تجاوز عدد الطلبة مع العودة الجامعية للسنة الحالية 400 ألف طالب من الشباب والشابات ولأنّ الجامعة منارة للعلم والمعرفة ورافد من روافد التنمية أردنا أن نخصها بملف بمناسبة العودة الجامعية. كان بالامكان أن نسرد الارقام وأن نحلل المعطيات وأن نتناول نسب التأطير وجودة الخدمات الجامعية وما إلى ذلك من المسائل العددية إلا أننا رأينا أننا قد لا نضيف الكثير بتجميع أرقام يعرفها الجميع ويعرف دلالاتها القاصي والداني ففكرنا في الجامعة من الزاوية الثقافية بعد أن لاحظنا تراجع الحراك الثقافي داخل الجامعة، وحضورها الفاتر في الساحة الثقافية فكان ملفنا هذا حول الحركة الثقافية الجامعية. وبالعودة الى العدد الكبير لشباب تونس الذي يعيش داخل أسوار الجامعة في تنوع كبير كان من البديهي أن تخرج الجامعة ألف مبدع ومبدع وأن تكون موطن تفتح الزهور التي تصنع الربيع الثقافي التونسي الا أن المتابع للحركة الطلابية وللحياة الجامعية يلاحظ غلبة الدرس والفراغ على حساب الثقافة ولنكون أمناء فإنّ وزارة الاشراف والهياكل التابعة لها لم تهمل الثقافة تماما ونظمت التظاهرات والمهرجانات والندوات وصرفت الأموال وجعلت من النشاط الثقافي جزءًا من الحياة الجامعية الا أنها لا تخرج عن الجانب الكمي في تعاطيها مع الموضوع وأكتفت لنفسها بدور الممول الباحث عن العدد تاركا شأن المضمون لاصحابه بما يوحي بغياب تصوّر ثقافي واضح داخل الجامعة أو غياب تصور كامل حول دور الجامعة في دفع الحركة الثقافية فمئات الآلاف من الطلاب جمهور عظيم من المتعلمين لهم القدرة على إستيعاب كل أشكال الثقافة دون بلوغ مرحلة الإشباع مطلقا، ومئات الآلاف من الطلاب ذاتهم فيهم من الطاقات والحس الفني ما يجعلهم منجما لا ينضب للابداع والثقافة. وإذ لا نريد العودة الى الماضي أو التحسر على زمن فات وولى فإننا نذكر فقط بأن من أمتعونا ويمتعوننا فنيا وثقافيا في مختلف المجالات الإبداعية هم نتاج الحركة الثقافية المدرسية والجامعية التي أنطلقت في الستينات والسبعينات أيام كان المسرح المدرسي والمسرح الجامعي وأيام إنتشار نوادي السينما والقصة والشعر وتعدد الفرق الموسيقية مما خلق جيلا من المبدعين وأسماء أضافت للثقافة والابداع في تونس، نسوق منهم على سبيل الذكر النوري بوزيد وخميس الخياطي والفاضل الجعايبي وعبد الرؤوف الباسطي وغيرهم من الأسماء التي نعتذر لعدم ذكرها. لذلك نرى أن المراهنة على الثقافة داخل الجامعة وعلى دور الجامعة في الحركة الثقافية أمر لا بد منه إذا أردنا أن نخرج جيلا متكامل التكوين، متعدد المواهب والقدرات وإذا ما طمحنا في الارتقاء بالحركة الثقافية التونسية الى المستوى المنشود من الرقي والابداع والامتاع. فتحنا ملف الثقافة والجامعة ودعونا له الجميع دون إستثناء أحد، وكالعادة فإنّ البعض تعلل وتحجج وآثر الصمت والبعض الاخر شارك وقدم الاضافة المنتظرة في ملفنا الذي نرجو أن يكون قد لامس جزءا من مشاكل الثقافة في الجامعة ومن تطلعات المثقفين والمبدعين وأن يكون قد وضع الأصبع على مكمن الداء في ضعف الحركة الثقافية الجامعية ونحن إذ نشكر من ساهم في اثراء ملفنا فإننا نفتح المجال أمام الجميع للمشاركة والتفاعل في قادم الأعداد.