الشعب كلمة كبيرة ومعبّرة عن ضخامة معناها اللّغوي والسياسي نُطقها فقط هزّ عروشًا ودكتاتوريات وسلطات وغير أنظمة وأرعبت من يملك القرار والسلاح. الشعب يريد اسقاط النظام، اسقاط الحكومة، محاربة الفساد باسم الشعب تكلّم الجميع، البطّال والعامل والمثقف والسياسي والنقابي والصحافي والفنّان، كلّنا هتفنا بأعلى أصواتنا إلى درجة بحّ صوتنا وتألمت حناجرنا »الشعب يريد«. نعم الشعب يريد اسقاط النظام، كلمة شعريّة تونسيّة أصبحت مفتاح الفرج وشعارًا تردّده الشعوب العربيّة للمطالبة بتغيير أنظمتهم وتحقيق مطالبهم. المدخل يجرّني إلى الحديث عن جريدة »الشعب« التي تحمل اسم الشعب التونسي لسان الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يضمّ الشغالين التونسيين بالفكر والساعد لتبلغ مشاغلهم وهمومهم وابداء الرأي في المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ونشر الأخبار النقابية للرّأي العام الداخلي والخارجي بحريّة واستقلاليّة. هذه الجريدة التي تصدر مرّة في الأسبوع تُمثّل حرجًا للسلطات في العهد البائد لأنّها تكتب ما تراه مناسبا وبعد طبعها يتمّ التآمر عليها لحجبها عن القرّاء وعدم توزيعها على الأشكاك وبائعي الصحف. كنّا نتفهم هذا السلوك الأرعن في العهد السابق لكن يتواصل إلى يومنا هذا بعد الثورة دون ردّ فعل قانوني يجعلنا نشكّ في نزاهة المهتمين بتوزيع الصحف بكل أسف. وأذكر السادة القرّاء الأعزّاء باعتباري نقابيّا أناضل في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل كيف كانت جريدة »الشعب« في أواخر السبعينات مشعّة ومطلوبة من كلّ الشعب لأنّها الوحيدة في ذلك الوقت التي كانت تعبّر عن هموم الشعب بحريّة، وأتذكر ملاحظات الصّحافي محمد قلبي رحمه اللّه الذي أحرج بطريقته النقدية في ركن »حربوشة« والتي تصدر بجريدة »الشعب« كيف قامت الدنيا ولم تقعد وتجنّد أزلام الحزب للتأثير على أداء الجريدة إلى درجة إغراء المرحوم لتحويل وجهته إلى جريدة أخرى. وبدأت المؤامرات من ذلك الوقت تُحاك ضدّ جريدة »الشعب« خاصهة في بداية الثمانيات بعد قرار تحويلها إلى جريدة يوميّة ونجحوا في إجهاض هذا القرار وبقيت تصدر مرّة في الأسبوع ولم يكف ذلك بل تمّ إعطاء تعليمات إلى موزّعي وبائعي الصحف لحجبها وعدم بيعها للقرّاء وتواصل هذا التعتيم الاعلامي إلى يومنا هذا. نعم إلى يومنا هذا بعد الثّورة!! نحن اعتبرنا الثّورة قطعت مع الماضي المر. وقطعت مع الاقصاء والتّهميش وكنت متفائلاً بحريّة الصحافة والرأي وتخيّلت أنّ المشهد الاعلامي سيتغيّر. فكنت غبيا مثل الكثير من أمثالي لأنّ قوى الجذب إلى الوراء مازالوا مؤثرين في كلّ شيء اضطرابات فوضى، انفلات فإلى متى يتواصل هذا المدّ الرجعي في إجهاض أهداف الثّورة وحجب جريدة »الشعب« عن القرّاء؟ وفي هذا المشهد كذلك ما يُحاك لجريدة »الصحافة« من مخطّطات لتقزيم الرأي الحرّ وبالمناسبة بصفتي نقابيًّا مستقلاًّ أعبّر عن مساندتي لأسرة جريدة »الصحافة« ومناضليها وأقول لهم لا ضياع حق وراءه طالب واعتصموا بحبل اللّه جميعًا ولا تفرقوا سيكون النصر لكم. وأتمنّى من المهتمين بجريدتنا »الشعب« تسليط الضوء وكشف المستور وتعلمنا عن الأسباب التي جعلت سياسة طمس جريدة »الشعب« وعدم وجودها في الأكشاك وبائعي الصحف مثل غيرها وهل المؤامرة مازالت متواصلة وماهي الطرق التي يجب أن تتوخّاها الجريدة لمجابهة سياسة الاقصاء والتعامل بالمثل لترجع جريدة »الشعب« إلى الشعب.