السيد منذر ثابت كيف تقيّم العمل الثقافي داخل الجامعة؟ في توصيف موضوعي للمشهد الثقافي داخل الفضاء الجامعي والمدرسي يمكننا الإقرار بأن محاولات إحداث حراك على هذا الصعيد لم تكن الا محدودة ودون المأمول حيث أن الفضاء الجامعي يفترض فيه أن يكون مساحة تجريب ثقافي وذلك إعتبارا لطبيعة النخب الطلابية المفعمة بروح النقد والمندفعة في جيل فكري طبيعي الى تفكيك الظواهر وتشريحها فالمفروض أن تكون هذه المساحة بالفعل مجال ابداع واختيار ونقد وهذا ما من شأنه أن يفرز نخبة إجتماعية متكاملة الأبعاد متمثلة لقضايا عصرها متصالحة مع ذاتها في عالم مفتوح تشكل الثقافة أداة هيمنة ومجال صراع ويتضح لنا من خلال إستقراء جزئيات المشهد الطلابي والمدرسي أن المسألة الثقافية لم تدرك بعد مستوى الأولية في تمثل الاطراف الفاعلة داخل هذا الفضاء ولعل ضمور البعد الثقافي ترجمة لتراجع المشغل الفكري وهيمنة المنزع الاستهلاكي لدى عموم الطلبة حيث يقتصر النشاط على نواد ترفيهية فاقدة للاغراض الثقافية الصريحة والواضحة وحيث يختزل الفعل الأكاديمي داخل الفضاء الجامعي على المقررات من البرامج مقابل تراجع ملحوظ للندوات الفكرية المفتوحة لعموم الطلبة ذات المحاور العالمية الراهنة فالقضية لدينا في إحدى أبعادها تتعلق بإنفتاح الجامعة التونسية لا على محيطها الوطني فحسب بل وعلى المحيط العالمي لتكون بالفعل مخبر أفكار مؤلد ومنتج. وفي غياب هذه الديناميكية العامة والشاملة لا يمكننا أن نتوقع إلا الفراغ المدمر للعقل ولمبادئه ومقولاته حيث تتشكل الشخصية الفيصامية الممارسة للعلم دون وعي والمقبلة على الخرافة دون تردد. هناك من يرى أن الجامعة تفتقر الى مشروع ثقافي فماهو تعليقكم ومن هو المسؤول على ذلك؟ المسؤولية لا يمكن أن تختزل في طرف دون آخر وإنما هي حالة من الإغفال أو التهاون قد يُفسرها ترتيب أولويات لدى الاطراف السياسية والأكاديمية لكن هذا الإغفال لا يمكنه أن يكون قابلا للتشريع إذا ما سلمنا بأنّ الجامعة مصنع نخب وقيادات علمية وفكرية وإدارية وإجتماعية واقتصادية وأن انتاج نخب أو حادية التكوين غير متماسكة في علاقتها بذاتها وبعلمها وبمحيطها يقود ضرورة الى إخلالات منعكسها أكيد على المجتمع ومن هذا المنطلق نقول بأن صياغة استراتيجية تشاركية بين الاطراف الفاعلة في الفضاء الطلابي من أجل تحريك الجبهة الثقافية أمر أكيد للإرتقاء بالمتعلم الى مستوى المثقف وأن هذا النقص كما أسلفنا ذكره يترك مساحات شاغرة لكل أشكال المغامرة والتطرف. هناك من يرى أن الثقافة هي أفضل وسيلة للساسة للاستقطاب والانتشار فماهو تعليقكم؟ مجال الثقافة هو مجال الابداع لكونه مجال حرية ولأن أجمل الأعمال وأكثرها إبداعا تلك التي أفرزتها ذوات متحرر من كل قيود مثل »قارسيا لوركا« و»بيكاسو« و»هيڤو« و»عمر ابن ابي ربيعة« وفكرة الالتزام في الابداع الفني لا تكون منتجة الا متى صدرت عن المعيش الذاتي للفنان أي عن مسيرته بعيدا عن الارتهان بأي شكل من أشكال النفعية أوالارتزاق ولا يعني هذا القول بأن المثقف لا يقف الا على طرفي نقيض مع السلطة، فهيقل لم يُمجد دولة »فريديريك قويام الثاني« على منوال الوشاة والمتزلفين بل كان مبدعا في إنتصاره لنموذج الدولة البروسية (في رسالة وجهها الى »قويام« الثاني يقول ان دولتكم هي أثر مشية الله على الأرض) فالابداع لا تحكمه نماذج او قوالب أو تعاليم محددة وليس لأطراف الفعل إلا أنّ تبادر بإيجاد الاطاروالحاضة التي من شأنها أن تأطر مجالات الفعل الثقافي لان الاختلاف واتنوع حالة محايثة لأوضاع الابداع والإضافة ونحن كصوت ليبرالي نشدد على حالة التنوع والاختلاف وحرية الابداع تناسبا واتفاقا مع ذاتية الحكم الذوقي لكي يكون مجتمعنا مجتمع تسامح والتنوع والثراء فالفكر أرحب من أن يغتزل في رأي وفي مقاربة واحدة متوحدة بذاتها. ولكن هناك من يرى أن الفن للفن أكذوبة وأن الليبرالية تفرض فنها؟ يعيدني السؤال الى جدل إيديولوجي بصدد الفن خلال مرحلتي الطلابية وتستحضر ذاكرتي إشكالية الواقعية الاشتراكية والنهاية المأساوية »لمايا كوفسكي« لكن تمثلي للموضوع اليوم أكثر وضوح من حيث أني لا أتعاطى مع الموضوع الفني الا من زاوية جمالية فالأثر الفني مهما كان موضوعه لا يحاكم الا انطلاقا من المعايير الجماليّة أما مضامينه فهي حرة لا تمنع اختراق الواقعية او الالتزام لكنها لا تجيزها الا متى كانت بالفعل مبدعة في مستوى الشكل الجمالي وكل خلط بين الايديولوجي والفني يقود الى تشويه الاثر الفني وتسطيح الطرح الايديولوجي وتفقيره من مقولاته هذا لدينا معيار الحكم وهو في تقديرنا ما من شأنه ان يحافظ على حرية الإبداع وخصوصية الاثر الفني والثقافي في آن. ماهي الحلول التي تراها للارتقاء بالعمل الثقافي الجامعي بما يرقى بالعمل الثقافي عموما؟ تخصيص فضاءات للنشاط الثقافي وتجهيزها بالمعدات اللازمة داخل المبيتات والكليات، ثانيا تشجيع الطلبة على إحداث النوادي الثقافية وتنظيم مواسم ثقافية وتوسيع مجال التظاهرات الثقافية الطلابية والتعريف بها إعلاميا وإصدار نشرية جامعية حول النشاط الثقافي وفسح المجال لتبني المؤسسات الخاصة للمجموعات الموسيقية والفرق المسرحية الطلابية والمبدعين في مختلف المجالات ونرى أنّ السنة الدولية للشباب والسياسات الرسمية الموجهة نحوه دافع حقيقي لتحقيق هذه الأهداف. هناك من يرأي أن غياب تصور ثقافي يؤثر في أداء الفضاءات والهياكل الفاعلين الموجودين؟ لماذا تصور فالمفروض وجود تصورات تناقش المسألة لتفضي الى وفاق حول الاطارالعام أي الادنى المشترك وهو إيجاد الهياكل والمؤسسات الراعية للنشاط الثقافي والرياضي لأن طلب الاتفاق بصدد الكل طوباوي وغير مجدي لذلك نحن نرى أن فتح هذا الملف خطوة هامة في اتجاه التقدّم نحو انجاز هذا الاستحقاق وبديهي أن كل الاطراف مطالبة بطرح وإقتراح برامج واضحة ودقيقة في هذا الصدد فبذلك يمكن للواقع الثقافي الطلابي والمدرسي أن يحقق تحولا نوعيا يؤهله لأن يكون بالفعل منارة تقدّم وتحديث في المجتمع.