سعيّد يلتقي وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري    مليار دينار من المبادلات سنويا ...تونس تدعم علاقاتها التجارية مع كندا    الرابطة الأولى: تعيينات مواجهات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    الرّابطة الأولى : برنامج مباريات الجّولة التاسعة من مرحلة تفادي النزول    سوسة: بتر أصابع سائق تاكسي في ''براكاج''    تونس: الأدوية المفقودة ستعود الى السوق بفضل الزيادة في الأسعار    الاعلان عن موعد انطلاق الاستخراج الحيني لوثائق السفر    نشرة متابعة: أمطار غزيرة غدا الثلاثاء    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    العاصمة: وقفة احتجاجية أمام سفارة فرنسا دعما للقضية الفلسطينية    منوبة: تقدّم ّأشغال بناء المدرسة الإعدادية ببرج التومي بالبطان    وفاة 17 شخصا في ال24 ساعة الأخيرة    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    الدوري المصري: "معتز زدام" يرفع عداده .. ويقود فريقه إلى الوصافة    خطير/ منحرفون يثيرون الرعب ويهشمون سيارات المواطنين.. ما القصة..؟!    %9 حصّة السياحة البديلة.. اختراق ناعم للسوق    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    التونسيون يتساءلون ...هل تصل أَضحية العيد ل'' زوز ملايين'' هذه السنة ؟    كأس الكاف: حمزة المثلوثي يقود الزمالك المصري للدور النهائي    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    أخيرا: الطفل ''أحمد'' يعود إلى منزل والديه    عاجل/ ستشمل هذه المناطق: تقلبات جوية منتظرة..وهذا موعدها..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    تونس توقع على اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تناول أمراض المجتمع بصراحة وصرامة أسلم طريقة للتعريف به
فاضل الجعايبي: فاضل الجعايبي : أرفض اللغة الخشبية التي ترضي كل الأطراف
نشر في الشعب يوم 10 - 02 - 2007

هل يمكن طرح مصطلح «حدث» فيما يخص أعمال فاضل الجعايبي ، كل أعماله و فاميليا تمثل حدثاً في حد ذاته ، وإن كان الحدث مربوط بشرطه التاريخي ، فأعمال فاميليا مربوطة بكل شرائح المجتمع دون أي علاقة بزمان أو مكان ... الزمن غير منفصل عن الجغرافيا وإمتداد التاريخ في تونس... وخارجها إذا إعتبرنا أن مجتمعاتنا تتشابه .
تعاقد فاضل الجعايبي رفقة جليلة بكار مع مشروع فني مدهش منذ قرابة ثلاثين سنة ، ترتقي أطواره وفق جدلية متصاعدة وتصعيدية تحتوي على مشقة صناعة وتجديد وتطوير الأدوات التعبيرية للمسرح لكي تصل إلى مستويات خلاقة وعميقة في برنامج إبداعي مفتوح النهايات ، لا يستقر فاضل على حال عند بلوغه نهاية طور ، أو يتوقف أساساً لكي ينطلق ثانية بعيداً عن سكون الطور وقريباً من خطوة التطوير التالية . إسترجاع غريزي لبدائل إدراك الواقع ، ورؤية حداثية بالغة العمق لمعنى علاقة الباعث والمتلقي عبرحكاية الزمان والمكان ، وفي كل مرة يبدأ فاضل من حاضر لا مكان له ولا زمان ، يرفع من إنحطاط شؤون الدنيا ومعاناتها ، بالنسبة لفاضل لا يمكن التلاعب مع الإبداع ، إنه ليس عملاً يختاره المرء متى شاء ، الإبداع هو اللعنة بعينها ، بما أن عليه الذهاب إلى أبعد من الحقيقة المجردة ، يستغرق عمله وقتاً إلى أن يتخلص من كل ماهو فائض وغير ضروري إلى أن تتكلم شخصياته كما يتكلم الناس في الواقع ، شخصياته هم أنا وأنت وجارك وعمك وأولئك الآخرون...
