عاجل/ يهم هؤولاء..وزارة التربية تعلن عن بشرى سارة..    5 ٪ زيادة في الإيرادات.. الخطوط الجوية التونسية تتألق بداية العام الحالي    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    عاجل/ استشهاد 3 أشخاص على الأقل في قصف صهيوني لمبنى تابع للصليب الأحمر في غزة..    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    القيروان: تسجيل حالات تعاني من الإسهال و القيء.. التفاصيل    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    بن عروس: انتفاع 57 شخصا ببرنامج التمكين الاقتصادي للأسر محدودة الدخل    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    العاصمة: وقفة احتجاجية لعدد من اصحاب "تاكسي موتور"    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر بلاغ هام للمواطنين..    هلاك كهل في حادث مرور مروع بسوسة..    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    صدور قرار يتعلق بتنظيم صيد التن الأحمر    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    عاجل/ منخفض جديد وعودة للتقلّبات الجويّة بداية من هذا التاريخ..    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواجه صن داونز .. من أجل تحقيق التأهل إلى المونديال    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    "ألفابت" تتجه لتجاوز تريليوني دولار بعد أرباح فاقت التوقعات    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    مهرّبون متورّطون مع أصحاب مصانع.. مليونا عجلة مطاطية في الأسواق وأرباح بالمليارات    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطاهر شريعة يتحدث عن ظروف بعث المهرجان في سنة 1974، ويقع الاعلان عن تأجيل المهرجان الى أجل غير مسمى لكن الصحافيين والسينمائيين أعادوه بالضغط
الجمع بين أشخاص غير متجانسين في لجنة التحكيم لا يخدم المهرجان
نشر في الشعب يوم 30 - 10 - 2010

في سنة 1984 قامت مجلّة الحياة الثقافية بالاعداد لتحقيق عدد خاص عن مهرجان أيام قرطاج السينمائية ومن بين من أرادت استجوابهم »الطاهر الشريعة« وهو في عنفوانه...
فأجاب... ولم تعجب اجابته المسؤولين عن المجلّة وكنت يومها أعدّ كتابي الأوّل »السينما العربية 1984« وقد أهداني مشكورا الصديق التيجاني الحدّاد الذي كان من طلبة الطاهر الشريعة وذكرت له ذلك فطلب مني أن ينشر الحديث في كتيب، وفعلا في ليلة قمنا بالصف والاخراج وقام من الغد الطاهر الشريعة بتصحيح البروفة غير أنه قال لي لننتظر قليلا »أريد أن ينشر حديثي في المجلة... وبقي ذلك النص والأفلام عندي، ولما نشر في مجلة الحياة السينمائية أتى مبتورا، فهاهي »الشعب« بعد 25 سنة تنشر جانبا يسيرا من الحديث وكأنه كتب اليوم.
»الحلم الذي كان يراودني من وراء بعث مهرجان« أيام قرطاج السنمائية.. كان أكبر (ولم يزل بعد اكبر... عافاك الله... ما دمت مازالت أنا!) ولا أستطيع ان اقدّر لك ولا ان اصف كم وكيف كان اكبر فعلا... ولكن اليقين انه كان أكبر... كثيرا من واقع هذا المهرجان سواء قيمنا هذا الواقع بحصيلة دورة معينة من دوراته نختارها اختيارا لما قد نرى فيها من سمن وغنى او جمعنا نتائج سائر الدورات جميعا
الحلم أكبر من الواقع دائما. الحلم الذي كان يراودك في بعث مهرجان للنهوض بالسينما الافريقية والعربية ولايجاد مكان تحت الشمس لسينما »العالم الثالث« هل تراه تحقق؟ وإلى أي مدى؟.
وهكذا فنسبة »أيام قرطاج السينمائية« الى شخصي لاني كنت يوم انبعاثها رئيسا لمصلحة السينما في الوزارة التي قررت بعثها وسخرت لذلك ما يلزم من مال ووسائل لا تستقيم إلا اصطلاحا أي بقدر ما تستقيم نسبة لائحة جامعة نوادي السينما التونسية سنة 1956 إلى... لاني أمضيتها ووجهتها الى الوزير المقصود بها، هكذا ولا أكثر من ذلك وهو ما كان يجب التذكير به لان تأكيده حق وفضيلة.
