برزت الآنسة لبنى نعمان من خلال أدائها الرائع لأغنية »عصفور« لأممية الخليل أثناء مشاركتها في برنامج »طريق النجوم« والآنسة لبنى هي في الأصل خريجة المعهد العالي للفنون الدرامية ولها تجارب موسيقية ومسرحية متعدّدة إلتقيناها لنسألها عن الحركة الثقافية الجامعية وعن آفاق خريجي المعاهد المختصّة فكان الحوار التالي: الآنسة لبنى النعمان كيف تقيّمين العمل الثقافي داخل الجامعة؟ من خلال ما ألاحظه وما عشته في الفترة الجامعية أرى أنّ الثقافة داخل الجامعة في تراجع كبير يصل حدّ الإنحدار فقد عايشت في سن مبكرة الجامعة وهي في أوجها في الثمانينات حيث كان الطالب كثير الحراك الثقافي وينخرط في النوادي الثقافية ويناقش الأفكار والكتابات ويواكب آخر الإصدارات فكان الطالب بذلك مطلعا مثقفا ومهتّما بالثقافة. أمّا اليوم فقد تراجع الوعي والإهتمام الثقافي وأنحسر في بعض الطلبة وأغلبهم من المنتمين للإتحاد العام لطلبة تونس وهم بدورهم متفاوتون من حيث الوعي والتكوين والإطلاع. وفي إطار الحديث عن الإتحاد فإنّ الإنقسامات التي يمرّ بها هي في الحقيقة مشكل ثقافي قائم على انعدام التواصل، وعلى العموم فإنّ أغلب الطلاب محدودون في تكوينهم وثقافتهم عدى البعض الذين يمثّلون إستثناءات. هناك من يرى أنّ هذا الأمر طبيعي على اعتبار تغيّر الإطار الفكري العام ويرى أنّ المقارنة بين الجيل الحالي وأجيال طلابية سابقة لا تستقيم فماهو تعليقك؟ هذا الرأي أكيد، فجميع المجالات مترابطة والثقافة تتأثّر بالسياسة والإيديولوجيا والإقتصاد ونظام التعليم الذي يتغيّر بإستمرار بما يربك التلميذ فضلا عن تراجع المحتوى منذ المرحلة الإبتدائية بما يؤثّر على إدراك التلميذ والمعرفة التي يتلقاها. وفي تقديري فإنّ تراجع المحتوى التعليمي يؤثّر في دور المدرسة والمعهد في إكساب التلميذ والطالب المعارف الأساسية اللازمة والحدّ الأدنى الثقافي الذي يمكّنه من التأسيس لتجربة ثقافية داخل الجامعة. وبصفة عامة فإنّ الشباب التونسي لا يطالع كثيرا ولا يعي ما يحيط به، ولم يعد يحمل تلك الهواجس الثقافية مقابل إستهلاكه للصورة والتكنولوجيات الحديثة التي ربّما تفيده في بعض النواحي وتمثّل مصدرا للمعلومة ولكنّها تبقى غير كافية لتثقيفه فمع الانترنات والفضائيات لابدّ من مطالعة الكتب والروايات. ماهي الحلول التي ترينها لبناء حركة ثقافية جامعية؟ في الحقيقة لا أرى الوضع خاص بالجامعة لذلك فالحلول لا تخصّها بل تمس الثقافة بصفة عامة وأهم الحلول هي إعادة تنظيم المجال الثقافي وتنقيته من كل الشوائب والإرتقاء بمحتوى التعليم منذ المرحلة الأساسية، كما يجب الموازنة بين تطلعات وإنتظارات المثقفين وبرامج وزارة الثقافة. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه المقترحات تستوجب إطارا عاما من الحوار والتواصل والحرية وحرية الصحافة وتطوّر مضامين الإعلام. وفي هذا الإطار أودّ الإشارة إلى أنّ الإعلام وخاصّة التلفزة تتحمّل مسؤولية كبرى في نشر ثقافة وفن راقين فما تمرّره يؤثر في الذوق العام وفي نوعية الثقافة الرائجة. وليس صحيحا أنّ ما يُذاع هو ما يريده الجمهور والمشاهد، فنوعية الثقافة الرائجة مسألة تعوّد فإذا ما عوّدت الجمهور بفنّ راقِ فإنّه سيصبح ذوّاقا وقادرا على التمييز بين الجيّد والرديء أمّا إذا عودته بفن هابط فإنّه سيتأقلم معه ويستهلكه. ولي تجربة في هذا المجال مع أغنية »عصفور« لأميمة الخليل فحين عرضت في التلفزة وغنيتها لاقت نجاحا ورواجا كبيرين وهو ما يعني أنّ المشاهد التونسي يميّز وقادر على الفرز من ناحية ويتأثّر بالإعلام من ناحية أخرى. كيف تقيّمين اضافة المعاهد المختصة للمشهد الثقافي التونسي؟ اضافة المعاهد المختصّة تكمن في تكوين الطلبة أكاديميا وهو ما يميّز خريجيها عن الهواة ويعطيهم أفضلية وللإشارة فأنا لست ضدّ الهواة بل على العكس أعتبرهم بمثابة ملح الطعام يبقى أن على هؤلاء الهواة العمل والإجتهاد لتطوير طاقاتهم ومواهبهم ليبلغوا مرحلة الإحتراف. فالأكيد أنّ هناك فوارق بين من درس المسرح أو الموسيقى أو الرسم ومن يمارسه في إطار الهواية. فالمعاهد المختصّة إذا تقدّم للثقافة والفن وتضيف رغم النقائص التي تشهدها مثل طريقة التوجيه والتعامل مع هذه المعاهد بنفس معايير الكليات والمعاهد الأخرى وهو ما يفرز في بعض الأحيان خريجين متواضعين كما يفرز أيضا طاقات فنية متميّزة. ماهو واقع خريجي هذه المعاهد؟ يعيش خريجوا المعاهد المختصّة صعوبات كبيرة فهناك بطالة وآفاق تشغيل ضعيفة تعود إلى ضعف الإنتاج وقلّته واقتصاره على مجموعة من المنتجين المعروفين دون سواهم، فيتخرج الطالب وهو يحلم ويريد الإضافة ويحمل مشروعا إلاّ أنّ بطالته وأوضاعه المهنية تدفعه شيئا فشيئا للإنخراط في السائد والتنازل عن مشروعه الثقافي. خاصة في ظلّ عدم قدرته على إنتاج أعماله الخاصّة بسبب غياب الإمكانيات وقد زاد في الطين بلّة إعتماد البعض من المنتجين على الهواة دون معايير واضحة ودون أن تكون لهم مواهب إبداعية. فمسلسل »كاستينغ« مثلا أساء للممثّل من حيث المضمون فليست تلك حقيقة الممثل ذلك الكائن الذي يريد أن يتقدّم بالمجتمع وأن يمتعه ومن حيث الشكل باعتماده على الهواة لأسباب لا علاقة لها بالتمثيل والإبداع.