كانت لنا لقاءات مع العمل السينمائي «جنون « ، لقاء عاصف بين الحكمة والجنون ، والعمل المسرحي «خمسون « حنين يجمع التاريخ وأبدية الموت .أعمال تحكي الذات والجماعة ، وكأنها علامات الإستفهام الثلاث لصامويل بيكيت : « الآن أين ؟ الآن من ؟ الآن متى ؟ «
شاهدنا فيلم جنون على الشاشة ، هل العمل السينمائي يحث عن جمهور أوسع ؟
بديهي البحث عن جمهور أوسع ، لكن البحث أيضاً عن طروحات مختلفة وأشكال متجددة ، الإنتقال من وسيلة تعبير إلى وسيلة أخرى ، لأن متطلبات السينما تختلف عن متطلبات المسرح . المنطلق الأساسي هو هذه الحاجة لوسيلة تعبير مختلفة وبديلة للمسرح ، والحاجة تكبر ... تكبر... وتتطور بإستمرار. فيما يخصني أنا الباث نحو المتلقي ، منذ مايقارب ثلاثون سنة وأنا أحاول أن أصل إلى ضرب من ضروب السهل الممتنع في التعبير الفني ، مايسميه المبدعون العالميون المسرح النخبوي للجميع ، وقد وصلت مسرحيات غسالة النوادر ، عرب ، فاميليا ، للجمهور الواسع والعريض ، ففي قرطاج كان هناك ما يقارب من 10.000 متفرج من كل شرائح المجتمع ، لا أعتقد أنهم جميعاً ينتمون إلى ما يسمى بالنخبة ، وإلا أصبحنا في السويد وألمانيا ، المثقف هو كل مواطن ، والثقافة ليست حكراً على حامل الشهادات الذي يمكن أن يكون غير مثقف ، وإذا قررنا الدخول بأعمالنا إلى عالم التلفزة (خاصة أن فيلم جنون كان معداً للتلفزة والسينما) والتوجه بخطاب وأسلوب خاص لجمهور أكبر فياحبذا ، فكما أن المسرح ليس حكراً لحامل الشهادات ، فإن التلفزة ليست حكراً على الرداءة ومتقبلي الرداءة ، وإن كان عملنا ومسرحنا نخبويون ، (حضر العروض مايقارب من 200.000 تلميذ وطالب وأستاذ ومثقف وأديب وفنان) فلماذا نحرمهم من نخبوية عروض التلفزة، «لا لتهميش الثقافة و ثقافة التهميش» لنا الحق كل يوم في ساعتين من الغذاء الروحي ، حتى يقع التصالح بيننا وبين تلفزاتنا العربية ، وحتى لا نتمادى في هذا الإنفصام والإزدواجية والقطيعة .
كيف إنطلقت فكرة بعث جنون للمسرح ؟
- عندما كتبت ناجية تحدثت عن صاعقة حب فصامي ، بالنسبة لنا أنا وجليلة ، كانت صاعقة حب فجائية للكتاب ، ثم صاعقة حب لمكان التصوير عندما كنا ننوي تحضير العمل للتلفزة التونسية ، ذهبت إلى مقر التلفزة الجديد فلم أجد مكاناً يتناسب مع العمل ، لكن فجأة ومن باب الصدفة حملني المشرف على البناء في جولة للتعرف على الأماكن التي لم يتم بناءها بعد ، إكتشفت فضاءات تتناسب إلى أبعد الحدود مما يطلبه خيالي لقصة جنون ، الإسمنت ، الوحل ، الماء ، الحجر ، الدهاليز ، الأماكن المقفرة الشاسعة ، الخيوط الكهربائية المتدلية ، آلات التسخين والتبريد الضخمة والغريبة ، شدني المكان وإستفزني الديكور ، وعدت لزيارة المكان برفقة جليلة وحبيب بالهادي وقيس رستم للديكور وعلي بن عبد الله للكاميرا ، وجدنا أنفسنا في قرية سينمائية مرتجلة وكأننا في هوليود ، فكل خمسون متراً هناك ديكور مختلف ، مايقارب من سبعة أو ثمانية ديكورات مختلفة وأوقات مختلفة نهار ... ليل ... ظهر ... صباح ... في نفس اليوم .عشنا تجربة العمل في كل تلك الفضاءات المتزامنة المتضاربة والمتقاربة لمدة 6 أسابيع ، لم نعد بحاجة للتصوير في مستشفى الرازي أو الحي الأصلي حيث نون ووضعيته الإجتماعية والمرضية ، في مقهى أو حديقة أو بيت أو نهج منسي ، الخيال أهم من الواقع ، وإقتباس الواقع التجريدي أو تحويل التجريدي للواقعية أهم أحياناً من تصوير الشخصيات والفضاءات ، وأعمالنا تهتم بالواقع ، تحكيه لكنها ليست مجبرة أن تحاكيه ، تنطلق منه وتصل إليه بوسائل خاصة بالسينما والمسرح وبدون هذه الوسائل يصبح العمل وصفاً للواقع .
