عاجل: كليات تونسية تدعو الطلبة الى احترام أوقات الدخول والخروج    قابس: تمكين 4250 طالبا وطالبة من السكن الجامعي    سليانة: قيمة اعتمادات مشاريع قطاع الصحة بلغت 13 مليون دينار    نقابة الصيدليات الخاصة تدعو الحكومة إلى تدخل عاجل لإنقاذ المنظومة    21% نمو في التأمين على الحياة... شنوة معناها ليك كمواطن؟    بلاغ مهم لمستعملي طريق المدخل الجنوبي للعاصمة – قسط 03    مجلس الأمن يصوّت اليوم على احتمال إعادة فرض العقوبات على إيران    نتنياهو يوجه رسالة للسائقين القادمين من الأردن    ترامب وشي يبحثان اليوم اتفاقا لإنقاذ "تيك توك" في الولايات المتحدة    شنية حكاية النظارات الذكية الجديدة الى تعمل بالذكاء الاصطناعي...؟    شنيا لحكاية؟..مريض في العقد الرابع ينجو بفضل أول عملية جراحية دقيقة على المخيخ بزغوان    بوعرقوب: متساكنون يستغيثون من اجتياح الحشرة القرمزية لمنازلهم    حملة تلقيح مجانية للقطط والكلاب يوم الاحد المقبل بحديقة النافورة ببلدية الزهراء    عاجل/ انطلاق 6 سفن يونانية لتنضم لأسطول الصمود العالمي لكسر الحصار على غزة..    البطولة العربية لكرة الطاولة - تونس تنهي مشاركتها بحصيلة 6 ميداليات منها ذهبيتان    كأس الكاف: الملعب التونسي والنجم الساحلي يسعيان لوضع قدم في الدور المقبل    الرابطة الثانية: الجامعة تسمح للفرق المستضيفة ببث المقابلات    وزارة الدفاع الوطني تفتح مناظرة خارجية لانتداب 7 مهندسين أولين اختصاص اعلامية    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    عاجل: توقف خدمات السجل الوطني للمؤسسات من الجمعة للاثنين.. شنو اللي لازم تعرفه!    عاجل : رئيسة قسم الأعصاب بمستشفى الحبيب بورقيبة تعلن عن نقلة نوعية في الصحة    النجم الساحلي يضم مدافع قوافل قفصة احمد الحرشاني    الملعب التونسي يتعاقد مع المهاجم السنغالي بوبكر جونيور كامارا    عاجل: قرار صادم من الفيفا يهدد''البافانا بافانا''.. من المستفيد؟    الكاف يوافق على تاجيل تصفيات شمال افريقيا المؤهلة الى كأس الأمم الإفريقية تحت 17 سنة    شهداء وجرحى بينهم أطفال في قصف الاحتلال عدة مناطق في قطاع غزة..# خبر_عاجل    هذه الشركة تفتح مناظرة هامة لانتداب 60 عونا..#خبر_عاجل    محرز الغنوشي يزّف بشرى للتوانسة: ''بعض الامطار المتفرقة من حين لاخر بهذه المناطق''    النفيضة: إصابات في حادث اصطدام بين عدد من السيارات    تحذير عاجل: تونس، الجزائر وربما ليبيا.. موجة أمطار مهمة في الموعد هذا...استعدوا للتقلبات الجوية    جريمة مروعة/ رجل يقتل أطفاله الثلاثة ويطعن زوجته..ثم ينتحر..!    طقس اليوم : سحب عابرة وحرارة بين 29 و 35 درجة    عاجل: فرنسا تغلي.. 94 إيقافاً في أولى ساعات الإضراب...شفما؟    في أحدث ظهور له: هكذا بدا الزعيم عادل إمام    تصدرت محركات البحث : من هي المخرجة العربية المعروفة التي ستحتفل بزفافها في السبعين؟    عاجل : شيرين عبد الوهاب تواجه أزمة جديدة    المعهد الوطني للتراث يصدر العدد 28 من المجلة العلمية "افريقية"    افتتاح شهر السينما الوثائقية بالعرض ما قبل الأول لفيلم "خرافة / تصويرة"    شيرين عبد الوهاب أمام القضاء من جديد على خلفية هذه التّهمة    البنك التونسي للتّضامن: نحو إعادة جدولة ديون الفلاحين الذّين يمرون ببعض الصّعوبات الظّرفيّة    سوسة: لدغة "وشواشة" تتسبّب في إيواء شاب بقسم الكلى بمستشفى سهلول    صابة التين الهندي تنهار أكثر من 40%.. شوف السبب...