شارك الأخ عبد السلام جراد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في أشغال مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل الذي انعقد من 11 إلى 13 ديسمبر 2010 وقد ألقى كلمة بيّن فيها: »إنّه لمن السعادة أن أحضر معكم اليوم فعاليات هذا المؤتمر المتميّز للاتحاد المغربي للشغل، هذه المنظمة النقابية الشقيقة التي تربطنا بها علاقات تاريخية وطيدة ومشاعر تضامن راسخة في الذاكرة منذ فترة الكفاح التحرّري المشترك ضدّ الاستعمار والتي تغذّت بالدّماء والتضحية في خضمّ حركة التضامن العمّالية والشعبية التي شهدتها مدينة الدارالبيضاء في ديسمبر 1952 احتجاجا على اغتيال الزعيم النقابي والوطني والمغاربي الشهيد فرحات حشاد. كما يسرّني بالمناسبة أن أشيد بالدور النضالي لمنظمتكم العريقة وتضحياتها في سبيل الحرية والعدالة والكرامة، مكبرا نضالات النقابيين المغاربة والشغيلة المغاربية على مرّ العقود السابقة من أجل مقاومة الحيف والاستغلال وإقامة مجتمع متضامن ومتوازن، وناقلا لكم جميعا بالمناسبة أخلص عبارات المودّة والأخوة التي يحملها تجاهكم أشقائكم في الاتحاد العام التونسي للشغل وفي ربوع تونس وتمنياتهم لمؤتمركم بالنجاح. وفاء للرواد تأكيدا لدور الاتحاد المغربي للشغل في بناء وتفعيل الاتحاد النقابي لعمّال المغرب العربي الذي نعيش هذه الأيّام على وقع الذكرى الحادية والعشرين لتأسيسه، تلقيت بكل سرور دعوتكم للمساهمة في هذا المؤتمر بصفتي أمينا عاما لهذا الصرح النقابي المغاربي الذي نعتزّ معا بالانتساب له وبالدور الحيوي لعمّاله في بناء التنمية، وبنضالاتهم في سبيل ترسيخ الحقوق والحريات النقابية، وهو مسار نحرص على تكريسه وفاء لنضالات الزعماء المؤسسين وتضحياتهم، ومن بينهم الفقيد الراحل المحجوب بن الصديق الذي ننتهز هذه المناسبة لتجديد التعازي لأسرته ولمناضلي ومناضلات الاتحاد المغربي للشغل ولعمّال المغرب والأسرة النقابية المغاربية عموما، حيث كان إضافة إلى نضاله الوطني والنقابي بالمغرب الشقيق من المؤسسين للاتحاد النقابي لعمّال المغرب العربي في إطار إيمانه بوحدة مصير الطبقة العاملة المغاربية، وهي وحدة تحتّم علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى السعي المشترك من أجل العمل على الاستجابة لتطلّعات شعوبنا في تنمية متوازنة يتطلّب تحقيقها التوافق حول اقتصاد اجتماعي في ضوء فشل الخيارات الاقتصادية الليبرالية وتعميقها لظاهرة البطالة في كافة أنحاء العالم، هذه الخيارات التي كانت حصيلتها أزمة اقتصادية خانقة، جعلت الدول الأكثر إيمانا باقتصاد السوق تهرع لإنقاذ مؤسساتها المالية الأمر الذي يتطلّب من حكوماتنا عودة الدولة إلى دورها التعديلي في كافة المجالات، والعمل على إنماء الطلب الداخلي بالتحسين المستمر لأوضاع العمّال ولقدرتهم الشرائية في ضوء تقلّص الطلب الخارجي جرّاء انعكاس الأزمة على اقتصاديات شركائنا الأوروبيين، ونتيجة التراجع الواضح في نسب النموّ. فلم يعد لنا اليوم أيّها الإخوة والأخوات من مناص سوى استيعاب التنمية الشاملة بمفهومها الجديد، تلك التي توفّر العمل اللائق للجميع وتحترم حقوق الإنسان احتراما كاملا وتعتبره غايتها القصوى، فتنظيم عالم الشغل ينبغي أن يعتبر من أولويات الحكومات والمجتمعات، وهو المقياس الأول للنجاح الاقتصادي، ولقد بات واضحا أنّه لم يعد من الممكن إطلاق العنان لقوانين السوق وإهمال متطلّبات البعد الاجتماعي. الردّ الملائم في نفس الإطار، ووعيا منّا بالكلفة الباهظة التي تتحمّلها شعوبنا بسبب تعطّل مشروع الاندماج