وكأن كل أعمالكم قاتمة نوعاً ما ؟ متشائمة ؟
- فرحة الحياة والتفاؤل ليسا من إختصاصي ، أنا منذ الصغر متشائل لأسباب متعلقة بما قد يفرزه طبيب نفساني أو ما يعكسه الواقع الأليم الذي أعيش فيه ، أفضل أن أتحدث عن تشاؤل لا تشاؤم .
هل تناول الواقع مباشرة هي طريقة أسلم للتعريف به ؟
تعلمت من كبار الفلاسفة والأدباء أن تناول الواقع وأمراض المجتمع طريقة أسلم للتعريف به بصراحة وصرامة ، إخفاء الأشياء تساهم في تضليل الإنسان ، الكذب عن الإنسان للإنسان لا يتقدم بالإنسان ، سوفوكل وشكسبير وتشيكوف وغيرهم كانوا يحبون بلادهم ، لكنهم ما فتأوا يحكون عن تناقضات أمراضها وتناقضات أمراض جيلهم الكبرى ، وفصامهم وتمزقهم الأقاصي ... الأقصى الأعلى والأقصى الأسفل ، ومنذ 30 سنة كان ومازال شغلي الشاغل تناول الواقع وحقيقته ، منذ قفصة والمسرح الجديد وفاميليا ، سواء ما تعلمته مع رفاق دربي ومعلمي ، وهناك من تقلب وهناك من واصل وآخرون ماتوا وتركوا أثرهم ...
هل التواصل والإستمرارية صعب ؟
- التواصل والإستمرار من أصعب الأشياء التي تتعلق بها همة الإنسان و أضناها ، أنا وجليلة مصرين على الإستمرارية والمواصلة يوماً بعد يوم ، بوسائل نحملها ويحملها لنا المسرح والتلفزيون والسينما ، وسائل حديثة ... كلفنا ذلك ما كلف ..
هل التجربة هي التي أفرزت أرضية الواقع ؟
التجربة أفرزت الواقع ، اللقاءات المتجددة والمتعددة مع المتفرجين ، هناك ظاهرة خاصة بمسرحنا ، كلما شاهد المتفرج عرضاً يدعوه العرض للمشاهدة ثانية ، هناك الكثيرون ممن شاهدوا العمل مرات ومرات ، هل هذا ناتج عن فراغ ؟ يأتي المواطن مع زوجته وأولاده وعائلته ، يقتني العديد من التذاكر ويأتي العديد من المرات ليتلقى هذا العرض الحدث الفكري واللغوي والمشهدي ، إذا لم يكن وراء ذلك قلقاً وتساؤل وحيرة وإنتظار غير منمط لما وضع وجهه قبال مرآة صارمة وصريحة تعكس حياته وواقعه وآلامه وتطلعاته .
هل هذه المرة الأولى التي إستوحيتم عملكم من نص ؟
إستوحينا العرس من البرجوازية الصغيرة لبريشت ، كذلك إستوحينا من قصة مارغريت ديراس العشيقة الإنكليزية ومن سبيلبيرغ رقصة الموت .... ، ننطلق من فكرة من موضوع من طرح سبقنا إليه كاتب أو آخر ، في جنون إنطلق عملنا من نص ناجية الزمني وهو ليس عمل مسرحي أو سينمائي أو قصة أو حوار أو رواية ، يمكن أن نقول أننا إنطلقنا من نص طبي وثائقي ضمن كتاب يروي ممارسة حقيقية تحكي مغامرة إنسانية تكونت وتتطورت بين طبيبة نفسانية وفصامي شاب من حضيض تونس ،
كيف كانت محاولة إسقاط هذا النص على العمل المسرحي ؟
ذهبنا بعيداً في خدمة هذه التجربة الذاتية إلى حد الإفراط في فهم نفسية الطبيبة في إستيعاب خبايا وخفايا هذه العلاقة المتشعبة وكل إمتداداتها في المجتمع التونسي ، وفي القيم العربية الإسلامية، ثم حاولنا الإستقلال عنها .
هي عملية مد وجزر ، عمليةغوص وتمعن وإبتعاد فإعادة نظر فإعادة كتابة فتأمل فرجوع فإبتعاد إلخ... جل أعمالنا تستغرق وقتاً للتبلور حسب ما نريد تصوره ، وهذا العمل بالذات إمتدت جذوره أكثر من سنة درساً وإرتجالاً وكتابة وإعادة كتابة وصقلاً وإخراجاً وتحويلاً وتحويراً وأداء ومراجعة للأداء ، نستطيع الجزم إنه ليس خلال أكثر من مائة عرض لم يكن هناك عرضاً يشبه عرضاً آخر ، لأن المادة مادة حية لا تقبل الجمود والإستكانة .
