الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025    وزارة الفلاحة تدعو كافّة شركات تجميع الحبوب بأخذ كلّ الاحتياطات اللاّزمة والاستعداد الأمثل للتّعامل مع العوامل المناخيّة المتقلبة    وزارة التجهيز: تحويل وقتي لجزء من الطريق الوطنية عدد 8 بداية من يوم الاثنين القادم    عاجل : النيابة الفرنسية تطالب بمحاكمة لاعب عربي مشهور بتهمة الاغتصاب    مونديال الكرة الطائرة تحت 19 عاما - المنتخب التونسي ينهي مشاركته في المركز الثاني والعشرين    الحماية المدنية تحذر من السباحة في البحر عند اضطرابه رغم صفاء الطقس    توقعات موسم أوت - سبتمبر - أكتوبر 2025: حرارة أعلى من المعدلات واحتمالات مطرية غير محسومة    جثمان متحلل بالشقة.. الشرطة تكشف لغز اختفاء عم الفنانة أنغام    الدخول لجميع المواقع الأثريّة والمعالم التاريخيّة بصفة مجانية يوم الاحد 3 اوت    تسجيل جامع الزيتونة المعمور ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    شنية حكاية ''زكرة بريك'' اللي خوّفت جدودنا؟    طقس اليوم: أمطار رعدية متوقعة وارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بالجنوب    النادي الصفاقسي: لاعب جديد يغادر الفريق    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    البطولة العربية لكرة السلة - المنتخب الجزائري يتوج باللقب    عاجل : القضاء الأميركي يوقف ترحيل آلاف المهاجرين: تفاصيل    الحوثي يستهدف مطار بن غوريون بصاروخ باليستي    موجة شهادات مزورة تثير تداعيات سياسية في إسبانيا    كولومبيا.. تعيين ممثل أفلام إباحية وزيرا للمساواة    المعهد الوطني للرصد الجوي.. البحر قليل الاضطراب والسباحة ممكنة في النهار    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    محمد رمضان يرد على الشامتين بعد انفجار حفله الغنائي: "اللي معندوش كلمة طيبة يخرس!"    (سنغفورة 2025 – أحمد الجوادي يتأهل إلى نهائي سباق 1500م سباحة حرة بتوقيت متميز    سهرة قائدي الأوركسترا لشادي القرفي على ركح قرطاج: لقاء عالمي في حضرة الموسيقى    مباراة ودية: تغيير موعد مواجهة النجم الساحلي والنادي البنزرتي    عاجل : زلزال يهز أفغانستان    تحذير للتونسيين : برشا عمليات قرصنة ... ردّ بالك من التصاور والروابط المشبوهة    انهيار جزئي لأكبر منجم للنحاس إثر هزة أرضية بتشيلي    عرض كمان حول العالم للعازف وليد الغربي.. رحلة موسيقية تتجاوز الحدود    كريستيانو رونالدو يتحرك لعقد صفقة مدوية في الميركاتو    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    أعلام من بلادي: الشيخ بشير صفية (توزر): فقيه وأديب وشاعر درس في الجزائر وتونس    التوجيه الجامعي.. تلميذ متميز متحصل على معدل 18 /20 طلب شعبة الطب فوجه إلى علوم الاثار    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار بولاية مونتانا الأمريكية    حجز 735 كغ من الأسماك الفاسدة…    عاجل/ نقابة التعليم الأساسي تقرّر يوم غضب وطني وإضراب عن العمل..وهذا موعد..    عاجل/ إضراب جديد في النقل..وجلسة تفاوض مرتقبة..    على ركح مهرجان الحمامات الدولي .. لطفي بوشناق... يتسلطن    دكتورة في أمراض الشيخوخة تحذّر من اضطرابات المشي لدى كبار السن المؤدية إلى السقوط    رسميا/ الرابطة المحترفة الاولى لكرة القدم : برنامج مقابلات الجولة الافتتاحية..#خبر_عاجل    انتعاشة هامة للسياحة/ هذا عدد عدد الوافدين على تونس الى 20 جويلية 2025..    وزارة الصناعة تمنح شركة فسفاط قفصة رخصة البحث عن الفسفاط " نفطة توزر"    نتائج الدورة الرئيسية للتوجيه الجامعي 2025: تحسّن في نسبة الإستجابة لإختيارات المترشّحين    جندوبة: انطلاق أشغال صيانة طريق "سبعة مشايخ" الرابطة بين طبرقة وبوسالم    عاجل/ المكتب الجامعي لكرة القدم يتخذ قرار هام..    تحب تزور متحف ولا موقع أثري؟ نهار الأحد ما تخلّصش    شنوة يلزم يكون في صندوق الإسعافات الأولية متاعك؟    وزارة التجارة تعلن عن تحديد أسعار قصوى للبطاطا وهوامش ربح للأسماك بداية من 4 أوت    عاجل/ حجز أطنان من السكر والفرينة المدعّمة واعادة ضخها بهذه الأسواق..    هل يمكن لمن قام بالحج أن يؤدي عمرة في نفس السنة؟    للتوانسة: الصولد الصيفي ينطلق نهار 7 أوت... هذا هو اللي يلزمكم تعرفوه!    هام/ وزير الشؤون الدّينية يتّخذ إجراءات لفائدة هذا الجامع..    خمسة جرحى في حادث مرور خطير..#خبر_عاجل    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    اكتشاف فصيلة دم غير معروفة عالميا لدى امرأة هندية    تطورات جديدة في كارثة حفل محمد رمضان في الساحل الشمالي    خطبة الجمعة: أمسِكْ عليك لسانك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أية خارطة سياسية لما بعد الثورة التونسية؟
بعد 55 سنة من الحكم الفردي والديكور الديمقراطي
نشر في الصباح يوم 30 - 01 - 2011

