عاجل/ أغلبهم أطفال: استشهاد 11فلسطينيا من عائلة واحدة في قصف صهيوني لمنزل جنوب غزة..    عاجل/بعد استقالة الهيئة التسييرية للافريقي: سمير الوافي يفجرها ويكشف..    السجن لنقابي أمني سابق من أجل هذه التهمة..    آخر الأرقام بخصوص موسم الحجّ    حافظ العموري يشرح التغييرات الجوهرية في قانون الشغل    دليلك الكامل لتنسيق ألوان ربيع وصيف 2025: ألوان جريئة وعصرية ''تخليك تتألق''!    عاجل/ تحسّبا للتقلبات الجوية..مرصد سلامة المرور يحذر ويقدم جملة من التوصيات..    مراكز نقل الدّم في إضراب بيوم ...تفاصيل    تركيا: اعتقال عشرات العسكريين لصلتهم بانقلاب 2016    الشرطة الأمريكية تكشف عن بيان ناري عن وحشية العالم وحرب غزة نشره منفذ هجوم سفارة إسرائيل في واشنطن    ترامب ينشر رسما ساخرا يلمح لترؤسه الولايات المتحدة إلى الأبد    القصرين: مركز "آمان" لإيواء النساء المعنّفات... من فضاء للاغاثة إلى أبواب مغلقة وديون متراكمة    عاجل: ''إكستازي''بلعبة أطفال.. الديوانة تُحبط تهريب 5 آلاف حبة مخدرة بحلق الوادي!    قفصة: أسعار أضاحي العيد تتراوح بين 750 دينارًا و2000 دينار    29 يوم فقط تفصلنا على بداية فصل الصيف    علاج طبيعي للاكتئاب دون أدوية...تعرف عليه    ''ضحكة كبيرة ونتيجة خطيرة'': لعبة التخويف تهدّد صحة طفلك!    بمشاركة 28 فلاحًا وفلاحة: انطلاق سوق الفلاح التونسي لدعم المنتوج المحلي    وزارة الأسرة : دورة تكوينية حول حقوق الطفل لفائدة مساعدي حماية الطفولة الجُدد    زلزال قوي يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    قفصة: مطار قفصة القصر الدولي يؤمن ثاني رحلة لحجيج ولاية قفصة على متنها 256 حاجا وحاجة    متابعة للوضع الجوي لبقية هذا اليوم وهكذا سيكون الطقس غدا..    عامر بحبّة: تقلبات جوية تضرب تونس والجزائر...و طقس ''الويكاند'' ممطر    رئيس الجمهورية : إلغاء المناولة بداية لحلول جذرية تقطع مع "الماضي البغيض"    الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يعتذر بعد نفاذ الميداليات خلال حفل التتويج في الدوري الأوروبي    دعاء يوم الجمعة 23 ماي 2025    كريستيانو يكشف: ''عمري الجيني 28 رغم أني بلغت الأربعين''!    فيفا تعاقب جامعة كرة القدم التونسية ب57 مليون ...وهذا هو السبب    مفزع/ من بينهم أطفال: وفاة 11 سودانيا بسبب العطش في صحراء ليبيا..وهذه التفاصيل..    كاتب الدولة للخارجية يستقبل مسؤولا بمنظمة التحرير الفلسطينية ويؤكد دعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم    الاستيقاظ قبل رنين المنبه خطر.. دراسة تحذر وتكشف..    هام/ "الستاغ" تشرع في جدولة ديون هؤولاء..    العميد شكري الجبري: إحباط إدخال كميات هامة من المخدرات عبرمطار تونس قرطاج ومعبر رأس جدير    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    "الدوو" و"كارلوس" في قبضة أمن الزهروني: تفكيك عصابة روعت سوق ليبيا بأكثر من 15 عملية سلب    تخصيص جوائز مالية قياسية لكأس العرب 2025 بقطر    باريس سان جرمان يمدد عقده مديره الرياضي كامبوس إلى غاية 2030    برشلونة يمدد عقد جناحه رافينيا حتى 2028    خطبة الجمعة...غلاء الأسعار وأضراره الاقتصادية والاجتماعية    بعد إعصار مدمر.. صرخات رضيع تنقذه من الموت تحت الأنقاض    ملف الأسبوع...وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا .. الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ    منبر الجمعة: لبيك اللهم لبيك (2) من معاني الحج    مسرح الجم يحتضن الورشة الإقليمية لتوثيق التراث الرقمي بإشراف اليونسكو    نابل تحتضن الدورة الثانية من «الملتقى العربي للنص المعاصر» تحت شعار .. «المجاز الأخير... الشعر تمرين على الوجود»    تعود إلى السينما المصرية بعد غياب: سناء يوسف تعوّض هند صبري في «الجزيرة 2»؟    فايسبوك يلتهم وقت التونسيين: 61 ساعة شهريًا مقابل 5 فقط للقراءة!    مؤشر الإنتاج الصناعي يتراجع ب3،6 بالمائة موفى ديسمبر 2024    حفل إسناد جائزة ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية يوم 27 ماي 2025 بالقصر السعيد    تصل الى 7 سنوات: "الستاغ" تعلن عن جدولة ديون هذه الفئة.. #خبر_عاجل    ارتفاع نسبة امتلاء السدود إلى 40،7%    بالصور: أحمر الشفاه يسرق الأضواء في مهرجان كان 2025..من الأحمر الجريء إلى النيود الناعم    القيروان: انطلاق بيع الأضاحي بالميزان في سوق الجملة بداية من 26 ماي    القيروان : اليوم إفتتاح الدورة 19 للملتقى الوطني للإبداع الأدبي والفني.    شرب الماء على ثلاث دفعات: سُنّة نبوية وفوائد صحية مؤكدة    كرة اليد : الترجي في مواجهة نارية أمام الزمالك ..تفاصيل المباراة    نشرة الصحة والعلوم: نصائح للذاكرة، جديد الدراسات الطبية، ونسب التغطية الصحية في تونس    بلاغ وزارة التجارة حول توفير لحوم ضأن وبقري مسعرة    ظهر اليوم: امطار و تساقط كثيف للبرد بهذه المناطق    









الحركة النقابية التونسية والمسألة العمالية النقابية1894) (1956 الجزء الأول1894) ( ̷
قراءة في كتاب: كتبه الأستاذ المؤرخ والباحث محمد لطفي الشايبي
نشر في الشعب يوم 09 - 10 - 2010


صدر عن مركز النشر الجامعي في 253 صفحة
هذا التأليف هو من الكتب الجديرة بالاهتمام نظرا للإضافات التي قدمها المؤلف. ومن هنا كان جديرا بكل من يهتم بالشأن النقابي أن يطلع على هذه الإضافة ويتناولها بالتحليل والنقد متى تيسر له ذلك حتى نسلط بعض الأضواء على بعض الجوانب التي مازالت في حاجة للتوضيح حتى نقدم لأجيالنا الحقائق التاريخية حول رواد الحركة الوطنية والاجتماعية دون تقزيم أو عملقة. وفي هذا السياق تتنزل هذه المقاربة النقدية لهذا الإنتاج.وهي تتعلق بثلاثة مراكزاهتمام في الكتاب: الجانب المنهجي، الشكل ، المحتوى.
أولا :الجانب المنهجي
استطاع الكاتب في دراسة المسألة العمالية النقابية أن يؤائم بين طريقتين:
1 طريقة غير مباشرة حيث استند في بحثه إلى الظروف الحافة بميلاد أول نقابة وطنية مستقلة في تونس فعمل على توصيف الوضعية الاجتماعية والنقابية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وهي الأرضية أفرزت المطلبية النقابية ، وهي طريقة متعارفة يلتجئ إليها الباحث عندما تعوزه الوثائق أو لا تبوح بأسرارها كاملة أو عندما يريد أن يؤكد ما في الوثائق. وقد سبق أن اعتمدها المستشرق شارل بيلا في دراسة شخصية الجاحظ وفكره استنادا إلى المجتمع البصري بكل معطياته الاقتصادية والاجتماعية والحضارية والسياسية، وتوخيتها شخصيا عند دراسة البعد المغاربي لدى أحمد تليلي الذي لعب دورا سياسيا ونقابيا على مستوى المغرب العربي دون أن يترك أثرا مكتوبا يعتمده الباحث. وهي الطريقة الطاغية في كامل هذا البحث.
