يحكى ان الضبع مرض مرضا خطيرا ألزمه كهفه فلبث فيه مدة طويلة لا يقدر على الخروج لتحصيل قوته، فهزل هزالا شديدا وأشرف على الهلاك، وكان يسكن بجواره ثعلب لم يهتم لشأنه أول الأمر لكنه رأى أن المصلحة تقتضي زيارة الجار المريض فقد تأتي أيام يحتاجه فيها كسند ومعين، توجه لزيارة الضبع فوجده على الحالة المزرية التي ذكرناها وأكبر همه وجبة دسمة يَسُدُ بها رمقه، فتفتق ذهن الثعلب عن حيلة جهنمية وقال لجاره: »أبشر، سوف أستدرج لك فريسة تكون بمثابة الوليمة التي تنهي جوعك وتشفيك من علتك، لكنني أنصحك بالتريث وعدم الهجوم على الضحية من الوهلة الأولى«، ثم انطلق مسرعا الى أَجَمَةٍ قريبة يسكنها حمار قد دميت جروحه وتقرحت حتى صارت أسراب الحشرات لا تكاد تطير عنها فبدا ساخطا متبرما، عاجله الثعلب بالسلام والسؤال عن الاحوال كأنه لا يشاهد ما به! فأخبره الحمار بما يعانيه، فأسرّ إليه: »أبشر، فإنني أعرف ضبعا وهو طبيب لا يضاهى في علمه وسوف يعالجك في الحال إن أتيت معي اللحظة«، فابتهج الحمار وأعماه طمعه في الشفاء عن اعمال الفكر فذهب برفقة الثعلب وما أن وصلا الى الكهف حتى ارتمى الضبع الذي لم يطق صبرا على الحمار لكنه لم يصبه بسوء ففرّ هاربا لا يلوي على شيء، فأخذ الثعلب يقرّع الضبع ثم قال له: »سوف اتيك به ثانية، لكن حذار من الفشل هذه المرة«، وقفل راجعا الى أن أدرك الحمار فجعل يحدثه ويقول: »يا لك من غبيّ أرعن لماذا فررت كالمعتوه؟! لقد ارتمى عليك الضبع لمعانقتك وتقبيلك من فرط شوقه لرؤيتك! إن لم تعد معي الساعة لن تكون لك فرصة للشفاء!«، إقتنع الحمار بالحجة وعاد الى الضبع الذي أصاب منه مقتلا وجعل يفترسه بنهم من لم يذق الطعام لشهور أمام دهشة الثعلب الجائع بدوره ثم عرضت له حاجة يقضيها فغادر الكهف بعد أن أوصى الثعلب في شبه تحذير بأن لا يلمس الفريسة، لكن هذا الاخير انقض على الدماغ والتهمه في الحال. عاد الضبع بعد برهة وتأمل الجثة الهامدة ثم صرخ في الثعلب بغضب : »أين دماغ الحمار؟« فرد الثعلب بدم بارد : »عن أي دماغ تتحدث؟! لو كان لهذا الحمار عقل لما عاد الى هنا البتة!«. الأقوال: ❊ قال الأخفش الشاعر، وكان يعمل حدادا: مطارق الشوق منها في الحشى أثرُ يطرقن سندان قلب حشوه الفكرُ ونار كور الهوى في الجسم موقدة ومبرد الحب لا يبقي ولا يذر! ❊ من أطرف ما قيل في بخيل: رأى »الضيف مكتوبا على باب داره فصحفه »ضيفا« فقام الى السيف فقلنا له »خيرا« فظن بأنّا نقول له »خبزا« فمات من الخوف! ❊ قال معاوية ابن أبي سفيان عن الشجاعة والجبن: شجاع إذا ما أمكنتني فرصة فإن لم تكن لي فرصة فجبان!