وهذه المنطقة تطلق نداء عاجل    سعيد: "لم يعد مقبولا إدارة شؤون الدولة بردود الفعل وانتظار الأزمات للتحرّك"    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    كيم يشرف على اختبار أداء مسيرات هجومية تكتيكية    التسامح أساس من أسس التعايش بين الناس    وخالق الناس بخلق حسن    خطبة الجمعة .. أخطار النميمة    صادرات القطاع الصناعي ترتفع ب1,9% خلال النصف الأوّل من 2025    اجتماع بمعهد باستور حول تعزيز جودة وموثوقية مختبرات التشخيص البيولوجي    الموت يغيب هذه الإعلامية..#خبر_عاجل    في بالك الى فما مكوّن سرّي في زيت الحوت... شنوة يعمل في جسمك؟    بلعيد يؤكد خلال الدورة 69 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذريّة حرص تونس على مواصلة التعاون مع الوكالة    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    وزير النقل يشرف على اجتماع لجنة القيادة لمنظومة التصرف في السلامة بالخطوط التونسية    القمة العالمية للبيوتكنولوجيا: وزير الصحة يعلن بسيول إطلاق مركز وطني للتدريب البيوطبي لتعزيز قدرات إفريقيا في إنتاج الأدوية واللقاحات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متاجرة رخيصة بحياة محمود درويش
مسلسل في «حضرة الغياب» متاجرة رخيصة لحياة الشاعر (الجزء الثاني) كان على السلطة الاستجابة إلى طلب الجماهير ايقاف المسلسل منذ حلقاته الأولى
نشر في الشعب يوم 12 - 11 - 2011

يقول المخرج بيتر بروك: »بقدر ما تطلب من المشاهد ، فإن المشاهد يعطيك إذا ماقمت بعملك بشكل صحيح«.
والعطاء هنا هو التفاعل والاستجابة مع العمل الذي يشاهده الناس أكان في المسرح أو التلفزيون أو السينما، هذا إذا افترضنا أن المخرج الذي يوقع عملاً ما باسمه الشخصي كان يمتلك قدراً من النزاهة والصدق والحساسية والعلاقة الحقيقية بالفن ولو كان يسيراً. ولكن إذا كان هذا المخرج متوسط الموهبة وأجيراً لدى المنتج يقوم بعمله ويذهب إلى بيته يتناول عشاءه ويلبس بيجامته وينام قرير العين فلا حيرة تنتابه ولا قلق يؤرقه عما فعل خلال يومه.
أعتقد أن وصف نجدت أنزور بالمخرج الشاطر هو ضربٌ من ضروب المديح إلا إذا كانت هذه الشطارة لا تحمل أبعد من معنى الفهلوة والتشبيح والسطو علناً على حيوات الناس الذين تحولوا إلى شخصيات في مسلسل مثلهم مثل قطع الديكور والشوارع بلا أي إحساس ولا عمق ولا عناية من المخرج.
أستطيع أن أتفهم موقف نجدت انزور من هذا العمل بأنه عُرض عليه لإخراجه بعد أن رفض عدد من المخرجين السوريين والعرب أن يقوموا بهذه المهمة لأسباب عديدة منها إصرار فراس إبراهيم المنتج انتحال شخصية محمود درويش. وبالتالي فإن لجوء فراس إبراهيم إليه يُعتبر نوعاً من عدم التقدير ولذلك حتى ولو كان يمتلك نجدت أنزور بعضاً من المعرفة التقنية بالاخراج والموهبة التي يمكن أن تضاف إليها فهو لم يضع شيئاً من المعرفة أو الموهبة في هذا العمل وأصابه مرض الاستسهال الذي ورثه عن الكاتب أصلاً في التعاطي مع السيرة الذاتية للشاعر.
