قبل عشرات السنين، غنّى الفنان الراحل الشيخ امام عيسى من كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم »فرحانين، فرحانين، فرحانين، كلّ ثورة واحنا ديما فرحانين«. كم تعبّر هذه الأغنية عن واقع نحياه اليوم! والأمّة العربية من محيطها إلى خليجها تحتفل بثورتين خلال شهر واحد وتهدّ أوكار الأنظمة العميلة والمستبدة فيما تبقى من الأقطار... ثورتان بنفس الأسلوب، بنفس القوى الاجتماعية وبنفس المضامين: الحرية ومحاربة الفساد والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية... الجماهير تريد... والقدر يستجيب... حتّى أنّ المرء يتساءل هل نحن في مجموعة دول أم في ولايات أو محافظات ضمن »سلطة واحدة« تحكمها الرجعيّة العربيّة؟! رحل القرن الماضي بما حمله من استعمار وإبادة ومؤامرات وخيبات وهزائم ونكسات، وأيضا مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري إلى فرحات حشاد ومحمد علي الحامي إلى عمر المختار وجمال عبد الناصر إلى عزالدين القسام وجهاد الأطرش وياسر عرفات وحتّى صدام حسين بما يمثّله هؤلاء من مدارس نضالية وما تضمنته تجاربهم من كفاح عنيد رغم ما تخلّلها من نقائص... كلّها شكلت مصادر للإلهام وتغذّت بالتراث الثوري للشعوب من روسيا والصين إلى فيتنام وكوبا وافريقيا، والفكر الانساني التقدّمي والمستنير لتشكّل ذهنية جديدة للشباب والكهول ترفض أن يكون القرن الواحد والعشرون كسابقه خصوصا بعد مهزلتي الحرب على العراق والحرب على غزّة... لذا تحرّكت الأمّة عبر قواها الشعبيّة الكادحة وشبابها الواعي والطموح لترفض الحياة الميّتة أو الموت على قيد الحياة ضمن أطر القرن الماضي من نظم سياسية تنتمي إلى القرون الوسطى وتحاول أن تسوق الشعوب إلى حتفها كالعبيد أو القطيع دون اعتراف لها حتى بحق المواطنة، وأن تفرض الاستسلام القومي والتفريط في ثروات ومقدرات الأمّة بل وعودة الاستعمار المباشر ومزيد التجزئة؟! وخدمة الاستعمار وإعفائه من عناء الحرب وشرّ القتال لتطلع نيابة عنه بهذا الدور؟! إنّ هذه الثورات الشعبيّة التي تستعيد سيادة الشعب وتحطم أجهزة الاستبداد دولة فدولة ومؤسسة فمؤسسة، وتنتهج الكفاح الجماهيري، قاطعة مع أساليب المخابرات والفرق الفوضوية هي البديل الحقيقي للأمّة للعبور إلى قرن جديد يعالج مآسي القرن الماضي من اتفاقية »سايكس بيكو« سنة 1916 إلى وعد بلفور سنة 1917 إلى التقسيم الاستعماري / الاقطاعي للوطن العربي، وهي التي تمهّد الطريق للخلاص من خياري الاستعمار قديمه وجديده تحت أنظمة الاستبداد أو العودة إلى الدولة الدينية للقرون الوسطى... إنّه الخيار الثالث، خيار الحريّة السياسية والعدالة الاجتماعية والتحرّر القومي والوحدة العربية، خيار يلتقي فيه الصليب مع الهلال ليشكلا معًا مطرقةً ومنجلاً! لذا وعلى درب هذا الخيار الثالث سنبقى نغنّي رغم الجراح والآلام وسقوط المئات من الشهداء فداءً للحريّة... سنبقى نغنّي »كلّ ثورة واحنا ديما فرحانين!«.