هل إبتعدتم عن المادة الأصلية ؟
- العملية كانت عملية غوص في المادة الأصلية وإبتعاد عنها ، غوص فيها وتجاوزها في كل الحالات ، الفكرة تتحول وتتجدد حسب الظروف والأوقات . كانت ناجية الزمني معنا ، ووافقت على أن نأخذ من المادة ونحولها حسب ما يحتاجه العمل ، عملنا بعيد كل البعد عن الطقوس الطبية ، وعن الواقع الطبي المرير ، العمل هو كشف بوسائل فنية عن ذلك الواقع .
هل الأداء والإخراج المسرحي يماثل الأداء والإخراج السينمائي بالنسبة لك ؟
المعايير مختلفة ، قانون اللعبة يفرض عليك ذلك ، الأدوات الفنية والتقنية مختلفة وإن كانت القواسم المشتركة كبيرة ، قانون تصوير المسرح شيء ثابت ، كتابة السيناريو، كتابة الحوار ، الدخول إلى فضاءات واقعية ومتعددة أو متجردة يفرض طرحا مغايرا، تركيبا مغايرا ، وهذا ما يتطلبه الفن السابع إذا تجاهلته وقعت في فخ المسرح المصور بإعتبار المسرح لا يصور المسرح، وقعت في تصوير سطحي تافه لشيء يتجاوز الصورة النمطية، يتجاوز التسجيل البسيط ، هذا إذا أردنا تصوير المسرح فما بالك إذا اقدمنا على فن متكامل إسمه سينما ، وكأننا لم ننجز عملاً مسرحياً إسمه «جنون» الفكرة بقيت كما هي والشخصيات والموضوع ، لكن تغير كل شيء ....
بأي تقنية كان عمل جنون ؟
صنع هذا العمل بتقنية سينمائية وطريقة سينمائية ، ليس هناك فارق إلا الفوارق المادية ، طالما إبتعدنا عن النمطية المسلسلة الخاصة بالتصوير التلفزي ، لكن التعبير ، الصياغة للصورة وللمشهد ، تخضع كلها إلى قاموس الكتابة السينمائية ، إختلاف في حجم الشاشة فقط ، لا يمكنني أن أفكر تلفزياً دون أن أراهن على التكنولوجيا الحديثة التي تسمح بذلك .
ماذا تفضل السينما أو المسرح ؟
- وكأنك تسأليني من تفضل أمك أم أباك ؟ في أول مشواري الفني دخلت مناظرة وتربص لمدة سنة في التلفزة التونسية ، وكان من المفروض أن اسافر إلى تشيكوسلوفاكيا لأدرس سينما ، لكن حادثة منعتني من ذلك ، وتحولت بطاقتي إلى باريس ، تكويني الأساسي مخضرم سينمائي ومسرحي ، أنا سينيفيل ، إنطلقت من نوادي السينما ، أنا ولد FTCC ولو كانت الظروف ملائمة لإقترفت فيلماً بعد كل عمل مسرحي ، أو مسرحية بعد كل عمل سينمائي . شاءت الظروف أن أتفرغ أكثر للمسرح.
كيف تختار فريق عملك ؟
هناك نوع من التضامن والمتطلبات يستجيب إليها من أعمل معهم ،من ممثلين وتقنيين ، وأود أن أشكرهم جميعاً رغم أنني أخشى اللغة الخشبية ، تلك التي تشكر كل الأطراف ، لا أريد أن يكون هذا الشكر كلاماً خشبياً ، ذلك يضنيني ويتعبني .
