صادق أعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والاصلاح السياسي مطلع الأسبوع على المرسوم الانتخابي لعضوية المجلس التأسيس بأغلبيّة الأصوات، وقد تضمّن عديد النقاط الجريئة والمهمّة المنسجمة مع أهداف الثّورة التونسيّة، ولعلّ أبرز ما ورد في مشروع هذا المرسوم إقرار مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء في باب الترشحات إلى عضوية المجلس التأسيسي حيث نصّ الفصل السادس عشر على: »تقدّم الترشحات على أساس مبدأ التناصف بين النساء والرجال ويتمّ ترتيب المترشحين صلب القائمات بالتناوب بين النساء والرجال ولا تقبل القائمات التي لا تحترم هذه القاعدة« وبالتالي تكون تونس أول دولة في العالم تقرّ هذا المبدأ وبشكل قانوني وإلزامي. وتعتبر هذه المصادقة خطوة شجاعة لم يتوقعها الكثيرون خاصّة في ظلّ ما يشهده المجتمع من حراك سياسي وجدل فكري وتحرّكات انتخابيّة مدعومة بمال كثير لم نتبيّن مصادره. والواقع أنّ أعضاء اللجنة من النقابيين والنقابيات قد نشطوا بشكل لافت من أجل تحقيق هذا المطلب واستطاعوا حشد المؤيدين له من بين بقيّة الأعضاء. كما قدّموا أثناء النقاش عدّة حجج تؤيد المطلب وتدعّمه ممّا سهّل التصويت عليه بأغلبية لافتة. وقد استقبلت أغلب شرائح المجتمع بارتياح كبير المصادقة على هذه النقطة ولكن مع احتفاظها بتساؤلات عن جدواها في ظلّ عقليات غير متفهّمة صلب المجتمع وفي ظلّ عدم الاستعداد الرجالي لخوض غمار هذه الممارسة الرّاقية والجادة وعدم قدرة الأحزاب الوليدة على استقطاب العنصر النسائي. تفاعلاً مع الحدث حاولنا أن نرصد آراء عدد من النساء والرجال حول هذه المسألة التي تعتبر منسجمة تمامًا مع مراكمة تاريخيّة لمسار احترام المرأة في بلادنا فكانت الأجوبة كما يلي: ❊ امل ابراهم: مهندسة معمارية المناصفة لا تعني النسوية إنّ اقرار مبدأ المناصفة في المرسوم الانتخابي يعتبر تجسيدًا جديدًا للمكانة المهمّة التي تحتلّها المرأة في المجتمع التونسي والتي انطلقت بتلك الخطوة الشجاعة المتمثّلة في إصدار مجلة الأحوال الشخصية في الخمسينات وهذه الخطوة لها نفس جرأة وشجاعة وبعد النظر ولها نفس البعد التاريخي. والمناصفة ستحمل مقاربة مختلفة في معالجة ومناقشة قوانين تونس الحديثة إذ بلغت المرأة بالفعل قبة المجلس التأسيسي وشكّلت نصف عدده إذ ستتمكّن من نظرة جديدة للأمور تسمح بالانتباه وبمراعاة أكثر للمشاكل الاجتماعية من جهة مثل الانحراف والفقر والهشاشة الاقتصادية والأميّة خاصّة في صفوف الشباب والنساء ومن جهة أخرى ستمكننا في المجتمع من احاطة حقيقيّة بمشاكل المرأة والمتمثّلة خاصّة في التمييز على أساس الجنس في المستوى المهني والتحرش الجنسي وغيرها وهي مشاكل موجودة وغير ظاهرة خلافًا لما يعتقده التونسيون. إنّ مجلة الأحوال الشخصية والقوانين المنصفة للمرأة قد حسمت هذه المسائل قانونًا ولكنّها لا تزال موجودة بكثافة في العقليات والممارسات ونحن نتجاهلها ونتمنى أن ترتقي حماية مكاسب المرأة إلى المرتبة الدستورية باعتبار أنّ هذا المجلس التأسيسي سيكون مؤتمنًا على صياغة دستور سينظّم وجودنا القانوني والسياسي والاجتماعي على هذه الأرض لمدّة عقود قادمة. والمتخوفون من هذه الخطوة يجب أن لا يخافوا لأنّ المناصفة ليست حاملة بالضرورة لخطاب نسوي بل خطاب انساني يحتمل الانسان في بُعديه دون إقصاء لأي طرف نساء ورجال نكوّن المجتمع ونساء ورجال نصوغ قوانينه. ❊ منية العابد: محامية ورئيسة الجمعية التونسية للحقوقيات تجذّر الفكر الحداثي في الواقع إنّ المصادقة على مبدأ التناصف يمثّل تتويجا لمطلب ملحّ وحيوي رفعته الحركة النسوية واستجابت له الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي المتركّبة من أحزاب سياسية وممثلين وممثلات لمكوّنات المجتمع المدني ومن شخصيات وطنيّة وقد كان التصويت خلالها علنيًّا وهذا له أكثر من دلالة حتى نتمكّن من تحليل الخلفيات السياسية والفكرية وكذلك إفراز التجذّر الفكري الحداثي من عدمه لدى بعض الأطراف إذ أنّ هذه المصادقة تعتبر حسب اعتقادي انتصارًا بارزًا يكرّس قناعة سياسية وفكرية للانتقال الدّيمقراطي الحقيقي من خلال توفير الآليات والوسائل الكفيلة لتفعيل ذلك وتمثيل النساء في المجلس التأسيسي بصفة متناصفة يعدّ أمرًا مصيريًا وموعدًا تاريخيّا يتماشى والمبادئ الحداثية لبناء تونس الحرية والكرامة والمساواة تكريسًا لمبادئ الثّورة. وبالمناسبة لابدّ من التذكير أنّ هذا الحدث التاريخي (المناصفة) يمكن اعتباره موعدا ثانيًا في تاريخ تونس المجيد بعد مجلة الأحوال الشخصيّة وهذا ما يجعلني متفائلة ردّا على كلّ من يشكّك في الفكر الحداثي لتونس ويعمل على تهميش المرأة واعتبارها مواطنة من الدرجة الثانية، فعلينا نساءً ورجالاً ممّن يحملون أفكارًا تنويرية أن نعمل في اتجاه تثبيت هذا المسار الديمقراطي الحقيقي الذي يحترم نصف المجتمع الآخر (النساء). هشام السنوسي: حقوقي وباحث القوانين المجرّدة تغيّر المجتمع إنّ إقرار مبدأ المناصفة ضمن المرسوم الانتخابي للمجلس التأسيسي هو ثورة ثانية بعد ثورة إقرار مجلة الأحوال الشخصية، وعلينا أن ننظر إليه من زاوية ايجابية ولا ننظر إليه فقط من جهة اعتباره مندرجًا في التكتيك السياسي لهذا الحزب أو ذاك. انّ كلّ المكوّنات السياسيّة اليوم مدعوّة لمراجعة البعد الاجتماعي والفكري في برامجها، والحمد للّه أنّ عمليّة التصويت على المرسوم الانتخابي جاءت مكذّبة لكلّ المقاربات التي تَطغى عليها الحسابات السياسية دون مراعاة الالتزام المجتمعي الحضاري، وتبقى مثل هذه القوانين غير كافية ولكن يمكن إدراجها ضمن سياق ايجابي سيتبلور أكثر فأكثر، وقد تبيّن لنا بالكاشف من خلال التجربة التونسية الفريدة من نوعها في الفضاء العربي الاسلامي أنّ القوانين المجرّدة بإمكانها إحداث تغيّرات مادية على المستوى المجتمعي، فمجلة الأحوال الشخصية عندما صيغت لم يكن مطلب إلغاء تعدّد الزوجات مطلبا جماهيريّا وإنّما أتى هذا القانون ليبلور ذائقة فكرية اصلاحيّة بدأت منذ القرن التاسع عشر مع خيرالدين التونسي وجماعته لتتأصّل أكثر في السنوات الثلاثين من خلال الحراك النضالي والفكري الذي تبلور في أطروحات الطاهر الحدّاد، وكلّنا نعلم أنه هذا النبي المجهول قد تعرّض للظلم والقهر من قبل شرائح كان بعضها يعتبر من نخب تلك الفترة، واليوم عندما يُصادق على مثل هذا القانون فهذا انتصار لسيرورة تاريخيّة آلت على نفسها الاّ أن تكون ثقافة بديلة لماهو سائد، ونحن لم نشاهد في تونس مظاهرات أو احتجاجات جماعيّة بعد الاعلان مبدأ المناصفة وهذا دليل على أنّ المجتمع التونسي جاهز لمثل هذه القرارات بل وقرارات أخرى أكثر ثوريّة عبّر عنها الطاهر الحد ّاد يومًا ما بشجاعة كبيرة ونخجل نحن اليوم من التّعبير عنها وأقصد هنا مسألة المساواة في الميراث. مفيدة عبّاسي: صحفية المساواة قيمة انسانيّة المناصفة تبدو قرارًا سياسيّا ولكن في عمقها وهذا من وجهة نظري تعتبر تأصيلاً لمكتسبات المرأة وحقوقها من أجل مواجهة أطروحات الردّة التي نشهدها هذه الأيّام، لأنّ بعض الأطراف السياسية والفكرية والدينيّة تستمد قيمها ومثلها من مسألة حيويّة بالنسبة لها هي المرأة فمن خلال السيطرة على المرأة سيتمكنون في رأيهم من تصحيح مسار التاريخ والعودة بالمجتمع إلى الجادة كذلك يعملون من أجل حجب المرأة جسديّا ومعنويّا. وأعتقد أنّ المناصفة ستحقّق ما لم يتحقّق