2 طريقة مباشرة تعتمد استنطاق الوثيقة متى توفرت، ويمكن الإشارة إلى المقالات المتعلقة بالمسألة العمالية التي كان يكتبها علي باش حانبة زعيم حركة الشباب التونسي وعلي بوشوشة مدير جريدة الحاضرة وغيرهما.
بالإضافة إلى أمكن للباحث أن يطلع عليه من مذكرات ومراسلات وبحوث ومقالات باللغة الفرنسية والعربية. والكثير من الوثائق لم تكن في متناول الباحثين الذين تصدوا لهذه المسألة ولعل أهمها مذكرات أنور باشا وشهادة الأمير شكيب أرسلان ومراسلات علي باش حانبة للشيخ الثعالبي ومراسلات محمد علي لمحمد الجعايبي مدير جريدة الصواب
ثانيا : الشكل
1 لغة النص
اعتمد الكاتب ازدواجية اللغة خاصة فيما يتعلق بالاستشهادات،ولعل هذا الحرص يعود إلى رغبته في تأكيد مصداقية البحث، وهذه الطريقة وإن أكدت نزاهة الباحث وموضوعية البحث إلا أنها تحرم السواد الأعظم من المتلقين من فهم النص ومتابعته والاستفادة منه. وكان الأجدر بأستاذنا أن يترجمها ويقدم نصا متكاملا بلسان عربي مبين ثم يفرد قسما خاصا بالوثائق في لغتها الأصلية وبذلك يستفيد كل المستهدفين من هذا البحث من نقابيين وطلبة وجامعيين بل وحتى من الأكاديميين من ذوي اللسان الإنجليزي. وبلا شك أنه يعرف أن كثيرا من المؤلفات الجيدة لم تغادر رفوف المكتبات العمومية ومراكز البحوث لكسل أصحابها واستسهالهم التعبير باللغة الفرنسية التي نشؤوا عليها أو قد تشجعهم على التأليف بها بعض الأوساط الفرنكوفونية والفرنكوفولية . وبهذا تحرم ناشئتنا من جهد آبائها وتتكلس لغتنا الوطنية في تعابيرها التقليدية.
2 سلامة اللغة
تسللت الكثير من الأخطاء اللغوية إلى النص، ومن أبرز هذه الأخطاء التغافل عن عمل بعض النواسخ ( إن ،كان...) وعن عدم فاعلية أداة الجزم (لم) فإذا دخل على فعل ناقص حذف حرف العلة( لم يبق/ى، لم يول/ي لم يف/ي.... وهو خطأ شمل كل التأليف تقريبا . والأخطاء اللغوية واردة في كل البحوث وبكل اللغات ولا ضير في ذلك لاسيما لدى غير المختصين في اللغة ، لكن كان بالإمكان تجنبها لو وقع الاستعانة بالزملاء المختصين كما يقع عادة.
3 تهوئة النص
من المعروف أن النص العلمي ليس قصة مريحة تستهوي القارئ وتشده إليها بل هو مكابدة فكرية يتطلب جهدا عقليا متواصلا يبذله المتلقي حتى يستطيع متابعة تسلسل المعلومة أو التحليل، لذا غالبا ما يُنصح بتهوئة النص، وذلك بتجزئته إلى وحدات رئيسية أو فرعية تشكل وحدة متكاملة. وهذا ما لم ألمسه وقد لا أكون مصيبا في هذا التأليف القيم ويبدو ذلك واضحا في الفصل الأول الذي استغرق أكثر من 50 صفحة منها ما هو بالعربية ومنها ما هو بالفرنسية وشكّل وحدة فكرية تعرض فيها إلى عدة قضايا منها دور الأحزاب السياسية في الحركة النقابية وتحليل علي باش حانبة لظاهرة الاستغلال على صفحات جريدة الحاضرة والوضع النقابي في تونس والأحداث التي شهدنها الإيالة التونسية( الزلاج والترامواي) والصراع بين العمال من مختلف الجنسيات ومقاطعة الأهالي للشركة وموقف السلطة الفرنسية من التطورات .نعم إنها مسائل متداخلة لكن يمكن العمل على تمفصلها تسهيلا لاستيعابها.
