لم يخرج بديع شوشان عن السياق الذي بدأ فيه أعماله، أو لنقل الذي انطلقت فيه تجربته، أي مميزات ومحيط الأوساط الشعبية من حيث هي العمارة أو الملبوسات وغيرهما... فقد تفنن في جعل الشخوص في وضعيات متحركة باستمرار. وبذلك تعم الحركة جميع مواضيع لوحاته. أما الأضواء فإنها تتناوب مع الدكنة وحرارة اللون على مواقع عديدة في أعماله. حيث ينتشر الضوء بكميات كبيرة في اللوحات، لكنه في بعضها كان مترددا، أو محتشما. وتأكيده على المظاهر التقليدية ينسجم كليا مع طبيعة الألوان التي يختارها لذلك. وهو يتعامل مع البعد العمقي للّوحة بكفاءة، حتى لكأَن البعد الثالث هو الهدف من إنجازاته في أغلب أعماله. تقوم كائنات اللوحة ضمن حركة روتينية بطيئة وتوزيع للوحدات رصين، شاهدا على ما يكمن في اللاوعي من التصاق بتلك الحركة وهيام بها، لفرط ما فرضه عالم السرعة من سباق نحو الوهم، وإقناع بضرورة التمايز في سياق التماثل والتشابه مع الآخر. هذا التناقض بين الكامن والظاهر يُولِّد في المتلقي شحنات مفعمة إحساسا، توهم بإمكانية تشيُّؤِ ما لا يتشيَّأُ. وأيضا في التحام المتلقي باللوحة وانتباهه لزهوها من خلال تشكيلها الجمالي، ولروحها الإبداعي النابض في كل أرجائها، وكل العناصر المتحركة في فضائها. مما يلاحظ أن شخوص بديع شوشان، من خلال أعماله، ومنها معرضه بمساحة عين بحدائق صلامبو في الفترة من غرة جويلية حتى الحادي والعشرين منه 2011، تغرق في ضبابية، ولكنها هنا تصارع وتنفعل للحد من تآكل جانب من مميزاتها، وحتى لا تنصهر ضمن الشيئية التي لا تريدها، بحيث ترفض أن تكون مجرد علامات لوجود صوري ضمن حركة غير فاعلة إلا من حيث روتينية إعلان الوجود. لقد برع شوشان في تجسيم حالات الكائن البشري. واهتم بالمرأة في وضعيات مختلفة، خاصة في جلساتها ذات الخصوصية المميزة، وهي تلتحف السفساري أو ترتدي اللباس البدوي العربي التقليدي، في حين يركز على الأنهج ذات الأبعاد الممتدة والمتحركة في المدينة العتيقة، وفي المدينة بصورة عامة، حيث تكتظ بحركة الشخوص والأفكار والمعاني والمظاهر الحضارية والتاريخية. يكون توزيع الألوان بين مكونات اللوحة، بطريقة تجمع بين العشوائية والتوجيه المرن لبعضها، مع إدماج اللطخات المكثفة حينا والخفيفة أحيانا من جهة، والتنقيط والتشويه المتحفزين، من جهة أخرى، كلها تتناغم ضمن سمفونية التدرج اللوني ومركزة الأضواء، بحث تضفي على المشهد نصاعة حينا، ومحدثة ظلالا لا يتم جمال المشهد دونها، أحيانا أخرى، أسهمت مجتمعة في رسم شخصية الكون التعبيري للفنان. هذا الكون الذي أثبت بصمته وتميزه باعتباره يستند إلى أسلوب بناه وأصبح هو الشخصية الخاصة به. فقد عرف بتأكيده على الكائن البشري حضورا وأدوارا ومصيرا، متحركا في فضاء مميز هو المدينة العتيقة أو الريف وسط عمارة لا تخطىء العين ولا الذاكرة معرفة مناخها، وكذلك