بعيدا عن الكلام المكرر والمعاد حول الإرهاب الصهيوني نورد هذا المثل القديم الذي يلخص جوهر السياسة الصهيونية ويضع ما حصل لقافلة الحرية في إطاره : يروى أن سلحفاة وعقربا التقتا على ضفة واد عاتي الأمواج. ولمّا كانت العقرب عاجزة عن قطع الوادي اقترحت على السلحفاة أن تحملها على ظهرها لتوصلها إلى الضفة الأخرى. قبلت السلحفاة الاقتراح ولكنها طلبت من العقرب تعهدا بأن لا تلدغها مبينة لها أن النتيجة الحتمية لمثل ذلك الفعل هو موتهما الاثنين فأقسمت لها بأغلظ الأيمان أنها لن تفعل ذلك. وعندما أدركتا منتصف الوادي نصبت العقرب ذيلها استعدادا للدغ السلحفاة فذكّرتها هذه الأخيرة بالعهد الذي قطعته على نفسها . أجابت العقرب بكل أسف قائلة : إنني خلقت لكي ألدغ ولا يمكنني إلا أن ألدغ ولا أعرف شيئا غير اللدغ. إنها طبيعتي ولا يمكنني أن أغيّر من طبعي. إنني آسفة يا صديقتي. ثم لدغتها. الفريضة الغائبة لماذا أحب الشعب العربي عبد الناصر وصدام حسين وحسن نصرالله وأسامة بن لادن ورجب طيب أردوغان وأحمدي نجاد؟ قد يبدو السؤال ساذجا وربما هو لا يحتاج إلى إجابة أصلا. لذلك وجب توضيحه: لماذا أحب الشعب العربي عبد الناصر وصدام حسين رغم كل أخطائهما ورغم دكتاتوريتهما وفشلهما في بناء دولة ومجتمع حديثين؟ ولماذا أحب الشعب العربي حسن نصرالله وأسامة بن لادن رغم ما في فكريهما المذهبي من مزالق وعداء للحداثة ؟ ولماذا أحب الشعب العربي رجب طيب أردوغان والأتراك عموما متناسيا مظالم الأتراك للعرب قديما وحديثا ومتناسيا قمع الدولة التركية للأكراد؟ ولماذا أحب الشعب العربي أحمدي نجاد رغم إديولوجيته الرجعية ومذهبه الشيعي؟ هناك جواب آني وفوري : كل هؤلاء قاوموا أعداء الأمة وواجهوها مواجهة مشرفة. فعبد الناصر واجه القوى الامبريالية وتحداها في السويس وباندونج وقدم العون لحركات التحرر العربية ... وصدام حسين كان أول من ضرب إسرائيل بالصواريخ وحسن نصر الله كان أول من ألحق هزيمة بينة وواضحة بالعدو الصهيوني وبن لادن نقل المعركة لأول مرة إلى داخل الولاياتالمتحدة »رأس الحية« .وأما رجب طيب أردوغان وأحمدي نجاد فقد ساندا المقاومة في الوقت الذي حاصرها فيه" ذوو القربى". ولكننا نرى أن الأمر أعمق من ذلك. إنه يرتبط بتصور عامة الشعب لوظيفة الحاكم المسلم سواء أكان خليفة أم ملكا أم أميرا أم رئيسا وسواء أكان سنيا أم شيعيا وسواء أكان عربيا أم أعجميا وسواء أكان شرعيا أم غير شرعي وسواء أكان عادلا أم مستبدا ... فإذا ما أدّى الحاكم وظيفته الأساسية وهي" الجهاد "فكل ذنوبه مغفورة تماما مثلما تغفر ذنوب الشهيد. والمسلمون اليوم لا يحتفظون في ذاكرتهم سوى بأسماء " المجاهدين" خالد بن الوليد وطارق بن زياد وصلاح الدين الأيوبي ....) . بل إنهم لا يعرفون من تاريخ الإسلام سوى الغزوات والفتوحات ولا يحركهم شيء سوى أخبار الفتح أو الغزو الأجنبي لبلاد المسلمين. ( لنذكر جيدا ردة فعل الشارع العربي بعد »نكسة67 «. خادم الحرمين وخادم القدس من المعلوم أن أول من تلقب بخادم الحرمين الشريفين هو السلطان العثماني سليم الأول حكم من 1512 إلى 1520 وقد ارتبط هذا الحث بهيمنة الأتراك العثمانيين على البقاع المقدسة ما في ذلك شك. ولكن المسوّغ الرئيسي لهذا اللقب يعود أساسا إلى فتح العثمانيين للقسطنطينية على بد محمد الثاني الذي لقّب بعد الفتح بمحمد الفاتح سنة 1453 ولقد كان لهذا الفتح صدى كبير في كل بلاد المسلمين تغنى به الشعراء والخطباء وألفت فيه الكتب . وكيف لا يكون الأمر كذلك وقد عجز المسلمون العرب على فتح القسطنطينية رغم الحملات السبع التي جهّزوها على مدى سبعة قرون كاملة؟؟ وفي وعي الشعب العربي اليوم يبدو أن الأتراك ومعهم الفرس أي الأعاجم وكأنهم سيعيدون إلى الإسلام أمجاده بعد أن تخلّى عنه أصحابه الشرعيون أي العرب . والتاريخ يشهد لذلك فعندما سقطت الخلافة العباسية على يد المغول ومعها سقط الإسلام العربي لم يجد الإسلام سوى الأتراك العثمانيين لينهضوا به ويبعثوه من رماده. ذكرى كارلوس وأوكاموتو لعل أبناء جيلي ما زالوا يذكرون رائعة الراحل المختار اللغماني التي كانت تحتفي ببطولة الثائر الياباني" أوكاموتو" صديق العرب وصديق الثورة الفلسطينية الذي قضى شطرا من حياته في السجون الإسرائيلية بعد عملية مطار اللد الفدائية الشهيرة: أحبّك يا أوكاموتو أحبّك يا أخي الإنسان ولستَ أخي في الدين ولستَ بقارئ القرآن ولستَ من" خير أمّة قد أخرجت للناس" ولكن ماذا كان مصيره بعد إطلاق سراحه؟ سجن في لبنان بتهمة الإقامة غير الشرعية؟ والجميع يذكر كارلوس الذي كلن يحمل روحه بين كفيه دفاعا عن قضايانا . وفي الأخير سلمته الحكومة السودانية إلى فرنسا . والجميع يذكر كذلك موقف الحكومة المصرية الحالية من النائب البريطاني جورج غالاوي نصير القضية الفلسطينية. هكذا تعامل حكامنا مع الذين دافعوا عن قضايانا فالسقوط السياسي هو أيضا سقوط أخلاقي. رحم الله شهداء قافلة الحرية ولا رحم الله ولاة الأمر من بعدهم