السيّد سيف الدين فرشيشي باحث مسرحي شاب في مرحلة الماجستير ومهتم بالشأن العام فضلا عن إنتمائه، التقيناه لسؤاله عن رأيه في واقع العمل الثقافي في الجامعة ولمعرفة مصير خريجي المعاهد المختصة انطلاقا من تجربته ودرايته بالمجال. ❊ السيد سيف الدين الفرشيشي، كيف تقيمون الحركة الثقافية داخل الجامعة؟ لا أعتقد أصلا في وجود حركة ثقافية داخل الجامعة بل وأبعد من ذلك أرى ضرورة التثبت من وجود الجامعة بكافة شروطها للحديث عن حركة ثقافية داخل الجامعة لانّ الجامعة تراجعت الى مرتبة المدرسة الابتدائية والثقافة التي تسودها موغلة في الشعبوية والانحطاط. ❊ هل أفهم من كلامكم غياب شروط الحديث عن حركة ثقافية داخل الجامعة؟ هذا صحيح فشروط وجود حركة ثقافية داخل الجامعة تقريبا منعدمة لأنّ الظروف التي تجعل من الجامعة جامعة ومن الطالب طالبا تقريبا منعدمة ويمكن القول أنّ شروط المواطنة أيضا غائبة فقد سجلت تونس تقدما في مجال الحريات وخاصة الحريات الشخصية الا أن الطريق التي يجب السير فيها للحديث عن مفاهيم كبرى كالجامعة والمواطنة والثقافة مازالت طويلة ولا تزال الجامعة في حاجة الى مراجعة عميقة، ففي الوقت الذي يجب مراجعة الجامعة وإعادة تحديد دورها ومهامها نجد أنها تنخرط في مجموعة من النظم التعليمية في مختلف المراحل التي لا تتماشى مع طبيعة المجتمع التونسي أو ما يستطيع أن يدفع بالبلاد في اتجاه التقدم. ❊ ولكن سيد سيف هناك جامعة تونسية بقطع النظر عن جودتها وهناك حراك ثقافي وهناك ميزانيات مرصودة يعني أنّ الجامعة ليست بهذا التصحر الذي تصفه؟ نعم توجد ميزانيات فأنا لم أنف ذلك بل أتساءل عن مصيرها ما لم تدعم الثقافة الجادة والراقية فالميزانية إذن موجودة وتنفق على التظاهرات الثقافية وهذا أمر مؤكد لكن أي نوع من الثقافة جماليا وفنيا وذوقيا، فالبعض من هذه التظاهرات هابط والبعض الآخر يكرر نفسه فحتى الحفلات التي ينظمها الاتحاد العام لطلبة تونس تكاد تكون إجترارا لنوع واحد مع مجموعات معينة إبتعدت كثيرا على واقع الجامعة اليوم ولا تتماشى لا مع وعي الطالب ورهاناته وذوقه الذي قطع تقريبا مع ذهنية الستينات. فالطالب إذن محاصر بين ثقافة هابطة وهي الأكثر انتشارا وثقافة تجاوزت نصف قرن من العمر لذلك فهو يهجر النشاط الثقافي رغم أهميته في صقل مواهبه وتكميل تكوينه. ❊ هناك من يرى أن الطالب يتحمل مسؤولية خلق ثقافة بديلة خاصة وأن الاطار القانوني والتسييري للجامعات يضمن الحق في العمل الثقافي الا أنّ المبادرة الطلابية ضعيفة خاصة لدى المتسيّسين وأصحاب الوعي المتقدم فماهو تعليقكم؟ سأبدأ الاجابة من الجزء الأخير للسؤال، فالطلبة المسيّسون وجوه عرفناها وتصوراتهم قديمة ولا يمكن المراهنة على رؤيتهم لدفع العمل الثقافي الجامعي. أما بالنسبة للطالب التونسي فأنا أعتبره ضحية يولد وينشأ في إطار مغلوط مليء بالخروقات فيجد نفسه محكوما بعديد الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحدد وعيه وحتى عند دخوله للمدرسة فإنّه لا يلقى ذلك الفضاء الذي ينمّي حسّه وإدراكه بل أصبحت المدرسة فضاء لكوارث تساق للاسف في شكل نوادر وينتقل الى المعهد في نفس الظروف تقريبا وينقل الى الجامعة دون زاد يذكر لذلك لا يمكن مطالبته وهو طالب بالمبادرة لانه غير واع ومتشبع بثقافة »المزود« و»الكرة« والافلام الامريكية. وإن بادر البعض فلن تخرج مبادراتهم عن