بقي الجواب كله عن سؤالك: »ما كانت حقيقة ذلك الحلم عندي شخصيا وأين أرى واقع المهرجان الان من تلك الحقيقة الذاتية«؟
كان حلمي أن يكون المهرجان »دعوة« مستمرة وحركة طويلة النفس في سبيل غايتين متوازيتين متكاملتين:
الغاية الاولى هي تنشيط البيئة السينمائية خاصة كجزء لا يتجزأ وظاهرة لا يجوز أن تتوارى عن الظواهر الاخرى من البيئة الفنية والفكرية عموما وذلك بتمكينها من ملتقى دوري يحرك الهمم ويغذي منابع الخلق والابتكار ويشحذ العزائم على الانجاز ويحمس النفوس على المواجهة والمباراة فيصل عرى التجديد، ويشجع على التجدد كما يوطد شيئا فشيئا مشاعر التأنس وسبل التعارف والتعاون بين الافراد والجماعات عبر أقطار ولغات وثقافات مختلفة أصلا ومباعدة فعلا لجل الاشياء والاهواء في العالمين الافريقي والعربي كانت الغاية الاولى والجوهرية في نظري الى اليوم وبعده هي أن تكون »أيام قرطاج السينمائية« حدثا خطيرا صالحا جميلا معا تنبع الحاجة المتجددة اليه من القاعدة أعني السينمائيين ثم أهل الفن والادب والفكرعموما في افريقيا قاطبة والعالم العربي من آسيا يتألف ويتحرك ويتقد حيوية وإشعاعا من قوى الخلق وطاقات الابداع والتقدم في تلك القاعدة وهو في نفس الوقت حدث تعود فوائده على تلك القاعدة نفسها لا لغيرها ولا لاي شيء آخر وتكون فوائده من نوع وقوده غذاء للقرائح وصهرا للطاقات وتفجيرا متنوعا للابداع في صفوف تلك القاعدة السينمائية الفنية والفكرية.
❊ حلمت مع رفاقي
ومن أجل أولوية تلك الغاية الاولى كان التركيز الاهم في »أيام قرطاج السينمائية« كما حلمت بها واجتهدت مع رفاقي أن تكون.. في عهد من عهودها على الاقل على جانب اللقاء البشري وظاهرة المناقشات فيها بين أعضاء تلك القاعدة والجمهور... بينما عرض الافلام وما يتيحه من تأمل وتفكير وإنفعال ونقد ومقارنة بل ومنافسة وخصام ومحاكمة ومجازاة الى غير ذلك مما يعاش في أي مهرجان سينمائي كله من الوسائل الواجبة او التعلات المستحبة أو حتى التوابل التي لا مناص منها لتحقيق اللقاء والنقاش. فهذان وحدهما كانا الاصل والجوهر والغاية الاولى التي كنت ومازلت أعتقد أنها تشمل وتؤدي إلى كل الغايات الايجابية الاخرى، فلا يجوز أن تسبقها ولا أن تعلو عليها غاية سواها كما كنت ومازلت أرى أنّه كلما أريد لغاية أخرى أن تسبق أو تفضل تلك الغاية وفيرا مجاملا مسامحا متفائلا... فإن حلمي يبقى أكبر من ذلك...
وذلك الذي يجب التذكير به هنا، »لانّ تأكيده حق وفضيلة« »هو أن ايام قرطاج السينمائية« حتى حينما كانت حلما... كانت حلما لنفر من التونسيين لا حلمي أنا وحدي.
لقد كنا جماعة »نصف طزينة« على الاقل! من زعماء نوادي السينما في النصف الثاني من الخمسينيات. وأول وثيقة ورد فيها ذكر »مهرجان السينما في تونس« الى جانب »مقترحات أحلام« سينمائية أخرى كانت »لائحة« من هيئة »الجامعة التونسية لنوادي السينما« موجهة الى السيد البشير بن يحمد كاتب الدولة للاخبار في حكومة الاستقلال الاولى في شهر جويلية 1956... وكانت تلك الوثيقة ممضاة باسمي... لاني كنت يومئذ آمينا عاما لجامعة نوادي السينما.