لم تسقط "ثورة شباب تونس" أو كما يحلو للبعض تسميتها ب"ثورة الياسمين" حكم بن علي وحده بل أسقطت كذلك هيمنة "الحزب الواحد" التي امتدت على مدى 54 عاما.بل يمكن أن تكون قضت سياسيا على الحزب الحاكم المتحكم نظريا في أكثر من مليونين و800 الف منخرط. البلاد تشهد اليوم تشكل خارطة سياسية جديدة وإن بدت ملامحها اليوم غامضة فإنها ستكون بالتأكيد خارطة مغايرة لما ساد منذ استقلال البلاد رغم اختلاف المراحل وتغير التحالفات.
وحتى نتعرف على الخارطة السياسية المستقبلية للبلاد كان لا بد من الرجوع الى ماكانت عليه في عهد الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة والذي يصفه البعض بالنظام الشمولي القائم على الحزب الواحد..ليتغير ظاهريا فقط بعد الاطاحة بالرئيس الاسبق يوم 7 نوقمبر 1987 نحو ديمقراطية "مقنّعة" كانت في واقع الأمر وطيلة 23 سنة عبارة عن نظام سلطوي استبدادي لا مكان فيه للمعارضة.
إعداد : سفيان رجب خليل حناشي أيمن الزمالي

من نظام بورقيبة «الشمولي».. إلى نظام بن علي «الموالاتي»