إن وجهة نظر الكاتب أو خطابه السياسي والإبداعي أو رؤيته لموضوعه وشخصيات هذا الموضوع تصبح عند بدء التصوير وجهة نظر المخرج وموقفه وخطابه ورؤيته. وإذا مانجح المخرج في هذا الجهد فسوف ينتج ليس نسخة من السيناريو وإنما يقدم لنا مشروعاً جديداً به من روحه وحرفيته وإبداعه ، وهذا لم يحصل لدى نجدة أنزور. فسردية المسلسل الصورية تنقل صوت المخرج وبالتالي تؤثر في تشكيل استجاباتنا تجاه العمل، وعندما يضيع إيقاع العمل فإن العمل برمته يضيع وهذا ما حصل »في حضرة الغياب«.
منذ اللقطة الاولى أو لنستخدم مفردات المسلسلات منذ شارة البداية للحلقة الأولى والتي هي شارة البداية للمسلسل برمته إلى شارة النهاية التي تتكرر أيضاً، ندرك ماهي الحياة التي منحها المخرج لمحمود درويش وهو يسير على خطى الكاتب. ونستطيع أن نفهم لاحقاً تفاصيل هذه الحياة من نمط الصورة وشكلها في هذه اللقطة الساذجة الكلاسيكية التي عفا عليها الزمن والتي تم نسيانها في عالم الإنتاج البصري في السينما او التلفزيون، بغض النظر عن واقع الحكاية نفسها. فلم يعد مألوفاً أن نستدل على رومانسية الحكاية أو أبطالها من خلال مشهد الغروب والأطياف الغامضة للشخصيات الذين تم تصويرهم مقابل الشمس الغاربة.
هذه هي اللقطة الطويلة للشارة الافتتاحية للمسلسل، شاطئ البحر والشمس برتقالية توشك على المغيب وعلى هذا الشاطئ طيفان لرجل هو درويش وامرأة هي ريتا يمشيان متعانقين ليقول لنا المخرج إنهما عاشقان.
وأما لقطة الشارة الختامية للحلقات والمسلسل كاملاً، فهي نفس موقع الكاميرا الثابت وافتراق العاشقين في لحظات الغروب نفسها. إذن قدم لنا تلخيصاً واضحاً لما سيرتكبه بحق الشاعر منذ اللقطة الأولى وقبل بداية الأحداث في حياة كاملة مليئة تتقزم في مشهد رومانسي غبي لم يعد صالحاً في زمن تطور الرؤية المشهدية للمسلسلات والسينما وفي الوقت نفسه الذي تتناقض هذه الصورة مع المكونات الشخصية للشاعر التي نستدل عليها من خلال مسيرته الشعرية الحافلة أو من خلال أصدقائه الذين عرفوه عن قرب.
إن المخرج السينمائي أو التلفزيوني يستطيع أن يخلق شكلاً من أشكال المجاز من خلال المونتاج، فالصور والمشاهد واللقطات يمكن أن تُربط وتُؤلف بطريقة لتقدم لنا خطاً درامياً متماسكاً حتى لو كانت الكتابة الدرامية على الورق مليئة بالأخطاء والركاكة وعدم فهم الشخصية محور الحكاية. إن أجمل الأوصاف والحكايات المكتوبة أدبياً يتم ابتلاعها من خلال الصورة البائسة وتصبح الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها إذا كانت على قدر كبير من الجمالية مغلقة وتصير الكلمات بلا معنى ولا فائدة.
