عاد قُرَيْد بِوَعْثِ السفر وقد كانت عصاه على متنه وصرة أغراضه متدلية منها. فلمحته القرَدة من متساكني شجرة الباووباب العظيمة وارفة الظل. فصاحت بأعلى صوتها في قريدة: قريد الظريف قد عاد يا قريدة . هيا اخرجي إليه لتستقبليه. فخرجت قريدة تقفز قفزا وتصيح في جذل لا يساويه جذل. فغمرته لتوها بقبلها. وقادته إلى بيتهما الواقع في رحاب شجرة الباووباب . فغضت القردة الأبصار عنهما. وضحكت في أدب جم. قال قريد لقريدة :إليك عني حبيبتي . فكلي وعث وعرق. فقالت قريدة :بل رائحتك يا عزيزي أزكى من المسك. وسكن الواحد منهما إلى الآخر. ثم بعد وقت تحدثا في كل ما أمر. قالت له في ما قالت: قريد أعلمت بالأمر. فرد مستفسرا : وأي أمر؟ فأجابته : أمر هيام ملكة الدجاج. فسأل : وما بها؟ فأجابت: لقد أسست مجلس أعيان. فسأل : وما مجلس أعيان؟ فأجابت : مجلس يكتب لها فيه أعيان السراديك دستورا للدجاج. فقال: سترك يا الله وما دستور؟ فقالت: الدستور يعني كيف نأكل ولا نأكل وكيف نتزوج ولا نتزوج وكيف نصلي ولا نصلي وكيف نحترم بعضنا ولا نحترم وكيف نحكم وكيف نقضي في ما بيننا وكيف نشترع وهكذا. فلم لا تكتب لنا دستورا؟ فأجابها بقوله: أوتظنيننا دون دستور؟ ألم تريْ إلى القرَدة في مدينة الباووباب كيف غضوا الأبصار عنا. يا عزيزي نحن كالإنقليز لنا دستور غير مكتوب ونحترمه أكثر من الدساتير المكتوبة. نحن شعب متحضر لا نعتدي على بعضنا البعض ولا نأكل مال بعضنا. ونحن نحترم الذكور والإناث. ونحن نحكم بالعدل والقسطاس في ما بيننا وإن كنا في واقع الأمر لم تحدث بيننا مظالم من عشرة آلاف سنة. فسألته قائلة: والبشر يا حبيبي هل هم كالإنقليز؟ فأجابها قائلا: لا يا حبيبتي. لقد انحطوا دون الحيوان سائره. ولذلك احتاجوا إلى دساتير مكتوبة. ولكن حدثيني بأمر الدجاجة هيام. فقالت: ولكن هل تعرف الديك رشود صاحب اللحية البيضاء وأسنان القتب. قال: أعرفه. وماذا حل به؟ قالت: لقد نتفت الدجاجة هيام لحيته كما نتفت لحي الآخرين ونتفت ذيولهم. فباتوا عطران. وقد آلت إلى ما يشبه ديك تهيج هياجه وتزهو زهوه وتصيح صياحه. واعلم أنهم ما إن خضعوا إليها وأدوا الولاء حتى أطردت إناث الدجاج إلى ما وراء النهر وبعض الديكة ممن لم يخضعوا. فسأل: يا الله استرنا. وماذا فعلت بالباقين؟ فقالت: لقد جمعت باقيهم في مجلس أعيانها وأمرتهم بالبيض. بالبيض! وهل باضوا ؟ نعم باضوا. بيضة في اليوم؟ لا. بل بيضتين. يالله! ورشود؟ باض ثلاث بيضات. ولكن لم لا تبيض لي يا عزيزي كما باضوا؟ ولم لا. واجتهد قرود في البيض لأيام إرضاء لقرودة. فلم يفلح. فعاد إليها. فقال: لم أفلح. ولا بد للأمر من مجلس أعيان. ولكن قرودة أشفقت على قرود. فقالت له: نحن لا نبيض يا حبيبيي. بل نلد. ولكنها صاحت به فجأة وقد اصفر وجهها وأخذت تتقيأ: ويحك. في بطني شيء يتحرك. فعراه خوف عليها وأسرع إلى أمه وأمها وصاح فيهما: ويحكما قرودة في بطنها شيء يفتك بها. ونظرت العجوز إلى العجوز. وابتسمتا الواحدة للأخرى. وقالتا: ذاك جنينها في بطنها يتحرك. وقضى قرود ليلته يداعب بطن قرودة في رضا لا يساويه رضا وشعور بالفحولة لا يساويه شعور. وقد أحست قرودة بأنوثتها تكبر وتكبر حتى صارت في حجم شجرة الباووباب. وباتا في عناق ووئام. وسألته قرودة والنعاس يداعب عينيها: ما الأنوثة والذكورة يا حبيبي؟ فأجابها: إنها التخنيث بين الذكر والأنثى يا حبيبتي. إنها الوئام والتكامل بينهما بدستور الطبيعة الغراء.