لم تكن فترة حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة فترة زاهية على مستوى التحرر السياسي والتعددية والديمقراطية رغم ان الأحزاب السياسية المعارضة كانت قوية وقتها ومدعومة بحراك نقابي كبير بقيادة الحبيب عاشور .حيث تركزت الخارطة السياسية بعد الاستقلال على نظام شمولي قاده الزعيم الحبيب بورقيبة والقائم على الحزب الواحد، اقتضته ضرورة بناء الدولة التونسية عام 1956 بعد تحررها من استعمار فرنسي امتد لأكثر من سبعة عقود من الزمن.
التجاذب السياسي بين الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم وبقية الأحزاب المتواجدة وقتها انطلق مع ضرب الحزب الشيوعي عام 1962لتكون الطريق مفتوحة فيما بعد لدعم وتقوية حركة الاتجاه الإسلامي. وفي السبعينات لاحق بورقيبة التنظيمات القومية العربية والماركسية الماوية مثل "منظمة العامل التونسي".وبعد ان بدأت الحركة الإسلامية تكبر شيئا فشيئا ،عاد بورقيبة بخطة معاكسة تقتضي دعم الحزب الشيوعي حيث أعطى الحزب الشيوعي تأشيرة العمل والتنّظم (جويلية 1981) ونفس الشيء بالنسبة لحركة الديموقراطيين الاشتراكيين بزعامة أحمد المستيري وحزب الوحدة الشعبية بزعامة محمد بلحاج عمر في مواجهة لحركة احمد بن صالح الممنوعة والحزب الشيوعي برئاسة محمد حرمل إضافة إلى شن حملة أمنية كبيرة ضد "حركة الاتجاه الإسلامي" التي كان يتزعمها وقتها راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو.
بعد الإطاحة بنظام بورقيبة،في 7 نوفمبر 1987 جاء بيان الرئيس الجديد زين العابدين بن علي مطمئنا الجميع بما في ذلك "حركة الاتجاه الإسلامي" التي كانت قياداتها في السجن وأصدرت الحركة وقتها بيانا ذكرت فيه أن بيان 7 نوفمبر "أدخل البلاد في طور جديد سيقطع مع أساليب الحكم الفردي". كما رحب بالعهد الجديد كل من الحزب الشيوعي الذي حول اسمه منذ عام 1994 الى "حركة التجديد" وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة أحمد المستيري و "التجمع الاشتراكي التقدمي" الذي تحول الى "الحزب الديموقراطي التقدمي" منذ 1988. ووقعت هذه الأحزاب والحركات إضافة إلى أحزاب وحركات أخرى مع الحزب الحاكم الذي تحول من "الحزب الاشتراكي الدستوري" الى "التجمع الدستوري الديموقراطي" في جويلية 1988، على "الميثاق الوطني" في7 نوفمير 1988 التي ينص على "مبدأ الديموقراطية المستند إلى تعدد الأحزاب".
وانطلق الانفتاح السياسي فعليا سنة 1988 باعطاء حركات غير مرخص لها تاشيرة العمل والنشاط على غرار "حركة الاتجاه الإسلامي" و "حزب العمال الشيوعي".
وفي سنة 1989 حصلت صدمة كبرى لنظام بن علي في الانتخابات التشريعية بحصول "حركة النهضة" حسب الارقام المعلن عنها والتي اعتبرت مزورة على 17 في المائة من مجموع أصوات المقترعين في القوائم التي دعمتها، ولم تنل كل الأحزاب الستة المرخصة لها سوى 3 في المائة، فيما حصل "التجمع" على80 في المائة. هذه النتائج أظهرت صعود بورصة "النهضة" سياسيا وكان مؤشرا لتحرك السلطة لضرب الإسلاميين وهو ما تم في ماي 1991 بمساعدة كل الاطراف الاخرى بما في ذلك "حزب العمال الشيوعي"الذي انجرف في موجة العداء للإسلاميين عبر منظور فكري ولا سياسي، عندما أصدر زعيمه حمة الهمامي كتابه "ضد الظلامية" في تلك الفترة، قبل أن يقوم النظام بحملة اعتقالات شاملة في صيف 1992 ضد هذا الحزب، بعد انتهائه من ضرب الإسلاميين.
وبعد ذلك أصبحت الحياة السياسية في تونس ذات لون واحد وحتى أحزاب المعارضة باتت موالية للحزب الحاكم بعد تغيير قياداتها وفرض "تجمعيين منسحبين"على رأسها.وأصبحت الخارطة السياسية واضحة وجامدة يترأسها "التجمع" الذي "يسانده" عبر الموالاة "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين"،"حزب الوحدة الشعبية"،"الاتحاد الديمقراطي الوحدوي"،"الحزب الاجتماعي التحرري" و"حزب الخضر للتقدّم" مقابل حزبين وصفا ب "المعارضة الراديكالية" اللذين تمسكا بالمعارضة الحقيقية وبالتصارع مع السلطة وهما "حزب التجديد" و"الحزب الديمقراطي التقدمي"...

