تنقضي هذه الايام، سبع سنوات مريرة على انطلاق أول رصاصة لفصائل المقاومة العراقية في مواجهة جيوش الاحتلال الامريكي الذي يمثل بالضبط التعبيرة الاقتصادية العدوانية للعولمة الرأسمالية الامبريالية. ويذكر العالم بأسره أن الحرب على العراق وشعبه الشقيق لم تبدأ فقط في مارس افريل 2003، بل انطلقت منذ بداية التسعينات بالحصار الاقتصادي الخانق والحظر الجوّي الكامل وعزل العراق وشعبه عن بقية العالم، ومنع المبادلات التجارية بجميع أنواعها، بما فيها الأدوية والأدوات الطبية، وطالت حتى أقلام الرصاص المدرسية ولُعب الاطفال... ولقد إستوعب العالم بأسره،، مع مرور السنوات ان ذلك الحصار الامبريالي الجائر على الشعب العراقي، مثل لوحده جريمة موصوفة بشعة ضد البشرية لا تقل جورا وتنكيلا عن جرائم هتلر وموسيليني وأباطرة النازية ورموز الفاشية... فلقد كان العراق الشقيق، قبل الحصار والعدوان والحرب الامبريالية الغاشمة على شعبه، قلعة صلبة للقوة الاقتصادية والعسكرية والعلمية والمعرفية المتنامية، بفضل ثرواته النفطية الهائلة وعلمائه النادرين وصناعاته الثقيلة المتماسكة وإشعاعه المعرفي الواسع، وايضا منارة ثقافية وحضارية وسياسية شامخة، إنخرطت طيلة الأربع عقود الاخيرة في مواجهة أطماع الاستعمار الجديد والتصدي الحازم لمخططات النهب والاستلاب والتفرقة والتقسيم، وأصرّت على الوقوف بحزم في خندق واحد مع ثورة الشعب الفلسطيني الشقيق وقوى الحق والعدل في الوطن العربي وخارجه... ... فتلك القلعة الصلبة وتلك المنارة الشامخة قد مثلتا معا، إنجازا وطنيا ضخما ومكسبا شعبيا ذا شأن على درب بناء العرق العربي القوي وتشييد ركائزه ودعائمه طيلة الثلاث عقود التي سبقت الحصار والعدوان، بفضل وطنية. العقل العراقي المتأصّلة، والعطاء الغزير لأبناء وبنات الشعب العراقي وصموده الاستثنائي الى جانب قيادة سياسية ثابرت وقاومت وأسست وصدمت في سبيل بناء العراق الوطني المعاصر، رغم بعض الهنّات والأخطاء والانحرافات والمنزلقات المتوقعة... 1 على من يقع الاعتداء؟ لقد برهنت أحداث القرن المنقضي من جديد على أن الامبريالية لا تمس بسوء لا الأنظمة الرجعية والطبقات الرأسمالية المُستوْلية على الحكم في المستعمرات الجديدة وأشباه المستعمرات، ولا قياصرتها ورموزها وبيادقها وأبواق دعايتها المحمومة، ولا المتواطئين معها والصامتين عن جرائمها، بل تقابلهم جميعا بوعود الحماية والمكافأة، ولو أنها غالبا ما تتخلّى عنهم حينما يفقدون مواقعهم ثم مداركهم العقلية... ولأن تلك القاعدة تمثلُ قانونا داخليا في قاموس الفكر الامبريالي منذ نشأته. فإن الامبريالية لا تضمر العداء الدموي الا لقوى الصمود الطبقي والتصدي الوطني المناهضين لمخططاتها العدوانية: ... وضمن تلك الرؤية تحديدا، شنّت الامبريالية الامريكية والغربية على الشعب العراقي وترابه الوطني وسيادته ودولته وتاريخه وتراثه وحضارته، واحدة من أضخم الحروب العدوانية على الاطلاق تدميرا وتقتيلا ونهبا وحرقا، فاقت ذخيرتها وأسلحتها وطائراتها وغوّاصاتها وبوارجها وصواريخها وعتادها وجنودها وملياراتها، مرتين ونصف ما تطلبته الحرب العالمية الثانية، وتجاوزت أربع مرات متطلبات حربها على الشعب الفيتنامي. ... وبما أن تلك الحرب الجنونية على شعب العراق الشقيق ما كانت تحصل بتلك الأبعاد التدميرية الفتّاكة، دون التواطئ العلني المباشر مع الكيان الصهيوني العنصري والدولة الفارسية في ايران والأنظمة العميلة العربية وأقلام التخاذل والطاعة، فإن تلك العوامل متجمعة قد إنعكست الى هذا الحدّ او ذاك على بناء الباكورة الحنينية الاولى لهيكلية المقاومة العراقية وزرع خلاياها وتنظيم صفوفها ورسم ملامحها وأهدافها وأولوياتها، فضلا على حمايتها وتحصينها... 