نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بأسعار الجملة وسط إقبال كبير من المواطنين    ''القوارص'' تودي بحياة 4 أشخاص في جربة    توزر: العثور على شابين مذبوحين    باجة: اطلاق مشروع "طريق الرّمان" بتستور لتثمين هذا المنتوج و ترويجه على مدار السنة [صور + فيديو]    جربة: تسجيل 5 وفيات بسبب احتساء مشروبات كحولية مجهولة المصدر    شركة "ستاغ" تشرع في تركيز العدّادات الذكية "سمارت قريد" في غضون شهر جوان القادم    وزارة التجارة: تواصل المنحى التنازلي لأسعار الخضر والغلال    قادة الجيش يتهمون نتنياهو بتعريض حياة الإسرائيليين والجنود للخطر وهاليفي يؤكد إن حرب غزة بلا فائدة    مؤشر جديد على تحسن العلاقات.. رئيس الوزراء اليوناني يتوجه إلى أنقرة في زيارة ودّية    البطولة العربية لالعاب القوى (اقل من 20 سنة): تونس تنهي مشاركتها ب7 ميداليات منها 3 ذهبيات    رسمي.. فوزي البنزرتي مدربا للنادي الإفريقي    رجة أرضية بقوة 3.1 درجة على سلم ريشتر بمنطقة جنوب شرق سيدي علي بن عون    أخصائي نفسي يحذّر من التفكير المفرط    سليانة: عطب في مضخة بالبئر العميقة "القرية 2 " بكسرى يتسبب في تسجيل إضطراب في توزيع الماء الصالح للشرب    وفاة 3 أشخاص وإصابة 2 اخرين في حادث مرور خطير بالقصرين    المحكمة الابتدائية بسوسة 1 تصدر بطاقات إيداع بالسجن في حق اكثر من 60 مهاجر غير شرعي من جنسيات افريقيا جنوب الصحراء    التهم الموجّهة لبرهان بسيّس ومراد الزغيدي    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    زهير الذوادي يقرر الاعتزال    نقابة الصحفيين تتضامن مع قطاع المحاماة..    مصر تهدد الاحتلال بإنهاء اتفاقيات كامب ديفيد    ر م ع الصوناد: بعض محطات تحلية مياه دخلت حيز الاستغلال    بقلم مرشد السماوي: تعزيز أمن وحماية المنشآت السياحية قبل ذروة الموسم الإستثنائي أمر ضروري ومؤكد    في الصّميم ... جمهور الإفريقي من عالم آخر والعلمي رفض دخول التاريخ    سبيطلة.. الاطاحة بِمُرَوّجَيْ مخدرات    أخبار الأولمبي الباجي: تركيز على النجاعة الهجومية    امين عام التيار الشعبي يلتقي وفدا عن حركة فتح الفلسطينية    صفاقس تتحول من 15 الى 19 ماي الى مدار دولي اقتصادي وغذائي بمناسبة الدورة 14 لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    المالوف التونسي في قلب باريس    الناصر الشكيلي (أو«غيرو» إتحاد قليبية) كوّنتُ أجيالا من اللاّعبين والفريق ضحية سوء التسيير    نتائج استطلاع رأي أمريكي صادمة للاحتلال    إصدار القرار المتعلّق بضبط تطبيق إعداد شهائد خصم الضريبة من المورد عبر المنصة الإلكترونية    حضور جماهيري غفير لعروض الفروسية و الرّماية و المشاركين يطالبون بحلحلة عديد الاشكاليات [فيديو]    اليوم: إرتفاع في درجات الحرارة    حوادث: 07 حالات وفاة و اصابة 391 شخصا خلال يوم فقط..    انشيلوتي.. مبابي خارج حساباتي ولن أرد على رئيس فرنسا    وزير الخارجية يلتقي عددا من أفراد الجالية التونسية المقيمين بالعراق    عاجل : برهان بسيس ومراد الزغيدي بصدد البحث حاليا    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    قيادات فلسطينية وشخصيات تونسية في اجتماع عام تضامني مع الشعب الفلسطيني عشية المنتدى الاجتماعي مغرب-مشرق حول مستقبل فلسطين    حل المكتب الجامعي للسباحة واقالة المدير العام للوكالة الوطنية لمقاومة المنشطات والمندوب الجهوي للشباب والرياضة ببن عروس    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    النادي الافريقي - اصابة حادة لتوفيق الشريفي    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متاجرة رخيصة بحياة محمود درويش
مسلسل في «حضرة الغياب» متاجرة رخيصة لحياة الشاعر (الجزء الثاني) كان على السلطة الاستجابة إلى طلب الجماهير ايقاف المسلسل منذ حلقاته الأولى
نشر في الشعب يوم 12 - 11 - 2011

يقول المخرج بيتر بروك: »بقدر ما تطلب من المشاهد ، فإن المشاهد يعطيك إذا ماقمت بعملك بشكل صحيح«.