نحو تبلور مشهد سياسي ديمقراطي جديد

فرضت الثورة التونسية تحولات سياسية جديدة على مستوى الخارطة الوطنية وذلك بدخول تيارات سياسية وظهور احزاب عرفت على امتداد النظام السابق قمعا منقطع النظير وغذته ممارسات الاقصاء والتهميش.
وبالعودة إلى التطورات المتلاحقة للاحداث السياسية وبروز احزاب جديدة ذات توجه قومي ويساري يتوقع محللون سياسيون ان يتبلور مشهد سياسي ديمقراطي جديد وهو ما سيقطع مع ما كان سائدا من فوز حزب سياسي باغلبية مطلقة أو حتى بسيطة مما سيسهم في بناء خارطة جديدة للقوى السياسية التي ستشكل ملامح البعد الديمقراطي وطنيا. ووفقا للمعطيات المتوفرة وطنيا تبين ودون مجال للشك أن الخارطة ستتشكل وفقا لاربعة محاور اساسية . فما هي دلالات التحول ومحاورها؟ وماهي الامكانيات المتاحة للتحالف مستقبلا؟
اولى المحاور التي يذكرها السياسيون المطلعون على دواليب الحياة السياسية في تونس محور النمط الراسمالي الليبرالي الذي مازال يحاول إصلاح مراكز نفوذه في النسيج السياسي بالبلاد التونسية مدعوما في ذلك بالاعلام الغربي لكن ونظرا للازمة الاقتصادية التي عصفت بالانظمة الراسمالية في السنوات الاخيرة والتي جعلت مؤسساته تفقد كل مبررات استمرارها فقد هذا النمط الكثير من ثقة الشعب بعد ان تحولت معجزته الاقتصادية الى ازمة اقتصادية.
في المقابل نجد محورا دعامته نمط راسمالي محافظ وفكره تنظيمات سياسية ذات توجهات دينية على غرار حركة النهضة وحركات اخرى بعضها متعاطف او متحالف مع مراكز قوى خارجية خاصة ايران ودول الخليج وهذا المحور يسعى للتحرك بعد طول تغييب لاستثمار حضورها مستقبلا في محطات سياسية انتخابية تخول للتحكم في المعادلات السياسية وهو مسعى يتم تحت تغطية اعلامية استعراضية مفضوحة تقوم بها بعض القنوات فضائية خليجية.
النظم في المقابل نجد المحور العلماني اليساري والذي يضم العديد من الحركات والحساسيات السياسية فقد بقي في اغلبه نخبويا بسبب سياسة النظم القمعية وبسبب تعقد تفكيره واختلافاته.
و يحاول هذا المحور ان يحافظ على مواقعه في الهياكل النقابية مستغلا دفاعه عن مكاسب الشعب لكسب شعبية لكنه ان لم ينتظم في تشكيلات سياسية منظمة ومتحالفة في المسقبل سيتحول الى قوى سياسية هامشية عاجزة عن مواجهة تحالف التيارات الدينية مع القوى الراسمالية.
ويرتكز المحور الرابع والاخير على القوى الوطنية والقومية التقدمية التي ليس لها الان الا "الاتحاد" في جبهة واحدة وفقا لمرجاعياتها التاريخية من جمال عبد الناصر إلى عصمت سيف الدولة إلى الروى البعثية .
تحالفت الامس هل تنجح اليوم؟
ورغم التباين في التوجهات السياسية فقد نجحت احزاب في خلق جبهة سياسية لمنافسة الحزب الحاكم سابقا ومن ابرزها تشكيل هيئة سياسية اطلق عليها 18 اكتوبر في سنة 2005 ضمت في صفوفها عددا من الاحزاب السياسية القانونية وغير القانونية على غرار النهضة وحزب العمال الشيوعي التونسي. ولئن تاسست الفكرة وقتها على الحقوق والحريّات بين أحزاب وشخصيّات من اتجاهات إصلاحيّة وعلمانيّة وإسلاميّة بغاية الدفاع عن الحريّات العامّة والبحث عن أفق مشترك للتحول الديمقراطي جمعهم اضراب عن الطعام تواصل لاكثر من اسبوع .
فأن هذا التحالف تسبّب في انقسام داخل الطبقة السياسيّة الوطنية بين شق يرى أنّ الإسلاميين جزء من مكوّنات الحركة السياسيّة ولا بد من التعامل معهم وتجاوز مرحلة الماضي وشق يرى أنّ حقّ الإسلاميين في الوجود السياسيّ لا يستوجب تحالفٍ معهم لأنهم يمثلون استبدادًا أشدّ بأسًا بسبب طبيعته الشموليّة وتنظيراته الفكرية القائمة على الاقصاء.
وقد شكك المتابعون للشان السياسي في طبيعة هذه التحالفات وذهب البعض منهم إلى حد وصفها بالتحالفات الملغومة التي ستنفجر في وجه اصحابها .
ومن جهتها سعت احزاب برلمانية على تشكيل تكتل سياسي على غرار الوحدة الشعبية والاتحاد الديمقراطي الوحدوي و الحزب الاجتماعي التحرري الذين بعد لقاءات بين القيادات بغرض «تدارس التطورات الحزبية في ظل الوضع السياسي الراهن بعد الاستحقاقات الانتخابية في علاقة بالراهن السياسي الوطني ومستلزمات حماية وصيانة المسار الديمقراطي التعددي وضرورة تأمين سلامة مكوناته التنظيمية والسياسية لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة». غير أن هذا التحالف سرعان ما عرف انحرافا في مساره وال إلى الفشل بعد صراع خفي حول من يحق له قيادة هذا التكتل الامر الذي ادى اندثار الفكرة بعد ايام من اعلانها في الساحة السياسية. ويبقى اللاعب الغائب في هذه المحاور هو التجمع الذي قد ينتفض من رماده مجددا ويحدد لنفسه موقعا.