ثالثا المحتوى
ضم التأليف ثلاثة فصول بالإضافة إلى التوطئة والمقدمة فالخاتمة ثم المصادر والمراجع
الفصل الأول :بدايات تشكل المقاربة الوطنية للمسألة العمالية النقابية1894 ) (1914
تناول بالدرس مرحلة لم تكن معالمها واضحة بالنسبة للدارسين وتتعلق أساسا بالفترة التي مهدت لتكوين أول تجربة نقابية مستقلة وبالتحديد جامعة عموم العملة التونسية. ونتيجة لغياب هذه الحلقة لدى الباحثين فإن محمد علي مؤسس هذه المنظمة بدا وكأنه نسر قادم من وراء البحار. أما تفاعلاته السياسية والفكرية والتنظيمية مع القيادات الوطنية والقومية والعثمانية والمستجدات العالمية في المهجر التي وقعت في تركيا وبرلين فلا نعرف عنها إلا النزر اليسير من المعلومات التي تتعلق ببعض المحطات التي حط فيها رحاله منذ أن غادر وطنه سنة 1911.وقد أتت هذه الدراسة لملء الفراغ المعلوماتي الذي كان حاصلا حول بدايات تشكل الوعي النقابي لدى محمد علي ويعود بها الكاتب إلى أدبيات حركة الشباب التونسي وخاصة كتابات على باش حانبة زعيم حركة الشباب التونسي وعلي بوشوشة مدير جريدة الحاضرة. فالأول تناول منذ 1894 ظاهرة استغلال الرأسمال الاستعماري لليد العاملة الأهلية وكيفية الاستعاضة عنها باليد العاملة الإيطالية والفرنسيةّ » وكتب الثاني سنة 1907 حول تدهور وضعية "اليد العاملة الأهلية « نتيجة لسياسة الميز وعدم المساواة في الأجر بين العمال الأوروبين من الفرنسيين والإيطاليين والعمال المحليين. وقد كانت هذه الوضعية حافزا للحركة الوطنية للمطالبة "بإنشاء نقابة لليد العاملة الأهلية " مثلما فعل حزب الوفد في مصر. فمشكلة اليد العاملة الأهلية كانت مطروحة في تونس لدى النخب الفكرية للحركة الوطنية بعد عشر سنوات ونيف من بداية الاحتلال على مستوى اجتماعي وسياسي.ونفس القضية كانت مطروحة لدى قيادات حزب الوفد في مصر الذي أطر ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول والذي نادى بتنظيم النقابات باعتبارها قوى اجتماعية رافدة للعمل السياسي، وقد تعرف محمد علي المحامي على محمد فريد أحد قادته الذي كان مغتربا في الدولة العثمانية ثم في برلين وتعرف على موقف حزب الوفد من المسألة النقابية.
الفصل الثاني :الحركة الوطنية والمسألة العمالية النقابية في خضم تحولات الحرب العالمية الأولى1914) (1918
تعرض الكاتب في هذا الفصل إلى تداعيات الصراع العالمي بين المحور والحلفاء على الدولة العثمانية التي كانت تُلقّب بالرجل المريض، وهي محل أطماع الدول الاستعمارية. وقد ظهرت بين صفوفه نخبة إصلاحية من مختلف الإيالات العثمانية لتنقذ ما يمكن إنقاذه، كان محورها اللواء التركي أنور باشا الذي لازمه محمد علي منذ أن التحق بليبيا لتنظيم المقاومة ضد الغزاة الإيطاليين ورافقه إلى تركيا وألمانيا أين تعرّف على العديد من رجال الإصلاح العرب بداية من زعماء حركة الشباب التونسي) علي باش حانبة وصالح الشريف (وحزب الوفد) محمد فريد( والمفكر اللبناني شكيب أرسلان الذي كان يصدر مجلة "الأمة العربية " والذي استطاع أن ينسج علاقات حميمية مع حركات التحرر في المغرب العربي لتجنيبهم الانزلاق في المخططات الاستعمارية والشيوعية والتمسك بالمقومات الحضارية للعرب والمسلمين.« وقد سير( محمد علي) كنفدرالية الطلبة العرب بألمانيا التي تحمل اسم العرب». وقد كان النادي الشرقي في برلين ملتقى لرجال الإصلاح المهاجرين.
