يحكى أن جرذا قذرا كان يعيش في "محمية"، تعوّد الحياة وسط النُّتونة والعفونة فاستوطن المجاري وطاب عيشه فيها! ... لاحظ راعي المحمية ما كان يتمتع به ذلك الجرذ من خفة وقدرة على السباحة في القاذورات فقرر لخسة متمكنة في طبعه وتشوّها راسخا في خلقه أن يوظفه في التنكيل بكلّ السباع التي رفضت الترويض والإذلال ... أمره أن يسكن مجرى قفصِ أسد أسير وطلب منه أن يعكّر عليه خلوته ويلوّث الهواء من حوله ويمنعه من النوم إذا غشّيه النّعاس. تفانى الجرذ في ما أوكل إليه من مهمة وكان له من الجرأة ما يجعله يتسلل في حضرة الأسد كلما كان غافيا أو منهكا فيقضم بقوارضه النجسة أطرافه ثم يلقي بنفسه في مجرى النجاسة خائفا مرعوبا أن يلحقه مخلب الأسد قبل أن يغوص، ولكن كبرياء الأسد يمنعه من ملاحقة "جرذ" قذر لأن ذلك يحط من قيمته ويشمت به مروّض "المحمية". كان الأسد كلما شعر بالضيق أو الألم وأحس بالجراثيم التى زرعتها أسنان الجرذ القذر ولسانه تفعل فعلها في بدنه فتصيبه بالحمى وتساقط فروته وتقرّح جلده يصبّر نفسه فيقول: لا تأسفن على غدر الزمان لطالما **** رقصت على جثت الأسود جرذان وما قصدها تعلو على أسيادها *** تبقى الأسود أسود و الجرذان جرذان تبقى الأسود مُخيفة في أسرها **** حتى و إن نهشت جلودها الجرذان*
لم يكتف "الجرذ" بما كان يفعله بالأسد السجين، لِما رآه منه من صمود، فقال:"لأسلطن أبنائي وإخواني وأبناء عشيرتي وكل "قبيلة الجرذان" على أهالي الأسود الأسيرة وأبنائها لأذلّهم وأتقرب بذلك من "مروض المحمية" فأجد عنده الحظوة والعيش الرغيد في أكبر المجاري وأوسعها، وسأتعلّق وعشيرة الجرذان "بوليّ المجاري" ونناشده حتى لا تحدّثه نفسه بتركنا لوحدنا في مواجهة الأسود والسباع.
كان الأسد يألم لمصابه ومصاب أهله ولكنه يأبى أن يعطي الدّنية في كرامته فيعزي نفسه فيما آل إليه أمره وصار عليه حاله بأبيات قالها ملك في أسره: " أما سمعت بسلطان شبيهك *** قد بزته سود خطوب الدهر سلطانا
وطن على الكره وارقب إثره فرجا *** واستغفر الله تغنم منه غفرانا"**
يئس "مروّض المحمية" من كسر أنوف الأسود الأسيرة وإذلالها في أقفاصها فقال: "لعلّي أدرك منها خارج الأسر ما لم أدركه منها فيه، لأنها هناك تجوع وحدها ويُنكّل بها وحدها أما خارج الأقفاص فسينضاف إلى معاناتها معاناة أهلها بسببها، وسأسلط عليهم الضباع والثعالب والجرذان المذللة في خدمتي والمستأسدة على كل من رفض السير في ركابي"! دار الزمان ... فرّ "المروّض" وفُتحت المحمية... تعالت الأسود على جراحها وآلامها ولم تلتفت للجرذان وما كان منها! ... استأسد الجرذان وأطلوا برؤوسم من المجاري وذيولهم ماتزال غارقة في النجاسة وزعموا أنهم من أطرد "المروّض" الشرير وأنهم من فتح المحمية! ... بل لم يكتفوا بذلك فكان لهم من الوقاحة ما يعيّرون به الأسود على ثباتها وعدم انكسارها أمام ولي "مجاريهم"! ... واعتقدوا أنهم الآن باعتراضهم على الأسود يتشبّهون بما كان منها زمن "المحمية" وصاحب المجاري! ... وظنوا أنهم بفعلهم ذاك يدركون مافاتهم من شرف وكرامة! فكانت خستهم مضاعفة ودناءتهم مكرّرة! عيّره ببيع المعدنوس وهو شرف وقار، ليته عيّره بما هو عارُ!
"1" ليس مخفيا ما أردت أن أقوله بهذه "القصة" فقد رأيت أن نوفل الورتاني الذي نعت شباب النهضة بالجرذان وعيّر المناضل الكبير الدكتور المنصف بن سالم ببيع المعدنوس، لا يستحق وأمثاله ومن على شاكلته ردّا مباشرا وإنما يستحقّ ردا من هذا القبيل لا أكثر، ولست هنا بصدد خوض معركة سياسية أناصر فيها النهضة من خصومها ، وهي ليست تهمة أدفعها عني ولكنني هنا بصدد الدفاع عن الشهامة والكرامة التي تستباح من أقزام يتطاولون على القامات العالية!
* منقول بتصرّف وقد غيرّرت الكلاب بالجرذان لأن المسألة ستكون إساءة في حق الكلاب! ** المعتمد ابن عبّاد