للمرأة سابقًا وهو اثبات وجود هذه القوّة المجتمعيّة الانسانيّة التي وقع شلّها طويلاً بواسطة الأفكار الجمعيّة الموروثة والقراءات السطحيّة للدين والأهم من هذا فإنّ المناصفة ستضمن للمجتمع تجذير المبادئ الكونيّة التي تنادي بالحريّة والمساواة حيث انسانيّة الانسان تعلو كلّ الملابسات الاطلاقية الدينيّة والجنسيّة والعرقية وستكون المناصفة دربة على هذه المبادئ الكونيّة لتكون لنا عقيدة في المستقبل. قيس بن يحمد: ناشط نقابي وحقوقي امرأة رئيسة للجمهورية في اعتقادي انّ ما حدث بعد 14 جانفي ليس مسارًا مكتملاً للثّورة لأنّ الثورة تتطلّب فكرًا ثوريّا ممارسة وتنظيرًا وذلك في مستوى القبول بالآخر واحتمال العيش المشترك مهما كانت الاختلافات، ولكن بعد 14 جانفي شهدت البلاد موجة جذب إلى الورا من قوى تعتبر رجعيّة والمرسوم الانتخابي المتعلّق بالمجلس التأسيسي كان من المفروض أن يتمّ استفتاء الشعب على فصوله من أجل أن لا يحتكر أي طرف أو شخص الحديث باسم الشعب، وهذا القانون سيضع ملامح التوجّه السياسي للبلاد لعقود قادمة. ونقطة المناصفة الواردة في المرسوم والتي صادقت عليها الهيئة جاءت لحشر طرف سياسي في الزاوية من أجل إحراجه واظهاره بمنظور المتحامل على حقوق المرأة، وقيمة المساواة المجتمعية ومبدأ التناصف في ظاهره ضمانة وتأكيد بأنّ المرأة لسيت قاصرًا ولها من الأهليّة ما يمكنها من المشاركة الفاعلة في الشأن السياسي، أمّا في عمق هذا المبدأ وفي مستوى الممارسة يحقّ لنا أن نتساءل هل يمكننا بين عشيّة وضُحاها أن نغيّر الثقافة السائدة والتي كانت طيلة عقود تعتبر مساهمة المرأة ديكورًا تجميليّا في مختلف مناحي الممارسة السياسية، ولتغيير هذا الواقع تحتاج المرأة اليوم ومن خلال منظمات المجتمع المدني المناضلة والمستقلّة التي أثبتت صدقها وجدارتها بحمل راية الدفاع عن حقوق المرأة طيلة حُكم بن علي أن تواصل الاضطلاع بدورها الأساسي الذي يحتاجه منها المجتمع وذلك في مستوى تكوين وتأهيل العنصر النسائي واستقطابه لولوج الشأن العام (سياسة وثقافة واجتماعًا واقتصادًا). سيضمن مبدأ المناصفة في المرسوم تواجد المرأة فعليّا داخل المجلس التأسيسي لكن كم من امرأة سيتسنّى لها أن تترأس قائمة في دائرة انتخابية؟ وهل سنتمكّن يومًا ما من مشاهدة مرشّحة لمنصب رئيس الجمهورية في أرض عليسة والكاهنة وعزيزة عثمانة وتوحيدة بالشيخ؟ بيان حول التناصف جاء في بيان أصدرته حركة التجديد أنّ تونس قطعت خطوة تاريخية بإقرار قاعدة التناصف بين النساء والرجال في مشروع القانون المتعلّق بالانتخابات القادمة للمجلس التأسيسي. وتعتبر حركة التّجديد أنّه من مسؤولية المواطنات والمواطنين وكافة الشعب التونسي، وقواه التقدّمية بالخصوص، أن نجعل من هذه الخطوة مكسبًا لا رجعة فيه وواقعًا ملموسًا في الحياة السياسية التونسيّة. وهي تدعو الحكومة المؤقتة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لتجسيم هذا المبدإ الثّوري، في أقرب الآجال، بإصدار المرسوم المقترح من »الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثّورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي« المتعلّق بالقانون الانتخابي. كما تدعو الحركة كافة تنظيماتها للعمل من الآن على تطبيق مبدأ التّناصف في إعداد قائمات المترشحات والمترشحين مع كل من يقبل فكرة الجبهة الوطنية من أجل التقدّم والديمقراطية والحداثة. إنّ حركة التّجديد، فيما يخصّها، ستواصل العمل من أجل التّنصيص على المساواة الكاملة بين النساء والرجال في دستور البلاد لتتجسّم بذلك إحدى الخاصيات الأساسية لثورة 14 جانفي التي جمعت بين النساء والرجال في وقفة واحدة من الحرية والتضامن.