حين ترى محمود درويش يقرأ شعراً مباشرة أو من خلال تغطية تلفزيونية أو حين نراه في مقابلة حوارية أو نراه شخصياً. فإننا نرى شاعراً حقيقياً بكل بهاء الشعر وسحر الحضور وإشعاع الكلمات، تعرفه من داخله، من داخل عقله ووجدانه وشغفه وحبه ويأسه وحيرته أمام الحياة وأمام الموت وأسئلة الوجود الفلسطيني التي عكسها بكل تفاصيل كينونته إلى درجة نشعر من خلالها بالتماثل معه، ونحس إلى أي مدى يلامس أحاسيسنا وأفكارنا وحيرتنا ويأسنا وشغفنا وبهاء الألم الفلسطيني.
كل هذه المعاني »في حضرة الغياب« مسخها نجدت أنزور الذي تعوزه الحساسية والجهل بشخصية الشاعر كإنسان وكتجربة شعرية وصار التركيز على أسنان فراس إبراهيم ودموعه ومبالغته المضحكة في الحزن وشعره المستعار وقامته القصيرة وملابسه السوقية في معظم المشاهد. وسوء استخدام الكاميرا التي أظهرت جميع شخصيات المسلسل منذ الحلقة الأولى وحتى الحلقة ثلاثين أطول قامة من الشاعر، ناسياً قامة دوريش ورشاقته.
لقد حرَّك أنزور كاميراه بطريقة جعلتني أحس أنه ينتقم من فراس إبراهيم وأراد أن يظهره بطريقة كاريكاتورية، فأصاب الشاعر وأدماه.
في الغالبية الساحقة من المشاهد التي تجمع فراس إبراهيم مع شخصيات أخرى، نساءً ورجالاً، كان ينظر إليهم من تحت لقصر قامته وكان من الممكن للمخرج أن يتدارك هذا القصر من خلال موقع آخر للكاميرا ليظهره على الأقل مساوياً بالطول للآخرين. وأما لقطات الكلوز آب المقربة لوجه فراس إبراهيم فأظهرته منتفخ الوجنتين بذلك المكياج البدائي والنظرات التائهة مدعية الحزن واليأس.
إن معرفة الشخصية التي يتناولها أي إنتاج درامي في السينما أو التلفزة والبحث في تفاصيلها الجسدية والنفسية والاجتماعية والمهنية....الخ. شرط أساسي لتقديمها بطريقة تجعل المشاهد يتلهف على متابعة المسلسل أو مشاهدة الفيلم.
إن محمود درويش الذي نعرفه بإبداعه الشعري هو نتيجة لإبداع حياة مليئة وأحاسيس عميقة كالحياة نفسها التي عاشها وعاشته ولا يمكن انتزاعه من هذه الحياة ليظهر في صورة أقل قيمة من وجوده الحقيقي! إن كان كتابة أو إخراجاً أو تمثيلاً: ولا يمكن أن يكون هو نفسه الذي نراه في مكان آخر غير بيئته الراسخة في أذهاننا المتمثلة في ذاكرتنا التي لم يمر عليها زمن النسيان، ولذا من المستحيل أن نأخذه، نسرقه، نستولي على حياته ونصادر حضوره الذي من لحم ودم وروح وأن نضعه في مسلسل تحت رحمة كاتب فاشل وممثل ومنتج تاجر ومخرج لا حساسية لديه تجاه ما يقوم به.
نحن نعرف محمود درويش وهو ما يجعل أي عمل درامي مهما كانت عبقرية الذي وراءه، صعباً، للوصول إلى جوهر تجربته الإنسانية والشعرية أو التعاطي مع المعطيات السيكولوجية والذاكرة والمفاهيم المجردة التي هي جزء من حالة الشاعر و كينونته.
إن تمثيل أو تقديم حياة درويش ليست مجرد حكايات مفككة تدور حوله يعوزها البحث والتعمق بالمعرفة والتمثيل المبدع. فالحالات الذهنية والذاكرة والأحلام والخيال وولادة الفكرة والصورة الشعرية وتكونها هي ما شكل شخصية الشاعر، وهذه أمور من الصعب تمثيلها أو تقديمها في عمل بصري وخاصة مع فريق فاشل كفريق »في حضرة الغياب«.