زلزال داخل بعض الاحزاب.. وولادات أخرى

شهد واقع الأحزاب والتيارات السياسية خلال ايام تحولا سريعا تشهده الحياة السياسية في البلاد منذ عقود. فقد انهار حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم وأكبر تنظيم سياسي كان مهيمنا على الحياة السياسية، إلى درجة تداخله مع أجهزة الدولة انهيارا تاما، أيام الثورة التونسية، زاده استقالات قياداته انهيارا ومنها متواترة الوزراء الذين شكلوا حكومة الانتقالية الأولية قبل تحويرها. وبعد أيام قليلة ظهرت وجهتا نظر تقول الأولى بإعادة هيكلة الحزب "ينادون بإعلان قيام هيئة عليا من المناضلين الصادقين ممن وقع إقصاؤهم أو تهميشهم ممثلة لكل أجيال النضال ولمختلف الجهات بهدف الشروع حالا وبدون تأخير في تطهير الحزب من العناصر الفاسدة والدعوة لمؤتمر إستثائي يصحح مساره ويطرح برنامجه ويعود به إلى تسميته التاريخية باعتباره"حركة للدستوريين الأحرار" والإعداد لمرحلة جديدة من النضال السياسي الديموقراطي في إطار التعددية السياسية الحقيقية التي قامت من اجلها هذه الثورة الشبابية العارمة". والثانية بحل الحزب تماما وإعادة تكوينه ليتماشى مع طبيعة المرحلة الجديدة التي تشهد انفتاحا ودمقرطة للحياة السياسية في البلاد. وكان ما يمكن وصفه ب"الرفض الشعبي" عاملا من عوامل زعزعة هذا الحزب السياسي.