ثم مرت سنوات وانضم الى النفر الأوائل عدد آخر من الحالمين بنفس الاحلام أو شبهها وبعثت أول وزارة للثقافة ودعيت الى تولي قسم السينما فيها فدعوت أي أن الوزير عين! اثنين من رفاقي في »هيئة جامعة نوادي السينما« ومن محرري لائحة 1956 هما السيدان النوري الزنزوري والمنصف بن عامر... وانصرفنا بما وسعنا من الاجتهاد الى إنشاء مصلحة السينما في الوزارة الحديثة، لا الى بعث المهرجان خاصة، ثم كانت فترة من الزمن بين 1962 و1965 تجانست فيها أحلام الكثيرين من »هواة السينما« عموما فتعاشرت منهم الانشطة وتجاوبت الاهواء وتلاقت وتناصرت المرامي والغايات البعيدة سواء كانوا أشخاصا في إطار الوزارة أو خارجه وتآزرت منهم الجهود فخصبت الافكار وأخيرا أينعت بذور »الجرأة على تحقيق الاحلام«... فأنس الوزير المسؤول يومئذ الاستاذ الشاذلي القليبي من كل ذلك ما ناسب أحلامه ووافق بعضا من كمين غاياته فحوّله تحويل القائد الصالح الى أعمال معينة مرسومة وإلى مشاريع مخططة... مثل المهرجان الذي نتحدث عنه بالضبط وقد سميناه يومئذ »المهرجان الدولي للايام السينمائية بقرطاج«.
وأما الغاية الثانية »من أيام قرطاج السينمائية« فهي أن تكون موعدا للاذهان والضمائر فيه عبرة وتوعية متجددة لذوي الحلّ والعقد في الدول العربية والافريقية... وليس فيه حساب لهم (كما حدث أن ذهب اليه الكثيرون من ذوي النوايا الطيبة تارة ومن أصحاب الاغراض الدنيئة تارة) بقدر ما فيه من ضغط أدبي موضوعي واستدراج الى الحركة للقيام بواجبات السلطان الذي بأيديهم وللوفاء أكثر أو بطرق أنجع للمسؤوليات التي عيلهم بشأن السينما واقعا قوميا ثقافيا واجتماعيا وسياسيا لايستقيم لهم التغافل عنه ولا التهاون به.
ومن أجل تلك الغاية الثانية الهامة جدّا بالنسبة لافريقيا والعالم العربي وابتداء من الدورة الثالثة لايام قرطاج السينمائية سنة 1970 أي بعدما اتضحت لنا مقومات المهرجان المنهجية وتراءت طاقاته الاستراتيجية من خلال دورة الارتجال الحماسي الاولى (1966) ودورة التجربة الحقيقية سنة 1968 كانت عنايتا الكبرى بعضوين اثنين من كيان المهرجان وهما من ناحية تنظيم »الندوات« الدراسية حول موضوع ما تدعى اليها شخصيات افريقية وعربية وغيرها لها كفاءات واهتمامات وأعمال تتعدى ميدان السينما الى ميادين أخرى من الفن والفكر ويستخلص منها »توصيات« ومقترحات ومشاريع هادية إلى ما يجب فعله أو محرضة على ما يستحسن ويفيد التقدم به... ومن ناحية ثانية بذل قصارى الانتباه والاجتهاد والعناية في اختيار »لجنة تحكيم المهرجان« من بين السينمائيين والنقاد والمفكرين العرب والافارقة وغيرهم... على أن يكونوا من أحد صنفين لا من صنف ثالث... بقدر ما يمكن ذلك: صنف نعرفهم جيدا ونعرف أنهم يؤمنون مسبقا وثلنا بان »أيام قرطاج السينمائية« مهرجان ليس كغيره ولا ينبغي ان يؤول الى مثل غيره من مهرجانات السينما لان غايتيه الاثنتين اللتين بينتهما لا تكاد تكون لهما صلة بغاية من غايات تلك المحافل السينمائية الشائعة شرقا وغربا... وصنف معرفتنا لهم وخبرتنا المباشرة بهم دون ذلك ولكننا من خلال تراجمهم واتجاهات اثارهم المعروفة وما شاع عنهم بين الناس عموما نتوسم أنهم أقرب الى الميل حكما ومواقف وآراء حيث يميل زملاؤهم من الصنف الاول.