كما عايش الصراعات السياسية في برلين التي كانت تتجاذبها ثلاثة تيارات : الاشتراكيون الديمقراطيون ،الليبراليون الديمقراطيون، الثوريون التيار السبارتكي القوميون، وخاصة الانتفاضة الشيوعية التي نظرت لها روزا لكزمبورغ
ويبدو أن محمد علي تأثر بالمبادئ التي أفرزتها الحرب العالمية الأولى وخاصة مبدأ تقرير المصير الذي نادت به الثورة الروسية ثم تبناه الرئيس الأمريكي ولسون وجعله ضمن مبادئه التحررية الأربعة عشر التي تعلقت بها الشعوب واستندت إليها حركات التحرير الوطنية عند مطالبتها بالاستقلال.
كل هذه العوامل جعلت محمد علي يهيئ نفسه للقيام بدور تاريخي سواء على مستوى وطني أو في خدمة الجامعة الإسلامية التي يعمل من أجلها أنور باشا. لذا اهتم بتكوينه الشخصي فالتحق أولا بالكلية العسكرية في الإستانة لإتقان فنون الحرب والتحق ثانيا بجامعة همبولد في برلين أين انكب على دراسة علم الاقتصاد السياسي1921) (1924 الذي اعتبره أهم أداة لتخليص الوطن والمواطن من رواسب التخلف والجهل والتبعية،ورغم تفاعله مع المستجدات العالمية فإن الجسر الذي يربطه بوطنه ما زال مفتوحا، فكان يراسل محمد الجعايبي أحد رجال السياسة والإعلام مدير جريدة الصواب وهو كذلك عضو اللجنة الجنة التنفيذية للحزب الدستوري وأحد الدعاة النشطين للجامعة الإسلامية.بلا شك أنهما كانا يتبادلان الإعلام حول القضايا المحلية والعثمانية والعالمية.
الفصل الثالث:الحركة الوطنية وانبعاث جامعة عموم العملة التونسية ) 1919 ( 1925
تعرض فيه الكاتب إلى العوامل التي كانت سببا في تأسيس جامعة عموم العملة التونسية والعراقيل التي اعترضت البناة. فمهمة التأسيس حسب الكاتب « أوكلها الأخوان علي ومحمد باش حانبة إلى محمد علي وتولى الإشراف عليها سرا الأمير شكيب أرسلان إثر انهزام الإمبراطورية العثمانية 1918 وبداية الحركة الكمالية ( 1920 1923 )
وهذا الرأي حتى وإن ورد على سبيل الافتراض) يبدو ( يصعب القبول به ، فكل الشهادات بما في ذلك الطاهر الحداد في كتابه " العمال التونسيون " وأحمد توفيق المدني في كتابه " حياة وكفاح " وهو أول من اتصل به محمد علي تؤكد أنه لم يطرح في البداية المسألة النقابية. فقد وجه اهتمامه نحو إعادة الهيكلة الاقتصادية عبر إقامة التعاونيات. فهو يحمل مشروعا اقتصاديا اجتماعيا.أما المشروع النقابي فقد أتى لاحقا ، تبناه لما اتصل به عمال الرصيف المضربين وهو بصدد الترويج للمشروع التعاوني، وليست هناك أية وثيقة حسب معرفتي تشير قبل هذا التاريخ إلى عزم محمد علي على تأسيس نقابات مستقلة.فهذا التأسيس كان حصيلة عاملين :
أ امتلاك محمد علي لرؤية إصلاحية اجتماعية من خلال تفاعله مع المستجدات العالمية، وتشبعه بالمبادئ الإنسانية التي بدأت تكتسح الساحة الدولية بعد ثورة أكتوبر الروسية وإعلان ولسون عن مبادئه الأربعة عشر وفي مقدمتها حق الشعوب في تقرير مصيرها، ومن خلال ما اكتسبه من ثقافة اشتراكية ومعرفته بالإمكانيات المحدودة للتونسيين على منافسة الرأسمالية التجارية والصناعية الأوروبية في تونس عند عودته لتونس سنة1922وسنة1923 واتصاله بفعاليتها واطلاعه على أوضاعها الاجتماعية والسياسية .