2 المقاومة: البديل الوحيد لقد إنطلقت التباشير الأولى للمقاومة الوطنية المسلحة العراقية منذ الأسابيع الأولى للغزو الامبريالي الامريكي لأرض العراق الشقيق، وذلك رغم هول الصدمة العارمة وأهوال صواريخ التدمير والفتك والنسف وفواجع »القنابل العنقودية« و »النابالم« و »الفوسفور الأبيض«، وايضا رغم الحصار الامبريالي الشديد والمحاصرة الدعائية لكل نفس وطني مقاوم وتطويق كل أرجاء العراق برا وبحرا وجوا، وإعتقال مئات الآلاف من ابناء وبنات العراق وتدمير كل المنشآت والهياكل الرسمية وشبه الرسمية للدولة العراقية القائمة واغتيال علمائها واعتقال قياداتها العليا والمتوسطة والمحلية بمن فيهم رئيس الجمهورية العراقية واعضاء حزب البعث الحاكم والوزراء وقادة القوات المسلحة وضبّاط الاستعلامات... ... وبالرغم من تلك الملابسات المتشعّبة والعسيرة الى أقصى الحدود، توفّقت عزائم قوى المقاومة والصمود الى تجميع صفوفها وتصليب عودها وتهيئة مناضليها ومقاتليها معنويا وسياسيا وعسكريا للاستعداد الجيّد لخوض معارك طويلة في ظروف عسيرة والانخراط الكامل في مسار المقاومة الوطنية المسلحة من أجل تحرير العراق المجيد من براثن لصوص الاحتلال الامبريالي الامريكي، الذي سرق العراق والعرق، ونهب الثروات والتراث والمكتبات والمتاحف والجامعات، وأحرق المدارس والمستشفيات والمنازل ودُور الأيتام ورياض الأطفال والمساجد والأسواق والجسور، بل وصل الحقد الامبريالي الدموي على الفكر التحرري العربي المستنير الى حدّ نسف ضريح المفكّر الوطني العربي ميشال عفلق، رائد فلسفة البعث في الوطن العربي... ومع مرور السنوات الحافلة بالصمود والتصدي والمواجهة، تبلورت القناعة التامة المشتركة داخل صفوف فصائل المقاومة العراقية بأن الغاية الرئيسية للاحتلال الامبريالي وعملائه وأدواته داخل العراق تمكن أساسا في سرقة الثروات النفطية الهائلة وسرقة عرق عمال آبار النفط الذين يستخرجون وينتجون تلك الثروات... كما تجذّرت تلك القناعة أكثر من أي وقت مضى، حينما اصبحت فصائل المقاومة العراقية ومناضلوها ومقاتلوها ومفكروها الساسيون والعسكريون وقادتها، يجمعون على أن مسيرة تحرير الوطن المفدّى من لصوص العراق ولصوص العرق، لا تشمل فقط أركان جيوش الغزو الامبريالي وجواسيس سفارته وعصابات مخابراته المنتشرة داخل المنطقة الخضراء وخارجها، بل تشمل ايضا وبنفس الحزم جميع بيادق العمالة الذليلة وأدوات الاحتلال الذين يتقاتلون فيما بينهم عبر »إنتخابات نيابية« مزعومة من أجل سرقة عرق عمّال النفط وتهريب مئات مليارات الدولارات الى الخارج... كما أن فصائل المقاومة العراقية إستوعبت الى حد كبير ثقافة العمل الجبهوي الخلاّق فيما بينها، ونذكر من الفصائل الوطنية البارزة: حركة الناصريين، كتائب ثورة العشرين، حزب البعث العربي الاشتراكي، جيش التحرير الاسلامي، وغيرها من الحركات المسلحة، وتآلفت جميعها ضمن المجلس السياسي للمقاومة العراقية من أجل غاية مشتركة واحدة: تحرير العراق عبر المقاومة.