❊ لازمة حيوية
وعلى أساس ذلك الاختيار »المغرض« كنا نجتهد لضمان صفة للجنة التحكيم مازلت أعتبرها شخصيا لازمة حيوية لايام قرطاج السينمائية وهي صفة الانسجام والتلاؤم والشعور الواحد أو ما قاربه بالمسؤولية الخاصة المبنية على الوعي الكامل والاقتناع الذاتي الفعلي بغايتي هذا المهرجان بالذات. فذلك »الشعور« وحده كفيل بأن يدفع لجنة التحكيم الى الاستنارة بغايتي المهرجان كهدفين أسميين لا بالنظريات النقدية السينمائية أو المذاهب الفكرية او الاهواء والاذواق الفنية وذلك الشعور وحده جدير بان يجعل لجنة التحكيم تهتدي الى ما فيه الخير للمهرجان نفسه ولخدمة غاياته قبل وفضلا عن خدمة مذهب فني أو سينما قطر من الاقطار أو مصلحة ناحية من النواحي.
كذلك إجمالا كان حلمي بأيام قرطاج السينمائية، الى تحقيق ما أمكن منه ومجاهدة ما يعاكسه أو يضيره كانت كل المساعي الواعية التي أذكر أنّها كانت مني والتي قد يرجعها اليّ بعض المحقين.
وأما أين الواقع اليوم من ذلك الحلم المشخص فجوابي أنه إجمالا أصغر من الحلم ذاته وأقصر من افاقه كما أسلفت، ولكنه تفصيلا وكما يتبين لي من مراجعة دورات المهرجان التسعة السابقة ليس بالواقع السلبي ولا هو بالواقع الهين.
فقد يكفيني برهانا على ذلك أنّ أيام قرطاج السينمائية هي اليوم وبالنسبة للغاية الاولى لقاء دوري فعلا مأمول ومرموق ومنتظر من نصف الذين عينتهم بلفظ »القاعدة« سلفا أي السينمائيين والنقاد والفنيين والفنانين العاملين في السينما والتلفزة بافريقيا والعالم العربي ولا اقدّر هذا »الانتظار« بالافلام التي يجتهد في انجازها لتلحق بالدورة القادمة للمهرجان بل أقدره بما هو أهم من ذلك وهو أن الافكار والآمال والمشاريع تتحرك صوب »أيام قرطاج السينمائية« من عشرات العواصم الافريقية والعربية وعن مئات الافراد تناءت ديارهم وتباينت لغاتهم وثقافتهم واختلفت أهواؤهم وأغراضهم مثل »مصالحهم« اختلافا عظيما وكانت الغاية الاولى من »أيام قرطاج السينمائية« أن تحركهم رغم ذلك الاختلاف العظيم صوب هذا الملتقى الضروري والخصب حتما...