إذا كانت الكتابة في هذا العمل واجهت صعوبة لتقديم منعرجات الوعي وتشكل الشخصية الدرويشية، فإن العمل البصري واجه صعوبات أكثر تعقيداً في تقديم الحالات الذهنية التي تدرك من خلال غيابها الكامن فيها عادةً في الأعمال البصرية. فجاءت التعبيرات للممثل سطحية، مدعية ومزيفة في معظم الحالات، كما جاء كل ما يحيط بالشخصية سوقياً لا يمت إلى عالم درويش بصلة.
❊ هناك أخطاء لايمكن أن نستدل من خلالها الاّ على تسرع المخرج واستسهاله وعدم جديته وعدم حرفيته في هذا العمل. ومنها على سبيل المثال:
1 من المفترض أن أحداث المسلسل تدور في باريس وبيروت ودمشق وموسكو والقاهرة وفلسطين 48 ورام الله وعمان وهيوستن ولندن، ولكن أستطيع أن أجزم أن التصوير لم يذهب خارج سوريا ولبنان. حتى القاهرة لم يذهب إليها فراس إبراهيم للتصوير، فلم نرى من القاهرة إلا مشهدين يدعي المسلسل أنها في مقهى على النيل، وهذان المشهدان يمكن تصويرهما في سوريا على شاطئ بحيرة ما.
2 باريس التي أراد المخرج إقناعنا أنها باريس لم تكن سوى بيروت، فهل أبنية باريس مبنية من الحجر الأبيض الذي لا نراه إلا في بلدان المشرق العربي.
3 إذا كان فراس إبراهيم يدعي أن ميزانية المسلسل بلغت أربعة ملايين دولار ، وأنا لا أشك في كلامه لأن الميزانية الأولية التي علمت بها قبل التصوير كانت خمسة ملايين دولار. فأين ذهبت هذه الملايين وهو لم يسافر وفريقه خارج سوريا ولبنان .
4 وإذا كان إدعاء حسن ميم يوسف أنه تقاضى أقل أجر له على كتابة المسلسل الذي كما ادعى أيضاً أمضى عامين في كتابته. وإذا كان المسلسل قدَّم لنا مرسيل خليفة بصورة القديس الذي تذهب عائدات حفلاته صدقة إلى الأطفال الفلسطينيين فهذا يعني أن لم يتقاض أجرة على استخدام الموسيقى في المسلسل فأين ذهبت الملايين فعلاً؟
يلجأ المخرجون إلى تعويض أماكن التصوير بأماكن أخرى عادة لأسباب مالية وغير مالية، ولكنهم يقنعون المتفرج بأن باريس هي باريس وموسكو هي موسكو والقاهرة هي القاهرة، ولكن مخرجاً مثل نجدت انزور ما بتفرق معاه! وهو متعود على اخراج مسلسلات خارج الزمان والمكان كالكواسر والجوارح!
❊ في الحلقة الأولى، نسمع رهف تتحدث مع عاملة المقسم في الفندق الذي ينزل فيه درويش في باريس وتتحدث بالانكليزية وهي التي تعيش في باريس وتدرس الدكتوراة المفترض انها ملمة بالفرنسية. وحين تلتقي بالشاعر مباشرة بعد الهاتف يقول لها لما قال لي عامل المقسم بالفندق ان زوجتك تتصل بك ، عرفت أنك أنت. لم يمر زمن على المحادثة الهاتفية، لكن نسي المخرج أنها عاملة المقسم وليس عامل المقسم.
❊ لو أجرى المخرج بحثاً بسيطاً وتعرف على الاوتيل الذي كان ينزل به الشاعر في الخمسة عشر عاماً الأخيرة قبل وفاته في باريس، لعرف أنه لا يمكن أن يجلس بهذا الأوتيل الذي تم التصوير به على أنه أوتيل ماديسون ويحتسي مجرد قهوة، لأن أوتيل المسلسل كئيب الألوان، لا حياة فيه فربما هو في سوق ساروجة في دمشق لنزلاء عابرين!