الموالاة

وبخصوص أحزاب الموالاة في عهد النظام البائد ، فقد شابها عموما ارتباك واضح، شمل الهياكل وأيضا التكتيك والموقع السياسي، حيث شهد الاتحاد الديمقراطي الوحدوي استقالات جماعية ، وترشحات جديدة للأمانة العامة، إذ في تصريحاته أكد منصف الشابي أن له الأحقية في قيادة الحزب، ومن ناحية أخرى أعلن مجموعة من منخرطي الحزب وقياداته استقالتهم "التيار القومي التقدمي" معللين ذلك بأنهم لم يتمكنوا من انجاز المهمة التي من اجلها انخرطوا في ذلك الحزب.
أما الحزب الاجتماعي التحرري أيضا وقبل زوال النظام البائد شهد خلافات عميقة، ولكن تدعمت واشتدت حدتها مع بعد 14 جانفي مباشرة، فقد طالب عدد من منخرطيه تصحيح مسار الحزب وتغيير قيادته، أما "العربي بن علي" وهو أحد قياديي الحزب ومؤسسيه المبعدين عن النشاط السياسي، فقد حكمت المحكمة برجوعه للحزب وهو ما من شأنه أن يخلق ارتباكا وكتلا غير منسجمة في هذا الحزب.
وتشكلت لجنة إنقاذ بحزب الخضر للتقدم دعت إلى فتح ملف الفساد المالي والإداري لحزب الخضر للتقدم باعتباره كان يتلقى تمويلا عموميا في عهد الرئيس المخلوع وتتبع كل من يثبت تورطه في التلاعب بأموال الشعب. وبعقد مؤتمر استثنائي للحزب يتولى انتخاب هياكله ويحدد برنامج عمله للمرحلة القادمة ويصحح مسار الحزب و"يعيد له اعتباره ويخلصه من شوائب العهد البائد". في حين أقالهم المجلس المركزي من الحزب ودعا منجي الخماسي للترشح للرئاسية القادمة.
نفس المشاكل ظهرت في كل من حزب الوحدة الشعبية، وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين.

في السلطة

الحزب الديمقراطي التقدمي وحركة التجديد، قفزا مباشرة إلى الحكومة الانتقالية وأصبحا لأول مرة في تاريخهما، حزبين ممثلين في الحكومة، وذلك بتسلم أحمد إبراهيم حقيبة وزارة التعليم العالي وأحمد نجيب الشابي وزارة التنمية. وكان موقف كلا الحزبين هو عدم السماح ب"فراغ سياسي" قد تشهده البلاد حسب قراءة كلا الحزبين. فتحول ما سمي في عهد النظام البائد بالأحزاب الراديكالية إلى أحزاب في السلطة.
من ناحية أخرى وبعد دخوله الى الحكومة الانتقالية، خير حزب التكتل الانسحاب منها باستقالة مصطفى بن جعفر من على رأس وزارة الصحة، والانضمام الى المعارضة.

تأشيرة

سارعت عدة تنظيمات إلى الحصول على تأشيرة للعمل القانوني، وهي أحزاب بقت سنوات في انتظار تقنينها زمن النظام البائد فتقنن عمل كل من حزب تونس الخضراء (تقدمي)وحزب العمل الوطني الديمقراطي(يساري ماوي)، إضافة إلى الحزب الاشتراكي اليساري(يساري).
وينتظر أن يتقدم قريبا عدد من المجموعات السياسية مثل حزب العدالة والتنمية (اليسار الإسلامي) بطلب للحصول على تأشيرة العمل القانوني، إضافة إلى عدد من التنظيمات المحسوبة على التيار القومي.
عودة إلى الحياة
وعادت إلى الحياة السياسية في تونس حركة النهضة الإسلامية بعد غياب لعقدين، عن الساحة الوطنية وبدأت عملية تجميع أتباعها، وتحسس الواقع السياسي في البلاد، وشارك قياديوها في الحوارات التي جرت لتشكيل الحكومة الانتقالية، وأيضا في الحوارات التي جمعت مختلف التنظيمات والحساسيات السياسية بالاتحاد العام التونسي للشغل قبل التعديل الوزاري الأخير.
كما عاد منصف المرزوقي القيادي بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية من منفاه الاختياري، وانطلق الحزب ليعلن عن نفسه في الساحة السياسية عبر ترشح منصف المرزوقي للرئاسية.