كذلك بالنسبة للغاية الثانية فإن المهرجان يعمل عمله... حدثا شاغلا لمنظميها التونسيين اولا وبالطبع ولغيرهم في شتى الاقطار الاخرى، ممن عليهم الا يظهروا فيه بمظهر (الدون)، ومثيرا موعيا منشطا (أو مزعجا) لعديد »المسؤولين« هنا وهنالك في العواصم العربية والافريقية وحتى اذا كان هذا »العمل« للمهرجان لا يظهر لكلّ الناظرين بنفس الوضوح (وأنّى له ذلك وهو عمل ميدانه أكثر من سبعين قطر تتفاوت أوضاع السينما فيها بين حالها في مصر وحالها في أرخبيل الرأس الاخضر؟) فإنه عمل حقيقي دائب التسرب والتوسع لا تنفك تنجم عنه، أوبوحي منه قريبا أو بعيدا كثير من المبادرات والتجارب ولعل اسطع وأكفى برهان على عمل المهرجان كمصدر ضغط وأداة توعية للمسؤولين ذلك الذي يتمثل في صدور إذن وزيري بتأجيل دورة 1974 إلى أجل غير مسمى (بقصد التوقف لامعان النظر في مبررات المهرجان وجدواه!) ثم التراجع والغاء القرار بمجرد انتشار خبره في الصحافة! وإنّي لمن المعتقدين أن »أيام قرطاج السينمائية« قد بلغ واقعها ووقعها اليوم. في افريقيا والعالم العربي وافاق أخرى أوروبيّة وآسيويّة مبلغا يتجاوز الظروف المحلية والاغراض والتصرفات البشرية في تونس الى حيث انه قد يصيب هذا المهرجان ما أتصوره وما لا أتصوره من التغييرات والبدع والتحويرات »والاصلاحات« المختلفة ولكنه لن يتيسر لاحد إلغاؤه ولا حتى مجرد الردّة الصريحة عن »غاياته الرسمية المثبتة في البنود الاولى من قانونه الاساسي«.
إذن فمهما اعترى »أيام قرطاج السينمائية« في »واقعها« الملحوظ في دورة من دوراتها.. فسوف يستمر شيء هو في رأيي أهم من تلك الطوارئ أو القشور العارضة وهو شيء كامن في الصلابة الذاتية التي اكتسبتها غايات هذا المهرجان المميزة له عن سواه (بفضل... صلابة حاجة القاعدة الى مهرجان يستهدف تلك الغايات ويخدمها قبل سواها) وهو هذا العمل الغامض والطويل الأمد تجاه المسؤولين ثم ذلك العمل الظاهر والأطول أمدا والأبعد أثارا المتمثل في تجدّد اللقاء والنقاش.
غير أنه من الحق أيضا ولعله من المفيد ان أشير الى بعض الهفوات الطارئة أو المتاهات التي عرضت لمسيرة »أيام قرطاج السينمائية« في دوراتها التسعة السابقة... عسى ألا يعود اليها عائد على الاقل... أو حتى لا أجامل... الى حدود تصبح معها المجاملة نفاقا ورياء.
سوف لن أطيل في هذا المجال ما دمت أرى واقع المهرجان ايجابيا على كل حال واقتصر على التذكيربأقبح تلك المتاهات أو بما لا أشعر أني اغتفرته انا أو نسيت انفعالي له (وقد كان دائما انفعالا عنيفا مقترنا بعواطف القهر التي يعرفها كل من يرى المنكر ولا يملك لمنعه ولا حتى للنهي عنه نهيا ناجعا أي حول أو قوة). وقد يخالفني كما خالفني من قبل الكثيرون في شأن هذه »السلبيات« الفاحشة دون ان تتحول في رأيي عن كونها من شر ما أصاب »أيام قرطاج السينمائية« وشأن واقعها وجرّها لحين في مسالك تتنكر لمبادئها الصريحة وتعرض عن غاياتها النبيلة المرسومة كأسفه وأبلد ما يكون التنكر والإعراض.
