خصصت مجلة الإذاعات العربية الذي يصدرها اتحاد إذاعات الدول العربية في عددها الأخير ملفاً كاملاً للبحث في مستقبل الإعلام العمومي التلفزيوني والإذاعي في الوطن العربي. وهو أحد أهم المواضيع التي باتت تشكّل اليوم مبعث انشغال المهنيين وخبراء الاتصال والقائمين على وسائل الإعلام . وتأتي أهمية هذا الموضوع بالنظر إلى جملة من الاعتبارات، لعلّ أبرزها التحولات العميقة والمتسارعة التي تميّز المنطقة العربية، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على خلفية الثورات الشعبية التي عرفتها تونس ومصر منذ أوائل سنة 2011، ثم امتدت إلى بلدان عربية أخرى ، إلى جانب التطورات المذهلة التي سجّلت في مجال تكنولوجيات الاتصال الحديثة، بفعل انفجار البث الفضائي ودخول القطاع الخاص بقوة إلى المشهد الاتصالي. هذه العوامل الطارئة وغيرها كانت لها انعكاسات كبيرة وتأثيرات جليّة في وضع القطاع العمومي السمعي البصري العربي على الأمدين الراهن والقادم، ممّا دعا إلى طرح العديد من الأسئلة بشأن الدور المنتظر من هذا القطاع الاضطلاع به في سياق المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها الساحة العربية، وهي مرحلة تُوسم بتوسّع هامش حرية الرأي والتعبير والتعددية الفكرية والإعلامية ومشاركة المواطن في إدارة الشأن العام ودعم المسار الديمقراطي في بعض المجتمعات العربية. وصار الحديث أكثر إلحاحا عن سبل الانتقال من التلفزيون الحكومي الذي يُعرف بخضوعه الى الدولة التي تضع له الأطر القانونية والهيكلية وتفرض عليه طرق التصرف الإدارية والمالية، إلى تلفزيون الخدمة العامة (أو المرفق العمومي)، بما هو «خدمة قائمة من أجل الجمهور ومموّلة من قبل الشعب، بحيث يكون هدفه الأساسي خدمة المصلحة العامة للمشاهدين والمجتمع، مع انتهاج الحياد والاستقلالية في الخط التحريري والبرامجي». المقالات والبحوث والدراسات التي تضمّنها الملف أعدّتها ثلة من الخبراء والأساتذة المختصين في علوم الإعلام والاتصال من العالم العربي وخارجه. ويعرض الملف لتجارب عربية اتبعت منوال الخدمة العامة وأخذت في القطع تدريجيا مع الإعلام الرسمي، اقتداء بما هو موجود في الدول المتقدمة. كما يقف الملف على تجارب غربية متطورة في الغرض، وتم اتخاذ هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) مثالا للاستئناس به، سعيا إلى تمكين القارئ من إدراك المفهوم الحقيقي للخدمة العامة وتجلية أهدافها ومجالات نشاطها وكيفية تمويلها ومقوّمات خطها التحريري وخصوصياته. ومن العناوين التي تطالعنا في الملف: أزمة القطاع العمومي السمعي البصري ومستقبله في الوطن العربي. مفهوم الخدمة العامة في التلفزيون: بين المقاربة التجارية والمنظور النقدي. الخدمة العمومية والديمقراطية: أية علاقة؟ القطاع السمعي البصري العمومي في المغرب: الجمهور في قلب الخدمة العمومية. التلفزيون العمومي الجزائري في ظل غياب فتح القطاع وسيادة منطق الخدمة العمومية. هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) : خدمة إذاعية وتلفزيونية من الشعب وإلى الشعب.