السياق العام الذي ترعرعوا فيه، فالطالب جزء من نظام إجتماعي كامل لا يمكن تجزأته لذلك يجب مراجعة النظام التعليمي والثقافي وحتى السياسي لان ما ينتجه الواقع الحالي هو أحداث لا يمكن التنبؤ بمصيرها، فتونس حققت الكثير من المكاسب على درب الانفتاح والحداثة والحرية سواءا بنضالات أبناءها أو بإرادة السلطة وخياراتها يجب المحافظة عليها. فالنظام الحالي لا يمكن إلا أنّ يتراجع بنا الى مستوى بعض الدول المتخلفة، والمراجعة لا تتم الا بتظافر كل الجهود وهي مسؤولية الجميع دولة ومجتمعا ناهيك وأننا نلمس لدى سلطة الاشراف محاولة لمراجعة النظم القائمة. ❊ أنتم تتحدثون عن مراجعة هيكليّة لنظام التعليم والسياسة الثقافيّة، ولكن ماهي الاجراءات الاتية التي يمكن تمثل حلا للواقع الحالي؟ إنّ مخلفات عقد من الزمن أو عقدين لا يمكن ان تمحى بإجراءات آنية ومع ذلك فإنّ عقدين من الزمن ليسا بالمستقبل البعيد مقارنة بحياة شعب بل هي لحظة قريبة جدا ومع ذلك أعتقد أنّ اجراءات المراجعة وإعادة الهيكلة تتضمن دعم الاصوات والمحاولات الجادة رغم قلتها ولكن الحل الجذري يبقى في رسم برنامج واضح قائم على تصور كامل وهذا البرنامج ينطلق الآن ببعض الاجراءات كالتي ذكرت. يعني أن دفع الثقافة الراقية لا يمكن الا أن يكون جزءا من برنامج طويل. ❊ كيف تقيمون مساهمة المعاهد المختصة في دفع الثقافة؟ يمكن القول أن هذه المعاهد قد نجحت نسبيّا في تغذية ودفع الحركة الثقافية فحتى اعتماد نظام »إمد« لم يفسد أداء هذه المعاهد بل خلق نوعا من التحدي القائم على تخريج جيل من الفنانين المبدعين المتجذرين في قضاياهم الاجتماعية. فهذه المعاهد قدمت عديد الوجوه التي هي بصدد مواجهة الثقافة السائدة، وتدعيم قيم المواطنة والمدنيّة ولولا هذه المعاهد لكانت الوضعية أتعس بكثير وقد يعود هذا الى كفاءة الاساتذة في المعاهد المختصة الذين يحتفظون الى الآن بتصورات جادة وجميلة عن الثقافة وبنوعية الطلبة الذين يتميزون ببعض الوعي الاجتماعي والحسّ الفني، وأودّ الاشارة هنا الى التقصير الكامن في تعامل الوزارة مع هذه المعاهد، إذ لا يقع تمييزها عن باقي المعاهد رغم خصوصيتها من حيث الميزانية والتسيير كما تعاني هذه المعاهد من ضآلة هامش الحرية. أرى أن هذه المعاهد تقوم بدورها الا أن هياكل أخرى مطالبة بالقيام بواجباتها وأهمها ترك المجال الحرّ للمبدع فمن الغريب وغير المعقول أن تتحول نقابة الفنون الدرامية الى مدافع عن القانون في الوقت الذي يجب فيه على هياكل الدولة أن تدافع عن احترام القانون وأن تفرض تطبيق القوانين التي تسنّها، بل وان أوّل من يخرق القانون هو بعض الهياكل الرسمية كالتلفزة. وبلغة أخرى فإنّ نقابة الفنون الدرامية هي من يدافع عن هيبة المشرع وعن علوية القانون وهو أمر غير معقول لانه من المفترض طبيعيا أن يكون سنُ القانون مكسبا نهائيا يحفظ الحقوق فإذا بالنقابة تطالب بالقانون وتطالب بفرضه. والحل يكمن في ضرورة المراجعة التامة، وإعادة تنظيم الاستشارة الوطنية حول المسرح لان الاستشارة الاولى التي أذن بها الرئيس بن علي لم تعكس حقيقة القطاع وهنا لا تتحمل الدولة أي مسؤولية لان بعض المسرحيين هم من جمّلوا الواقع ولم يعكسوه على حقيقته. وفي الختام أعود الى مسألة تطبيق القانون حتى لانترك المجال للمتمعشين في الاستفادة من الدعم دون منح الفرصة لابناء القطاع في العمل والابداع.