استطاع الاخ عبيد البريكي بما يحتكم إليه من كاريزما نقابية وسياسية وحضور معرفي لافت وكبيرإلمام بمشاغل الساعة ان يكون من افضل من يتحدث حتى اليوم على منابر الفضائيات وذلك بمناسبة استضافته الاربعاء الماضي على قناة حنبعل للادلاء برأيه في عديد المسائل المهمة والحارقة التي تهم المواطنين بصفة مباشرة على غرار تأجيل انتخابات المجلس التأسيسي من عدمه ودفاعه عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وموقفه من التعددية النقابية وعلاقة الاتحاد العام التونسي للشغل بالسياسة واستحقاقات الامتحانات والمناظرات الوطنية وغيرها من المواضيع التي جعلت مقدم البرنامج الحواري الزميل فوزي جراد ينجح حسب اعتقادنا في توجيه الدعوة للشخص المناسب في المنبر المناسب وخصوصا في هذا الظرف الحساس، لأن ما جاء على لسان عبيد البريكي قادر على النفاذ للرأي العام خاصة بتلك الصورة المنهجية البليغة والسلسة. في مستهل حديثه وإجابة عن اسئلة مقدم البرنامج توقف عبيد البريكي عند مسألة على غاية من الاهمية وهي شرعنة المطالب وابطالها واعتبر في هذا الخصوص ان المطلب المقترح من قبل السيد كمال الجندوبي لتأجيل الاستحقاق الانتخابي المتعلق بالمجلس التأسيسي هو من المطالب التي تستمد شرعيتها من شرعية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نفسها التي يجوز لها في اعتقاده ان تتخذ وفق اعتبارات موضوعية ما تراه مناسبا من قرارات تضمن لنا اجراء انتخابات ديمقراطية ونزيهة وشفافة تقطع مع الطعون والشكوك والتشكيك ومنطق المؤامرة. واستغرب عبيد البريكي كيف لا يسمح لهذه الهيئة بممارسة صلاحياتها وفرض قراراتها وهي المنتخبة انتخابا حرا وديمقراطيا ورأى في ذلك تهديدا لعملية التحول الديمقراطي التي ننشدها جميعا، ودليل على ذلك بالقول ان كمال الجندوبي رئيس الهيئة هو من الاسماء الخبيرة بالعملية الانتخابية في عديد دول العالم وهو تبعا لذلك يعرف ماذا يقول وبماذا يطالب ولا يمكن ان يكون مطلبه بتأجيل الانتخابات هو نطق عن الهوى وانما وراءه اسباب موضوعية تقنية او غيرها حتمت عليه مصارحتنا بان الوضع يفترض تأجيل الانتخابات وعدم خوضها في جويلية. وفي إجابته عن سؤال يتعلق بالتأخير في حد ذاته والضريبة التي قد يضطر الشعب التونسي إلى دفعها اجاب عبيد البريكي ملمحا الى الفزاعة التي يتضمنها هذا السؤال مبديا استغرابه الشديد من كل من يعتقد ان الحكومة المنتخبة ستكون قادرة بعصا سحرية على ايجاد مخارج لكل المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعيشها تونس اليوم، ومعنى ذلك عند عضو المركزية النقابية ان تأخير الانتخابات بناء على الاسباب التي ستعتمدها الهيئة العليا لن يكون وراءه ضريبة يدفعها الشعب ولا هم يحزنون، والضريبة الوحيدة التي لمح لها عبيد البريكي وحذر منها هي امكانية استقالة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في حال منعت من ممارسة صلاحياتها وترجمة تصوراتها عمليا من أجل التأسيس لمشهد انتخابي ديمقراطي لا تشوبه شائبة. عبيد البريكي رغم اقراره باننا قد خسرنا الكثير على مستوى الزمن بسبب توجهات حكومة الغنوشي الاولى والثانية ثم بعد ذلك بسبب النقاش المتعلق بالفصل 15 والتجاذبات السياسية التي اتخذت لها اشكالا متعددة اعتبر ان الشعب التونسي هو اليوم على السكة الصحيحة وطالب الحكومة الحالية بتطوير طريقة تعاملها مع مختلف مكونات المجتمع المدني والسياسي، مؤكدا على ان التوافق والوفاق والتشاور والحوار كلها مصطلحات يجب ان تتنزل في إطار آليّات ومرجعيات ملحة يلتق من خلالها الفرقاء السياسيين عند الاهم وهو كسب رهان التحول الديمقراطي وبناء تونس الديمقراطية. وعن التعددية النقابية التي كانت