقوم بدور ذلك النّوع من المرأة ، الذي يعتقد هو أنّ الرّجل الذي يقوم بلعب دوره ، لا بدّ أن يرغب فيه. ولو لم يكن يلعب دور الذّكر لكان على الأرجح أشدّ منها أنوثة إلاّ في الحالات التي تكون فيها مسرفة في لعبة الأنوثة. ولو لم تكن تلعب دور الأنثى لكانت على الأرجح أشدّ منه ذكورة إلاّ في الحالات التّي يكون فيها مسرفا في لعبة الذّكورة. وهكذا يزداد لعبه شدّة ويزداد لعبها نعومة«.
4) واقع المرأة في القطر وفي المنظمة النقابية : واقع اجتماعي يمارس دورا تقزيميا لها
إن واقع المرأة في القطر لا يختلف في شيء عن واقع المرأة في البلدان الرأسمالية وفي المستعمرات وفي أشباه المستعمرات التي تحدثنا عنها في الفقرة السابقة فلا مجلة الأحوال الشخصية ولا القوانين ولا المواثيق المصادق عليها غيرت في شيء من وضعية استغلال واضطهاد المرأة وهو ما يعني بأن المرسوم الحقوقي (النص القانوني) مهما كان تقدميا لا يحقق المساواة الحقيقية بين المرأة والرجل ولا يلغي لا الاستغلال ولا الاضطهاد الطبقي إذا كان خارج إطاره الحقيقي (نظام اشتراكي). طبعا ودون الدخول في تفاصيل حول طبيعة المجتمع نقول بأن سبب هذه الوضعية هو علاقات الإنتاج السائدة من ناحية والنزعة الإقطاعية والتصورات الدينية من ناحية أخرى.
فالمرأة في القطر لا تتساوى مع الرجل لا في الإرث (مجلّة الأحوال الشخصية التي تقدم على أنها تقدمية بينما لا توفر المساواة في الارث) ولا في نسبة التمدرس ولا في فرص التشغيل ولا في فرص الحصول على مسؤولية ما ولا في فرص تشغيل أصحاب الشهائد العليا ولا حتى في الأجر.
أكثر من ذلك فهي تتعرض إلى ممارسات إقطاعية أكثر شراسة مما تتعرض له المرأة في البلدان الرأسمالية. فالأسرة في المجتمع التونسي ، التي تسودها العلاقات الإقطاعية ، هي القالب أو الإطار الأول للمرأة المحددة أطرافه في النقص العقلي (ناقصات عقلا ودينا) والنقص النفسي (الحياء) والنقص الإقتصادي (الرجال قوامون على النساء) والنقص الخلقي (الرّغبة الجنسية الزائدة: المرأة سبعة شهوات) والنقص في الوفاء (الخيانة لا تبدأ إلا من طرف المرأة). فالفتاة تتعرض منذ البداية إلى عمليات تدجين وتشذيب جدية وعمليات قولبة نفسية وخلقية. وعلى ضوء ذلك ليس للمرأة من حل إلا الانضباط داخل هذا الإطار بل وتبالغ في عملية انضباطها حتى تستحوذ على رضا أسرتها الجديدة. وغني عن القول أن هذا الإطار ليس سوى التبرير الإيديولوجي لتكريس اضطهاد المرأة بعد أن انقلبت الموازين لصالح الرجل. هذا عن الأسرة في المطلق أما إذا خصصنا للحديث عن الأسرة الكادحة حيث يلهث الرجل خلف لقمة العيش نلاحظ بأن هذا العامل يعيش عملية استنزاف للجسد لصالح رب العمل وعملية استنزاف للوجدان نتيجة للإحساس بالاستغلال دون القدرة على الرد ، كل هذا يجعلنا نقول بأن عملية الاستغلال الطبقي التي يتعرض لها الزوج العامل ، تتراكم في حالة نفسية معقدة يقوم بتفريغها مرة واحدة على زوجته. فالعامل الذي يستنزفه صاحب العمل جسديا يقوم بالمقابل باستنزاف زوجته جسديا كذلك سواء في العمل المنزلي أو في الممارسة الجنسية التي تصل في أغلب الأحيان إلى حد الاسترقاق. أمّا الاستنزاف الوجداني فيعوّضه بالإطاعة الخانعة وكبت المشاعر من قبل الزوجة. وبذلك يكون العامل ضحية لصاحب العمل لكن المرأة ضحية للإثنين معا كما أسلفنا الذكر.
