من بين الأوراق التي مدّني بها الطاهر الشريعة لما كنت أسجّل مذكراته ظرفا قديما عليه عنوان: كتابة الدولة للشؤون الثقافية والاخبار... لما فتحته وجدت فيه تحفة نادرة تكشف وجها آخر للطاهر الشريعة، الذي لم أعرف عنه انتماء لحزب معارض، في حين أنّ كل أفعاله وأقواله وكتاباته تنتهي أساسا للتنوير والفكر التقدّمي وبعض الاحيان للتورية الهادئة... ولم يكن يتحدّث على ذلك الوجه الآخر لشخصية عرفت بانتماءها للسينما في حين كانت السينما تعتبر من طرف السياسيين الى ميدان الترقية والترف وخفّة العقل والميل الى التفسخ! الوجه الجديد الذي أكتشفته من الوثائق هو الايمان الراسخ بالديمقراطية ففي عام 1959 أجريت بالجمهورية الناشئة أوّل انتخابات تشريعية وقد أعلن الحزب الحرّ الدستوري عن طريق الرئيس الحبيب بورقيبة ومديره عبد المجيد شاكر أن تلك الانتخابات ستكون حرّة وديموقراطية. فقام الحزب الدستوري تحت راية »مرشحو الوحدة القومية«... بترشيح90 مرشحا شيوعيا عن تونس العاصمة وسوق الاربعاء (جندوبة... بلد محمد النافع) وقفصة في حين انسحبت في نفس اليوم قائمة المهدية بعد ان هشمت سيّارة رأس القائمة... وانسحبت قائمة سوسة... بعد محادثات مع ممثلي الحزب الحاكم في حين انّ قائمة صفاقس التي كانت قائمة الجبهة الديموقراطية وشعارها في سبيل الحريّة والعدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي جوبهت بمعارضة ضاربة من طرف ميليشيات الحزب. ترأس القائمة الطاهر الشريعة ومعه كل من عثمان بن العائبة (محام)، جورج خيّاط (طبيب)، محمد الكراي (استاذ)، حمودة الطاهري (استاذ)، محمد بوعرادة (صنائعي)، حسين الشفّي (مساعد صيدلي) وجلّول تقتق (عامل). ولما أعلن أعضاء القائمة نيّتهم الترشح بدأت المضايقات وملاحقتهم من طرف الشرطة والميليشيا فقبيل التوجه الى مقرّ الولاية لتسجيل ترسيم القائمة رسميا تمت تحطيم سيارة عثمان بن العائبة... ومن الغد... عجنت درّاجة الطاهر الشريعة الهوائية ثمّ هشمت سيارته الجيدة تهشيما فتوجه الطاهر الشريعة الى الولاية وكان الوالي من أسرة الزّاوس وهو خال جليلة حفصية الذي حرّربنفسه شكوى الى الأمن وضمن الطاهر الشريعة بتتبع القضية غير أن الشرطة حاولت منع المرشحين ترسيم القائمة وفي الحادية عشرة والنصف ليلا أي قبيل 30 دقيقة من اختتام الترسيم تسلّل الجماعة ليلا نحو الولاية وفعلا نزل الوالي في »بيجامًا« ورسم القائمة غير أن من الغد غاب جلّول تقتق وهو عامل بالرصيف ومناضل في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل وتمت دعوة الطاهر الشريعة لاسقاط القائمة يوم 28 أكتوبر 1959 لإعلامه باسقاط القائمة اعتمادا على القانون الانتخابي المؤرخ في 30 جويلية 1959 اعتمادا على ادّعاء ان العامل جلّول تقتق قد انسحب من القائمة... غير ان الواقع سيكتشف بعد الانتخابات أن مناضل الاتحاد العام التونسي للشغل جلّول تقتق قد تمّ اختطافه والاحتفاظ به في مكان مجهول من طرف قوات الأمن... حتى بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات وقد اتصل الصحفي الفرنسي الذي كان مبعوث مجلة الأكسبرس في تونس وهو الصحفي الشهير »جان دانيال« قد حرّر حديثا مع الطاهر الشريعة لم ينشر وتحصل الطاهر الشريعة على نسخة من ذلك الحديث، منع بتدخل من الطيب المهيري وزير الداخلية بعد أن طلب من البشير بن يحمد وزير الاعلام ليتدخل لدى »سرفان شرايير« بعدم نشر الحديث وهاهي الشعب تنشره (أنظر نص الحوار في الصفحة 24). وفي رسالة بخطّ يد الطاهر الشريعة أرسلها الى عبد المجيد شاكر يقول: ان مشاركاته في مظاهرات الاتحاد العام التونسي للشغل ليست دليلا على انتمائه الى المعارضة. وننشر هنا البيان الانتخابي لفاتحة الجبهة الديموقراطية واللبيب من الاشارة يفهم.