ب الحراك العمالي الأهلي نتيجة للوضع الاجتماعي المزري الذي عاشه عمال الساعد الذين يكابدون الاستغلال والميز العنصري الذي يمارسه الأعراف والسلطات من ناحية ولا يجدون أي دعم من النقابات الفرنسية من ناحية أخرى مما دفعهم إلى الانسلاخ من هذه النقابات وخوض نضالات بمعزل عنها.
فالعامل الأخير هو الذي فجّر ما كان كامنا لدى محمد علي من رغبة ملحة في القيام بدور وطني اجتماعي، فاندفع دون تردد نحو الشغالين الذين كانوا ينتظرون بدورهم ظهور نخبة واعية أقرب إلى المثقفين العضويين تؤطر نضالهم وتقودهم نحو أهدافهم. ومن أهم أسباب نجاح هذه التجربة رغم محدودية حيزها الزمني أنها جمعت بين عمال الساعد الذين غالبا ما يكون دورهم التخطيط والتنظير والتوعية والتعبئة والقيادة ، وعمال الساعد الذين يخوضون التجربة النضالية ميدانيا ويتحملون تبعاتها.
ورغم هذه البنية المتكاملة فإن الظروف الحافة عطلت انطلاقتها وحالت دون استمراريتها.فقد كانت محل تجاذب عنيف بين الفعاليات السياسية والنقابية على الساحة التونسية.فالإدارة الاستعمارية تستهجن منزعها الوطني وترفض تحالفها مع الشيوعيين وتُخوّن قائدها، ويتهمها الاشتراكيون بتمزيق صفوف العملة وإضعاف مقاومتهم للقوى الرأسمالية، ويرى فيها الشيوعيون حليفا موضوعيا لمقاومة الاشتراكيين والرأسماليين انطلاقا من تنظير الأممية الثالثة الحمراء التي كانت ترى في التحالف مع الحركة الوطنية إنهاكا للدول الرأسمالية في مستعمراتها. أما الحركة الوطنية وبالتحديد الحزب الدستوري فهو في حالة إرباك فمن ناحية يريد أن يجعل منها قوة اجتماعية رافدة لعمله السياسي للضغط على دولة الحماية حتى تتخذه المخاطب الكفء ولكنه في نفس الوقت يخشى تصلب قائدها محمد علي الذي بدا وكأنه أسد جسور لا ينظر وراءه غير قابل للمساومة ولا تهمه العواقب. وهو في نظري أقرب إلى المغامر الثوري منه إلى النقابي الإصلاحي خلافا لقيادة الحركة الوطنية التي كانت إفرازا للطبقة البورجوازية الصغيرة التي تضغط وتناور وتقف في منتصف الطريق.وهذا هو لب الخلاف بقطع النظر عن التهم السياسية التي روّج لها قادة الحزب الدستوري الثاني الذي وقع في خطيئة أفظع عندما سيطر بعضلاته المفتولة على جامعة عموم العملة التونسية الثانية سنة1938 وبقوى الأمن والجيش والمليشيا سنة 1978.
والخلاصة أن هذا التأليف يُعدّ إضافة إيجابية رغم بعض الهنات ملأت فراغا معلوماتيا حول أول تجربة نقابية مستقلة حاول الكاتب أن ينزلها ضمن ظروفها الموضوعية وقد قدم من خلالها أهم الإشكالات المطروحة اليوم مثل العلاقة بين السياسي والنقابي واستقلالية المنظمة وخياراتها الاقتصادية والاجتماعية، وبلا شك أن هذا العمل يتطلب جهدا لم يكن باليسير خاصة على مستوى الوثائق التي كانت معدومة أو نادرة أو شحيحة.وهذا ما أفلح فيه الكاتب إلى حد بعيد، فتمكن من نفض الغبار عن الصفحات الأولى من ذاكرتنا الوطنية والنقابية دون عملقة أو تقزيم لرواد الحركة الوطنية والنقابية واضعا إياهم ضمن المعطيات الحضارية والسياسية المحلية والعربية والإسلامية والعالمية التي استلهموا منها أفكارهم ومبادئهم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.