لنتحدث عن عملكم الجديد خمسون ؟
في العمل الجديد خمسون نتكلم عن مخاطر التطرف الإسلامي في تونس ، ما قد يمكن أن يحدث في تونس لكونها بلد عربي إسلامي ككل البلدان العربية ، التطرف الإسلامي هذه الظاهرة المتفشية في كل الأقطار والتي أعتبر أنها تشكل بالنسبة للديمقراطيات الحياة اليومية أكبر الأخطار ، أفترض في العمل ما يمكن أن يحصل لو أن هذا الزحف الخفي تفشى ، حكينا حكاية أستاذة متحجبة تفجر نفسها في المعهد تحت العلم عند التحية الصباحية يوم جمعة من شهر شعبان 2005 ، ومقابل هذا العمل يقوم الأمن السياسي بدوره على أحسن ما يرام بتوقيف من هب ودب ممن تدور حوله الشبهات والمشكوك في أمرهم والذين هم تحت المراقبة ، كان من الصعب معرفة سبب الإنتحار هل هو شخصي ، مرضي أو طقوسي إحتجاجي سياسي . تتركز الشكوك نحو فتاة متحجبة صديقة المنتحرة ، فتاة لوالدين يساريين نقابيين معروفين من السلطات بمواقفهم السياسية المعارضة ، أمضى الأب إثنا عشرة سنة من عمره في السجون والمنافي ، الأم مناضلة أمضت عمرها تدافع عن الحقوق المنتهكة ، ربت بنتها على النضال والتي طردت من الجامعة التونسية بعد الإنتفاضة ، ذهبت بعد ذلك إلى باريس لتكمل دراستها ، وعاشت أحداث 11 سبتمبر وإجتياح العراق ، وتعرفت على أناس ودين لم تعرفهم من قبل ، بما أنها ترعرعت في بيئة علمانية لا يذكر فيها دين أو عقيدة إلا بها مجموعة من المسلمين المتطرفين فتحجبت بعد سنة ونصف من إقامتها في فرنسا ، وعند عودتها إلى تونس ، ألقي عليها القبض في المطار بتهمة نشاط إسلامي ، وبعد التحقيق أطلقوا سراحها ، لكن رفض الأب إستقبالها في المنزل ، فذهبت لتسكن مع الفتاة التي إنتحرت والتي ورطت حادثة إنتحارها البنات اللاتي يشاركنها السكن ، كان الأب مريضاً بسرطان في الحنجرة ، والأم تصارع هواجس الماضي ، يعترضها سفاح زوجها في السجون مريض معتل ضربته الحياة لكن لا يمكنها أن تغفر أو تسامح ، فالماضي مازال جاثماً وهي تؤمن بذاكرة الجسد والذاكرة العامة والخاصة ولا مجال للنسيان .
بعد خمسين سنة نتساءل : أين نحن من حداثتنا ، تقاليدنا ، إحباطاتنا ، بؤسنا ومستقبلنا المشرق . خمسون سنة كفاح ، جيل الآباء الذين ولدوا مع الإستقلال وجيل أطفال الثمانيات ، ما معنى إستقلال ، ما هي وضعية بلادنا عام 2006 ؟ مسرحية خمسون هي ( راديوسكوبي ) كأعمال شكسبير وتشيكوف وموليير وبريشت وسوفوكل لفحص عصرهم عصره وزمنه وتقلبات مجتمعه ، وإلا فلا معنى للمسرح ، عملنا التحقيق ، غسالة النوادر بنفس الوضوح والصراحة ، جنون أيضاً بنفس المنطلقات الواقعية التي لم تترك المجال لمنع أي عمل من العرض أمام الجمهور الواسع ،
هل لا بد أن يواكب التقدم الفكري التقدم الاقتصادي والإجتماعي ؟
هذا بالنسبة للبلدان المتقدمة ، أما في المجتمعات العربية بإستثناء بعض الرجات في زمن الإستعمار والمواجهة ، ربما في سوريا ولبنان ومصر هناك مواجهة فكرية ، في تونس أيضاً المقاومة كانت فكرية وأدبية ومسرحية ، والمجتمعات لا تتقدم بأفرادها بقدر ماتتقدم بمجموعاتها وتياراتها الفكرية ، النقابية ، السياسية والفنية ، الإلتحام في الوعي والرفض والمواجهة ضروري حتى لا يفر الأفراد إلى الهجرة أو الإتجاه نحو الإنتهازية أو الأصولية الفكرية المتطرفة ، وكأن هذا قدرنا وما تحتمه علينا الظروف كإمتحان جماعي مستقبلي .
هل للفنان دور في بناء مجتمعه ؟
- الفنان دائماً لديه دور ، المواجهة لابد أن تكون في المطلق ، المواجهة الشخصية مناطة في عهدة الفرد ، الوعي الفردي يتحول إلى وعي جماعي ، كل الوسائل الفكرية الأخلاقية الدينية متوفرة لردع الفرد وإحباطه وتهميشه وعزله عن المجموعة ، والفرد وحده في عزلته وفرديته لا يستطيع أن يصل إلى الآخر إذا لم يكسر الحواجز ويستفز ويغامر ويتحمل مسؤولية كل مجازفاته ، عسى أن يجد يوماً ما آذاناً صاغية ووعياً لدى الآخرين يسمح له بالتواصل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.