والعطاء هنا هو التفاعل والاستجابة مع العمل الذي يشاهده الناس أكان في المسرح أو التلفزيون أو السينما، هذا إذا افترضنا أن المخرج الذي يوقع عملاً ما باسمه الشخصي كان يمتلك قدراً من النزاهة والصدق والحساسية والعلاقة الحقيقية بالفن ولو كان يسيراً. ولكن إذا كان هذا المخرج متوسط الموهبة وأجيراً لدى المنتج يقوم بعمله ويذهب إلى بيته يتناول عشاءه ويلبس بيجامته وينام قرير العين فلا حيرة تنتابه ولا قلق يؤرقه عما فعل خلال يومه.
أعتقد أن وصف نجدت أنزور بالمخرج الشاطر هو ضربٌ من ضروب المديح إلا إذا كانت هذه الشطارة لا تحمل أبعد من معنى الفهلوة والتشبيح والسطو علناً على حيوات الناس الذين تحولوا إلى شخصيات في مسلسل مثلهم مثل قطع الديكور والشوارع بلا أي إحساس ولا عمق ولا عناية من المخرج.
أستطيع أن أتفهم موقف نجدت انزور من هذا العمل بأنه عُرض عليه لإخراجه بعد أن رفض عدد من المخرجين السوريين والعرب أن يقوموا بهذه المهمة لأسباب عديدة منها إصرار فراس إبراهيم المنتج انتحال شخصية محمود درويش. وبالتالي فإن لجوء فراس إبراهيم إليه يُعتبر نوعاً من عدم التقدير ولذلك حتى ولو كان يمتلك نجدت أنزور بعضاً من المعرفة التقنية بالاخراج والموهبة التي يمكن أن تضاف إليها فهو لم يضع شيئاً من المعرفة أو الموهبة في هذا العمل وأصابه مرض الاستسهال الذي ورثه عن الكاتب أصلاً في التعاطي مع السيرة الذاتية للشاعر.
إن وجهة نظر الكاتب أو خطابه السياسي والإبداعي أو رؤيته لموضوعه وشخصيات هذا الموضوع تصبح عند بدء التصوير وجهة نظر المخرج وموقفه وخطابه ورؤيته. وإذا مانجح المخرج في هذا الجهد فسوف ينتج ليس نسخة من السيناريو وإنما يقدم لنا مشروعاً جديداً به من روحه وحرفيته وإبداعه ، وهذا لم يحصل لدى نجدة أنزور. فسردية المسلسل الصورية تنقل صوت المخرج وبالتالي تؤثر في تشكيل استجاباتنا تجاه العمل، وعندما يضيع إيقاع العمل فإن العمل برمته يضيع وهذا ما حصل »في حضرة الغياب«.
منذ اللقطة الاولى أو لنستخدم مفردات المسلسلات منذ شارة البداية للحلقة الأولى والتي هي شارة البداية للمسلسل برمته إلى شارة النهاية التي تتكرر أيضاً، ندرك ماهي الحياة التي منحها المخرج لمحمود درويش وهو يسير على خطى الكاتب. ونستطيع أن نفهم لاحقاً تفاصيل هذه الحياة من نمط الصورة وشكلها في هذه اللقطة الساذجة الكلاسيكية التي عفا عليها الزمن والتي تم نسيانها في عالم الإنتاج البصري في السينما او التلفزيون، بغض النظر عن واقع الحكاية نفسها. فلم يعد مألوفاً أن نستدل على رومانسية الحكاية أو أبطالها من خلال مشهد الغروب والأطياف الغامضة للشخصيات الذين تم تصويرهم مقابل الشمس الغاربة.
هذه هي اللقطة الطويلة للشارة الافتتاحية للمسلسل، شاطئ البحر والشمس برتقالية توشك على المغيب وعلى هذا الشاطئ طيفان لرجل هو درويش وامرأة هي ريتا يمشيان متعانقين ليقول لنا المخرج إنهما عاشقان.