من النزعات الإقطاعية التي ما زالت راسخة في مجتمعنا وتزيد من القهر النفسي للمرأة هو أنها عندما تتزوج تلاحقها مجموعة أسئلة تعصف بذهنها منذ يوم خطوبتها مثل : متى سيستمر إعجاب الزوج/السيد بهذا الجسد؟ وهل الزوج/السيد لن يستبدله بجسد آخر مع مرور الزمن؟ وغيرها من الأسئلة. وعلى هذه الأرضية تصبح عملية الإنجاب أداة دفاع واختراق لعملية القهر التي تتعرض لها المرأة. وبالتالي تخرج هذه العملية عن سلاستها الطبيعية إلى التعقيدات الاجتماعية حيث يمسح إنجاب الولد البعض من الهموم والضغوطات النفسية والاجتماعية التي تتعرض لها المرأة حيث تتحدث الثقافة الشعبية عن ذلك بالقول: إنجاب الولد هو شهادة الترسيم للمرأة وهو تشبيه للمرأة (معبّر جدا) بعامل لدى صاحب العمل. نزعة إقطاعية أخرى عادت وبقوة خلال السنوات الأخيرة غذاها تفشي الفكر الظلامي من ناحية وتفشي البطالة نتيجة الاختيارات الاقتصادية الليبرالية المملاة من طرف المؤسسات المالية العالمية من ناحية أخرى وهي محاولة إعادة المرأة إلى البيت بتعلة أن العمل غير متوفر توفرا كاملا للرجال فكيف نسمح للمرأة بالعمل؟ أو محاولة تغليف هذا الموقف الرجعي بغلاف إنساني كالقول بعدم قدرة المرأة على التوفيق بين العمل والعناية بشؤون المنزل وبأن الأمومة عاطفةً ودورًا اجتماعيًّا تتطلب راحة نفسية وبدنية. ونسي أصحاب هذا الرأي الرجعي أن الامومة يجب أن تكون واعية حتى تكون سعيدة. فإحدى الأسباب التي تحقق الراحة النفسية هي الاستقلال الاقتصادي للمرأة عبر العمل المنتج وذلك باختيار مهنة تشعر تجاهها بالحب والاستفادة من تجارب الحياة والعمل (Expژrience de vie et de travail) عوض الانغماس في العمل المنزلي الذي لا يخلق سوى الخبل وبلادة العقل والوجدان. أما التوفيق بين العمل والأمومة فلا يمكن أن يتحقق إلا إذا تحررت العلاقات الزوجية من الإكراه الاقتصادي والاجتماعي. وعلى الزوج الرجعي الذي يريد حبس المرأة في البيت أن يسأل نفسه عما يفعله عندما يعود إلى البيت. فالزوجة العاملة ورغم الجهد الذي تبذله في المصنع والذي يتساوى مع مجهود الرجل ، عليها أن تواصل الجهد داخل البيت بينما يستريح هو الزوج/السيد مطالبا بكل حقوقه التي أعطاها إياه المجتمع وعليها تأدية هذه الحقوق طائعة ودون اعتراض أو تذمر. إن عدم الاعتراف بقيمة عمل المرأة وعدم التعاطي اجتماعيا بأهمية هذا العمل لم يكن نتيجة لضعف الدور الذي تقوم به المرأة في العملية الإنتاجية ، إذ أن عطاءَها واضح وملموس ، ولكنه انعكاس لموقف إقطاعي حافظ على موقعها الاجتماعي الذي هو محكوم ببناه الفوقية الثقافية المتولدة عنه والذي جعل المرأة خاضعة إلى سلطة الرجل. هذا هو الإطار العام الذي يحدّد نشاط المرأة ودورها في الحياة الاجتماعية وسلوكها والموقف منها وحيث أن الاتحاد العام التونسي للشغل محكوم بالحدود التي ذكرنا فإننا نلاحظ أن موقع المرأة داخله لا يختلف في شيء عن موقعها داخل المجتمع ، موقع مقزّم ، موقع ثانوي وليس في مستوى عطاء المرأة ونضالاتها وتضحياتها وبالتالي لا يليق بالمرة بمنظمة نقابية لها ستة قرون من الوجود وتقدم نفسها على أنها أكبر منظمة تقدمية وديمقراطية في القُطْرِ.
بل الأدهى من ذلك أننا نقول دائما إنّ الاتحاد العالم التونسي للشغل هو الوريث الشرعي لجامعة عموم العملة التونسيين التي كان أحد مؤسّسيها إلى جانب محمد علي الحامي إسمه الطاهر الحداد وهو الشخص الذي كان أول من دعى إلى تحرير المرأة والمساواة بينها وبين الرجل منذ الثلاثينات لكننا منذ ذلك التاريخ لم نفعل شيئا لتجسيد ذلك الطلب. فماذا ورثنا إذا من تلك التجربة الرائدة التي نحيي في هذه الأيام ذكراها الثمانين بإصرارنا على ترك المرأة (نصف المجتمع كما نصفها) خارج دائرة الفعل ؟ شخصيا أحس بالخجل عندما أقرأ ما كتبه الطاهر الحداد عن المرأة وعن العمال التونسيين.
