نلتقي كما في بداية كل سنة لنقيس ونحدد كيف تطورت المقدرة الشرائية للعامل الذي يتقاضى الاجر الادنى «سميقار» هل انغمس في الانخفاض (او التدهور او الخسارة) المزمن لقدرته الشرائية؟ ام استرجع قليلا مما انتزع او بتر من أجره منذ 1983؟ وقبل الشروع في حوارنا، لنقل مرة اخرى ان كبار المسؤولين في اداراتنا والوزراء في المقام الاول يجب عليهم احترام «قواعد اللعبة»، فكل المناقشات لا يمكن ان تكون مجدية الا باستعمال «الدينار القار» في كل الحسابات والمقارنات ولعل المسألة اصبحت اسهل واكثر رسمية منذ سنة 1994 بحيث اصبح ينشر في بداية كل سنة بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية «جدول تحيين الاجور»، ممضى من طرف السيد وزير الشؤون الاجتماعية، فهذا الجدول يعطي لكل سنة منذ 1961 (اي ل 46 سنة الاخيرة) ضوارب تمكن من جعل كل الارقام «بالدينار القارّ» للقيام بكل المقارنات، مثال ذلك أرقام 2006 مع أرقام 1983 و 1987، هكذا يعمل اطارات الادارات العمومية والبنك المركزي التونسي وأساتذة كليات العلوم الاقتصادية ومعاهد التصرف وخبراء البنك العالمي وصندوق النقد الدولي الذين يجيؤون ويذهبون على بلادنا لتحليل اقتصادنا وماليتنا، وهكذا يجب ان يفعل المسؤلون في مختلف ادارات وزارة الشؤون الاجتماعية لتسوية اي مشكل وبصورة ملموسة وفي كل سنة حوالي 20 جانفي يقوم المعهد الوطني للاحصاء (التابع لوزارة التنمية والتعاون الدولي) بعد عمليات تجميع كبيرة للمعاينات والمعلومات بحساب ونشر مؤشر اسعار التفصيل ونسبة التضخم السنوية، وبعد أسبوعين او ثلاثة ينشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية منشور السيد وزير الشؤون الاجتماعية المتعلق بتحديد جدول تحيين الاجور. وهكذا فقد نشرت جداول الأربع سنوات الاخيرة كما في الجدول ع1دد. ملاحظة: الاعداد المذكورة من الرائد الرسمي باللغة الفرنسية. سوف ينشر جدول 2007 عن قريب. فحسب المعهد الوطني للاحصاء بلغت نسبة التضخم لسنة 2006، 5،4 وهي أعلى نسبة للعشر سنوات الاخيرة كما نلاحظ ذلك في الجدول عدد 2 . وعندما نتحدث مع المواطنين والمواطنات من المستهلكين والذين يقومون على تربية وإطعام عائلات لا نسمع منهم غير: «العيشة غلات، نار!» «ماعادش انجم نربط الشهر بخوه». اعتقد ان المواطنين على حق وألف حق! فكيف يمكن «إقفال نهايات الاشهر» بتدهور في المقدرة الشرائية بنسبة حوالي 25 أمر لا مثيل له في اي بلد اخر! الجدول عدد 3 يعطينا بالنسبة للأربع سنوات (ديسمبر 1961، 1983، 1987 و 2006) التطور الحقيقي للدخل الجملي «للسميقار»، يعني الاجر الادنى «سميق» في حد ذاته والملحقات الاربعة (منحة الحضور مع منحة النقل مع المنح العائلية مع منحة الاجر الوحيد)، في هذه الارقام أخذنا بعين الاعتبار (كما في مقالاتنا السابقة) الزيادات في «السميق» المقررة والمطبقة خلال 23 سنة الاخيرة اي 26 زيادة في المجموع، وكالعادة نصف الجدول بالدينار الجاري ونصفه الاخر بالدينار القارّ. وللادراك التام بهذا التطور يجب قراءة الجدول عدد 4 الذي يقدم نسبة التطور السنوية لكل عنصر من عناصر مدخول السميقار. في الجدول عدد 5 نجد التطور بالدينار القار لكامل المدخول الشهري للسميقار: إن أول رد فعل طبيعي ومشروع على كل ما سبق من أرقام هو ان يصرخ الانسان: «كيف ولماذا وصلنا الى هذه الحالة من تدهور المدخول الشهري للسميقار، تدهور ب 57،24 مقارنة بسنة 1983؟ غريب! لم يرى ولم يسمع من قبل! لكنه الحقيقة المرة! لكنه الواقع المؤلم! ان رد الفعل الاول لكل مواطن وكل مسؤول يهتم بهذه المشاكل هو ان يعتبر ان هذا التدهور لا يمكن تداركه ببعض التصريحات الجميلة واللغة الخشبية. بهذه الحالة نفهم لماذا تلجأ الشركات المتعددة الجنسيات والاعراف الاجانب الى نقل أنشطتهم من بلدانهم الاصلية والمجيء الى بلادنا، بلد التشجيعات والحوافز الجبائية العريضة، بلد اصبح فيه السميقار (ومعه كل العمال والمنتفعين بجرايات) «يتكلفون» اقل من سنة الى اخرى وذلك منذ 23 سنة. اننا لا نتحدث سوى عن النجاحات التونسية، عن نسب النمو المثالية التي تذكر وتقدم كأمثلة في منتدى «دافوس» وهنا يستفزنا الواقع لنقول ان سعادة عدد قليل من الناس (وأنتم العمال تعرفونهم اكثر مني) يصنعها شقاء وحرمان عدد كبير من العمال وضعفاء الحال من التونسيين، والدليل على ذلك؟ انظروا الى سيارات المرسيدس، وب B M W و 4 x 4 التي تتكاثر فتضيق بها شوارعنا وأنهجنا، انظروا الى الساحات في الهواء الطلق المملوءة بالسيارات الفاخرة و المعروضة للبيع تماما، كما بالنسبة للسلع في السوق الموازية والتجارة غير المشروعة في تونس في نهج اسبانيا وشارل ديغول، انظروا عدد الفيلات الفخمة والعمارات الفاخرة المبنية بين البحيرة ومعرض تونس او في المنار والنصر، انظروا عدد المسابح الجميلة والأنيقة في فيلات عفوا «القصور الصغيرة» في سكرة وغيرها، انظروا الى هذه الزيجات التي تصل المبالغ المنفقة في احيائها عشرات الملايين (مع العلم وان 30 الف دينار اي 30 مليون من المليمات يساوي مبلغ سميق شهري طيلة 11 سنة)، وفي هذه الاثناء اي خلال 23 سنة خسر السميقار 57،24 من قدرته الشرائية. بالرجوع الى الجدولين عدد 4 و 5 تلاحظون ان التدهور موجود في كل عناصر المدخول في السميق كما في ملاحقة الاربعة، وعلى هذا الاساس وكنتيجة لذلك يجب اقرار زيادة شهرية هامة اجمالية ومجدولة للخروج من هذا النفق المظلم. ففي شهر جانفي 2006 تقول الحسابات انه يجب اقرار زيادة جملية ب 593،81 دينارا لتدارك الخسارة في المقدرة الشرائية للسميقار، والجواب كان هزيلا: 072،7 دينار، فعوضا عن رفع المظلمة واصلاح الخطأ في حق السميقار الذي يتواصل لمدة 23 سنة تم القيام بحركة بسيطة اصبحت بدورها سلبية بما ان الخسارة في المقدرة الشرائية لهؤلاء العمال سوف تمر من 593،81 دينار في 31 ديسمبر 2005 الى 538،86 دينار في 31 ديسمبر 2006 اي بزيادة في الخسارة ب 945،4 دينار. ان هذا المشكل حيوي بالنسبة لكل شعب من الشعوب ولا يمكن حلّه الا بالتفاوض الاجتماعي الجدي والصريح وبالارادة السياسية والضغط المتعدد والمتواصل من طرف هياكل المنظمة العتيدة والقوية، الاتحاد العام التونسي للشغل. يجب وضع حد للقضم في القليل والقليل جدا الذي لدى العمال ان هؤلاء من حقهم القول بأن أباءهم كانوا يعيشون افضل في سنة 1983 افضل منهم اليوم (نعم ! كنا نعيش افضل في 1983) وفي 1987 ايضا، اذن يجب اتخاذ الاجراءات الضرورية لكي يعيش كل المواطنين (أجراء ومؤجرين) أحسن اليوم من 1983 ! ولتحقيق ذلك لابد من زيادة عادلة وحقيقية في سميق وملحقاته وذلك لان هناك خسارة متراكمة وثقيلة منذ 23 سنة، كما ان هذه الزيادات سوف تذهب حالا الى جيوب الصناعيين والتجار عبر الاستهلاك. ان مراجعة المقدرة الشرائية للعمال هي معنى العدالة الاجتماعية وروحها وكذلك عنوان التضامن الوطني. اذن لنكف عن الكلام الذي لا معنى له ولنقرر وننفذ فعلا ما هو في صالح الشعب والوطن.