تونس "هايد برك" جديدة


وفق نظرة استشرافية للواقع السياسي التونسي الجديد يجب التأكيد أولا أن الثورة التونسية أثبتت أن الشعب التونسي لا ينقصه أي شيء بان ينعم بثمار التقدم السياسي والتعددية والديمقراطية. تبعا لذلك فان الخارطة السياسية التونسية مقدمة على تغييرات جوهرية للقطع مع الماضي الذي مثل نكبة سياسية فعلية خنقت كل الأصوات السياسية دون استثناء وجعلت الجميع يعمل وفق ضغط الخوف والمتابعة والملاحقة السياسية والأمنية.
حتى نكون ايجابيين يجب النظر إلى المستقبل دون الوقوع في مطب البكاء على أطلال الماضي أو التألم زورا وبهتانا وترديد عويل الظلم الذي وقعت فيه الطبقة السياسية والنقابية.
شكل الساحة السياسية التي نحن على أبوابها من الأكيد أنها ستفرز تغيرا جغراسياسيا قد يخالف حتى تكهنات الخبراء ورصد العارفين. فإضافة إلى المعطى الإيديولوجي الذي سيكون حاسما في إبراز المواقع وتبرير المواقف فالأكيد أن عوامل شخصية وحتى ظرفية ستؤكد هذه التغيرات وفق قاعدتين الأولى تبرزها العودة القوية للسياسيين التونسيين المغتربين الذين وجدوا صحبة اليساريين والأطراف التقدمية زخما إعلاميا- وخاصة منه المرئي والمسموع- عبّر عنهم والثانية أن الساحة السياسية ستنقسم في الفترة القليلة القادمة على ثلاثة خطوط عريضة شارعها العريض الأحزاب الوسطية بما فيها الشكل الجديد للتجمع الدستوري الديمقراطي واحتمالات عودة الاسلاميين الذين لم يلاقوا إلى حد الآن الترحيب الشعبي وبر ظل ظهورهم وفق طريقة القطرة قطرة في محاولة لجس نبض الشارع بعد سنوات من الغياب.
وبخصوص أحزاب اليسار، فإضافة إلى الأحزاب المعروفة فان جل الحاصلين على التراخيص مؤخرا تعد أحزاب جديدة تنتمي كلها إلى تنظيمات قريبة منها على غرار "الشعلة"(الماويين)، أقصى اليسار( اليسار العمالي) وصولا إلى "البعث".كما أن هذه الأحزاب الجديدة تم وصفها بالنخبوية باعتبار ضعف قاعدتها الجماهيرية زيادة على أن فترة النظام السابق قد غيبتها كليا بالمنع والقمع بما زاد في نسيان النخب لمجمل عناصرها وأيضا لان التركيبة البنيوية للفكر المجتمعي التونسي قد تغيرت كثيرا بشكل لا يتلاءم مع الديماغوجيا أو القوالب الجاهزة التي ميزت هذه الاحزاب.
بين هذا وذاك توجد تشكيلات تراوح بين أقصى اليسار واليسار الإسلامي (عبد الفتاح عمر وفتحي التوزري) واحتمال عودة ظهور جماعة 15-21 (بعودة عمر صحابو من المهجر) وأيضا المنتديات القريبة منهم كلها تجعل الساحة السياسية التونسية متى وجدت حسن التوظيب السياسي قادرة على أن تتحول إلى جنة لتبادل الآراء وساحة سياسية حقيقية -على غرار "هايد برك" لندن- يستطيع كل تيار فيها أن يجد تعبيرته دون إقصاء و دون ركوب موجة الثورة لغرض الإلغاء لان المجتمع التونسي بما بلغه من وعي ومن حسن إدراك قادر بفضل ذلك على أن يحسن بنفسه رسم معالم طريقه دون وصاية بما يجعل أيضا النخب السياسية بمجمل تفرّعاتها أمام امتحان الشعب الذي يعتبر وبصريح العبارة الوحيد القادر على رسم الخارطة السياسية التونسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.