وإذا كان دور المرأة الاجتماعي مرهون بمساهمتها في الحياة الاجتماعية فإن هذه المساهمة مرهونة أساسا بالواقع الاجتماعي بمجمل علاقاته الإنتاجية وبناه الفكرية المحددة تاريخيا التي لعبت وتلعب دور الكابح لهذه المساهمة. وأكبر دليل على ذلك أن لجنة المرأة العاملة بالاتحاد تشكلت منذ سنة 1981 وأقر النظام الداخلي لجان المرأة العاملة وضبط مهامّها وأهدافها منذ سنة 1991 ، وأحدث قسمًا خاصًّا بالشباب والمرأة منذ سنة 1999 لكن ذلك لم يغير شيئا في وجود المرأة في الهياكل النقابية على كلّ المستويات وليس فقط على مستوى القيادة النقابية وهو ما يؤكد ما أشرنا إليه سابقا بأنّ المساواة الحقوقية (النص القانوني الذي يدعو إلى المساواة) لا تغير كثيرا الواقع بحكم أن وجهة النظر الاجتماعية تدق بجذورها في واقع اجتماعي اقتصادي محدّد تاريخيا وتستمد منه كل المقاييس.
إننا نردد في كل مناسبة وحتى دون مناسبة أننا نريد تحرير المرأة ومساواتها بالرجل لكنني أؤكد على أنه ينبغي أن نبدأ بتحرير أنفسنا أولا وقتل الرواسب الإقطاعية التي تسككنا. إنه لا يكفي الإعلان عن حق المرأة في المساواة لكن الأهم من ذلك هو أن نريد هذه المساواة من أعماقنا. إن ذلك بلا أدنى شك مهمة صعبة لكن أليس من واجب ومن مهام المناضلين النقابيين وأساسا اليسار النقابي داخل المنظمة أن يتحدّى الصعاب ويذللها ليكون صادقا مع نفسه ومنسجما مع أطروحاته ووفيا لمبادئه ؟ إننا نتطلع وبكل حماس لأن تصبح المرأة العاملة فعلا أحد النوابض الرئيسية في المنظمة النقابية بصفة خاصة وفي الحياة الاجتماعية بصفة عامة فلتتحد جهودنا من أجل ذلك.
إننا نعيش وبكل المقاييس صراعا بين ثقافتين حول الموقف من المرأة ثقافة تقدمية تريد أن تدفع بدور المرأة إلى الأمام وتحررها من بعض القيود التي تكبلها وثقافة رجعية تريد الحفاظ على السائد في انسجام كامل مع بنية فكرية ووجهة نظر hجتماعية وجدت منذ وجود المجتمع الطبقي. لذلك فإنني أقول بأن موقف الرجل من المرأة هو الذي يحدّد »درجة تحول سلوك الإنسان الطبيعي إلى سلوك إنساني«.
وليعلم كل مناضل نقابي أن النزعة الإنسانية للاشتراكية العلمية هي كفاح يخوضه المناضل بكل إصرار واقتدار ضد التقاليد الاجتماعية التي تفرض نفسها عليه حتى يتطور إنسانًا ويستكمل كل أبعاده.
قابس في 8 مارس 2008
د. عبدالله بن سعد
الهوامش:
1) جورج بوليتز ، جي بيس ، موريس كافين (ترجمة شعبان بركات): أصول الفلسفة الماركسيّة.
منشورات المكتبة العصريّة ، بيروت طبعة. 1987
2) زوبرتيكي ، كيروف ، متروبرلسكي (ترجمة جورج طرابيشي): المشاعة ، الرقّ ، الإقطاع ( التشكيلات الاجتماعيّة ما قبل الرأسماليّة).
دار الطليعة بيروت ، طبعة أولى 1978 .
3) كارل ماركس وفريدريك أنجلس : الدّراسات الفلسفيّة.
الطبعة الفرنسيّة ، دار أيديسيون سوسيال باريس ،1965.
4) غازي الخليل: مقدّمات نظريّة حول مسألة المرأة
شؤون فلسطينيّة عدد 63 64 سنة 1977.
5) جورج طرابيشي: مقدّمة كتاب المرأة والاشتراكيّة دار الآداب 1979 .
6) فريدريك أنجلس: أصل العائلة والملكيّة الخاصّة والدولة.
الطبعة العربيّة ، دار الفارابي ودار الكتاب العربي دمشق 1958 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.