في الوقت الذي ما فتئت فيه ارقام وزارة التربية تتحدث عن الثلاثين مليارا المرصودة مناصفة لتعهد المدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية وصيانتها وهو مبلغ بقطع النظر عن ضآلته مقارنة بمبلغ ال 98 مليارا المرصودة من قبل وزارة الشباب والرياضة لتعهد الملاعب المعشبة والعناية بها فانه يبدو مبلغا غير ذي معنى اذا نظرنا الى مجموع هذه المؤسسات التي يقارب عددها ال 1500 مدرسة إعدادية ومعهدا ثانويا، فهل يكفي مبلغ 20 ألف ديناركمعدل نظري ليضمن صيانة مؤسسة تربوية بلغت في بعض الحالات درجة من الاهتراء والتآكل تقوم دليلا على شح موارد الانفاق على المؤسسة التربوية العمومية بل إيذانا بنضوبها تماما خصوصا بعد إقرار الهيكلة الجديدة للمندوبيات الجهوية للتعليم التي قصرت دور وزارة الاشراف التمويلي على بعض المنح والهبات تكريسا لتخلي الدولة عن دورها في تمويل التعليم العمومي فيما أوكلت الى هذه المندوبيات التي اصبحت مؤسسات عمومية ذات صبغة إدارية تتمتع بالاستقلالية المالية مهمة تدبر مصادر ذاتية لتمويل كل ما يتصل بالمؤسسة التربوية العمومية تصرفا وإدارة وصيانة وتعهدا وتجهيزا؟ الاجابة تحملها عينة منتقاة اسمها اعدادية »صحراوي« وهي على عكس ما قد يوحي به اسمها مدرسة لا تقع بصحراء النيجر أو مالي بل بمعتمدية فوسانة من ولاية القصرين لكن حالتها المزرية تجعل منها بامتياز مدرسة بدائية من مدارس فيافي جنوب الصحراء الكبرى. فعلى مستوى البنية التحتية الاساسية تعاني منطقة صحراوي من رداءة الطريق الوطنية رقم 13 الرابطة بينها وبين فوسانة وخطورتها وهو ما انعكس سلبا على حركة النقل العمومي الذي غابت وسائله وانقطت دوريتها وانتظامها مما اعاق سير الدرس العادي بالمؤسسة وفرض حالات غياب جماعية وتأخير اضطراري يومي على تلاميذها خاصة القاطنين منهم في المناطق النائية المحيطة بها كعين جنان مثلا، الذين تزداد معاناتهم حدة مع ابسط التقلبات المناخية التي تحول المنطقة برمتها الى جزر معزولة نظرا لغياب الجسور على هذه الطريق كما تمثل مسألة انعدام وسائل النقل معضلة حقيقية بالنسبة الى اساتذة المدرسة سواء في تنقلهم اليومي اليها لانعدام السكن بمحيطها أو خاصة بمناسبة امتحانات الباكالوريا التي يدعون لمراقبتها في معاهد المناطق المجاورة وما قد ينجر عن ذلك من تعطيل لحسن سيرها. وتنضاف الى معضلتي عسر الطريق وغياب وسائل النقل العمومي معضلة اخرى أشدّ خطورة هي معضلة الواقع الصحي المتردي بالجهة فالمنطقة لا تتوفر الا على وحدة صحية اساسية يتيمة عاطلة من أدنى المستلزمات وهي لا تفتح ابوابها غير مرة واحدة في الاسبوع لتبقى صحة الجميع في تهديد مستمر وحتى المبيت فلا أثر لمصحة داخلية به مع ما يعنيه ذلك من استهتار بصحة ابنائها وخاصة الفتيات منهم اللاتي خصص لهن مبيت كان في الاصل مكتبة لم يكلف الساهرون على ادعاده انفسهم عناء تجهيزه بدورة مياه خاصة بهن؟؟ وهو ما خلف انتشار عديد الامراض والتعكرات الصحية الناجمة أصلا عن رداءة مياه الشرب التي وقع تحويل منبعها الى بئر جديدة أجج مياهها غير صالحة للاستهلاك الادمي. وحتى تكتمل الصورة اكثر بقي علينا الاحاطة بمسألتي التأطير والجهيزات فنقص عدد القيمين (2 فقط مع 4 عرضيين يشتغلون على حساب الحضائر) وكذلك نقص عدد العملة نجم عنهما تأثير خطير في حسن تأطير تلاميذ المؤسسة والاحاطة بهم فاستفحلت ظواهر التسيب او الاعتداءات المسلطة عليها من طرف غرباء عنها في ظل عجز حقيقي عن حمايتها من طرف الساهرين على ذلك من أعوانها. أما على مستوى التجهيزات فإضافة الى غياب مخبر للتاريخ والجغرفيا فإن بقية المخابر ان صحت عليها التسمية طبعا تشكو فقرا مدقعا على مستوى توفر أدنى ضرورات العمل فلا مواد أساسية للفيزياء أو علوم الحياة والارض ولا وسائل إيضاح ولا وسائط بيداغوجية ولا سبورات بيضاء ولا ربط بشبكة الانترنات إضافة الى اشتراكها مع بقية المواد الاخرى في افتقاد أبسط المقومات التي تساعد على تأدية الرسالة التربوية في حدودها الدنيا من نظافة وعناية وأثاث أقله مقاعد صالحة لجلوس التلاميذ هذا دون ان ننسى ضعف تدفق التيار الكهربائي وتعسيره حتى مجرد الاضاءة العادية فضلا عن إعاقته لمختلف الاستخدامات المرتبطة به. وأمام هذا الوضع المستفحل بادرت الهياكل النقابية القطاعية والمحلية والجهوية الى التحرك للفت نظرالجهات المسؤولة إليه ودعوتها الى تحمل مسؤولياتها كاملة في حل معضلاته المزمنة ومن بين هذه التحركات جلسة العمل التي انعقدت بتاريخ 22 أفريل 2010 والتي تعهد إثرها الجانب الاداري بالوفاء بما تم الاتفاق حوله من نقاط متعلقة بمختلف جوانب المسألة غير أن كل الوعود ذهبت سدى وبقي الحال على ماهو عليه وهو ما دفع الى التحرك مرة أخرى في مستهل السنة الدراسية الحالية تذكيرا للجهات ذات النظر بتعهداتها السابقة وبمسؤولياتها في تجاوز الوضع بعيدا عن شعارات الرضا بالواقع او تجميله وتمكينا لابناء الجهة من حقهم المشروع في مواصلة دراستهم في ظروف لائقة تخفف عنهم جزء ولو يسيرا من المعاناة اليومية التي يكابدونها بمعية اساتذتهم ومختف اطراف المؤسسة التربوية الذين ضاقوا جميعا ذرعا بسياسة المماطلة والتسويف والشعارات الفضفاضة حول ثقافة الجودة والامتياز وهم يرون مدرستهم العمومية تتهاوى امام أنظارهم تجاهلا وتملصا من استحقاقاتها، فمتى سيشعر ابن »صحراوي« انه مواطن في هذا البلد وليس مجرد لاجئ قابع على تخومه.