من ذلك ما حصل في ختام الدورة الرابعة (1972) اذ بادر شاب مغرور كان »مسؤولا« مسموع الكلمة ذا »رأي خلاّص الواحلين« الى اقتراح على لجنة تنظيم المهرجان بأن »تعوض فيلم« »ايميتاي« للسنغالي »عصمان سمبان« بفيلم ايطالي أمريكي هو »قضية ماتييي«... في حفلة إختام المهرجان... لانه كان من ناحية يحتاج الى استرضاء دوائر سينمائية أمريكية وأوروبية معينة، ومن ناحية أخرى يروم استعطاف نفر من أحبابه ومن يود التحبب إليهم من »وجهاء العاصمة« وزبد النظام الطافي على الربى الزاهية بقرطاج والمرسى وقمرت وغيرها من المنازه... وقد بلغه استياؤهم من سهرة تقوم على فيلم »أسود مسود« ووافق استياؤهم ذلك امتعاضه هو ذاته من كل ما يمت الى »الزنجيّة« برائحة... ونجح في استصدار أمر سلطاني بالتغيير المنشود ورضي القوم وغضب كلّ الآخرين ممن لا قيمة لشعورهم ولا لذواتهم من ضيوف المهرجان عامة ومن الجمهور التونسي بوجه أعم... وكانت تلك أولى القبائح الفضيعة التي ارتكبتها ادارة المهرجان نفسها فأساءت »لايام قرطاج السينمائية« إساءة مازالت بعض اثارها الوخيمة حيّة في كثير من النفوس وكثير من الجماعات التي تؤلف قاعدة المهرجان الضرورية في افريقيا خاصة.
ومن جنس تلك الهفوة الاولى تلك التي اقترفها أعضاء لجنة التحكيم في الدورة الخامسة (1974) لا بقصد الاساءة للمهرجان هذه المرة ولا بغرض تغيير معناه أو توجيهه وجهة جديدة ولكن لغباوة وعقم تأليف تلك اللجنة أصلا... فالجمع بين شخصيات ممتازة (وجديرة بكل احترام) مثل السيدة »صارة مالدورور« أو الكاتب الفرنسي »جورج بيراك« أو الناقد والمخرج الايراني »فاروق جعفري« أو المخرج المصري »توفيق صالح« أو المسؤول الاداري الجزائري »مراد بوشوشي« مع الاعضاء الستة الآخرين ما كان ليؤدي حتما سوى لتلك النتيجة وهي »حكم يدبر عن كل خدمة للمهرجان وغاياته ولا يخدم أي شيء آخر!...« يعبر عن ارء ويرضي أذواق أعضاء اللجنة ولا يصلح لشيء آخر... فهو عند إمعان النظر حكم سفيه وأحمق... لا يليق بتلك الشخصيات جماعة ولا أفرادا...
❊ حشو غريب
ومن قبائح ما أصاب المهرجان من المسؤولين عنه المباشرين لتنظيمه أيضا برنامج حفل الافتتاح لدورته السابعة (1978) حيث ألقيت الخطب الرنانة ونودي الى المنصة ترحيبا وتكريما وتبجيلا شيطاني النفاق عشرات الاشخاص من نساء عجائز ومراهقات ورجال شيوخ وصبيان جميعهم من قطر واحد كانت دولتهم يومئذ »تفاوض« اسرائيل في كنف »العم صام« المحترم... ولم يتعرض الخطباء ليلتها لا الوزير ولا مدير المهرجان بلفظ واحد لاي قطر ولا لاي ضيف آخر من العرب والافريقيين، كما لم تترجم كلمة من تلك الخطب العربية الى لغة من اللغتين الرسميتين الأخريين الفرنسية والانقليزية... ولعل هذه الظاهرة الاخيرة كانت أقل نكر اجتمع في تلك الحفلة النكراء اذ بدت في آخر الامر كأنها الجزء المتستر من قبح عورة تعرت بوقاحة وتحد ولؤم مبين.
ولقد تميزت تلك الدورة السابعة بالذات في برنامجها (وتوسعة المتكلف الى مسابقة رسمية ثانية بين أفلام العالم الثالث) وفي تأليف لجنة تحكيمها من حشو غريب متنافر يقارب عدده العشرين عضوا من القارات الخمسة اختير كلّ واحد منهم »لاعتبار خاص به« لا باعتبار ما يحصل من اجتماعهم وأحكامهم من فائدة مأمولة للمهرجان... فكان منهم أن فعلوا ما أرادوا بل ما استطاعوا ولم يكن بالطبع خيرا... وقد أقحمت في تلك اللجنة إقحاما، فمارست مغبة ذلك الاختيار غير المسؤول وعشت محنته من الداخل ولا أرى فائدة جلية من الاطالة هنا... بل يكفي ما ذكرته من سلبيات هذا المهرجان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.