من أهم المحاور التي توقف عندها بإمعان ووضوح قال الامين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل ان التعاطي مع هذه التعددية يجب ان يكون وفق مستويين، مستوى تشريعي قانوني (وجود اتفاقية دولية تفرض حق التنظم) ومستوى عملي. وأكد على ان الاتحاد العام التونسي للشغل سبق له ان عايش هذه التعددية وذلك عندما اقدم النظام على غرس تعددية عدائية وليست نقابية (الشرفاء وغيرهم) لإزعاج الاتحاد والتضييق عليه وهو ما لم يحدث ولم ينجح فيه النظام آنذاك لان الاتحاد العام التونسي للشغل بقدر ما يتعرض للازعاج وحملات الشكيك من الخصوم بقدر ما يزداد قوة وصلابة واضاف بان كل ازمة كان يتعرض لها الاتحاد كان يخرج على اثرها أكثر تماسكا ليس فقط لانه الاكثر تمثيلا وسيظل كذلك وإنما لانه يستمد قوته من قواعده العمالية ومن تاريخه النضالي. عبيد البريكي أكد ايضا في هذا الاطار على ان مؤتمر جربة التصحيحي يعتبر من المؤتمرات التاريخية للمنظمة وساهم من موقعه في إعادة الاشعاع للاتحاد واستعادته لتوازنه حتى اضحى على ماهو عليه اليوم من ثقل وقوة وتمثيل. هذا الثقل وهذه القوة اكد عبيد البريكي على ان الاتحاد لن يتخلى عن توظيفهما وجعلهما أداة للنهوض بأوضاع العمال وتحسين مستوى عيشهم، كما اكد عدم استعداد الاتحاد العام التونسي للشغل لمنع الاضرابات والاعتصامات واي شكل من اشكال الاحتجاجات الشرعية ارضاء للاعراف او لاستمالتهم ومن اهم ما قاله عبيد البريكي في هذا الباب ان الاتحاد سيظل يتعامل مع نقائصه متى وجدت بلا عقد وان الاتحاد قد شرع عمليا في عملية نقد ذاتي واصلاح من الداخل وان عديد التصورات هي في طريقها للتبلور بما سيفيد العمال ومناضلي الاتحاد اكثر في المستقبل، وكرر قوله لهذه الاسباب وغيرها فان الاتحاد العام التونسي للشغل لا يخشى المنافسة التعددية فقد سبق ان حاربونا بنفس هذه التعددية ولكننا كنا الأجدر والاكثر تمثيلا والاقرب لمعاناة العامل وهمومه ومشاغله وقدر الاتحاد العام التونسي للشغل ان يكون كذلك. وفيما يتعلق بالمفاوضات الاجتماعية اعتبر عبيد البريكي ان النتائج التي توصل إليها الطرف النقابي المفاوض في الوظيفة العمومية والقطاع العام هي اكثر من مهمة على المستويين المادي والترتيبي مقارنة بالمفاوضات السابقة وقال ان جهود الاتحاد منصبة الآن على الدفع باتجاه انجاح المفاوضات في القطاع الخاص حتى تكون في مستوى بقية القطاعات. ننتهي إلى السياسة وذلك السؤال الذي اصبح مثل العلكة يمضغها الجميع بمناسبة ودون مناسبة والمتعلق بالانتماء السياسي للاتحاد، وهنا يكشف عبيد البريكي بكل وضوح ان الاتحاد العام التونسي للشغل لم يكن حزبا في يوم من الايام كما لا حزب له اليوم، مؤكدا ان تحَزُّبَ الحركة النقابية مسألة محسومة وان هناك خط فاصل سيظل قائما بين الاتحاد العام التونسي للشغل والاحزاب على مختلف مشاربها وتوجهاتها مع عدم تنصل الاتحاد عن دوره التاريخي في احتضان تلك الاحزاب كلما تم تضييق الخناق عليها ومحاصرتها ومنعها من النشاط كما اعتبر بانه لا يحق لاي كان التحدث في اجتماعات الاحزاب باسم الاتحاد العام التونسي للشغل مع الحق الكامل للنقابيين للتنظم سياسيا في اي جهة سياسية يريدونها وأكّد على ان الحزب الوحيد للاتحاد هو استقلالية المنظمة والانتصار للعمال. عبيد البريكي في كلمة اخيرة تنم عن وفاء كبير لقطاع التعليم أصر على ابلاغ تحياته لمدرسات ومدرسي التعليم الثانوي والاساسي والعمال والموظفين وكل القائمين على الشأن التربوي في بلادنا وذلك على مساهمتهم الفعالة في انجاح السنة الدراسية رغم الانفلاتات الامنية وابدى اعتزازه بالشعب التونسي الذي قال عنه انه من الشعوب التي تعرف متى تتحرك ومتى تحجم عن ذلك.