وأما لقطة الشارة الختامية للحلقات والمسلسل كاملاً، فهي نفس موقع الكاميرا الثابت وافتراق العاشقين في لحظات الغروب نفسها. إذن قدم لنا تلخيصاً واضحاً لما سيرتكبه بحق الشاعر منذ اللقطة الأولى وقبل بداية الأحداث في حياة كاملة مليئة تتقزم في مشهد رومانسي غبي لم يعد صالحاً في زمن تطور الرؤية المشهدية للمسلسلات والسينما وفي الوقت نفسه الذي تتناقض هذه الصورة مع المكونات الشخصية للشاعر التي نستدل عليها من خلال مسيرته الشعرية الحافلة أو من خلال أصدقائه الذين عرفوه عن قرب.
إن المخرج السينمائي أو التلفزيوني يستطيع أن يخلق شكلاً من أشكال المجاز من خلال المونتاج، فالصور والمشاهد واللقطات يمكن أن تُربط وتُؤلف بطريقة لتقدم لنا خطاً درامياً متماسكاً حتى لو كانت الكتابة الدرامية على الورق مليئة بالأخطاء والركاكة وعدم فهم الشخصية محور الحكاية. إن أجمل الأوصاف والحكايات المكتوبة أدبياً يتم ابتلاعها من خلال الصورة البائسة وتصبح الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها إذا كانت على قدر كبير من الجمالية مغلقة وتصير الكلمات بلا معنى ولا فائدة.
حين ترى محمود درويش يقرأ شعراً مباشرة أو من خلال تغطية تلفزيونية أو حين نراه في مقابلة حوارية أو نراه شخصياً. فإننا نرى شاعراً حقيقياً بكل بهاء الشعر وسحر الحضور وإشعاع الكلمات، تعرفه من داخله، من داخل عقله ووجدانه وشغفه وحبه ويأسه وحيرته أمام الحياة وأمام الموت وأسئلة الوجود الفلسطيني التي عكسها بكل تفاصيل كينونته إلى درجة نشعر من خلالها بالتماثل معه، ونحس إلى أي مدى يلامس أحاسيسنا وأفكارنا وحيرتنا ويأسنا وشغفنا وبهاء الألم الفلسطيني.
كل هذه المعاني »في حضرة الغياب« مسخها نجدت أنزور الذي تعوزه الحساسية والجهل بشخصية الشاعر كإنسان وكتجربة شعرية وصار التركيز على أسنان فراس إبراهيم ودموعه ومبالغته المضحكة في الحزن وشعره المستعار وقامته القصيرة وملابسه السوقية في معظم المشاهد. وسوء استخدام الكاميرا التي أظهرت جميع شخصيات المسلسل منذ الحلقة الأولى وحتى الحلقة ثلاثين أطول قامة من الشاعر، ناسياً قامة دوريش ورشاقته.
لقد حرَّك أنزور كاميراه بطريقة جعلتني أحس أنه ينتقم من فراس إبراهيم وأراد أن يظهره بطريقة كاريكاتورية، فأصاب الشاعر وأدماه.
في الغالبية الساحقة من المشاهد التي تجمع فراس إبراهيم مع شخصيات أخرى، نساءً ورجالاً، كان ينظر إليهم من تحت لقصر قامته وكان من الممكن للمخرج أن يتدارك هذا القصر من خلال موقع آخر للكاميرا ليظهره على الأقل مساوياً بالطول للآخرين. وأما لقطات الكلوز آب المقربة لوجه فراس إبراهيم فأظهرته منتفخ الوجنتين بذلك المكياج البدائي والنظرات التائهة مدعية الحزن واليأس.
إن معرفة الشخصية التي يتناولها أي إنتاج درامي في السينما أو التلفزة والبحث في تفاصيلها الجسدية والنفسية والاجتماعية والمهنية....الخ. شرط أساسي لتقديمها بطريقة تجعل المشاهد يتلهف على متابعة المسلسل أو مشاهدة الفيلم.
