ونحن نحاول رسم ملامح مستقبلنا السياسي في هذه الظرفية الانتقالية الحساسة وفي خضم التجاذبات الراهنة بدوْنا كمن يمشي في الظلام فكل خطوة غير مؤمّنة يمكن ان تعصف بالرصيد النضالي الذي خوّل لنا الإطاحة بنظام مستبد وانجاز ثورة اذا ما حافظت على نصاعتها ستظل علامة فاصلة في تاريخ الثورات التي قادتها الشعوب. ككل الثورات لم تأت ثورتنا من فراغ ولا كانت ترفا نضاليا تم انجازه وفقا لمزاج نزوات الشعب التونسي، بل كانت ثمرة تراكمات اختزلت احتقانا بلغ مداه في مطلع هذه السنة الميلادية (2011) كما ترجمت تعفن واهتراء نظام استنفذ شروط بقائه واستمراريته في مواجهة شعب بلغ من الرشد السياسي ما جعله يدوس على الخطوط الحمراء التي حاولت تعليب ارادته. هل يعزّ علينا باعتبارنا شعب اخترق جدار الصمت ان ينسج مستقبله السياسي؟ لا اعتقد ان ثورتنا فلتة عفوية ستفضي بنا الى هاوية سحيقة من الفراغ السياسي؟ إن كل الاقتراحات والتجاذبات بكل اختلافاتها ومشاربها ليست سوى ظاهرة صحية تترجم استحقاقات الشعب في الحالة الراهنة في خضم هذه التجاذبات والصراعات لا يسعني إلا أن أذكر طغيان صوت ذكوري على كل التفاعلات السياسية التي نواجهها... وجدت نفسي مجبرا وأنا أتابع تداعيات هذا البناء خفوت صوت شريك فاعل ولاعب اساسي منا فينا وإلينا، نحاول طمسه عن قصد أو دونه لاننا للاسف مازالت تقودنا رواسب عقلية »سي السيد« رغم الاشارات والتلميحات التي اريد بها حق ولعلها مكاشفة الذات لذاتها... برزت اساسا في الفكرة الرائدة والتي حاولت تجنح بنا عاليا في سماء المساواة بين الرجال والنساء، بارقة أمل تعكس ما يجب ان تحظى به المرأة التونسية انه التناوب في القائمات الانتخابية سوف لن يكون منّة من أحد بل هو استحقاق امرأتنا في المجتمع هي به جديرة! همس منكر تردد من بعض الفحول، من ان هذا الخيار ليس سوى ديكور لتلميع براويز القائمة الانتخابية!.. لهؤلاء أقول انهم لم يتجاوزوا بعد ارثهم المهترئ حيث كانوا يزينون كل موائدهم برائحة »الانثى« بدعوى تشريك المرأة حتى انهم كانوا يقيسون حلاوتها وضحالتها بمقدار ما تشترك به المرأة من حضور، حضور لا يتجاوز الديكور ولا يترجم قصور المرأة بقدر ما ينمّ عن قصور رؤاهم وضيق آفاقهم تجاه المرأة التونسية. هناك من شكك حتى في إيجاد نسبة (الفيفتي فيفتي) من النساء، هكذا وبجرة نكران وتجاهل تحاول هذه الفئات الذكورية التنصل من أنصافها من يستطيع ان ينكر الدور الفاعل والمحوري الذي قامت به نون النسوة اثناء الثورة وقبلها؟ هل يتوجب علينا كل مرة التذكير بأسماء المناضلات الصامدات القانتات اللواتي صبرن وصابرن على العسف والظلم والضيم يوم لجأت الفحول إلى ما يستحقه الرجال لجز اللّحي والتنصل من عباءات بيضاء فضفاضة والجنوح الى موائد العربدة والمجون تقيّة وتضليلا لعيون الحاكم...؟ لهؤلاء اقول لقد فاتكم الركب وتجاوزتكم المرأة التونسية بأشواط يوم رُفعت على الاعناق في شارع الحبيب بورقيبة وساحة القصبة حاسرة ناضرة متحفزة متحررة من بؤس عصمتكم. لن أتردد في التشهير بكل من يحاول تقزيم المرأة وتشييئها وتبضيعها حتى لو ورد من المرأة نفسها من نافل القول اننا سنعود إلى الخلف فما تحقق لا يستهان به لكن مازال امام المرأة الكثير حتى تثبت ذاتها وكيانها. لماذا لا تتبوأ النساء مواقع قيادية في الاحزاب؟ أكثر من 81 حزبا وأقل من واحدة من تتولى الزعامة لماذا يظلّ الرجال دائما هم الناطقين باسمها؟ إلى متى هذه الوصاية؟ بانتظار قيادتها للقاطرة، متأكد انها قادرة على خوض غمار هذه التجربة هل لها ان تترشح إلى رئاسة البرلمان الموعود؟... ولِمَ لا تكون على رأس الحكومة القادمة او الدولة المأمولة؟.. ان تسوسنا امرأة ليس بدعة تأتيها حفيدات عليسة والكاهنة وغيرهن كثير!