هي ثورة الياسمين، وهي ثورة الشباب الغاضب، وكذلك ثورة المطالب التي لا تنتهي، وهي أيضا ثورة الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات... وهي أيضا وبالخصوص ثورة »الحرقان« محمد وصالح وعلي ونوفل وعثمان وشكري وعلاء وطارق وفيصل ومبروك... و... أين هم؟ لقد »حرقوا« هذا من باب سويقة وذاك من ديبوزفيل والآخر من باب الخضراء والآخر من حي التضامن ومن حي التحرير والحرايرية والمرناقية ومن صفاقس وقرقنة والرديف والمتلوي وقفصة والحنشة وجبنيانة وحتى من سوسة والحمامات ومنزل بوزلفة وقربص.. المدن السياحية... وأنا؟! أنا أيضا »حرقت«... لكن »حرقتي« كانت في ظروف أخرى غير هذه كان ذلك في التسعينات حيث كانت البلدان الاوروبية في حاجة الى اليد العاملة ومازالت... ولعلمكم ان ايطاليا التي اقيم بها منذ أكثر من خمسة عشر عاما وفرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا وغيرها هي بلدان »تشيخ«... أي ان عدد شيوخها وعجائزها اكثر بكثير من عدد شبابها اي انها في حاجة كبيرة إلى اليد العاملة من الخارج. فإيطاليا مثلا تطلب وتدّعي انها في حاجة إلى 100 ألف مهاجر من افريقيا وآسيا وحتى من امريكا، ولو أن الشباب الامريكي ليس في حاجة إلى الهجرة وايطاليا هذه في حاجة الى الهجرة المنظمة وباتفاق (وهذا يقع كل عام) مع مكاتب التشغيل في تونس ومع ديوان التونسيين بالخارج ومع وزارة الشؤون الاجتماعية، هي في حاجة إلى 3000 عامل تونسي في مختلف الاختصاصات وتمرّ السنون ولا يتم احترام الاتفاقيات هي قصة طويلة مع السلط الايطالية التي لو انها كانت جادة لتمّ الحسم مع آلاف »الحارقين« القابعين في جزيرة »لامبادوزا« لتقع تسوية وضعياتهم عوض العمل على ترحيلهم وزيارة وزير الداخلية الايطالي ووزير الخارجية، ثم رئيس الوزراء »سلفيو برلوسكوني« الذي ترك جانبا كل مشاغله بما فيها تهم الفساد المالي وجلسته الاخيرة المتهم فيها بعلاقته بالفتاة المغربية كريمة المحروق المعروفة ب »روبي« كل ذلك ليطلب ويلح ويغري السلط التونسية بالعمل على منع »حرقان« الشباب التونسي إلى بلاده... وهو لا يعرف ان الشباب التونسي: »حارق... حارق« أحب من أحب وكره من كره والجميع يعرفون الاسباب وهاهم الحراقة يرفعون شعار: »ثورة حرة و»لامبادوزا« على برّة« كيف لا وقد اصبح عددهم يفوق عدد سكان الجزيرة خاطبني ابن حيّي سفيان قائلا: »أنا الان في »لامبادوزا« وسأصل غدًا إلى »ميلانو« يا مرحبا يا مرحبا وهاتفني صديق الطفولة حمادي: »أنا الان في روما ولا أعرف ايطاليا ولا أملك صانطي فكيف العمل؟ وستتصل بي خطيبتي من تونس لتقول لي ان شقيقها »حرق« »وهو الان في الطريق إليك قلت لها: »ختمت يا بن عروس« قالت: نعم؟ قلت لها: مرحبا به و»على الراس والعين« قالت: ثقتي فيك كبيرة وأنا على يقين انك ستعتني به أكلا وشربا ومسكنا و»مصروفا« »خاصة انه ذاق الامرين في رحلة »الحرقان« الطويلة في البحر والتي ضحينا من أجلها بالغالي والنفيس قلت لها: خطيبتي العزيزة.. يا أعز ما أملك.. أنا أيضا سأضحي من أجلك بالغالي والنفيس.. هل تعرفين أغنية عبد الحليم حافظ رسالة من تحت الماء التي يقول فيها: اني أغرق أغرق.. أغرق.. اما انا فإليك هذه الرسالة من ايطاليا: سوف أحرق.. أحرق.. أحرق الى تونس فانتظروني.