إن محمود درويش الذي نعرفه بإبداعه الشعري هو نتيجة لإبداع حياة مليئة وأحاسيس عميقة كالحياة نفسها التي عاشها وعاشته ولا يمكن انتزاعه من هذه الحياة ليظهر في صورة أقل قيمة من وجوده الحقيقي! إن كان كتابة أو إخراجاً أو تمثيلاً: ولا يمكن أن يكون هو نفسه الذي نراه في مكان آخر غير بيئته الراسخة في أذهاننا المتمثلة في ذاكرتنا التي لم يمر عليها زمن النسيان، ولذا من المستحيل أن نأخذه، نسرقه، نستولي على حياته ونصادر حضوره الذي من لحم ودم وروح وأن نضعه في مسلسل تحت رحمة كاتب فاشل وممثل ومنتج تاجر ومخرج لا حساسية لديه تجاه ما يقوم به.
نحن نعرف محمود درويش وهو ما يجعل أي عمل درامي مهما كانت عبقرية الذي وراءه، صعباً، للوصول إلى جوهر تجربته الإنسانية والشعرية أو التعاطي مع المعطيات السيكولوجية والذاكرة والمفاهيم المجردة التي هي جزء من حالة الشاعر و كينونته.
إن تمثيل أو تقديم حياة درويش ليست مجرد حكايات مفككة تدور حوله يعوزها البحث والتعمق بالمعرفة والتمثيل المبدع. فالحالات الذهنية والذاكرة والأحلام والخيال وولادة الفكرة والصورة الشعرية وتكونها هي ما شكل شخصية الشاعر، وهذه أمور من الصعب تمثيلها أو تقديمها في عمل بصري وخاصة مع فريق فاشل كفريق »في حضرة الغياب«.
إذا كانت الكتابة في هذا العمل واجهت صعوبة لتقديم منعرجات الوعي وتشكل الشخصية الدرويشية، فإن العمل البصري واجه صعوبات أكثر تعقيداً في تقديم الحالات الذهنية التي تدرك من خلال غيابها الكامن فيها عادةً في الأعمال البصرية. فجاءت التعبيرات للممثل سطحية، مدعية ومزيفة في معظم الحالات، كما جاء كل ما يحيط بالشخصية سوقياً لا يمت إلى عالم درويش بصلة.
❊ هناك أخطاء لايمكن أن نستدل من خلالها الاّ على تسرع المخرج واستسهاله وعدم جديته وعدم حرفيته في هذا العمل. ومنها على سبيل المثال:
1 من المفترض أن أحداث المسلسل تدور في باريس وبيروت ودمشق وموسكو والقاهرة وفلسطين 48 ورام الله وعمان وهيوستن ولندن، ولكن أستطيع أن أجزم أن التصوير لم يذهب خارج سوريا ولبنان. حتى القاهرة لم يذهب إليها فراس إبراهيم للتصوير، فلم نرى من القاهرة إلا مشهدين يدعي المسلسل أنها في مقهى على النيل، وهذان المشهدان يمكن تصويرهما في سوريا على شاطئ بحيرة ما.
2 باريس التي أراد المخرج إقناعنا أنها باريس لم تكن سوى بيروت، فهل أبنية باريس مبنية من الحجر الأبيض الذي لا نراه إلا في بلدان المشرق العربي.
3 إذا كان فراس إبراهيم يدعي أن ميزانية المسلسل بلغت أربعة ملايين دولار ، وأنا لا أشك في كلامه لأن الميزانية الأولية التي علمت بها قبل التصوير كانت خمسة ملايين دولار. فأين ذهبت هذه الملايين وهو لم يسافر وفريقه خارج سوريا ولبنان .
4 وإذا كان إدعاء حسن ميم يوسف أنه تقاضى أقل أجر له على كتابة المسلسل الذي كما ادعى أيضاً أمضى عامين في كتابته. وإذا كان المسلسل قدَّم لنا مرسيل خليفة بصورة القديس الذي تذهب عائدات حفلاته صدقة إلى الأطفال الفلسطينيين فهذا يعني أن لم يتقاض أجرة على استخدام الموسيقى في المسلسل فأين ذهبت الملايين فعلاً؟
يلجأ المخرجون إلى تعويض أماكن التصوير بأماكن أخرى عادة لأسباب مالية وغير مالية، ولكنهم يقنعون المتفرج بأن باريس هي باريس وموسكو هي موسكو والقاهرة هي القاهرة، ولكن مخرجاً مثل نجدت انزور ما بتفرق معاه! وهو متعود على اخراج مسلسلات خارج الزمان والمكان كالكواسر والجوارح!
