مزدحم بالأفكار أمام الورقة الآن مثلما كنت. ومازلت مزدحما بالاحلام منذ ان كنت تلميذا فطالبا فصحفيا بجريدة الشعب، جريدة الاتحاد العام التونسي للشغل، جريدة الشغالين، جريدة الحالمين بتونس لكل التونسيين وتونس العدالة الاجتماعية الحقيقية لا الشعاراتية... مزدحم بالأفكار، لكن سأحاول أن أسوقها على غير منهج سوى منهج الحرية... ان يوم 14 جانفي 2011، يوم دوّى صوت الشعب الهادر في وجه رموز القمع والاستبداد ودولة البوليس، هو يوم الاستقلال الحقيقي، الاستقلال الوطني والشعبي، لأن الرئيس السابق الحبيب بورقيبة ركب على دماء الشهداء الأحرار واستبد بحكم تونس 30 سنة تحت كذبة المجاهد الأكبر... بنرجسيته المفرطة، ثم جاء الرئيس الفأر، سيء الذكر والصيت الرأس المدبّر للخراب التونسي طيلة 23 سنة، هذا الرئيس الهارب الذي قضّى ليلة كالكلب يبحث عن جحر يدفن فيه عفنه، جاءنا بانقلاب عسكري مدبّر... وجثم على صدر الشعب التونسي تحت كذبة »لا رئاسة مدى الحياة« ولكن يوم 14 جانفي 2011 هتف الشعب التونسي من بن قردان الى بنزرت ضد الظلم والفساد، وقبل الهتاف سالت دماء أحرار هذا الشعب الأبي لتعلن فعلا ان يوم 14 جانفي هو يوم الاستقلال الوطني والشعبي وأطالب من هذ المنبر ان نعلن رسميا عيد الاستقلال التونسي... يوم 14 جانفي 2011. هذه فكرة أولى... العدل أساس العمران، هذا ما قاله ابن خلدون، وأعتقد في هذه المرحلة المفصلية من تاريخنا التونسي، أننا اليوم في حاجة الى نوعين من العدل، أولا عدل سياسي طلبه الشعب التونسي وكل القوى الحيّة، والمتمثل في تشكيل حكومة وطنية مؤقتة لا يوجد فيها وجه من وجوه الفساد والقمع المتورطة مع النظام القمعي السابق، وثانيا العدل الاجتماعي بمعنى الترفيع في أجور العمال والموظفين من جهة والتخفيض في اسعار المواد الاساسية تخفيضا محترما ومدروسا وليس كذاك الذي حاول نظام الرئيس الفأر ان يستغبي به الشعب يوم الخميس 13 جانفي، وكذلك وفي اطار العدل الاجتماعي يجب ان يتم ايقاف كل الذين كوّنوا ثروات خيالية في عهد النهب والسرقة، هؤلاء يجب التحفظ عليهم وتجميد ممتلكاتهم ثم فتح تحقيق بعد اجراء الانتخابات يتكون من هيئة مستقلة وكل من يثبت تورطه يجب ان يحاسب وفقا للقانون، القانون الذي يجب ان يكون عادلا، لأن قوانين فترة القمع هي قوانين مفصلة على المقاس. هذه فكرة ثانية... الاشاعات انتشرت في الهشيم اكثر من نار نيرون في روما واعتقد ان تغذيتها ما زالت متواصلة خدمة لأغراض وأهداف ضد تونس وأعتقد ان ايقاف هذا الطوفان من الشائعات بيد الجيش الوطني ووسائل اعلامنا المتحررة منذ يوم الجمعة 14 جانفي 2011، يجب اليوم ان يخرج كل مسؤول عسكري يلقي القبض على بقايا النظام المتعفن ويعلن لكل الناس بكل مسؤولية انه تم مثلا القبض على فلان او قتل فلان حتى تهدأ عاصفة الاشاعات... على التلفزة التونسية الوطنية ان تقوم بدورها التاريخي في هذه المرحلة وتقترب فعلا من نبض الشارع فعلا لا قولا حتى تغلق كل المنافذ على القنوات الصائدة في الماء العكر... وأولها القنوات التونسية الخاصة التي تقوم الان بتصفية حساباتها الشخصية من خلال برامجها وضيوفها وخطابها الموجه في لعبة تواصل قذراتها السابقة، هذا فضلا عن قناة الجزيرة التي استنفرت كل قواها لتيار سياسي لم يعد له اليوم اي مبرر في تونس. هذه فكرة ثالثة... إن ما يحدث اليوم على القنوات التلفزية وفي المحلات المغلقة من خصومات واختلافات بين اليمين واليسار، وما نشاهده من هرولة نحو الحقائب الوزارية في الحكومة المؤقتة لن يقدم بالبلاد نحو الديمقراطية الحقيقية، لأنه وببساطة ما حدث يوم الجمعة 14 جانفي 2011 وما سبقه منذ ان أحرق البطل الوطني محمد البوعزيزي جسده من أجل هذا الوطن، قلت ان ما حدث ليس ثورة شيوعية ولا هو ثورة اسلامية وانما هو انتفاضة شعبية على الاستبداد والقمع وبالتالي فان الشعب اليوم يطلب حركة مواطنة حقيقية وهو يرفض اي وصاية ايديولوجية قد تعيده الى خندق القمع والاستبداد بالرأي الواحد... هذه فكرة رابعة... إن مطلب الشعب في حل ما كان يسمى بالحزب الحاكم، هو مطلب شرعي نابع من رغبة الشعب في انهاء هذا الحزب الذي قمع احلام الاغلبية الساحقة وفقّر الشعب التونسي وعمل كل ما في وسعه لتعميق اللاتوازن الجهوي والاستبداد بالرأي واقصاء كل نفس ديمقراطي واعتقد ان حله يجب ان يكون قانونيا وجذريا لا بشكل فوضوي يغلب عليه التشفي وتصفية الحسابات، لان تكسير مقراته لن يحل المشكلة بقدر ما سيضاعف تعميقها، ولكن يجب على القضاء المستقل ان يلبي رغبة الشعب وان يحل أصغر شعبة مهنية ويحاسب كل من تورط في قضايا الفساد والرشوة. هذه فكرة خامسة... لينعم فرحات حشاد في قبره ولينعم الفاضل ساسي ونبيل البركاتي ومحمد بوعزيزي وغسان الشنيتي وكل من سالت دماؤهم على تراب أرضنا العزيزة ضد القهر والظلم والاستبداد... يحيا الشعب... وتحيا ارادة الشعب... هذه فكرة سادسة... فكرتي الاخيرة هي الاهم على الاطلاق في تقديري... انا اليوم أتذكر »ليش فاليزا« رئيس نقابة التضامن البولونية الذي مسك مقاليد الحكم في بولونيا وقدم لشعبه الكثير الكثير... اليوم أتذكر الرئيس النقابي العمالي البرازيلي »لُولا داسيلفا« الذي ترأس البلاد لمدتين رئاسيتين وحقق في البرازيل تقدما اجتماعيا مهما جدا بل انه أوصل البرازيل الى ان تكون عضوا في مجموعة الثمانية وحقق لها تنظيم كأس العالم لسنة 2014 وايضا الالعاب الاولمبية لسنة 2016 ورغم الاغراءات الا أن »لُولاَ« رفض الترشح من جديد لرئاسة بلاده... واحترم القانون... إننا اليوم في حاجة الى »لُولاَ« تونسي، في حاجة الى مرشح عمالي لرئاسة البلاد وكم هم كثر عمالنا النقابيون الذين ضحوا ويضحون بالغالي والنفيس من أجل تونس لكل التونسيين، تونس العدالة الاجتماعية. المطروح علينا الان وهنا، في تقديري اننا في حاجة ملحة الى اجماع شعبي وحقوقي وسياسي وثقافي على شخصية نقابية وطنية لا تنتمي الى اي حزب سياسي، شخصية ملتصقة بهموم الشعب لا بفئة منه.