ذكرى أحداث 5 أوت 1947 بصفاقس هي إحدى الملاحم و البطولات نقشها في الذاكرة الشهداء الذين سقوا تراب البلاد بدمائهم الزكية الغالية. إنهم عمال السكك الحديدية الذين أعلنوا الإضراب مطالبين بحقوقهم رافضين ظلم الاستعمار و جبروته. شعر حبيب الظلام عدو الحياة بقوة النقابيين و التفافهم العظيم حول زعيمهم المقدام فرحات حشاد فصب جام غضبه عليهم مستعملا في رده على هذه الحركة الاحتجاجية العمالية وابلا من الرصاص فسقط العديد من الشهداء و جرح المئات و حرم الكثير من عمالهم و اعتقل كذلك المئات. المربي الفاضل و الصحفي المعروف الأخ محمد الحبيب السلامي أمد الله في أنفاسه كان يومها فتى فعاش الحدث و تفاعل معه حيث الحس الوطني الذي كان متأججا في نفسه كبقية التونسيين الغيورين على بلادهم الرافضين الاستعمار الجاثم على صدورهم. فكان للشعب الحوار التالي معه: » الحدث وقع في شهر رمضان كما نرى رمضان اليوم في شهر أوت و كنت أسكن مع عائلتي بالمدينة العتيقة " بلاد العربي قرب سيدي علي الكراي نهج بن قدور " فاستيقظنا على أصوات طلقات نارية فخرج الأهالي من بيوتهم في حالة فزع و هلع متسائلين عن مصدر طلقات الرصاص المدوية و سرعان ما جاءتنا الأخبار مفيدة بأن عمال السكك الحديدية اعتصموا بالمحطة و منعوا القطار من التحرك و الخروج معلنين إضرابا بسبب تردي أوضاعهم المادية و الارتفاع المشط للأسعار شاعرين بالحيف و الظلم الذي يمارسه الاستعمار ضدهم حيث أن أجورهم لا تتناسب و مردودهم المهني و هي ضعيفة جدا أمام أجور الفرنسيين.و ما كان من الاستعمار الفرنسي إلا الرد على هذه الوقفة العمالية الشجاعة بطريقة وحشية سالت فيها دماء العمال فكانت الحصيلة قاسية في عدد الضحايا من الشهداء و الجرحى و الإقصاء عن العمل و الزج في غياهيب السجن و في المقابل ازداد أبناء الوطن التحاما عامة و أبناء جهة صفاقس خاصة حيث و على الفور ساد غضب شعبي و شن إضراب في مختلف القطاعات و تآزر أرباب الصناعة و التجارة و إخوانهم العمال. و مما عشته يومها أيضا أن تسربت إشاعات تفيد بأن الجيش الفرنسي سيهجم على المدينة و أن اليهود ساهموا في المعركة ضد المسلمين و الأمر نفسه أشيع إثر معركة الجلاز 1911. و قد وصل صدى هذه الإشاعة إلى جل سكان مدينة صفاقس في الحين مما جعلهم يفرون منها صوب الغابة ( الأجنة ) فكانت المنافذ المطلة على باب الجبلي تعج بالفارين و قد خرجت مع عائلتي من الباب المطل على ساحة سيدي بو دوارة ( محطة حافلات النقل اليوم ? باب الجبلي ) و قد كان يتم تفتيش كل واحد على حدة من قبل الجيش الفرنسي... و بعد خروج الناس أقفلت المدينة لمدة أيام طويلة و قد لحقت هذه المجزرة التي استهدف فيها الاستعمار النقابيين رد فعل كثير من الشبان الذين أرادوا الانتقام من اليهود العاملين في صناعة الذهب ب " الربع الضيق " و كان هذا الأخير مقسما: نصف للجزارين و نصف للصاغة من اليهود و تمكن نصف هؤلاء الشبان من الاعتداء عليهم و فك ممتلكاتهم و سلبها مما حدا بالصورة الفرنسية التدخل و فرض حراسة مشددة على المدينة و على هذا السوق التابع للصائغين اليهود بالذات. و إثر هذا الاصطدام الذين كان يوما مشهودا برهن فيه العمال أنهم في الصفوف الأمامية للمقاومة لا يهابون الموت من أجل وطنهم و عزتهم و القائمة في التاريخ تشهد بذلك. وقعت محاكمة الزعيم الحبيب عاشور قائد معركة 5 أوت 1947 و قد كان يوما عظيما شهدته مدينة صفاقس و عمها غضب شعبي و نذكر أن من بين الذين دافعوا عن عاشور الأستاذ الهادي نويرة و الأستاذ محمد مقني رحمهما الله«.