❊ في الحلقة الأولى، نسمع رهف تتحدث مع عاملة المقسم في الفندق الذي ينزل فيه درويش في باريس وتتحدث بالانكليزية وهي التي تعيش في باريس وتدرس الدكتوراة المفترض انها ملمة بالفرنسية. وحين تلتقي بالشاعر مباشرة بعد الهاتف يقول لها لما قال لي عامل المقسم بالفندق ان زوجتك تتصل بك ، عرفت أنك أنت. لم يمر زمن على المحادثة الهاتفية، لكن نسي المخرج أنها عاملة المقسم وليس عامل المقسم.
❊ لو أجرى المخرج بحثاً بسيطاً وتعرف على الاوتيل الذي كان ينزل به الشاعر في الخمسة عشر عاماً الأخيرة قبل وفاته في باريس، لعرف أنه لا يمكن أن يجلس بهذا الأوتيل الذي تم التصوير به على أنه أوتيل ماديسون ويحتسي مجرد قهوة، لأن أوتيل المسلسل كئيب الألوان، لا حياة فيه فربما هو في سوق ساروجة في دمشق لنزلاء عابرين!
❊ ولو أجرى هذا البحث وسأل عن الألوان التي كان يحبها الشاعر لما لجأ إلى هذه المقاعد الجلدية فستقية اللون الصارخة في شقته في رام الله والكوؤس الزهرية والحمراء والخضراء، ولما استعمل اللون الأخضر الفاقع على حائطه.
❊ في ألامسيات الشعرية للمدعو فراس إبراهيم منتحلاً صورة الشاعر، لم نر جمهوراً كما هو الحال في أمسيات محمود درويش التي كان يحضرها الآلاف من الناس. ففي قراءته في فرنسا، هل كان من الممكن أن نرى بضعة اناس لا يتعدون العشرين شخصاً يستمعون إلى الشاعر، إضافة إلى تحريك الكاميرا على رهف من بين كل الحضور. وأما في الأمسيات الأخرى، فلولا أن منتجي هذا المسلسل معروفون أنهم من سوريا لقلت أنهم منتجون أميريكون لم يسمعوا بالشاعر ولا رأوا أمسية مسجلة على الفيديو له من قبل. فقاموا واستخدموا الأنماط التي يستخدمها الغرب عن العرب والفلسطينيين. فأين رأى نجدة أنزور جمهور محمود درويش كلهم يعتمرون الكوفية الفلسطينية وكأننا في مهرجان فصائلي جماهيري في مخيم من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
❊ في مشهد في مقهى بيروتي في العام 1981 في الحلقة 28 من المسلسل نشاهد فتاة بتنورة قصيرة تحمل جهاز موبايل وهي على مايبدو ترسل رسائل قصيرة . وللعلم أن الموبايل لم يوضع في الخدمة في لبنان وبشكل ضيق إلا في العام 1983 ، ولم ينتشر إلا في منتصف التعسينيات على نطاق واسع.
❊ في مشاهد القاهرة في عام 1972 و في شهر تموز/يوليو ، هل من المعقول أن يلبس درويش والشخصيات الأخرى معاطف شتوية ثقيلة في قيظ القاهرة في هذه الفترة من الصيف. وكذلك في مشاهد البروة في نيسان/أبريل 1948 ، هل كان من الممكن أن ينام الجد والطفل درويش أمام المنزل في العراء وفي الوقت نفسه نرى ثلجاً على الطرقات.
❊ لم يحدث في فلم أو مسلسل حتى في الأعمال الأكثر فقراً في الإنتاج، أن لا نسمع صوت انفجار أو لا نرى شيئاً يتطاير حتى لو التجأ المخرج إلى أشهر الأساليب بدائية في إظهار الانفجار في سيارة غسان كنفاني أو انفجار الرسالة بين يدي انيس صايغ.
❊ في أكثر من مشهد في فترة القاهرة كنا نسمع صوت أحد الشخصيات ولانراه وواضح أن هذا الحوار قد سُجَّل بعد التصوير وفي استديو لاختلاف الأصوات بين المتكلم والمتلقي في المشهد.
