ضمن كتاب ادغار موران الموسوم ب »ثقافة أوروبا وهمجيّتها« إلتقت ثلاثة عناصر مهمّة رَفَدَتْ هذا المنجز وجعلت منه كتابا أساسيّا للاقتراب من أحد أهم أشكال تشكل الحضارات وبناء التاريخ البشري. متنُ الكتاب الذي ورد مكثّفا بفضل قدرة ادغار موران على سبر اللحظات المؤسسة لتاريخ البشريّة مثّلت أولى العناصر، ودقّة وأناقة ترجمة المنتصر الحملي التي أبقت على تألق النص الأصلي ونجحت في صهر متنه في ممكنات اللسان العربي وابداعيته الخاصة، مثّلت العنصر الثاني. أمّا العنصر الثالث فتمثّل في القيمة المرجعيّة والمعرفية لمن قام بتقديم ومراجعة هذا المنجز، وهو كمال الزغباني الأستاذ بقسم الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الانسانية بصفاقس. كتاب »ثقافة أوروبا وهمجيّتها« لأدغار موران ترجمة منتصر الحملي صدر منذ أسبوعين ضمن سلسلة »تواصل« عن دار النشر »أبوليوس« وقد تضمّن إلى جانب الاهداء والتمهيد (مقتطف من كتاب الحيوان للجاحظ) وتقديم الأستاذ كمال الزغباني، تضمّن ثلاثة فصول حلّل ضمن أوّلها ادغار موران الهمجيّة الانسانية والهمجيّة الأوروبية، وفي الفصل الثاني الترياق الثقافي الأوروبي، وأفرد الفصل الثالث للتفكير في همجيّة القرن العشرين، وأردف مترجم الكتاب المنتصر الحملي هذه الفصول بالسيرة الذاتية لادغار موران ومؤلفاته وقائمة في الأشرطة الوثائقية المصورة عن ادغار موران. وضمن هذا التقديم الأولي للكتاب يجدر بنا الذكر بأنّ ادغار موران، ضمن هذا الأثر، يُعملُ معوله النقدي في الموجات المتعاقبة من المركزية الأوروبية في مختلف تجلّياتها الفلسفية والأنتروبولوجية والسياسية التي قامت على مُسلّمة كبرى مفادها أنّ أوروبا الثقافة والعقل والتقدّم تتناقض جذريا مع همجيّة وتخلّف وتوحّش البرابرة، ويستعيد موران تاريخ البشرية برُمّته منذ المجتمعات الأولى حتى عصرنا الحالي مرورًا بالانسان الصانع والانسان العاقل والانسان الاقتصادي ليخلص إلى أن تزاوج الثقافة بالهمجيّة شكل عنصرًا قارًّا في الوجود البشري لأنّ تاريخ المجتمعات الكبرى هو تاريخ الحروب المتواصلة... وإذ يبرز ادغار موران أنّ الغزوات الهمجيّة يمكنها أن تؤدي إلى ازدهار حضارة ما فإنّه يلحّ على عدم ضرورة تبرير الهمجيات حتى لو لفّها النسيان.