المغاربي وفي ظرف أصبحت فيه التكتّلات الكبرى هي الأقدر على مواجهة التحدّيات، فإنّنا ندعو حكوماتنا إلى الإسراع بعقد مجلس رئاسة اتحاد المغرب العربي وتنشيط مؤسساته وهيئاته الإقليمية وتنفيذ الاتفاقيات المشتركة وتحيينها. وفي ضوء جسامة التحدّيات المحدقة بمنطقتنا جرّاء العولمة والأزمة الاقتصادية الراهنة، فإنّنا ندعو الدول المغاربية إلى الاسراع بإحكام تشكيل وحدة اقتصادية تكون الردّ الملائم على تحدّيات العولمة ومعضلات التنمية، وبناء هوية مغاربية متوازنة ومنفتحة بندّية مع التكتّلات الأخرى، وهي بما تتوفّر عليه بلداننا من طاقات وإمكانيات سبيل حماية شبابنا من التهميش والتطرّف والبطالة والهجرة السرّية. إنّ منطقة المغرب العربي بحكم موقعها الجغرافي وجدت نفسها في حالة تجاذب بين تيّارين، تيّار متأثّر بالشرق العربي تحتل فيه إشكالية الهوية مكانة محورية وآخر متعلّق بالنموذج الغربي بما يجسّده من تطوّر علمي وتقني، ومن الحكمة أن ينصهر التيّاران في حداثة ذات مرجعية مغاربية منفتحة ومؤمنة بالقيم الكونية ومتشبّثة بهويتها وأصالتها، الأمر الذي ينمي فينا العزم على مزيد الارتقاء بالعمل المشترك بين النقابات العربية تحت راية الاتحاد الدولي لنقابات العمّال العرب ضمن نفس التمشّي الذي أرساه المؤسسون والقادة السابقون، ومن هؤلاء الأمين العام الراحل حسن جمام، الذي أفنى الجهد من أجل خدمة قضايا الأمّة العربية في إطار العمل النقابي المستقل، الذي بدأ في السنوات الأخيرة يمتدّ إلى منطقة الخليج، آخر المعاقل انغلاقا على العمل النقابي. بقدر تأكيدنا على العمل النقابي العربي المشترك فإنّ انتماءنا النقابي العالمي يظلّ أحد الثوابت الأساسيّة والمتأكّدة في ضوء عولمة الاقتصاد الذي لم يسلم من تداعياته كلّ عمّال المعمورة خاصة جرّاء ما نشهده من مدّ للشركات المتعدّدة الجنسيات الأمر الذي يحتّم حركة نقابية عالمية متضامنة، وفي هذا الإطار نؤكّد اعتزازنا بالانتماء للاتحاد النقابي الدولي باعتباره الإطار الأكثر قوّة في تفعيل التضامن النقابي لمقاومة الآثار المدمّرة للعولمة وكلّ أشكال الهيمنة الامبريالية والعنصرية. الدرع الواقي كما أنّنا بالمناسبة ندعو الاتحاد النقابي العالمي إلى متابعة مواقفه المؤيدة لحق شعب فلسطين في بناء دولته المستقلّة وبوضع حدّ لما يعانيه من عنصرية واحتلال، باعتبار أنّ الحركة النقابية المغاربية والعربية والدولية لا يمكن إلاّ أن تكون سندا لإقرار العدالة والمساواة، وأن تكون ذات أبعاد تقدّمية انسانيّة ترمي إلى اقرار السلم والعدل والأمن وإلى الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها. لقد علّمنا التاريخ، أنّ النقابات العمّالية هي الدرع الواقي إزاء كلّ محاولات التراجع عن المكتسبات، إنّها النقابات الحرّة في مواقفها والمستقلّة في قراراتها والديمقراطية في صياغة آرائها والمتشبّثة بعالم يضمن العمل اللائق للجميع، تُحترم فيه الحقوق الأساسية للعمّال وحقوق الإنسان وتُرسّخ فيه الحريّات العامة والفردية والحق في التعبير وفي الاعلام الشفّاف والنزيه بعيدا عن كافة القيود والمكبّلات التي تحول دون إسهام مؤسسات المجتمع المدني وخاصّة النقابات في بناء تنمية متوازنة قوامها المعادلة بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي. وختاما أرجو لمؤتمركم النجاح والتوفيق بما يدعم إشعاع الاتحاد المغربي للشغل في المغرب، وفي البلاد العربيّة وفي العالم. عاش الاتحاد المغربي للشغل حرّا مستقلاّ ومناضلا وشريكا فاعلا في صرح الاتحاد النقابي لعمّال المغرب العربي.