إنني العبد الفقير الى ربه مواطن أصيل مدينة قعفور احدى معتمديات ولاية سليانة أحيطك علما سيدي الوزير في الحكومة المؤقتة وأصر على كلمة مؤقتة لا انتقالية لأنها لو لم تكن كذلك لاجهضت ثورة الأحرار بأخطائها التي لا تحصى ولا تعد انني تألمت لما ورد في كلامك من تجاهل لولاية سليانة فأنت رفضت ان تجاهر باسم الولاية وكأنها منطقة لا تنتمي الى الجمهورية التونسية وما جاء على لسانك سيدي الوزير شكل من اشكال الاحتقار الذي كان من المفروض ان لا يصدر عن مسؤول كبير خلناه قد طلع علينا من زمن الوطنية الصادقة، فاعلم أيدك الله وإيانا بنصره ان سليانة ساهمت بالغالي والنفيس في حركة التحرير الوطني وكان رجالاتها من السباقين في دعم الحركة الوطنية وقد قدم المرحوم محمد الاخضر بن عطية عضو المجلس الكبير واكبر وجهاء الجهة الدعم المالي اللامحدود للحركة الوطنية وساهم أكثر من مرة في تكاليف سفر وفود الحزب الدستوري التي كانت تجوب العالم للتعريف بالقضية التونسية وتجنيد الانصار لها وقد سقط على أرض سليانة رجال بررة تصدو للاستعمار الفرنسي في عديد المناسبات وآية لنا على ذلك واقعة صائفة سنة 1939 التي سجلها التاريخ بأحرف من ذهب حين تصدى الاهالي للجيش الفرنسي ولمجموعة من التجار اليهود حين كانوا يجمعون التبرعات يوم السوق الاسبوعي لفائدة قيام دولة اسرائيل وقد سقط في تلك الواقعة الشهيرة عدد كبير من الشهداء هذا دون ان ننسى معركة جبل برقو الشهيرة والتي كانت ملحمة من ملاحم النضال والصمود وطبق ذكرها الآفاق واعلم أيدك الله وإيانا بنصره وانت الوزير في حكومة مؤقتة تسعى الى الاصلاح ان اكبر رجالات الاصلاح هو احمد ابن أبي الضياف حافظ تاريخ تونس في مؤلفه العظيم إتحاف أهل الزمان هو سليل قبيلة أولاد عون المنحدرة من سليانة وهو من اهم واضعي قانون عند الأمان الذي كلف بإنشاء نصه وكان هذا القانون بوابة دستور 1861 أول دستور في العالم العربي والاسلامي واذا يمّمنا وجوهنا شطر مدينة مكثر يعلمنا التاريخ القديم ان هذه المدينة العريقة كانت من المدن العظيمة في العهد الروماني وكانت تنتشر حولها زمن العنفوان والتألق زهاء 70 مدينة رومانية عرفت عمرانا وازدهارا لا مثيل لهما ومنها انحدر احد أباطرة روما وهو »سبتيم سيفار« ورحلة بسيطة بين باقي معتمديات الولاية تعلمنا ان اول اتحاد للفلاحين تأسس في تونس شهد ميلاده في قعفور سنة 1943 ومن هذه المدينة الجاثمة بين الجبال أطلقت اول رصاصة ضد المستعمر الفرنسي في الشمال الغربي من قِبَلِ الفلاق محمد بن عمر البركاتي شهر »غول الجبل« وهو رفيق درب المناضل الكبير الأزهر الشرايطي وقد أقضّ محمد بن عمر مضاجع المعمرين الفرنسيين وأذاقهم من الهوان ألوانا حرقا لضيعاتهم وإتلافا لممتلكاتهم وقتلا لعلوجهم وقد كانت قعفور تأخذ بنصيب كبير من الحضارة فقد حوت قاعة للسينما منذ سنة 1925 ومناضلوها نفذوا العملية الفدائية الشهيرة التي تسببت في انقلاب القطار سنة 1952 وكتبت عنها الصحف الفرنسية وقعفور تضم أعرق فريق في الكرة الحديدية أنجب أبطالا عالميين وقعفور مسقط رأس البطل العالمي الشهير في الملاكمة محمود الشابي وكان الفريق المحلي لكرة القدم يلقن ابناء الترجي والافريقي دروسا لا تنسى في لعبة الجلد المدوّر وكي لا نطيل في تعداد مآثر ابناء الولاية ومناقبهم من قبائل الوسلاتية وماجر والبراكة وأولاد عيار وأولاد عون والقوازين مما لا يسمح به المجال اعلم سيدي الوزير ان كل أهالي سليانة مستاؤون مما ورد في كلامك وما كتبناه عن سليانة غيض من فيض ولو تركنا لقلمنا العنان لحبرنا المجلدات، ونشير في الختام الى ان الوطني الغيور يحترم كل ذرة رمل في تونس الخضراء وإن التونسيين لا يتفاضلون الا بالكلمة الطيبة والعمل المثمر الذي من شأنه ان ينهض بالبلاد وينفع العباد والا بمقدار ما يقدمونه من تضحية في سبيل الوطن وقديما قالت العرب »إنما المرء حديث بعده«. وسلام على من يحب البلاد ولا يحتقر العباد نجيب البركاتي قعفور