معرفة صاحبها، ذاك الذي لا يعرف الهدوء إذا بقي جزء من فضاء اللوحة غير مستغَلّ. كل وحدات اللوحة ومختلف عناصرها تحمل دلالات، وتبث خطابات يجد فيها المتلقي الكثير من المعاني والصور الثقافية التي تعكس ذاته، باعتباره جزء من محيطه المتحرك في اللوحة وفي الزمان والمكان، بالإضافة إلى اكتشاف بعض حالاته التي يشترك فيها مع الفنان والمجسدة في حركة نبض شخوصه. ينتقي بديع شوشان ألوانه بحدسية فائقة لتتواءم ومحيط المتلقي. ولتحدث انسجاما نسبيا مع طبيعة المشهد، وما يؤثثه. وحين ندرج مصطلح الحدسية لا يعني غياب الوعي والمعرفة بخصائص الألوان، إنما نرمي الى طواعية تلك اللطخة التي يتمازج فيها إحساس الفنان بالمادة التي يشكل ضمنها موضوعه، فيكون حضور الدفق الإبداعي من خلال الحواس، استجابة لما تختزنه الذاكرة او التصور، في إطار التوظيف الإرادي للألوان. ومن كل ذلك تكون الحالة اللونية ترجمة للحالة الحسية لدى كل من الباث والمتقبل. وهذا أمر بقدر ما هو جيد علميا واجتماعيا، لكنه وفي منطق الإبداع، يفتقر إلى الحيرة والاستفهام، وبالتالي يفتقر إلى »الصدمة« الإبداعية. نشاهد في حركة الفرشاة محاصرة للحالة، ونشاهد في انتشار الضوء انفلاتا من قبضة الوهم، وفي تمرير اللطخات انفلاتا من الزمن المحاصر في لحظة تجسيد الحلم الواعي. إذ أننا في حضرة تدفق الألوان واستباقاتها تمازجا وحرصا على تمثل الواقع، وتفجيرا لحالات تنتشر في الفضاء تغوي كائناته بطقوس الحركة /الفعل والكلمة /الفعل. إن خطابه يشحن بصور للإصرار على الكينونة صلبا متمردا على طقوس الذوبان، ذوبان القيم، منخرطة في الصراع الأبدي بين الخير والشر، وكأن المشهد يسأل هل انتصر أي منهما؟ بصورة عامة، فإن الفنان بديع شوشان يهندس لوحته بأسلوب يتموقع الضوء من خلاله في أماكن منها، تنير الأشياء برغم كثافة الضباب ولحاف العتمة. وقد يتحول بصيص الضوء إلى أضواء كاشفة تدحر جحافل الضباب وتنير الأعماق، فيبرز ما يتفاعل في صدر اللوحة وما يتضمنه الكامن في أعماق شخصياته، وما يوحي به تشكل العناصر وتوزيع الوحدات التعبيرية، عبر استنطاق اللطخات والتمريرات، سواء في حالات التكثيف أو التشفيف أو التشكيل الجزئي للوحة، وصولا إلى الكلّ. فقد تصبح اللوحة محملا لأشكال من التعبير التي يجد فيها المتلقي نواقيس منبهة أو إشاراتٍ دالّةً تقوده إلى اتباع النبض الحي، غير عابئ بجثث الوهم المتساقطة تباعا في المشهد أو الذاكرة. يحاول بديع شوشان ان يؤكد ويدعم طريقه داخل زحمة الأساليب والتجارب. وبالتوازي مع ذلك، يبدو انه يختبر الأساليب والتجارب الأخرى. ففي ذلك، يمكن ان يعثر على عناصر جديدة تدعم خصوصيته، فينميها بها، حين يرعاها، خاصة وأعماله تتمتع بدوام الحركة، وهو الذي يحقق الهدف من تمريرات الريشة وضرباتها. ويبقى حضور تجارب أخرى ممكنا في أعماله مما يؤكد ما ذهبنا إليه.