❊ ولو أجرى هذا البحث وسأل عن الألوان التي كان يحبها الشاعر لما لجأ إلى هذه المقاعد الجلدية فستقية اللون الصارخة في شقته في رام الله والكوؤس الزهرية والحمراء والخضراء، ولما استعمل اللون الأخضر الفاقع على حائطه.
❊ في ألامسيات الشعرية للمدعو فراس إبراهيم منتحلاً صورة الشاعر، لم نر جمهوراً كما هو الحال في أمسيات محمود درويش التي كان يحضرها الآلاف من الناس. ففي قراءته في فرنسا، هل كان من الممكن أن نرى بضعة اناس لا يتعدون العشرين شخصاً يستمعون إلى الشاعر، إضافة إلى تحريك الكاميرا على رهف من بين كل الحضور. وأما في الأمسيات الأخرى، فلولا أن منتجي هذا المسلسل معروفون أنهم من سوريا لقلت أنهم منتجون أميريكون لم يسمعوا بالشاعر ولا رأوا أمسية مسجلة على الفيديو له من قبل. فقاموا واستخدموا الأنماط التي يستخدمها الغرب عن العرب والفلسطينيين. فأين رأى نجدة أنزور جمهور محمود درويش كلهم يعتمرون الكوفية الفلسطينية وكأننا في مهرجان فصائلي جماهيري في مخيم من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
❊ في مشهد في مقهى بيروتي في العام 1981 في الحلقة 28 من المسلسل نشاهد فتاة بتنورة قصيرة تحمل جهاز موبايل وهي على مايبدو ترسل رسائل قصيرة . وللعلم أن الموبايل لم يوضع في الخدمة في لبنان وبشكل ضيق إلا في العام 1983 ، ولم ينتشر إلا في منتصف التعسينيات على نطاق واسع.
❊ في مشاهد القاهرة في عام 1972 و في شهر تموز/يوليو ، هل من المعقول أن يلبس درويش والشخصيات الأخرى معاطف شتوية ثقيلة في قيظ القاهرة في هذه الفترة من الصيف. وكذلك في مشاهد البروة في نيسان/أبريل 1948 ، هل كان من الممكن أن ينام الجد والطفل درويش أمام المنزل في العراء وفي الوقت نفسه نرى ثلجاً على الطرقات.
❊ لم يحدث في فلم أو مسلسل حتى في الأعمال الأكثر فقراً في الإنتاج، أن لا نسمع صوت انفجار أو لا نرى شيئاً يتطاير حتى لو التجأ المخرج إلى أشهر الأساليب بدائية في إظهار الانفجار في سيارة غسان كنفاني أو انفجار الرسالة بين يدي انيس صايغ.
❊ في أكثر من مشهد في فترة القاهرة كنا نسمع صوت أحد الشخصيات ولانراه وواضح أن هذا الحوار قد سُجَّل بعد التصوير وفي استديو لاختلاف الأصوات بين المتكلم والمتلقي في المشهد.