❊ كثير من الشخصيات منذ مشاهد فلسطين وحتى بيروت وباريس لم نكن نعرف أسمائها أو في أحسن الأحوال نعرف الاسم الأول. فمن هو حسين في حيفا، ومن هو هادي الذي ظهر في أكثر من مشهد مع إدوارد سعيد، ومن هو عباس الذي ظهر في بيروت هل هو عباس بيضون الشاعر اللبناني؟، وسليم وبول وأميغو وأبو خالد وجواد والمصور القادم من أميركا. هل يكفي أن نذكر الأسماء الأولى لهذه الشخصيات لنعرف من هم؟
❊ لا أحد يستطيع أن ينكر حب محمود درويش لدمشق لا بل حب جميع الفلسطينيين لدمشق وسوريا، حتى ولو كان هناك صراع سياسي عاشته منظمة التحرير الفلسطينية مع النظام السوري تحت حكم حزب البعث الاشتراكي العربي. وكان الشاعر يتألق في أمسياته الشعرية في دمشق لأن جمهور دمشق أحبه وأحب شعره والشاعر بادلهم هذا الحب. ولكن أن ينهي نجدة أنزور وفراس إبراهيم وحسن ميم يوسف المسلسل في الحلقة الأخيرة بقصيدة "طريق دمشق" وصورة واسعة لدمشق من جبل قاسيون، وقبل ذلك بدقيقتين يعيد مونتاج صور النساء اللواتي مررن بحياته ليختصر حياة درويش بالنساء ودمشق. فهذا أمر لا يمكن اعتباره إلا رسالة سياسية حمقاء. لأن الشاعر القومي للشعب الفلسطيني الذي عاش وكتب من أجل فلسطين كان يستحق أن تكون صورة فلسطين هي الصورة الأخيرة في عمل درامي يحكي عن سيرته كشاعر فلسطيني وليس كشاعر سوري. أليس محمود درويش هو القائل: على هذه الأرض ما يستحق الحياة، سيدة الأرض، كانت تسمى فلسطين، صارت تسمى فلسطين!
❊ يلجأ المنتجون في كثير من الحالات لصناعة مسلسلات تتبع السيرة الذاتية لشخصيات تحظى باحترام وحب كبيرين لدى جمهور عريض من الناس وذلك سعياً وراء الربح المادي من وراء هذا الإنتاج أو سعياً وراء خلق صورة محترمة عن شخصياتهم وإنتاجهم. ولكن »في حضرة الغياب« الذي يحكي عن شخصية فريدة في شعبيتها واحترامها ليس من قبل الشعب الفلسطيني الذي تنتمي إليه، بل من قبل عامة الشعوب العربية وكثير من الشعوب الأخرى. وضع القائمون على العمل ، كاتباً ومخرجاً ومنتجاً ممثلاً، علامات استفهام كبيرة على سمعتهم لفشلهم في الوصول إلى القيمة الحقيقة لمحمود درويش شاعرًا ورمزًا من رموز الوطنية الفلسطينية، وهشاشتهم وخلفياتهم التجارية التي لم يكن همها إلا الربح والتمعش من وراء استخدام صورة هذا الشاعر الكبير. إضافة إلى كل هذا استخدامهم الرخيص لمحمود درويش في رؤية سياسية ضحلة ومتخلفة.
❊ كلمة أخيرة في هذا العمل الفضيحة. فإذا كان المغني مرسيل خليفة انخرط طوعاً في هذا المشروع ولو زعم ما يخالف ذلك وقام بتزكية المنتحل شخصية الشاعر، المدعو فراس ابراهيم لدى عائلة درويش التي تتحمل مسؤولية هذا الاعتداء الواضح على الشاعر بموافقتها على التصريح بصناعة العمل فان كثيرين يشاركون هؤلاء بالمسؤولية وأذكر هنا الاعلاميين الذين طبلوا وزمروا لفراس إبراهيم قبل التصوير مثل الاعلامي زاهي وهبي الذي استقبل في برنامجه خليك بالبيت فراس إبراهيم وهلل له واستضاف ممثلين لبنانيين يكيلان المديح لمنقذ الشاعر من النسيان فراس ابراهيم. والاعلامي الفلسطيني رمزي حكيم في برنامجه نظرة من الداخل على الفضائية الفلسطينية الذي خصص حلقة لبناء الثقة بفراس ابراهيم قبل التصوير قادها محامي درويش جواد بولس. إضافة الى ذلك كله فان من فريق المسؤولين عما حدث، الفضائية الفلسطينية التي لم يكلف القائمون عليها انفسهم مشاهدة المسلسل قبل ارتكاب عرضه ورفضوا نداءات جمهور عريض من المثقفين الفلسطينيين لوقف هذه المهزلة منذ الحلقات الاولى تحت شعار الديمقراطية في الوقت الذي يوقفون برنامجاً فلسطينياً اسمه وطن على وتر لانه تعرض الى الفساد في بعض مؤسسات السلطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.