❊ كثير من الشخصيات منذ مشاهد فلسطين وحتى بيروت وباريس لم نكن نعرف أسمائها أو في أحسن الأحوال نعرف الاسم الأول. فمن هو حسين في حيفا، ومن هو هادي الذي ظهر في أكثر من مشهد مع إدوارد سعيد، ومن هو عباس الذي ظهر في بيروت هل هو عباس بيضون الشاعر اللبناني؟، وسليم وبول وأميغو وأبو خالد وجواد والمصور القادم من أميركا. هل يكفي أن نذكر الأسماء الأولى لهذه الشخصيات لنعرف من هم؟
❊ لا أحد يستطيع أن ينكر حب محمود درويش لدمشق لا بل حب جميع الفلسطينيين لدمشق وسوريا، حتى ولو كان هناك صراع سياسي عاشته منظمة التحرير الفلسطينية مع النظام السوري تحت حكم حزب البعث الاشتراكي العربي. وكان الشاعر يتألق في أمسياته الشعرية في دمشق لأن جمهور دمشق أحبه وأحب شعره والشاعر بادلهم هذا الحب. ولكن أن ينهي نجدة أنزور وفراس إبراهيم وحسن ميم يوسف المسلسل في الحلقة الأخيرة بقصيدة "طريق دمشق" وصورة واسعة لدمشق من جبل قاسيون، وقبل ذلك بدقيقتين يعيد مونتاج صور النساء اللواتي مررن بحياته ليختصر حياة درويش بالنساء ودمشق. فهذا أمر لا يمكن اعتباره إلا رسالة سياسية حمقاء. لأن الشاعر القومي للشعب الفلسطيني الذي عاش وكتب من أجل فلسطين كان يستحق أن تكون صورة فلسطين هي الصورة الأخيرة في عمل درامي يحكي عن سيرته كشاعر فلسطيني وليس كشاعر سوري. أليس محمود درويش هو القائل: على هذه الأرض ما يستحق الحياة، سيدة الأرض، كانت تسمى فلسطين، صارت تسمى فلسطين!
❊ يلجأ المنتجون في كثير من الحالات لصناعة مسلسلات تتبع السيرة الذاتية لشخصيات تحظى باحترام وحب كبيرين لدى جمهور عريض من الناس وذلك سعياً وراء الربح المادي من وراء هذا الإنتاج أو سعياً وراء خلق صورة محترمة عن شخصياتهم وإنتاجهم. ولكن »في حضرة الغياب« الذي يحكي عن شخصية فريدة في شعبيتها واحترامها ليس من قبل الشعب الفلسطيني الذي تنتمي إليه، بل من قبل عامة الشعوب العربية وكثير من الشعوب الأخرى. وضع القائمون على العمل ، كاتباً ومخرجاً ومنتجاً ممثلاً، علامات استفهام كبيرة على سمعتهم لفشلهم في الوصول إلى القيمة الحقيقة لمحمود درويش شاعرًا ورمزًا من رموز الوطنية الفلسطينية، وهشاشتهم وخلفياتهم التجارية التي لم يكن همها إلا الربح والتمعش من وراء استخدام صورة هذا الشاعر الكبير. إضافة إلى كل هذا استخدامهم الرخيص لمحمود درويش في رؤية سياسية ضحلة ومتخلفة.
❊ كلمة أخيرة في هذا العمل الفضيحة. فإذا كان المغني مرسيل خليفة انخرط طوعاً في هذا المشروع ولو زعم ما يخالف ذلك وقام بتزكية المنتحل شخصية الشاعر، المدعو فراس ابراهيم لدى عائلة درويش التي تتحمل مسؤولية هذا الاعتداء الواضح على الشاعر بموافقتها على التصريح بصناعة العمل فان كثيرين يشاركون هؤلاء بالمسؤولية وأذكر هنا الاعلاميين الذين طبلوا وزمروا لفراس إبراهيم قبل التصوير مثل الاعلامي زاهي وهبي الذي استقبل في برنامجه خليك بالبيت فراس إبراهيم وهلل له واستضاف ممثلين لبنانيين يكيلان المديح لمنقذ الشاعر من النسيان فراس ابراهيم. والاعلامي الفلسطيني رمزي حكيم في برنامجه نظرة من الداخل على الفضائية الفلسطينية الذي خصص حلقة لبناء الثقة بفراس ابراهيم قبل التصوير قادها محامي درويش جواد بولس. إضافة الى ذلك كله فان من فريق المسؤولين عما حدث، الفضائية الفلسطينية التي لم يكلف القائمون عليها انفسهم مشاهدة المسلسل قبل ارتكاب عرضه ورفضوا نداءات جمهور عريض من المثقفين الفلسطينيين لوقف هذه المهزلة منذ الحلقات الاولى تحت شعار الديمقراطية في الوقت الذي يوقفون برنامجاً فلسطينياً اسمه وطن على وتر لانه تعرض الى الفساد في بعض مؤسسات السلطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.